الصفحات

2016/08/24

قصص قصيرة جدا ً بقلم: حسين منصور

  قصص قصيرة جدا ً
 كتبها : حسين منصور

أمل
     الورقة فى يد الفتى بيضاء ، يكورها ، ويلقيها فى سلة المهملات،    جرس الفسحة يدق ،تترك الفتاة مكانها ، تلقى ما فى يدها ، وتلتقط ما ألقى الفتى 0
    الرسالة فى يد الفتى زرقاء ، كوّرها وألقاها ،  أحمرت الرسالة  ، لم تأت الفتاة ، اصفرت الرسالة  و اخضرت ، واحمرت ، ألقاها ، وانتظر ، انتهى اليوم ، وككل مرة يحمل العامل  السلة ،  ويمضى يفرغها فى النار،  والفتى مازال بلا يأس ينتظر 0
لقاء
                                            
البنت التي كنت ألقى إليها بالرسائل غاديةً ورائحةً قابلتها اليوم0 لم تكن سعيدةً ، التجاعيد ، وعظام خوخ الوجنتين أخبرونى . كانت تمسك بطفلتها بُنيَّة الشعر ، وكنت أمسك كف ولدى الذي فقد القدرة على الكلام0
وحشة

    ذهبتُ اليوم لأجلس مع جدتي كي تحكى لي ، وأشرب معها النعناع ، فلم أجد الدار ، امرأة ما قالت لي  (تعيش وتفتكر ) رغم أنى قضيت مع جدتي يوماً كاملا ً بالأمس  0

انطفاءة
                        
     صديقى  الذي قضيت الليل أبحث عنه رأيته في الصباح ، ولما استوقفته كان على حالة التي  تركته عليها، وكنت أنا أنا ، سألته (هل كنت تبحث عنى ؟) قال (لا) وقلت لما سألني (لا)0

لوحة

النيل صفحة سوداء ، مددت يدي، فلم ترتويا ، والقمر بدا كنصف رغيف مقضوم0 الأم الصغيرة خلفى  تعلم طفلها أول درس في الوفاء 0
- لا تعط ظهرك للأحبة 0
والفتاة التي عانقت صديقتها على الشاطئ الآخر ، لم تكن تبكيها ؛ بل كانت تودع فيها حبيبها الذي بلا وداع رحل 0
سراب
   صوت ضجيج يأتى من الشارع نظرتُ من النافذة ، أهل الحى    يهنؤن أحد الجنود،نزلتُ ؛ حييته، وسألته عن أحوال إخواننا فى فلسطين ، فأومأ برأسه ، ثم غاب بين جموع الناس الذين أخذوا فى التسلل إلى دورهم ؛ هاربين من أسئلتى ، وبقيت أنا وحيداً فى الفراغ0
   حدث فى عام 1991
لعبة
نادى السلطان بصوت وقور (يا عم ياجمَّال) رد الجمَّال فى خضوع بعد ما التفت ناحية الصوت (نعم000 نعم سلطان) دخل السلطان دائرة الأيدى المتشابكة ؛ فأدرنا وجوهنا للداخل قبل أن يسأل (جِمالك فين؟) أحنى الجمال رأسه واقترب (فى القنطرهْ) قالها مرة واحدة تؤكد معرفة السلطان بالمكان ؛ فسأله السلطان (بياكلو إيه؟) سأل وعيناه تدوران ، تبحثان عن أجمل بنت ، رد الجمَّال (حشيش ودُره)
      أشار السلطان بإصبعه ناحية البنت التى تشبك يدها فى يدى وطلب من الجمال (جِوِّزهالى )
     لمحنا الآباء يعودون من صلاة العِشاء؛ فأفلت صاحبى يده  من يدى ،أفسد اللعبة ، وأسرع إلى داره انتظاراً للعَشاء ، ولم يكن الشّجار يجدى حتى يأتى الدور علىّ وأصبح السلطان .
     فى الدار وضعت أمى العشاء ، بتَّاواً " "وبيصاره" 0
  هِـه !!
   باب المكتبة المفتوح تطل منه صورة الرئيس وقد ولى وجهه عنى، بقيت أدقق النظر ؛ وخلعت نظارتى، مازال موجهاً نظره  بعيداً 0
   لم يشغلنى اليوم لا وجه " نشوى" ولا شِعر "وسام" ولم أنتبه إلى أصدقائى حتى تآكل وجه الرئيس خلف الباب الذى بدأ الهواء يغلقه شيئاً فشيئاً حتى اختفى كُليًَةً ، فى حين سلطان اللعبة مازال  يسأل متظاهراً بعدم العِلم (جمالك فين ؟)ثم انتبهت على مقعد فى اتجاه نظر الصورة تجلس عليه " مروة" 0
هدوء
    وكان يهوى السير فى الشوارع الخالية ، ويمقت الزحام ، والشرطى الذى يعوى فى الشارع وحده ؛ فأخذ يرسم على الجدران شوارع بلا ناس ،  وليلة أمس مات0
      مات وحيداً فى حجرة تزاحمت على جدرانها الشوارع، وفى الصباح أمطرت الدنيا ، ورافقه إلى المقبرة ، أخته وأصدقاء أربعة 0
      وكانت الشوارع خالية 0
حرية

    ربابة ، ودُف ، ومدَّاحة تنشد (سعيد اللى يصلى على محمد )
قصدوا بابنا، والعيال بزفونهم ، اليد فى اليد ،والأرجل حافية ، من حارة إلى حارة ، والقروش تدق طبق المدَّاحة كل حين ،
  (افرح يا قلبى وامدح الحبيب)
   أمسكتُ بآخر يد ؛ فأسرعتْ أمى وأخذتنى من يدى،و حفنتْ من ملح المدَّاحة وذرته فى العيون 0
    تركنى العيال ، وأنا من شق الباب أتابعهم حتى اختفوا فى الدرب الجديد ، وأقطِّع البكاء كلما نظرتْ إلىّ أمى ، وهى تعلق كوز الذرة الأحمر على باب الدار التى التصقت بواجهتها بقايا من جير  قديم ، ودجاجات الجارة تنكش فى آثار تنجيد مرتبتنا القديمة0
رسول
     
عندما أسر إليها أنه لم يقبل امرأة أبداً ؛ سكتت ، حفظتْ السر  0وفى منامها أخذ يرسل إليها القبل كفراشات، تمسك الواحدة بجناح الأخرى ، يطفن بوجهها وشعرها؛ فصحتْ تلملمها من فوق وسادتها قُبلة ، قُبلة   ، وبحثت عنه ؛ فلم تجده0
     فى الصباح سألته مداعبة (متى آخر مرة قبلت فيها امرأة؟)
فهمس (أنا لم أقبل امرأة أبداً) فنظرت إليه صامتة وهى تبتسم
تعويذة
 أعرف شخصاً كانت أمه تخاف المطر وتخاف البرق ، وصوت مفاصل باب الدار إذا دفعته الريح0
   ذات ليلة جلست الأم تتلو وِردها :ياولدى ! لا تخرج فى المطر!! يا ولدى !  لا تأمن الليل!! ياولدى !  احذر وجه الريح !!
وبينما الأم  تلو ، والولد يومىء حفظاً هبت ريح ، حملت الابن ،  ولصقته - ككائن من ورق -  على الستارة التى طرّزتها الأم بيديها ، تغدو النسمات ترعشه، وتميل به نحو فضاء الشرفة ، وتروح .
                                    
                               لماذا

         لمْ تبتسم الساحرة العيون حين قبَّل طفلها جبين أبيه الطويل الجهم ؟! ووارت جمال عيونها عن ناظرىَّ بنظرة إلى الأرض ، وتنهيدة لم يشعر بها غيرى  ؟! و لم ينظر إليها زوجها وهى تتحدث إليه؟! فقط أشار بيده ؛ فسكتت ، ثم
أعطاها علبة العصير ؛ فشربت ما بقى فيها ، وألقتها من نافذة القطار ، ثم عادت لصمت طويل  مؤرق   .

طائف
      ولما برد خده استيقظ ،  بسرعة خرج ، قضى اليوم ينظر إلى كفوف البنات كلهن ؛ عله يتعرف على الكف التى تمر على خده  فى الليالى الباردة  فلم يستطع ؛ فعاد إلى نوم مبكر ، كى يأنس بالدفء قدر ما يستطيع0  
طفولة
       فراش أبى وثير : مرتبتان ، ولحاف ، وينام وحده ، وأمى جنب السرير تشكو الكلى ليلاً ؛  وتطلب منى أن أقعد على جنبها ؛ كى يسكن الألم ، فلا يسكن 0
      أمى تجف عظامها ، وأبى بلا حد يسمن0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق