الصفحات

2016/09/29

اللغة العربية والهـُوية الثقافية ... بقلم : مُرَاد مُصْلِح نَصَّار



اللغة العربية والهـُوية الثقافية ... 
بقلم : مُرَاد مُصْلِح نَصَّار.
تـُعد اللغة العربية واحدة من أهم اللغات العالمية في التاريخ ، ولهذه اللغة مجموعة من الخصائص التركيبية التي لا توجد في كثير من اللغات ، ولقد أنبهت اللغة العربية أذهان الكثيرين من الدراسين – قديمـًا وحديثـًا – إلى أهميتها في إثراء الثقافة المجتمعية ، والحضارة الفكرية ، والاتصالات الحوارية ، وقد حاول العديد من علماء هذه اللغة أن يستعرضوا هذه النواحي تحت عناوين مختلفة ؛ منها " الخصائص " ، و " أسرار العربية " ، و " أسرار اللغة " و " عبقرية اللغة العربية " ، و " فلسفة اللغة العربية " . ( اللغة العربية معناها ومبناها 29 ) .
ولقد تعددت تعريفات اللغة قديمـًا وحديثـًا إلا أن تعريف أبي الفتح عثمان بن جني هو الأكثر شيوعـًا من وجهة نظري المتواضعة ؛ فقد ذهب في كتاب الخصائص إلى أن حد اللغة عبارة عن " أصوات يـُعــَـبـِّـر بها كل قوم عن أغراضهم " . ( الخصائص1 / 33 ) .
والتعريف السابق للغة قد انتشر انتشارًا كبيرًا بين جمهور اللغويين وغيرهم ، وأرى أن التعريف السابق فيه نظر ؛ وذلك أنه من الممكن أن يحدث الفهم من خلال لغة الإشارة بين أصحاب الصم والبكم من ناحية ، ومن خلال الإشارات المرورية على جانبي الطرق من ناحية أخرى ، والواضح أن إشارات المرور تتصل بالناحية الضوئية لا الناحية الصوتية ، وتـُعد لغة بين السائقين ، والعابرين ، ومنظمي العملية المرورية .
وإن " التعريفات التي تقدم اليوم عن اللغة تتأسس على منطلقات وظيفية ، وتأخذ في حسابها لغة الحياة بمستوياتها المختلفة ؛ باعتبارها ظاهرة بشرية " . ( بلاغة الخطاب وعلم النص 19 )
وإن " اللغة العربية تتضمن في أعطافها رؤيامستقبلية ؛ وهي لذلك من أكثر اللغات الإنسانية وعيـًا بمقتضيات المستقبل وضروراته ؛ نجد ذلك في حروف الاستقبال بها ؛ وهي الحروف التي تدخل على الفعل المضارع ؛ فتجعله فعلاً مستقبليـًا " . ( لغة الحضارة وتحديات المستقبل 10 – 11 ) .
وقد عرَّف الدكتور حسام الخطيب اللغة بأنها " منظومة من الرموز المنطوقة في الأصل ، وفيها تتجلى قدرة الإنسان على صنع الكلمات ، وصياغة الرموز ؛ التي تمثل ظواهر عالمه الخارجي ، وعالمه الداخلي على السواء " . ( اللغة العربية : إضاءات عصرية 158 )
وإن " اللغة ظاهرة من ظواهر الحياة ،وقانون من قوانين المجتمع ، وظواهر الحياة تتبدل وتتشكل ؛ طوعـًا لتصاريف الزمن ، وقوانين المجتمع ، وتتطور وفقـًا لما تقضي به ضرورات الاجتماع " . ( لغة المجتمع 189 )
وإن " اللغة نظام من المجاهدة ؛ لأنها في كل استعمالاتها المهمة تقوم بعبء المسؤولية المتعددة الوجوه " . ( الوجه الغائب 207 )
وإن سلامة اللغة أصل من أصول هُوية القطر الثقافية ؛ حيث إن " اللغة ترسي القناعات لدى كل طرف بعدالة موقفه إيذاء موقف الخصم إذا كانت سليمة ، وقد تؤدي إلى البلبلة ، والارتباك ، وعدم اليقين ؛ إن لم تكن كذلك " . ( إعادة قراءة التاريخ 52 )
واللغة أداة المفكر ؛ لعرض أفكاره ، وتوضيح حججه وبراهينه ، وإن " اللغة لكونها وعاء الحياة ، ووعاء الفكر أهم رابطة قومية تربط أبناء الشعب الواحد برباط العبارة المشتركة ، والفهم المشترك ، وأهم رابطة بالماضي تربط الأجيال المختلفة من الشعب الواحد برباط توارث هذه العبارة ، وهذا الفهم ، وكل رابطة أخرى إلى جانب اللغة كالتاريخ المشترك والأدب والعادات هي نتيجة من نتائج الشراكة في اللغة " . ( مقدمة ترجمة كتاب الفكر العربي ومكانه في التاريخ 10 )
وإن " اللغة العربية لها من السمات والخصائص ما يؤهلها لكي تكون لغة معرفية في شتى الحقول المعرفية المختلفة ؛ فاللغة العربية قادرة على أن تكون لغة طب ورياضيات وعلم اجتماع وعلم نفس أدبي " . ( تجديد الخطاب الثقافي 57 )
ولقد " كان من حظ العربية الذي تفوقت به على سائر اللغات أن خصها الله سبحانه بنزول القرآن بها ... وما نعلم كتابـًا ضمن الخلود للغة في الدنيا ؛ كما منح القرآن الخلود لهذه اللغة الشريفة ، ولذلك يضعه اللغويون في مقدمة المصادر التي يتم بها توثيق اللغة " . ( دراسات لغوية 63 ) .
وإن " لغة القرآن تستحق منا أن نعد لها المؤتمرات العديدة ؛ لمناقشة قضاياها ، وقضايا المجتمع ناحيتها ، ولقد كان لعرب الجاهلية الأولى مؤتمر لغوي يعقدونه في كل عام بالحجاز بين نخلة والطائف ، ... ولقد شعروا بضرورة عقد هذا المؤتمر عندما أحسوا بتشعب لغتهم بين اليمن والشام ونجد وتهامة ؛ لصعوبة التواصل في تلك البقاع ، وبُعد ما بين قاصيها ودانيها ؛ فكان مطمع أنظارهم في ذلك المجتمع توحيد لغتهم ، وجمع شتاتهم ، والرجوع بها إلى لغة قريش ؛ التي هي أفصح اللغات ، وأقربها مأخذًا ، وأسهلها مساغـًا ، وأحسنها بيانـًا " . ( النظرات 248 ) .
ولقد كانت العرب ترد إلى سكان مكة وما حولها " في موسم الحج كل سنة ؛ فيقيمون عندهم ، قريبـًا من خمسين يومـًا ؛ ثلاثة أيام بسوق ذي المَجَاز ، وسبعة بسوق مَجنَّة ، وثلاثين بسوق عُكاظ ، والباقي في مواضع مناسك الحج ؛ يعرضون عليهم أشعارهم ، ويتحاكمون في قضاياهم " . ( الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية 1 / 66 )
وعلينا أن نواكب العصر من غير تهميش للغة ؛ فمن الضروريأن نطور أداء اللغة العربية في أنفسنا ، وأن نـُحدِّث الرؤى الخاصة بتطوير هذه اللغة من حين إلى آخر ؛ لملائمة ومواكبة التطور العلمي الهائل في شتى مجالات الحياة .
وإن " اللغة العربية في طليعة اللغات المعبرة بين لغات العالم الشرقية أو الغربية ، فلا يعرف علماء اللغات لغة قوم تتراءى لنا صفاتهم ، وصفات أوطانهم من كلماتهم وألفاظهم ؛ كما تتراءى لنا أطوار المجتمع العربي من مادة ألفاظه ، ومفرداته في أسلوب الواقع ، وأسلوب المجاز " . ( اللغة الشاعرة 52 )
ولقد أصبحت " لغة الصحافة جديدة في نظم جملها وتراكيبها ، وهي جديدة في انصراف الكلم فيها إلى معان جديدة تندرج في المجازات الجديدة ، والمصطلح الجديد ، ولكن هذه الجدَّة تدخل في باب الضعف ، وفساد التركيب ، وسوء الأبنية بسبب أن الذين شقوا بهذه الحرفة لم يكونوا على مقدرة من العربية " . ( أشتات في الأدب واللغة 32 )
و" تعيش اللغة العربية في العصر الحاضر غربة ، وهي بين أهلها ، ولعلنا أحوج ما نكون إلى البحث عن حلول ناجحة ، وتفكير سديد في طرح الحلول التي من شأنها أن ترقى بهذه اللغة مرة أخرى خاصة ، وأن شيوع الألفاظ الأعجمية على ألسنة المثقفين والتداول بها يضعف من إمكان عودة اللغة العربية إلى قوتها الطبيعية " . ( اللغة العربية وتحديات العصر 1 / 90 )
ومن غير المعقول أن نعجز في العصر الحديث عن إيجاد كلمات عربية للألفاظ الدخيلة علينا ، أو التي يفرضها العصر بتطور الزمن ، والسؤال المطروح " أيكون لسفينة البر – وهي لا تحمل إلا الرجل أو الرجل ورديفه – مائتا اسم ومائتان من الأسماء لأعضائها وأوصالها ورحلها وكورها ، ولا يكون لسفينة البحر ، وهي المدينة المتنقلة في الدأماء – القليل من ذلك الحظ الكثير ؟ " . ( النظرات 248 )
وللغة العربية مرونة كبيرة في خصائصها وسماتها ، و " هذه المرونة التامة ، وهذا الاشتقاق والمجاز والقلب والإبدال والنحت هو الذي جعل اللغة العربية تستطيع أن تكون لغة القرآن الكريم ، والحديث ، وما فيهما من معان في منتهى السمو والرفعة " . ( ضحى الإسلام 306 )
و" إن دارس اللغة العربية في أي مرحلة دراسية لا يستغني بحال عن النهل من هذين المصدرين الشريفين : القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف " . ( اللغة العربية للمستوى الجامعي 302 )
وللغة العربية مكانة عظيمة في نفوس المسلمين ؛ فبها نزل القرآن الكريم على قلب النبي الأمين ؛ بلسان عربي مبين ، وبها تحدث النبي في أحاديثه الشريفه؛ لذا " ينبغي الدفاع عن اللغة العربية كما تدافع اللغة الفرنسية عن نفسها ضد هجمات الإنجليزية أو الأمريكية " . ( تجديد الخطاب الثقافي 58 )
والعجيب أن هناك أناسـًا في رحلة التاريخ عملوا على " إلغاء كتاتيب تحفيظ القرآن التي كان لها كيانها وقداستها في القرى والأرياف ، وربما كانت هذه - وحدها -الطامة الكبرى " . ( محنة اللغة العربية 10 )
ويوضح الدكتور أحمد مختار عمر – رحمه الله – ما وقع من صراع بين اللغة العربية ، وبعض اللغات الأخرى من خلال كتاب " تاريخ اللغة العربية في مصر " ؛ حيث يقول " واللغة العربية حين رحلت إلى بلاد الفرس ، وقام الصراع بينها وبين الفارسية ؛ فقد خرجت العربية منتصرة في هذا الصراع ، ومع ذلك فقد أصابها قدر كبير من التغيير ، وحدث هذا – أيضـًا – مع اللغة العربية ؛ حيث وفدت إلى مصر مع العرب ، واختلطت باللغات المحلية ؛ التي كان من أهمها القبطية ثم اليونانية " . ( تاريخ اللغة العربية في مصر 96 )
و" لقد تأبت العربية على القطرية ، وعلى الإقليمية ، وعلى الطائفية ، والعنصرية ، والعرقية ؛ لتجعل من العرب أمة واحدة عبر التاريخ العربي ، ولتجعل التراث العربي والإبداع العربي في أي قطر عربي إبداعـًا لكل العرب ، لا لقطر معين ؛ فكما كان امرؤ القيس وزهير وحسان وجرير والفرزدق والأخطل والمتنبي وغيرهم من رموزنا الإبداعية شعراء لكل العرب من المحيط إلى الخليج ، فكذلك أصبح أحمد شوقي وإيليا أبو ماضي وعمر أبو ريشة وأبو القاسم الشابي ، وغيرهم من رموز الإبداع الفصيح العربي المعاصر ، ملكـًا للعرب كلهم ، يقرأون إبداعاتهم ، ويدرسونها ، ويعتزون بها ؛ دون نظر إلى الموقع الجغرافي ، أو الانتماء المحلي " . ( اللغة العربية لغة النهضة 1 / 78  )
ولقد " ظلت اللغة تنتج في كل يوم من أيام هذا التاريخ الممتد ألوانـًا من الشعر ، وصنوفـًا من الفكر " . ( اللغة وبناء الشعر 266 )
وتتصل اللغة العربية اتصالاً كبيرًا بالحضارة الفكرية المُتصلة بالدفاع عن الهُوية الثقافية ، ولقد قامت الحروب على هذه اللغة ؛ لإضعافها ، والنيل منها في العديد من المواقف التاريخية في القديم والحديث .
و" اللغة هي بوابة الحضارة ، وعند هذه البوابة تقع حروب ، وتقوم تحالفات ، وفي دراسة شملت خمسًا وثلاثين ومائة دولة تبين أن اثنتي عشرة دولة فقط من بينها تتمتع بتجانس حضاري ولغوي ، وأن خمسـًا وستين دولة من بين هذه الدول تعيش حالات عنف ؛ تترواح بين القمع والاستعمار والحصار ... وصولاً إلى الحرب " . ( الحروب اللغوية حارة وباردة تحكم العالم 124 – 128 )
وينبغي أن تكون هناك استراتيجية حكيمة في التعامل مع اللغة ؛ " فقد استخدم الصهاينة اللغة بشكل مكثف على حين فشل العرب في استخدام اللغة خطابـًا ومصطلحات سواء على المستوى المحلي ، أو على المستوى الدولي ؛ إذا كان خطابهم ينتمي إلى قرون سابقة مضت " . ( إعادة قراءة التاريخ 54 )
ويوضح الدكتور تمام حسان ظروف نشأة الدراسات اللغوية العربية ؛ قائلاً : إن " الظروف التي دعت إلى نشأة الدراسات اللغوية العربية كانت العامل الرئيسي في تحديد مسار هذه الدراسات ، وفلسفة منهجها ؛ فلقد نشأت دراسة اللغة العربية الفصحى ؛ علاجـًا لظاهرة كان يُخشى منها على اللغة ، وعلى القرآن ؛ وهي التي سموها " ذيوع اللحن " . ( اللغة العربية معناها ومبناها 11 )
وإننا في حاجة إلى أن " تصبح الفصحى سليقة يملكها طالبها كاتبـًا ومؤديـًا ومنشدًا ومذيعـًا وخطيبـًا دون اعتماد على حدود جبرية يعترك من خلالها القانون والنظام " .( اللغة والكلام 13 )
واللغة العربية ليست قواعد النحو والصرف فحسب ، وفي هذا السياق يقول الدكتور أحمد شلبي " ويؤسفنا أن نقرر أن اللغة العربية أوشكت أن تختفي من مناهج الدراسات الإسلامية ، وقد حلت محلها قواعد النحو والصرف ؛ فبدل أن يدرس الطالب اللغة أصبح يدرس قواعد اللغة ، وتنوسيت اللغة ، أو أهملت " . ( تاريخ المناهج الإسلامية 149 )
ولا شك أن مناهج اللغة العربية بها بعض القصور ، وإن " السبب الحقيقي الذي أضعف الطلاب بالمعاهد والكليات المتخصصة في اللغة العربية هو سوء المناهج ، وهو الاهتمام بالقواعد في النحو والصرف والبلاغة ، وهو البعد عن القراءة في كتب الأدب ، وهو عدم الاهتمام بين أقسام اللغة ؛ إذ لم توضع خطة متكاملة ؛ لتخلق طالبـًا يشترك الجميع في خلقه وتثقيفه في مجال اللغة العربية وآدابها ؛ كما يحدث بالنسبة للطالب في كليات الطب أوالهندسة أو الزراعة أو غيرها " . ( تاريخ المناهج الإسلامية 153 )
وإن " هندسة اللغة مجال مفتوح ؛ غير مقصور على المهندسين دون غيرهم ، بل من الممكن أن يسهم فيه اللغوي والتربوي وعلماء الكمبيوتر " . ( الثقافة العربية وعصر المعلومات 258 )
ولقد أصبح البعد عن استخدام اللغة العربية ، " واستبدال لغة أجنبية بها ( وبخاصة اللغة الإنجليزية في المشرق العربي ، واللغة الفرنسية في المغرب العربي ) سمة من سمات العصر الذي نعيشه ؛ وأصبح تدريس المواد العلمية ، كالطب ، والهندسة ، وبعض العلوم الأخرى في جامعاتنا وكلياتنا العربية يتم باللغة الإنجليزية بدعوى أنها لغة عالمية ، وأنها غنية بالمصطلحات الدقيقة ، والواضحة الدلالة ، في حين أن اللغة العربية لا تفي بأغراض تدريس هذه العلوم ؛ لافتقارها إلى المصادر العلمية والفنية ، وافتقارها إلى المصطلحات الدقيقة كذلك " . ( اللغة العربية رؤية علمية وبُعد جديد 39 )
وللتعريب أهمية كبيرة في حياتنا اللغوية المعاصرة ، " وإن موضوع التعريب في العالم العربي لهو من الموضوعات التي تشغل اليوم الأقطار العربية كلها ، ويبدو ذلك واضحـًا في مقررات مؤتمر التعريب الذي عقد بالرباط في سنة 1961 ، ومؤتمر المعلمين العرب بالجزائر ، ومؤتمر وزراء التربية والتعليم العرب ببغداد في سنة 1964 ، ومؤتمر المعلمين العرب في الإسكندرية سنة 1965 ، وما أثير في هذه المؤتمرات يدل دلالة قاطعة على أننا سائرون على الطريق ، وأننا في يوم ما ستتحقق أهدافنا من تعريب التعليم في وطننا العربي كله " . ( تعريب التعليم في العالم العربي 51 )
ويقول الدكتور محمد هيثم الخياط السوري الجنسية " يكاد تعريب التعليم العالي والجامعي ، ولا سيما العلوم الطبية يرتبط في أذهان الناس بجامعة دمشق ؛ أمِّ الجامعات السورية ، ويخيل إليهم أنها الجامعة الرائدة في هذا المجال في العصر الحديث ... والإنصاف يقتضينا أن نذكر لمصر الحبيبة شرف الريادة في هذا الجهاد المبارك ؛ فقد بدأ التدريس في مصر سنة 1827 ، يوم أسَّس محمد علي في أبي زعبل ثم في قصر العيني أول مدرسة للطب الحديث ، وكانت لغة التعليم بالطبع هي العربية " . ( في سبيل العربية 42 )
وفي هذا السياق يقول الدكتور محمود فهمي حجازي " أنشأ محمد علي عددًا من المدارس العليا في إطار الجيش ، وأقدم هذه المدارس مدرسةالمهندسخانة سنة 1815 ، وتتابعت المدارس الهندسية والصناعية في السنوات التالية ؛ لتكوين الإطارات الفنية للجيش ، 1831 مدرسة الكيمياء ، 1834 مدرسة المعادن ، 1837 مدرسة الفنون والصنائع ، وفي عهد محمد علي أنشئت – أيضـًا – مجموعة مدارس متخصصة في الطب والخدمات الطبية ، 1827 مدرسة الطب البشري ، 1828 مدرسة الطب البيطري ، 1830 مدرسة الصيدلة ، 1832 مدرسة الولادة ، وكانت القضية اللغوية في هذه المدارس الحديثة قضية التدريس باللغة العربية " . ( المدخل إلى علم اللغة 273 )
وهناك علاقة مشتركة بين الثقافة واللغة ؛ " وذلك لأن الثقافة واللغة متداخلتان تداخلاً لا انفكاك له ، ويترافدان ويتلاقيان بأسلوب خفي غامض كثير المداخل والمخارج والمسالب ويمتزجان امتزاجـًا واحدًا غير قابل للفصل في كل جيل من البشر ، وفي كل أمة من الأمم " . ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا 68 – 69 )
وإنماء ثقافة الفرد اللغوية نوع من الارتقاء بالعقل ، " وثقافة الفرد تتوقف على ثقافة فئة أو طبقة ، وإن ثقافة الفئة أو الطبقة تتوقف على ثقافة المجتمع كله الذي ينتمي إليه الفئة أو الطبقة " . ( ملاحظات نحو تعريف الثقافة 29 )
ولقد اتصلت اللغة العربية اتصالاً كبيرًا بالعرب ، و" العرب هم الذين حملوا لغتهم معهم حيث يسكنون ، وحيث يفتحون ، ومحمد – صلى الله عليه وسلم – عربي ، والقرآن عربي ، ودعاة الأمم الأولين إلى الإسلام عرب " . ( ضحى الإسلام 305 )
وللغة العربية وظيفة اجتماعية كبيرة ترتبط بالمجتمع ؛ الذي تحيا فيه ، و " تصبح الوظيفة الاجتماعية للغة " موضوع علم الإعلام اللغوي " أو ما يطلقون عليه علم " المنفعة العلمية للغة " معنى أو مغزى أو دلالة لغوية معينة بل هي وظيفة اجتماعية بحتة ؛ بحيث لا يمكن فصل الناحية اللغوية للعبارة عن السياق الاجتماعي والثقافي " . ( لغة الحضارة وتحديات المستقبل 38 )
ومما لا شك فيه أن المرء لا يستطيع " أن يكون عضوًا فعالاً في مجتمعه ، ورجلاً نافعـًا لنفسه ولغيره إلا بمقدرته اللغوية على التعبير عما يريد ، وعلى الاتصال بالآخرين " . ( مدخل إلى اللغة 7 )
وللثقافة مجموعة من العوامل الخاصة بالبنية الاجتماعية ، وأهم عامل في تطوير البنية الاجتماعية هو تناقل الثقافة ، وهو ليس أمرًا من أمور الوراثة ، ولكنه يعود إلى الاتصال ؛ لأن الثقافة تُتَعَلَّم وتُسْتَفاد بالتقليد ، ولكنها لا تورث ، ويجب علينا أن نفهم الثقافة هنا في أعم معانيها ؛ لتشمل بها النظم السياسية والاجتماعية والتشريعية ؛ كما تشمل بها الفنون ، والحِرَف ، والدين ، والأشكال المختلفة للحياة العقلية ؛ التي تظهر في الأدب والفلسفة والميادين الأخرى " . ( الفكر العربي ومكانه في التاريخ 19 ) .
وللثقافة العربية ناحيتان مهمتان وضحهما الأستاذ أحمد أمين في قوله : للثقافة العربية ناحيتان ؛ ناحية دينية من دراسة القرآن الكريم والحديث والفقه ... وناحية لغوية أدبية  . ( ضحى الإسلام 305 بتصرف )
وترتبط اللغة العربية بميدان الثقافة ارتباطـًا كبيرًا ، ولا شك في ذلك ؛ فـ " اللغة العربية هي لغة الأمة العربية ، وعنوان ثقافتها ، وحضارتها ؛ ولذلك تعنى الأمم كافة بلغاتها ، وتعمل على ترقيتها ، وازدهارها ، وارتفاعها بين اللغات وبعضها البعض ، وكذلك الشأن في العالم العربي ، وبخاصة مصر " . ( مشكلات اللغة العربية 4 ).
وتخدم اللغة – أية لغة – عملية الاتصال ؛ بما لها من أدوات ، و " من المعروف أن اللغة أداة من أدوات الاتصال ، ولا يمكن أن يحدث الاتصال الصحيح السليم إلا باللغة السليمة الخالية من الخطأ في الإعراب ، واللحن في ضبط الكلمات " . ( طرق تعليم اللغة العربية 165 )
ولقد تأثرت الأمم التي دخلت الإسلام بالقرآن الكريم ، و" بعض الأمم الإسلامية التي خضعت لسلطان العرب في وقت مضى طوت قلوبها على بُغض العرب والعروبة ، وآذتهم حيث استطاعت إيذاءً شديدًا ، ولكنها على رغمها احتفظت بالقرآن لمكان الإسلام ، أو لمكانها من الإسلام فدرست القرآن ، ودرست لغته العربية " . ( مرآة الإسلام 139 )
وذهب إليوت إلى تضافر الثقافة بجوار الدين ؛ حيث قال " وأول دعوى هامة أقيمها هي أنه لم تظهر ثقافة ، ولا نمت إلا بجانب دين ، ومن هنا تبدو الثقافة نتيجة من نتائج الدين ، أو الدين نتيجة من نتائج الثقافة ؛ طبقـًا لوجهة نظر الناظر " . ( ملاحظات نحو تعريف الثقافة 21 )
وقد شبـَّـه الشيخ محمود محمد شاكر – رحمه الله – ثقافة الأمة بالمرآة ؛ وذلك في قوله " ثقافة كل أمة مرآة جامعة في حيزها المحدود كلما تشعَّت وتشتــَّـت وتباعد من ثقافة كل فرد من أبنائها على اختلاف مقاديرهم ومشاربهم ومذاهبهم ومداخلهم ومخارجهم في الحياة ، وجوهر هذه المرآة هي اللغة " . ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا 74 )
واللغة هي همزة الوصل بين الأديان وأصحابها ؛ كما ذهب إلى ذلك الدكتور جابر عصفور ؛ حين قال " إن الرابطة الدينية المتجسدة في اللغة هي عامل الوصل بين المسلمين في كل مكان ، وصلة الرحم التي تعطف العرب على غير العرب ، أو تضع الناطقين باللغة العربية من غير العرب موضع الحاجة إلى الدعم العربي الدائم والعناية المستمرة " . ( نحو ثقافة مغايرة 247 )
ويختلف الكم الثقافي لفرد بشري عن آخر ؛ لتباين القدرات والظروف البيئية المحيطة بالمرء ، و" نستنتج أن الفرد الكامل الثقافة هو محض خيال ، ونبحث عن الثقافة لا في فرد أو مجتمع من الأفراد بل في نطاق أوسع وأوسع ، وتنتهي أخيرًا بأن نجدها في هيمنة المجتمع ككل " . ( ملاحظات نحو تعريف الثقافة 33 )
ولقد أقيمت مجموعة من الأندية الثقافية في العالم العربي والإسلامي ، ومن أهم الأندية الثقافية في الوطن العربي النادي الثقافي بالكويت ، وأول بنود هذا النادي " تنشيط الحركة الثقافية في الشباب الكويتي ، وتوجيه أفكارهم ، وميولهم نحو العلوم والمعارف " . ( الثقافة في الكويت 154 )
وكما انتشرت الأندية الثقافية ؛ فكذلك انتشرت الديوانيات الثقافية ، " وقد تجاوزت شهرة الديوانية الكويتية ، وتأثيرها الثقافي والتنويري حدود الكويت ، وكانت استضافتها للعلماء موضع تقدير من العلماء والمثقفين خارج الحدود " . ( الثقافة في الكويت 168 )
وإن الأندية والديوانيات والهيئات الثقافية تساعد مساعدة كبيرة في إثراء الثقافة والمعرفة .
وإن أبناء الأمة – أية أمة – هم الذين يساعدون على الارتقاء بأمتهم ثقافيـًا وعلميـًا واجتماعيـًا من خلال لغة واعية ، وثقافة عالية تؤدي إلى التقدم والرقي ، و" ثقافة كل أمة ، وكل لغة هي حصيلة أبنائها المثقفين بقدر مشترك من أصول وفروع ؛ كلها مغموس في الدين المتلقى عند النشأة " . ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا 74 )
ولا أجد ديلاسيأوليري قد حالفه الصواب عندما قال " والحق إن هذه الثقافة الإسلامية في أساسها وجوهرها جزء من المادة الهلينيةالرومانية ؛ بل إنه حتى علم التوحيد الإسلامي قد تحدد وتطور بواسطة منابع هلينية " . ( الفكر العربي ومكانه في التاريخ 20 )
وإن الواضح أن هذا الكلام السابق فيه نظر ؛ لأن الثقافة الإسلامية تعتمد على القرآن والسنة لا الثقافة الهلينية كما ذهب أوليري في كتاب الفكر العربي ومكانه في التاريخ .
و" إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب ، ... وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عربي ؛ فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز ، وما في سنة رسول الله ، صلى الله عليه ، من كل كلمة غريبة ، أو نظم عجيب لم يجد من العلم باللغة بُدًّا " . ( الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها 50 )
وللترجمة دور كبير في التبادل الثقافي ، والاتصال الفكري بين أقطار العالم وبعضها البعض ، ومن خلال الترجمة نعرف رؤية الآخر ، ونقارن بينها وبين رؤيتنا الخاصة في المجالات المتباينة .
و" من الحقائق التي لا ينقصها دعوى مدع من الشرق أو الغرب أنه لكي تكون الترجمة من لغة إلى لغة ترجمة صحيحة ؛ فإنه ينبغي أن يكون للمترجم أسلوب واضح فيما يكتب ؛ ليكون ما يترجمه بينـًا لمن يقرؤه " . ( الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية 5 )
ولتبادل المفردات بين اللغات وبعضها البعض مكانة كبيرة ؛ فيما يتصل بإثراء الثقافة والتفتح على الآخر من بعد معرفة الذات ؛ حتى يتسنى للمنصف أن يحكم على الذات والآخر على حد سواء ، و" موضوع تبادل المفردات بين اللغات أكثر مستويات اللغة شيوعـًا ؛ لأنه يتصل بتيار الثقافات والعادات أكثر من اتصاله بأصل اللغة وجوهرها " . ( تاريخ اللغة العربية في مصر 119 )
والحقيقة أننا أصبحنا " في حاجة إلى مجتمعات كثيرة :
مجتمع لجمع المفردات العربية المأثورة ، وشرح أوجه استعمالها الحقيقة والمجازية في كتاب واحد يتم الاتفاق عليه والإجماع على العمل به " . ( النظرات248 – 249  )
وإن التأثير والتأثر بين الدول وبعضها البعض يحدث عن طريق الترجمات ، أو من خلال اللغات المختلفة ، وإن " نقل الألفاظ الأجنبية لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان الاتصال قويـًا مع الأمم التي نـُـقـلـت عنها تلك الألفاظ " . ( الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية 6 )
ويختلف " التأثر باختلاف الأحوال ؛ فأحيانـًا يكون يسيرًا لا ينال إلا بعض مظاهر ، وأحيانـًا يكون عميقـًا ينتهي بالقضاء على اللهجة المغلوبة ؛ فيكون يسيرًا إذا لم تكن الفوارق كبيرة بين أهل المنطقتين في الثقافة والنفوذ والسلطان ، ويبدو هذا في تأثر لهجة القرى بلهجة المدينة التي تجاورها ، أو يكون بها مقر المحافظة أو المركز ، أو في تأثرها بلهجة البلد الذي يُتخذ مقرًا لنقطة البوليس أو للعمدية ، أو التي يُقام فيها السوق الأسبوعي " . ( اللغة والمجتمع 167 )
واللغة العربية لغة مرنة بطبيعتها ؛ " ولا أدل على مرونة اللغة العربية ، وقدرتها على التعبير العلمي عند الترجمة من أن العرب عندما بدأوا حركة الترجمة عن اليونانية أخذوا كثيرًا من المصطلحات اليونانية بألفاظها العربية ؛ فقالوا : أنالوطيقا ، وسوفسطيقا، وقطاغوياس، وأرطماطيقا، وأبنديما " . ( الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية 48 )
وحدث نوع من التطور الخاص بالكلمات السابقة من خلال رواد المجامع اللغوية ،أوعلماء اللغة ، أو متميزي المترجمين ؛ " فتركوا الألفاظ السابقة ، وقالوا عنها بالترتيب : التحليل ، والمغالطة ، والمقولات العشر ، والرياضيات ، والوافدة ، وهكذا أظهرت اللغة العربية مقدرة المعاصرة والتطور الحضاري " . ( الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية 48 ).
وترتبط الهـُوية ارتباطـًا كبيرًا بكل من الثقافة واللغة ، و" إن هذه اللغة المكتوبة ، وما يتبعها من ثقافات وتقاليد الإنسان ... قد تعمل – أيضـًا – على توسيع حدود الهـُـوية اللغوية ؛ لكي تضم إليها أتباع لغات أخرى تقلص دورها التاريخي ، أو ضعف من خلال الدخول في حوار أو مناقشة بين اللغات " . ( إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية 21 )
والقرآن الكريم له مزية الحفاظ على هذه اللغة ؛ ولا شك في ذلك ؛ فـ " هو الذي حفظ اللغة العربية أن تذوب في اللغات الأجنبية ؛ التي تغلبت على اللغة العربية بحكم السياسة في عصور كثيرة ، وظروف مختلفة " . ( مرآة الإسلام 138 )
وإن الغرب – في كثير من الأحيان – " عمل على تجريد العرب من هويتهم الحضارية والثقافية ، وركز الغرب جهوده على مجالين أساسيين هما القضاء والتعليم " . ( إعادة قراءة التاريخ 54 )
وتتضح أهمية الهـُـوية من خلال المقارنة بين الموروث والمُكتسب ، و " إن أهمية هوية كل فرد منا مُعلمـًا ومـُـتعلمـًا ؛ كأداة في المُمَارسة التعليمية مسألة واضحة ؛ كما تبدو أهمية كياننا ؛ كمنتج للعلاقة المشحونة بالتوتر بين ما نرثه ، وما نكتسبه " . ( المعلمون بناة ثقافة 149 ) .
وإن " اللغة العربية تجاوزت – الآن – مرحلة خطر الاندثار ؛ الذي كان يهددها ... وأصبح لها من الوجود الملموس ما يضمن بقاءها ضمن المستقبل المنظور " . ( اللغة العربية إضاءات عصرية 174 )
وإن " التحولات اللغوية لم تعمل أبدًا على محو الخصائص الثقافية أو الدينية أو الفكرية لمن انضوى تحت لوائها ممن كانوا ينتمون إلى لغات أخرى ، وإنما خلقت هوية ثقافية كبرى من خلال اللغة العربية " . ( إنقاذ اللغة إنقاذ للهوية 27 )
ولا بد من ترسيخ العلاقة بين كل من حقول التعليم ، والإعلام ، والثقافة ، ولعل " تضافر المنظومة التعليمية مع المنظومة الإعلامية ، وأجهزة التثقيف العام يمكن أن يكون قوة مؤثرة في تصحيح النظرة الاجتماعية للغة ، وتعميق الوعي بأهميتها في تأسيس الهوية الثقافية ؛ التي تعمل على تنمية إمكاناتها لمختلف الأجهزة الثقافية " . ( نحو ثقافة مغايرة 126 )
و" إن وسائل الإعلام السمعية ( الراديو والتليفزيون ) يمكن أن تسهم بدور فعـَّـال في الوصول إلى نتيجة مرضية في تعلم الفصحى ، غير أن الذي يحدث للأسف الشديد هو طغيان العاميات في كل يوم على الإذاعات العربية ؛ فتخسر الفصحى إحدى قلاعها الحصينة ، وتفوت الفرصة الذهبية ؛ لتعلم اللغة عن طريق السماع " . ( فصول في فقه العربية 423 )
وإن " العامية وإن كان بينها وبين الفصحى ظواهر عديدة مشتركة تبقى لغة قاصرة ؛ لا تفي مفرداتها مهما كثرت وتنوعت بحاجة الفرد للتعبير اللفظي في مجالاته ، وأشكاله ، وموضوعاته ، ونوازعه ، ودوافعه المختلفة " . ( الحصيلة اللغوية 166 )
وعلينا أن نلتزم بالمنهجية فيما نأخذ ، وفيما ندع ؛ و " اللغة هي المرآة التي تحمل شخصية الأمة ، وهويتها على مر التاريخ ؛ إذ تستوجب جميع جوانب حياتها العلمية والدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية " . ( بين الفصحى والعامية المصرية 151 )
وإن المحافظة على اللغة محافظة على الهوية الثقافية في أي بلد من بلاد الدنيا ، واللغة العربية لغة حية ، " ولن يحدث للعربية كما حدث في اللاتينية من انفصال اللهجات ، واستقلالها ؛ حيث تغلبت على اللاتينية مشتقاتها كالفرنسية والإيطالية والإسبانية ؛ فضاق محيط استعمالها ، وظلت تتضاءل ، وتجمد ، وتفقد حيويتها ، وانتهى بها الأمر إلى العزلة بين الصحائف المطوية من الكتب القديمة " . ( مشكلات اللغة العربية 5 – 6 )
وإن " من البديهيات والمسلمات أن يحافظ الجميع في أية أمة محترمة على لغتهم ؛ فيكتبوها سليمة ، ويقرأوها قويمة ، ويعبروا بها صحيحة على اختلاف في المستويات أحيانـًا ، وظهور ما يقتضيه اختلاف اللهجات أحيانـًا أخرى " . ( في الأدب واللغة 141 )
وإن " اللغة العربية من أكثر اللغات انسجامـًا ، وهي لا ريب مختلفة اللهجات في سورية ، وجزيرة العرب ، ومصر ، والجزائر ، وغيرها ، ولم يكن هذا الاختلاف في غير الأشكال ؛ فترى المراكشي يفهم بسهولة لهجة المصريين ، أو لهجة سكان جزيرة العرب " . ( حضارة العرب 439 )
ولقد " عرفت العربية لهجات محلية عدة ، هي لهجات القبائل العربية المختلفة التي انتشرت مساكنها في أرجاء شبه جزيرة العرب ؛ مثل لهجات أهل الحجاز ، وهذيل ، وأهل اليمن ، وقيس ، وتميم ، وأسد ، وطيئ ، وبكر بن وائل ، وربيعة ... وغيرها " . ( التراث اللغوي والنظرية المعاصرة 4 )
و" إن قسمـًا كبيرًا من الثروة اللغوية قد ورث عن السامية المشتركة وتغير من ناحيتي الشكل والمعنى تغييرًا ضئيلاً إلى حد أن أجيالاً مبكرة من الباحثين اعتقدوا أن المعجم العربي يمكن أن يحل محل معجم السامية المشتركة " .( الأساس في فقه اللغة العربية 32 )
وإن أقرب " اللغات شبهـًا باللغة السامية الأصلية أبعدها عن الاختلاط ، وبعكس ذلك القبائل التي كانت تختلط بالأمم الأخرى ؛ كأهل الحجاز مما يلي الشام ، خصوصـًا أهل مكة من قريش ؛ فقد كانوا أهل تجارة وسفر شمالاً إلى الشام والعراق ومصر ، وجنوبـًا إلى بلاد اليمن ، وشرقـًا إلى خليج فارس وما وراءه ، وغربـًا إلى بلاد الحبشة ؛ فضلاً عما كان يجتمع حول الكعبة من الأمم المختلفة ؛ وفيهم الفرس والأنباط واليمنية والأحباش والمصريون ، غير الذين كانوا ينزحون إليها من جالية اليهود والنصارى ؛ فدعا ذلك كله إلى ارتقاء اللغة بما تولد فيها أو دخلها من الاشتقاقات والتراكيب مما لا مثيل له في اللغات الأخرى " . ( تاريخ آداب اللغة العربية 36 )
ويجب أن " نعلم أن هناك اختلافـًا كبيرًا بين لغة السلف والخلف ، ومرجع هذا الاختلاف هو التطور المستمر للغات البشر " . ( الأصوات اللغوية 183 )
ولقد اتصلت اللغة العربية اتصالاً كبيرًا بالتراث والمعاصرة ، وخططت لنفسها مجموعة من التطويرات في المستقبل ، وهي ضرورة اجتماعية مهمة في حياة الدول العربية والإسلامية ، وسلامتها أصل الهوية الثقافية .
ولقد ارتبطت اللغة العربية بالفكر والثقافة ، وتهميش هذه اللغة تراجع في هوية العرب ، وتراجع في هوية المسلمين ؛ لأنها لغة القرآن الكريم .
واللغة العربية لغة اتصالية بامتياز ؛ فهي تثري الثقافة والمعرفة بمداد من نور إذا كانت قوية ، وترجمة علومها ، وما يتصل بعلومها من معارف وفنون وثقافات واجب على كل لغوي مخلص ، ومفكر مستنير في عصرنا الحديث .
ولقد أصبحنا في حاجة كبيرة إلى التعاون الكبير بين الدول العربية والإسلامية في المحافظة على اللغة العربية ؛ من خلال تفعيل توصيات المؤسسات الثقافية المهتمة باللغة العربية في العالمين العربيوالإسلامي ؛ من مثل المجمع العلمي في العراق ، ومجمع اللغة العربية في الأردن ، ومجمع اللغة العربية في السودان ، ومجمع اللغة العربية في سوريا ، ومجمع اللغة العربية في ليبيا ، ومجمع اللغة العربية في مصر ، والمجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر ، والأكاديمية الملكية في المغرب ، ومؤسسة بيت الحكمة في تونس ، " وفي الندوة التي عقدها اتحاد المجامع العلمية العربية في مدينة الجزائر عام 1976م ، اتخذت عدة توصيات في موضوع تعليم النحو العربي وتيسيره ، من بينها الربط بين علم النحو ومفهوم الدلالات ، واستخلاص الشواهد والأمثلة من القرآن الكريم والحديث الشريف والنصوص الأدبية القديمة والحديثة ، والاقتصار في المادة النحوية – ما أمكن – على ما يستعمله الطلاب في حياتهم ، والإبقاء على الإعراب التقديري والمحلي دون تعليل ... ورأت الندوة أن ما عـرض عليها من مقترحات وزارة ( المعارف ) ... ، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة ، والمؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية ، ولجنة ترقية اللغة في المؤتمر الأول للمجامع اللغوية ، وما أبداه مجمعا العراق وسوريا من ملاحظات وتوجيهات ، وما سجل في محاضر الندوة فيه مادة صالحة للبحث والتمحيص ؛ توصلاً إلى صيغة مبسطة لتيسير تدريس النحو في مراحل التعليم العام " . ( جمال العربية 236 )
ولقد أصبحنا في حاجة كبيرة إلى إنشاء مجمع لغوي عربي للشباب في كل دولة عربية وإسلامية ؛ ويكون هذا المجمع جامعـًا لمتميزي الشباب في شتى مجالات الحياة ؛ على أن تكون لغتهم صحيحة من حيث نطق الحروف ، وحسن صياغة الكلمات ، بالإضافة إلى الإبداع الفكري الخاص بهم في نواحي الزراعة ، أو الصناعة ، أو التجارة ، أو العلوم القانونية ، أو العلوم العسكرية أو غير هذه المجالات ؛ رغبة في ترسيخ الأمن اللغوي الخاص بالمحافظة على اللغة العربية في نفوس الشباب .

مراجع المقال :
الأساس في فقه اللغة العربية للدكتور فيشر ، نقله إلى العربية ، وعلق عليه الدكتور سعيد حسن بحيري ، ط1 ، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع ، القاهرة 2002 م .
أشتات في الأدب واللغة للدكتور إبراهيم السامرائي ، الطبعة الأولى ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة 2001 م .
الأصوات اللغوية للدكتور إبراهيم أنيس ، مكتبة نهضة مصر ، القاهرة ، بدون تاريخ .
إعادة قراءة التاريخ للدكتور قاسم عبده قاسم ، ط1 ، كتاب العربي ، وزارة الإعلام ، الكويت ، أكتوبر 2009 م .
إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية للدكتور أحمد درويش ، ط2 ، نهضة مصر ، القاهرة ، مايو 2007م .
بلاغة الخطاب وعلم النص للدكتور صلاح فضل ، ع ( 164 ) ، كتاب عالم المعرفة ، الكويت ، أغسطس 1992 م .
تاريخ آداب اللغة العربية للأستاذ جرجي زيدان ، مراجعة وتعليق الدكتور شوقي ضيف ، ج1 ، دار الهلال ، القاهرة ، بدون تاريخ .
تاريخ اللغة العربية في مصر للدكتور أحمد مختار عمر ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، وزارة الثقافة ، القاهرة 1970م .
تاريخ المناهج الإسلامية للدكتور أحمد شلبي ، ط5 ، مكتبة نهضة مصر ، القاهرة 1987 م .
تجديد الخطاب الثقافي للدكتور سعيد اللاوندي ، مكتبة الأسرة ، القاهرة 2007 م .
التراث اللغوي والنظرية المعاصرة للدكتور محمد العبد ، دار الهاني للطباعة ، القاهرة 2000 م .
الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية للدكتور عبد الفتاح مصطفى غنيمة ، ع(150) ، سلسلة قضايا إسلامية ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، القاهرة ، أغسطس 2007 م .
تعريب التعليم في العالم العربي للأستاذ السيد يوسف ، العدد الرابع ، مجلة اللسان العربي ، الرباط 1966م .
الثقافة العربية وعصر المعلومات : رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي للدكتور نبيل علي ، ع ( 276 ) ، كتاب عالم المعرفة ، الكويت ، ديسمبر 2001 م .
الثقافة في الكويت : بواكير – اتجاهات – رياداتللدكتور خليفة الوقيان ، ج1 ، ط3 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت 2010 م .
جمال العربية للأستاذ فاروق شوشة ، ع (52) ، كتاب العربي ، ط1 ، الكويت ، أبريل 2003 م .
الحروب اللغوية حارة وباردة تحكم العالم للأستاذ شوقي رافع ، ع (461 ) ، مجلة العربي ، الكويت ، أبريل 1997 م .
الحصيلة اللغوية : أهميتها – مصادرها – وسائل تنميتها للدكتور أحمد محمد المعتوق ، ع ( 212 ) ، كتاب عالم المعرفة ، الكويت ، أغسطس 1996 م .
حضارة العرب لغوستاف لوبون ، ترجمة الأستاذ عادل زعيتر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2000 م .
الخصائص لابن جني ، تحقيق الأستاذ محمد علي النجار ، تقديم الدكتور عبد الحكيم راضي ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة 2006 م .
دراسات لغوية للدكتور عبد الصبور شاهين ، مكتبة الشباب ، القاهرة 1987 م .
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا للأستاذ محمود محمد شاكر ، ط2 ، مكتبة الخانجي ، القاهرة 2006 م .
الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها لابن فارس ، شرح وتحقيق الأستاذ السيد أحمد صقر ، تقديم الدكتور عبده الراجحي ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة 2003 م .
ضحى الإسلام للأستاذ أحمد أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2002م .
طرق تعليم اللغة العربية للدكتور محمد عبد القادر ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة 1979 م .
فصول في فقه العربية للدكتور رمضان عبد التواب ، مكتبة الخانجي ، القاهرة 1980 م .
الفكر العربي ومكانه في التاريخ لديلاسيأوليري ، ترجمة الدكتور تمام حسان ، مراجعة الدكتور محمد مصطفى حلمي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2007 م .
في الأدب واللغة للدكتور أحمد هيكل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1998 م .
في سبيل العربية للدكتور محمد هيثم الخياط ، ط4 ، مكتبة وهبة ، القاهرة 2004 م .
لغة الحضارة وتحديات المستقبل للدكتور عبد العزيز شرف ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2007 م .
اللغة الشاعرة للأستاذ عباس محمود العقاد ، ط1 ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة 2014 م .
اللغة العربية إضاءات عصرية للدكتور حسام الخطيب ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1995 م .
اللغة العربية رؤية علمية وبُعد جديد للدكتور محمد علي الملا ، مكتبة نهضة الشرق ، القاهرة 1995 م .
اللغة العربية لغة النهضة للدكتور أحمد بن محمد الضبيب ، ضمن كتاب مجلة العربي نصف قرن من المعرفة والاستنارة ، ع (72) ، كتاب العربي ، الكويت ، أبريل 2008 م .
اللغة العربية للمستوى الجامعي للدكتور أحمد طاهر حسنين ، ط2 ، العالمية للنشر والتوزيع ، القاهرة 2001 م .
اللغة العربية معناها ومبناها للدكتور تمام حسان ، ط5 ، عالم الكتب ، القاهرة 2006 م .
اللغة العربية وتحديات العصر للدكتورة ليلى خلف السبعان ، ضمن كتاب مجلة العربي نصف قرن من المعرفة والاستنارة ، ع (72) ، كتاب العربي ، الكويت ، أبريل 2008 م .
لغة المجتمع للأستاذ محمود تيمور ضمن الجزء الأول من كتاب اللهجات العربية : الفصحى والعامية ، إشراف الدكتور كمال بشر ، مجمع اللغة العربية ، القاهرة 2006 م .
اللغة وبناء الشعر للدكتور محمد حماسة عبد اللطيف ، ط1 ، مكتبة الزهراء ، القاهرة 1992 م .
اللغة والكلام أبحاث في التداخل والتقريب للدكتور أحمد كشك ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة 1995 م .
اللغة والمجتمع للدكتور علي عبد الواحد وافي ، دار نهضة مصر ، القاهرة 1971 م .
محنة اللغة العربية للدكتور إبراهيم علي أبي خشب ، هدية مجلة الأزهر ، القاهرة ،  صفر 1430 هـ .
المدخل إلى علم اللغة للدكتور محمود فهمي حجازي ، دار الثقافة للطباعة والنشر ، القاهرة 1976 م .
مدخل إلى اللغة للدكتور محمد حسن عبد العزيز ، دار الفكر العربي ، القاهرة 1988 م .
مرآة الإسلام للدكتور طه حسين ،ط9 ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة 2008 م .
مشكلات اللغة العربية للأستاذ محمود تيمور ، المطبعة النموذجية ، القاهرة ، بدون تاريخ .
المعلمون بناة ثقافة لباولو فريري، ترجمة الدكتور حامد عمار ، والدكتور عبد الراضي إبراهيم ، والدكتورة لمياء محمد أحمد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2005 م .
ملاحظات نحو تعريف الثقافة لإليوت ، ترجمة الدكتور شكري عياد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2009 م .
النظرات للأستاذ مصطفى لطفي المنفلوطي ، ضبط وشرح وفهرسة الأستاذ سامي الخوري ، ج2 ، دار الجيل ، بيروت 2006 م .
الوجه الغائب للدكتور مصطفى ناصف ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2006 م .
الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية ، للشيخ حسين المرصفي ، تحقيق الدكتور عبدالعزيزالدسوقي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1982 م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق