الصفحات

2016/08/05

رجل العدالة بقلم: عبد القادر كعبان



رجل العدالة
بقلم: عبد القادر كعبان
وقفت أمام مرآتي أتحسس بشرة وجهي. لا أزال جميلة كما تقول بنات الجيران. تذكرت يوم وفاته في ذلك الحادث المشئوم. عمت الحركة أرجاء البيت في ذلك اليوم. حينما دخلت غرفتنا. كان كمن يحلم. لم يكن يظهر على وجهه علامات الموت.
وجدت دموعي تنساب في صمت. وصلت أم زوجي الميت ذاهلة وباكية في آن واحد. خرجت وتركتهما في لحظات الوداع. امتلأ البيت بالنساء والأطفال. الرجال يجلسون خارجا. فجأة سمعت طرقا خفيفا على الباب. فتحته أختي الصغيرة تخبرني بحضور كل المدعوين للحفلة. مازحتني كعادتها تقول:
- لقد وجدت فارس أحلامك أخيرا..
بقيت شاردة للحظة كمن ينظر إلى الفراغ. تساءلت كيف هو حال كل فتاة تقف اليوم على حافة الأربعين. ربما ألقت بها السنين في يم العنوسة مجبرة. أتراها ستصارع أمواجه أو ستنسحب مع أول قارب نجاة عابر.
قبلتني أختي الصغيرة بحرارة. حضنتها وكأنها هي عروس بيتنا. خرجنا سويا. كانت كل النساء المدعوات يتطلعن إلى رؤية العروس. سلمت عليهن.
قدمت أمي القهوة وألذ الحلويات إلى الضيوف. سمعنا طرقا على الباب. عرفت النساء أنه الإمام برفقة والد العريس. رحب به أخي الأكبر وأدخله قاعة الضيوف. دخل العريس وجلس هو الآخر بقربه.
بعد برهة من الزمن، سمعنا ردة فعل حادة خلف الباب. عادت النساء إلى الوشوشة. تساءلت أمي بدورها عما يحدث. خرج أخي مسرعا. أسرعت أمي الخطى تمشي خلفه. ارتفعت همهمات النساء من جديد. همس أخي في أذنها اليسرى. نظرت في عينيها فلاحظت ارتيابا. نادت أمي أختي الصغيرة وأدخلتها غرفة وأغلقت الباب. أيعقل؟! خرجت بعد ربع ساعة وشرعت تقول:
- لقد وقع خطأ. العروس هي الأخت الصغرى..
لم أتوقع هذا الخبر. لم تجد أمي ما تقوله لي. هزت أختي رأسها بضع مرات كدليل موافقة. في ظرف لحظات اكتشفت أنني لن أتزوج مرة ثانية برجل سقط قناعه فجأة للجميع. عادت أمي تكرر على مسامع النساء:
- اعذرونا.. هذه الحوادث تقع كما يعلم ذلك الجميع..
قالت ذلك دون أن تنظر إلى وجهي الكئيب. أفهم أنها وافقت مجبرة حتى لا يلحق عائلتنا العار من هذه المهزلة. ربما لو كنت مكانها لسوف أتصرف التصرف ذاته. أم تخاف على مستقبل ابنتها العزباء بعد حادثة خطبة أختها الأرملة.
أختي الصغيرة لم تجد حلا آخر سوى أن توافق على زواجها من ذلك المحامي. أيعقل أنه رجل يعرف العدالة وموازينها؟!.. هي لن تجد خيارا آخر لو انتشرت الفضيحة في أرجاء الحي. من سيدق باب بيتنا مرة أخرى؟.. خرج الإمام يقول لأهل العروس:
- مبارك إنشاء الله..
علت الزغاريد أرجاء بيتنا الحزين. خرج العريس خلفه مستعجلا رفقة والده. أوقعت طفلة كأسا زجاجيا. وبختها أمها بعنف شديد. أسرعت العروس بصمت إلى المطبخ لإحضار منشفة لتجمع بقايا ذلك الزجاج المكسور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق