الصفحات

2016/08/15

هروب قصة قصيرة بقلم: عبدالقادر صيد

هروب
 بقلم: عبدالقادر صيد

فجأة تكتشف أنك مريض بفوبيا المرتفعات ،كما أنت متأكد من أنك مصاب بفوبيا النجاح، تتعمد أن تخطئ حتى لا يتم اصطفاؤك ، ربما تخاف أن تصل إلى مستوى تظهر فيه نهاية قدراتك ، فتتشفّى فيك نفسك الخبيثة الأمارة بالتشفي التي كانت تتآمر عليك وراء الأعمدة الكهربائية فجرا و أنت تمزق الظلام لصلاة الفجر في المسجد في يوم عاصف ، تسمعها تهمهم : ــ مسكين.. يطمع أن يدخل الجنة .. لطالما تلذذتَ بصورتك البيانية الوهمية في عبارتك : ــ لا أريد أن أجد نفسي صباحا في سوق أوباش مسجونا في قفص يقيّم المارة الفضوليون التافهون غنائي و يخدشون خصوصيتي.. ها إن الجميع يتنصّلون من المسؤولية ، بقي عليك شيء واحد ، هو أن تسكت فقط ، و سيؤول إليك الأمر تلقائيا ، و لكنني أعلم أنك لن تسكت ، ستفسد المشروع ، و ستندم .. تذكر ما أقوله لك دوما ؛ أن بعض القيم عندك ليست مثبّتة على جهازك النفسي بشكل صحيح ،تستنزف جهدك ،يزيد تثبيتها تربيت بعض الأصدقاء ذوي المصالح من مواقفك الانتكاسية على كتفك .. يتوسلون إليك بأعينهم أن تعتذر عن المهمة ،يصفونك بالمقتدر ليظهر تنازلك تواضعا ، ها هم يشرعون في الرفع من قيمتك لينقصوا من شأن المهمة أمام مواهبك..متفقون كلهم ضدك..يسمعون صهيلك و تسمع حمحمتهم ..يصلك كذبذبات تحت الطاولة وقع أقدامهم على الأرض منسجما مع دقات قلوبهم وراء أقفاصهم الصدرية كموسيقى عسكرية استعدادا لخدعة القرن..أعرف أنك على وشك أن تقيء من هذه الوضعية ، يخيل إليك أنك على مائدة قمار، لكن رغم هذا ، مطلوب منك أن تقرر شيئا ما في حياتك هذه اللحظة ..يجب أن تتحرر من الزاوية التي يريدون حصرك فيها ..هيا أرجوك تماسك، لا تحرك شيئا ،فقط حرك شفتيك لرسم ابتسامة ، واسكت بمكر كما ليس من شيمتك يوما..قل لي مم تخاف ؟ أن يكرهوك مثلا؟ ماذا استفدت من حبهم لك ؟ العفو أقصد من إظهار حبهم ..حاول أن تتبنى شعارا جديدا :يكرهونني إذا أنا ناجح ..ثبّته في جهازك جيدا و ستر كل شيء يتغير ،حتى هم سيرغمون على حبك ..دعك من الحب و الكراهية وانظر إلى ما سيأخذه أحفادك من هذا الامتياز، أم تريدهم أن يتوسدوا عبارة :كان جدنا طيبا ،عرضت عليه المسؤولية فترفع عنها ..حتما ستصلك لعناتهم كل مساء و أنت في قبرك .. تأمل الملامح الطفولية الملقّحة بالأنانية لمن حولك الآن ،إنهم لم يملوا يوما من دورهم ،ارجع إلى الوراء ، و بالضبط إلى مرحلة المراهقة ، أليسوا هم أنفسهم من كانوا يتوسلون إليك بالتظاهر بالانهزام أمامهم في لعبة الشطرنج مقابل علبة شكولاطة ؟كم تنازلت و تنازلت!لكن ما هي الشكولاطة التي سيهدونك إياها هذه اللحظة؟ إنها هي الآن محل النزاع . ما زلت تتذكر جيدا حينما حشروك في الخلف في آخر مباراة ،أمعنت في إيذائهم حد التخمة عندما كنت مدافعا و مسجلا لأكبر نسبة من الأهداف، كانت آخر جولة خضتها لما لاقيته من مكرهم ..لا ينفع أن تكون متصدرا دون أن تكون شريرا.. أراك تتحرك لتقول شيئا ..احذر..أرجوك أن تصمت ، استرجع في ذهنك فضائل الصمت، و إلا سينهار ما اتفقنا عليه، ستنهار أنت إلى الأبد : ــ أعتذر ، لا أستطيع ،مهامي الضخمة تحول بيني و بين تحمّل هذه الأمانة .. يا إلهي لا أصدق ما أسمعه ، لم أر أغبى منك إلا أنا..الوداع كنت أرجو أن أجد شخصا لا يشبهني..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق