الصفحات

2016/08/05

وعلى النت حياة أخرى .. قصة قصيرة بقلم: فتيحة قصاب

وعلى النت حياة أخرى .. 
 بقلم: فتيحة قصاب
لم تكن تعلم أنه سيأتي اليوم الذي تحقق فيه حلم الكتابة ، ذلك الحلم الذي  راودها طوال حياتها،وهي على عتبة الخمسين وبعد أن تزوج كل أبنائها واستقلوا بحياتهم..

لقد رأت بأمّ عينيها حلمها وهو يتحقق رويدا رويدا، من خلال جمهورها الذي كان يقرأ لها بشغف ويشجعها على المواصلة..


وهي تطيروترتقي شيئا فشيئا في سماء عالمها الإفتراضي ، تاركة وراءها آلام السنين تقبع في قاع ذلك السجن الذي جمعها بجلادها ، والذي كان يتلذذ بتعذيبها جسديا و نفسيا ما يزيد عن عشرين سنة ..

رسمت لنفسها طريقا مضيئا وأوجدت لها حياة أخرى بعد ولوجها إلى عالم النت ، ففيه أذابت آلامها وفيه أطلقت العنان لقلمها لينبض بالحب والخير والصدق والجمال ..

فأصبح جسدها مقاوما لضربات رفيق دربها واكتسبت نفسيتها مناعة لإستفزازاته واحتقاره وكلماته الدنيئة ..

كانت أفكارها وقناعاتها ومبادؤها تعبر إلى قرائها بسلاسة ودون وسيط ، تغرس وردة ، تناجي حيرانا ، تمسح دمعة..

لقد سافر بها قلمها إلى عالم شفاف كالبلور، براق كاللؤلؤ، ورقيق كنسمات الصبح الباردة في صباح صيفي..

لقد رفعها  عاليا فلم تعد تبصرالحضيض ولم تعد تشعر بالدونية..

تلك السعادة التي كانت  تشعربها وهي ترفرف فاردة جناحيها أصبحت  تنغص حياة زوجها ،  فقرر أن يوقضها من حلمها وبعنف كعادته،وهو يقف أمامها كوحش كاسريتطاير الشرر من عينيه ،ينتزع حاسوبها من بين يديها يرفعه عاليا ويهوي به على الأرض فيحوله إلى حطام متناثر ، يشبع منظره لؤمه وغروره ونفسه المريضة ،ظانا منه أنه قد أنهى ما تبقى بداخلها من حياة  وللأبد..

لم تصرخ ..لم تبكي ..لم تئن..

لم تظهر ضعفها أمامه..

كل هذا أصبح من الماضي..

الآن..الثقة بالنفس ، الثقة بقدراتها،بمخزونها الفكري هو السائد..

الآن فكرها هو مملكتها المحصنة بحصن منيع لايخترقه جلادها..

ورغما عنه واصلت كتابة قصصها خفية على دفاترها التي تخبؤها في مكان سري لاتصل إليه يد البطش ، وهي على يقين أنه سيأتي اليوم الذي ستجد كتاباتها منفذا تنفذ منه إلى قرائها .

مرّعام كامل على تلك النوبة العصبية المجنونة التي دفعت ثمنها غاليا ، وهي حرمانها من التواصل عبر النت بأيادي زوجها الذي يعيش معها كحارس منتقد وجلاد معاقب ..

عوضتها مطالعة الكتب والكتابة على دفاترها ومشاهدة بعض البرامج على القنوات التلفزيونية بعضا من عزلتها التي شعرت بها بعد انقطاعها عن التأليف والكتابة على النت .

على طاولة صغيرة تجلس إلى جانبها ،وضعت أناملها آخر كتاب هي بصدد قراءته، واحتضنت فنجان قهوة كانت ترتشفه من حين لآخر، مركزة بصرها على برنامج أدبي كان يبث عبراحدى القنوات العربية ؛ وإذ بمذيع البرنامج يعلن عن نتائج المسابقة الكبرى للقصة ..

وكأنها سمعت اسمها..

المذيع يلفظ باسمها ..

ارتج الفنجان في صحنه الصغير..بل ارتج جسدها كله..

وضعته بسرعة قبل أن يقع من يديها المرتجفتين..

فركت عينيها..رباه إنه اسمي..

أعادت فركهما..

هذه أنا .. يا إلاهي هذه أنا..

وهي لا تزال لاتصدق مسامعها ، كان المذيع يعلن فوز السيدة " ليلى" بالمرتبة الأولى في المسابقة العالمية للقصة التي شاركت فيها قبل عام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق