الصفحات

2016/08/17

مازلت مجنونا كفاية مسرحية قصيرة بقلم: حسام قنديل



مازلت مجنونا كفاية
مسرحية قصيرة
بقلم: حسام قنديل
المنظر الأول: المنزل
خالد              إن شاء الله هانبدأ بكلمة من الجهة الراعية للتكريم، بعدين هاقدم الدكتور بنفسي، و أتكلم عنه شوية، و بعدين نكرمه، و فى الآخر الدكتور يقول الخطبة بتاعته..
الدكتور           أنا مش بأحب أقول خطب..
الزوجة           مينفعش أكون معاه على المسرح..؟
خالد              معتقدش.. بس ليه..؟
الدكتور           أنا عايزها تكون معايا على المسرح.. هو أنا المفروض أعمل إيه.. ؟
الزوجة           إن شاء الله خير يا حبيبي متقلقش.. (تحدث خالد) ممكن كلمتين لوحدنا من فضلك..
إظلام
الدكتور           هو إحنا المفروض نعمل إيه..؟
الزوجة           هايكروموك..
الدكتور           ليه..؟ أنا عملت إيه..؟
الزوجة           عملت كل اللي ممكن واحد عايز يغير العالم للأحسن..
الدكتور           و بقى أحسن..؟
الزوجة           كفاية إنك حاولت..
الدكتور           أنا بس.. مش عارف.. أنا هاقف قدام ناس كتير.. صح؟
الزوجة           آه..
الدكتور           طيب إفرضي.. أنا.. إنتي عارفة.. مش عارف..
الزوجة           متقلقش أنا هاكون جنبك..
إظلام

المنظر الثاني: موقع الحدث
خالد:             حط spot light  هنا.. و حط ترابيزة طويلة شوية علشان هانقعد هنا أنا و مرات الدكتور.. الناس تبدأ تدخل من قبل الحفل بساعة، إحنا متوقعين عدد مهول... إيه يا إبني اللي إنت بتعمله دا..؟ السماعة متتحطش هنا.. أهلا يا دكتور إزيك يا مدام..(يدخل الدكتور و زوجته) إتفضلوا شوية على ما نرتب المكان..
الزوجة           تعالى يا حبيبي هانقعد شوية لحد ما يخلصوا..
المساعد        خالد.. خالد..
خالد              أيوة فيه إيه..؟ مش شايفني مشغول..
المساعد        ثواني بس عايزك..
خالد              خير..
المساعد        هو ليه مراته تقعد معاكم فوق.. دا أصلا ممنوع..
خالد              (يأخذه فى جانب المكان و يظهر أن الدكتور يجلس قريبا و خالد لا يلاحظ ذلك) بص واضح إن الدكتور عنده مشكلة.. إنت عارف بقة السن و كدا.. مراته قالتلي إنه بينسي و بيسرح..
المساعد        زهايمر يعني..
خالد              إسمه (ألزهايمر).. و آه.. تقريبا المشكلة دي معاه بقالها كام سنة..
المساعد        طيب إحنا فى حفلة على الهوا حضرتك، و نص سكان الكرة الأرضية هايحضر، و النص التاني هايتفرج علينا..و مش طالبة فاضيح..
خالد              أنا معنديش مشكلة آخد المخاطرة.. الراجل يستاهل.. بعدين هي بتقول إنه كان كاتب حاجة يقولها، يعني هايقرأ من ورقة..
المساعد        طيب إنت قرأت اللي هو هايقوله..؟
خالد              لأ.. المدام بتقول إنه مخلاش حد يشوف الكلمة حتى هي..
المساعد        يانهار إسود.. ليه..؟
الدكتور           (يتدخل فى الحديث) علشان أنا كنت شايف اللحظة اللي إنتو بتتكلمو عليها.. لما أبدأ أنسي كل حاجة و أغيب عن العالم لحظة بلحظة..
خالد              دكتور إحنا آسفين و الله..مكناش..
الدكتور           متقلقش.. نص ساعة و مش هافتكر حاجة من اللي إنت قولته.. الكلمة معايا و هاقرأ منها.. إلا لو نسيت القراءة.. ساعتها هاتبقي الفضيحة اللي إنت خايف منها..
الزوجة           فيه حاجة..؟
خالد              لا يا مدام.. بسيطة إن شاء الله..
الزوجة           إحنا هانبدأ إمتي..؟
الدكتور           نبدأ إيه بالضبط..؟
إظلام
الدكتور           مازلت حالما كفاية لأعتقد بأن بإمكاني تغير العالم..
و أحمقا كفاية لأعتقد بأني أملك ما يؤهلني لتغير العالم.. 
و موهوما كفاية لأتمسك بهذا الحلم كهدف أسعي إليه حتى آخر نفس..
و مجنونا كفاية لأصدق أنني أستطيع تغير العالم و أملك ما يؤهلني لتغيره و لأتمسك بهذا الحلم..
الزوجة           عمرك ما خليتني أقرأ الورقة دي.. رغم إني كنت بأقرأ كل حرف بتكتبه..
الدكتور           كنت عارف إني في يوم من الأيام الطاقة و القوة اللي جوايا لما تضعف قدام الزمن و السن، هاتبدأ تآكل كل حاجة من جوة.. و أقف قدامك مفتكركيش، أو مقدرش أقولك اللي أنا عايز أقوله.. فكتبتها..

المنظر الثالث: بداية الحفل
خالد              الناس هاتبدأ تدخل يا جماعة... الكاميرات فى مكانها...
المساعد        العدد وهمي.. الفضيحة كمان ممكن تكون وهمية..
خالد              (ينظر إليه و لا يرد) دكتور.. مدام إتفضلوا..
(يهمون بالدخول فيوقفها خالد و يأخذ المساعد الدكتور و يجلسه فى الإستوديو)
خالد              مدام ممكن دقيقة..؟
الزوجة           أنا عارفة إنت عايز تقول إيه..
خالد              حضرتك عارفة أنا بأخاطر بإيه.. الدكتور غير حياتنا كلنا، و أكيد نص اللي حضروا التكريم و كتير من اللي بيتفرجوا علينا بيحترموه و بيقدرو اللي هو علمه علشانهم..
الزوجة           لكن..؟
خالد              مش حابب أولا إنهم يشوفوه فى حالة مش كويسة.. مش قضية مستقبلي، أو إن موقف غريب واحد قدام ملايين بيتفرجو ممكن ينهي حياتى المهنية كلها..
الزوجة           مقدرش أوعدك إن ميحصلش موقف مش كويس..
خالد              طيب تقدري تطمنيني بأي حاجة..؟
الزوجة           فيه وقت..؟
خالد              محدش هايبدأ إلا لما أقول.. دائما فيه لحظات مهمة قبل ما نبدأ أي حاجة ممكن تغير حياة ناس كتير..
الزوجة           (تنظر إلى الدكتور الجالس بعيدا) من شهر تقريبا.. صحيت الصبح ملقيتوش جنبي، تخيل لما تضطر مع واحد زي جوزي إنك تربط خيط بين إيدك و إيده علشان ميتوهش، أو يروح فى حتة مقدرش أعرف أوصله فيها.. المهم.. قمت الصبح لقيت الخيط مفكوك من ناحيته، و ملقتوش جنبي و لا فى الشقة و لا فى العمارة و لا في الشارع...
خالد              و بعدين..؟
الزوجة           العادي.. دورنا عليه أربع أيام فى كل حتة، تخيل واحد عنده زهايمر و عامل 3 عمليات قلب مفتوح و مش معاه أي إثبات شخصية إختفي فجأة..
خالد              و لقيتوه..؟
الزوجة           أكيد لقيناه.. و إلا مكانش هايجي هنا و يحضر الحفلة..
خالد              حضرتك بتطمنيني و لا بترعبيني..؟
الزوجة           في يوم الصبح.. قررت أنزل ألف شوية بعد ما كل الناس فقدت الأمل.. عديت علي جامع كبير فى الشارع اللي ورانا، و قفت برة من غير سبب، و بصيت جوه الجامع لقيته..
خالد              (ينظر إليها و لا يرد)
الزوجة           كان قاعد مع ناس كتير بيشرحلهم حاجة، نفس حركاته و إندماجه لما بيتكلم فى حاجة مؤمن بيها، نفس نظرة عينيه و النور اللي طالع منها، نفس الحب اللي بيديه لأي حد بدون مقابل و بدون حتي ما يطلبه.. قربت سمعته بيقول "المعصية مش للتعذيب و لا علشان تموت من إحساسك بالذنب.. تذكر المعصية علشان تندم، و الندم من أهم شروط التوبة لأنه أولها.. و التوبة يعني الغفران، من ربنا و من أي حد أخطأت فى حقه"..و أول ماشافني.. قالي "إتأخرتي ليه..؟".. رغم إنه يمكن مكانش فاكر أنا مين..
خالد              إزاي..؟
الزوجة           الراجل دا قوته مش فى عقله، و لا في اللي بيعمله، و لا علمه، و لا صحته، و لا ذاكرته، الراجل دا قوته فى روحه.. علشان كدا هايفضل يأثر فى الكل لحد ما يبطل يتنفس، من غير ما يحتاج ذاكرة.. حتى لو نسي كل حاجة على المسرح النهاردة تأكد إنه هايعمل الفرق و لو لآخر مرة..
خالد ينظر إليها بهدوء ثم يشر لها بالدخول..
إظلام
المنظر الأخير: (الكلمة الأخيرة)
خالد              حاولت أن أجد كلمات توفيه حقه، حاولت أن أبدأ بتعريفه، أو ذكر ما فعل، لكنني عجزت.. لا أملك هنا إلا أن أدعو ذلك العملاق للمنصة لنمنحه ذرة مما يستحق.. تفضل يا دكتور..
(الدكتور ينظر لزوجته فتعطيه الظرف المغلق، يفتحه ثم يتقدم للمنصة و يقف أما الجميع، يفتح الورقة و ينظر للجمعهور و للورقة بحيرة بالغة، بعد دقيقة.. ينظر لزوجته بحيرة بالغة.. المساعد يتوتر و يبدأ فى النظر لخالد الذي يبدو هادئا..)
المساعد        الراجل شكله نسي.. رحنا فى داهية..
خالد              أسكت..
(الزوجة تنهض من مكانها فجأة و تذهب للمنصة، تقترب من الدكتور الذي يناولها الورقة)
الزوجة           (مبتسمة) صعبة صح...
الدكتور           مش عارف الرسومات الغريبة دي يعني إيه..؟ خطوط مشبكة على ورقة بيضاء مش فاهم منها حاجة..
الزوجة           القصةمش فى الخطوط.. القصة فى الكلام اللي بنقوله لما نقرأ الخطوط.. الأصوات اللي بنرسمها على ورق.. إسمع كدا.. (تتناول الميكروفون و تبدأ فى قراءة الخطبة)
الزوجة           أنا مثلكم تمام.. أول مرة أقرأ ، أو أسمع هذا الكلام.. هو من رجل بذل حياته من أجلكم..
                   مازلت حالما كفاية لأعتقد بأن بإمكاني تغير العالم..
و أحمقا كفاية لأعتقد بأنني أملك ما يؤهلني لتغير العالم.. 
و موهوما كفاية لأتمسك بهذا الحلم كهدف أسعي إليه حتى آخر نفس..
و مجنونا كفاية لأصدق أنني أستطيع تغير العالم و أملك ما يؤهلني لتغيره و لأتمسك بهذا الحلم..
هذا ما إعتقدته دوما، لكن ما كنت متأكدا منه، أنه ستأتي لحظة أقف فيها أمام الجميع و قد عجزت أن أمسك القلم، بل سأكونعاجزا عن أن أقرأ ما كتبته، لأن ما حملته في جواري طوال حياتي كان أقوي من أن يتحمله شخص بلغ عمرا كالذي بلغته، و ضعفا كالذي وصلت إليه بحكم قانون الحياة الذي نخضع جميعا له..
مازلت حالما لأعتقد بأن بإمكاني تغير العالم.. و قد حاولت، لكن ما قبل المحاولة تهت كثيرا فى الوسيلة التي يمكن أن أستخدمها لتحقيق ذلك الحلم.. حتي عرفت أنها وسيلة واحدة فقط..
العطاء.. العطاء بلا حدود، بلا نهاية، بلا توقع لمقابل، العطاء في أي وقت، و في أي حالة، و في أي مكان، و لأي شخص، أو أشخاص ينتمونلأي دين أو عرق أو جنس..
كنت مجنونا.. و ظننت أن هذا يكفي، كنت أريد حقا أن أغير الكون.. و ظننت هذا يكفي، كنت قويا، أمتلك السيطرة على أدواتي المادية كما لم يسيطر أحد علي أدواته من قبل، كنت أحب الناس.. كل الناس، و أؤمن بقدرتي على أن أغير واقعهم للأفضل، و إستحقاقهم لهذا الأفضل.. و ظننت أن هذا يكفي.. لكنه لم يكن كافيا و كان ينقصه الروح التي تميز الحي عن الميت..
و كانت زوجتي هي تلك الروح..
حكمت بشريتنا بأن العطاء لا يمكن أن يكون من وعاء لا يعاد ملئه، فكان ما أملكه و ما قدمته يحتاج إلى ملئ وعاء نفسي بإلهام يتسامي عن حدود البشر..
الملهمون و من نسعد بمجرد وجودهم في حياتنا،و نلتمس الأمل من هالتهم المضيئة التي تشع أملا و بهجة، هم الهبة الحقيقية لأي منا..
تمسكوا بهم.. اقتربوا منهم.. تحدثوا معهم في أي موضوع حتي لو بدا سخيفا، فمجرد الحديث، و الحاجة، و الشوق الي التواصل معهم مصدر لبهجة لا تنتهي..
هؤلاء الهبات المباركات هم وقود الروح و الوطن الذي ننتمي له، بل و نحتاج أن ننتمي له، فروعة أولئك الذين يثرون أرواحنا بوجودهم أنهم يدخلون دون استئذان الي ذلك المكان في الروح الذي يملأ النفس بذلك الوقود الذي تحتاجه لتغير العالم..
هم يستغلون - دون قصد أو بقصد - تلك اللحظة الحرجة في حياة أي روح ليسكبوا من رحيق هالتهم الإنسانية المنعشة، يسكبون من بَرَكَةٍ ما يملكون جملة، أو نظرة، أو رسالة، أو ابتسامة تمنح الأمل دون الحاجة الي كلام..
و لم يفعل ذلك معي إلا زوجتي.. من إختارت أن تكوني إلي جواري بإرادتها الحرة.. و لم تفارقني للحظة، بل ربما تكون هي من تقرأ هذه الكلمة الآن لأني نسيت كيف أقرأ..
أنتي الوحيدة التي إستطاعت السيطرة على تلك القوة بداخلي - و التي هزمتني أنا شخصيا - و توجيهها لأكون ما أنا عليه فى نفوسكم، و عقولكم، و حياتكم، و ليس ما ترونه الآن من حطام بشرية دمرها الزمن بقانونه.. 
أشكرك.. و أشكركم..
الزوجة           (تنهي الخطبة و تنظر إلى الدكتور في ذهول وسط التصفيق)
الدكتور           حلو الكلام اللي إتقال دا.. أكيد اللي كتبه بيحبك قوي...
ستار





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق