الصفحات

2016/06/27

Nosophobia بقلم: حسام الدين يحيى



Nosophobia
حسام الدين يحيى
 (1)
تتعامد الشمس فوق الرؤوس المتعرقة، الجو ساخن والهواء لا يتحرك  الأنفاس اللاهثة تعانى الأمرَّين، ، أبحث فى وجوه المارة اللاهثة المتدافعة فى محطة القطارعن غايتي، أتامل الجميع، النساء والرجال العجائز والأطفال يتدافعون ويتلاحمون، ينشطر منهم  تمرد الكون على خالقه، ينشطر منهم سراب يتشكل فيما يبتغى كل منهم من رحلته، أتأمل عجوزا تعرج على رصيف المحطة المرصوف بالحجارة الرمادية المتجانسة، تستند على عكازها، جلبابها أبيض نظيف، تمسك مظلة زرقاء بالية تخفف عنها شدة الحر، تتوقف فى منتصف الطريق على الرصيف، تستند على عكازها بأيسرها وتفتح حقيبتها باليمنى،تخرج زجاجة مياه تتجرع منها القليل وتضعها فى حقيبتها من جديد، فتظهر فتاة لتسرع الخطى  خلفها فتجدها عائقا أمامها ، تدفعها بقوة..
- يلا يا ست هنتأخر.
بخطوات مسرعة شابة، وبقفزة عملاقة منها تتلقفها الأيدى ليبتلعها القطار الذى اطلق صافرته مغادرا.
تفقد التوازن للحظات وتكاد ان تسقط ارضاً ،أمد يدى اليها لأساعدها ،ارفعها من رسغها لتستند على عكازها، فتلتقط أنفاسها بصعوبة وتشكرنى بكلمات منهكة، تتضرع لرب العالمين ان يجازينى خيرا وتشد على يدى ،تحكى لى عن رب عملها الغاضب، و(الروشتة) الخاصة بمرض السكرى التى تستنزف أغلب راتبها المحدود ، تحكى عن أبنائها، لم ترهم منذ أعوام، البعض تتلقى منهم مكالمة تليفونية فى الأعياد، تحاول أن تستجمع ملامح أحفادها وهى تصفهم لى، ملامح أبنائها، الرياح المحملة بالأتربة تعبث بملابسنا، تعطس وتلتقط منديلها ، اترك يديها فى قسوة وسط زهولها ، والتقط أنفاسى فى صعوبة ، واتركها لتعرج ولتكمل رحلتها.
(2)
وبين فراغات الوقت أدخل متمهلا عربة القطار البالية، تصطف المقاعد المتهالكة فى اتجاهين متضادين، أبحث عن مقعد بجانب النافذة الحديدية الصدئة، أحشر وجهى بين قضبانها لعلَّ أظفر بالقليل من الهواء ، يتحرك القطار إلى اللا شيء.
تجلس هى أمامي، أعتدت أن اراها يوميا فى ذلك الوقت منذ عدة أشهر، يمنعنى ذلك الشيب الأبيض من التودد لها او لفت انتباهها، تتلاقى بيننا بضع نظرات خاطفة ، عيناها سوداوان واسعتان،هى في مفتتح العقد الرابع، ترتدى فستان زهري يسر الناظرين، وعقد من الأحجار الكريمة ينسدل على صدرها العاجى، ربما كان العقد من حجر الذبرجد، يسترسل شعرها الفاحم على كتفيها، وجه بض خمرى، لم ترتدِ خاتم زفاف،مجرد خاتم ذهبى لفراشة جناحيها فصوص لامعة، أرى شبح ابتسامة أحتل وجهها للحظة ثم أختفى .. فجأة .. كما يطل من عبق الجنة فجأة .
تختفى من القطار نسمات الهواء بينما تضيق انفاس وتختنق، نبدأ في التعرق،.. يزداد الازدحام، قد ألغيت دوام عملى من أجلها، سأمضى اليوم أمامها حتى تصل هى لوجهتها المجهولة لى، ولن يمنعنى المشيب أن أعبر لها عمَّا أشعر به، تلهث..تفتح حقيبتها الجلدية لتبحث عن شيء ما، تخرج منديلا أبيضا، يمتص تعرقها من على وجهها الذى شحب قليلًا، تبحث عن شيء آخر طويلًا ، الذعر يعتلي وجهها، تخرج جميع أشيائها فوق حجرها هاتفا نقالا، مناديلا معطرة، رواية (واحة الغروب)، ملون أحمر شفاه ، عن ماذا تبحث وقد ضاقت أنفاسها، وأختفى بريق وجهها وشحب كالموتى؟
-         ممكن أساعدك. لم أتلقَ منها الرد.
-         - لو فى حاجة بتدوري عليها ممكن أساعدك ..
-         تتوقف فجأة،عن البحث، ألمح ابتسامتها الساحرة، أراها تخرج من حقيبتها جهاز التنفس.
بكلمات مختنقة :-
-         خلاص لقيته .. الحمد لله.
فتتدفق في حنجرتها الحياة، تتلاقى النظرات للحظات، ويتجه كل منا بنظره في اتجاه النافذة .. متجاهلاَ.. الأخر.


  • أصل كلمة (Nosophobia) كره الأجانب تأتي من "nosos" وفوبوس الذي يعني المرض والخوف في اليونانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق