الصفحات

2016/09/01

( السياسة والتعصب الفكريّ من منظور إسلاميّ ) بقلم : مُراد مُصْلـِح نـَصَّار



( السياسة والتعصب الفكريّ من منظور إسلاميّ )
  بقلم : مُراد مُصْلـِح نـَصَّار .

  تتصل السياسة اتصالاً كبيرًا بعلاقات مختلفة في الداخل والخارج في شتى المجتمعات الإنسانية في القديم والحديث ؛ سواء أكان ذلك بين الحاكم والمحكومين ، أم بين الحكام وبعضهم البعض ، أم بين الدول والدول الأخرى في إطار منظومة التعاون الدوليّ في مختلف التعاملات والقضايا .
   وإن ثقافة الثورات في مختلف المجتمعات تقوم في المقام الأول على مُحاربة فساد ما في دولة ما بطريقة تختلف من دولة إلى أخرى ؛ كما ظهر ذلك في تاريخ الثورات المتباينة في مختلف دول العالم .
   و" إن الأحداث التي شهدتها الدول العربية ، وبخاصة تلك التي قامت بها ثورات عظيمة ضد الظلم والطغيان اللذين كانا يجسمان فوق النفوس ... هذه الأحداث تمخضت عن حالة من الحراك السياسيّ والدينيّ  والاجتماعيّ ، ورغبة عارمة من الجماهير المتعطشة لكل ما هو أفضل ، إلى تغير كل ما من شأنه أن يأخذ بأيدي الأمة إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد.
   هذا الحراك وهذا التغير – بلا شك – أوجد حالة بين القوى السياسية والدينية والحزبية تحتاج – بحق – إلى الحوار والنقاش ، وإلى التفاهم ، وتقريب وجهات النظر بين كل هذه القوى ، وتحتاج – أيضًا – إلى مساحة مشتركة يمكن الالتفات حولها ، والتعاون من أجلها " . ( فقه الحوار في ضوء مقاصد الشريعة 5 )
   ويُعد القتل ، والنهب ، والسلب ، والفتك ، والهدم من أخطر القضايا التي تواجه الدول والشعوب في مختلف أنحاء العالم .
و " لا شك أن الاعتداء الإرهابيّ الذي وقع في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر ، وما أعقبه من حملة دولية على الإرهاب ، بدأت أولى حلقاتها بالمواجهة العسكرية الدائرة في أفغانستان ، بفتح الباب للجدل حول قضايا حيوية تتجاوز في أبعادها حدود الحدث ذاته ، مثل علاقة الإسلام بالغرب ، وفرضية صراع الحضارات ، وأزمة الحداثة في المجتمعات العربية والإسلامية والأصولية من ناحية والعولمة من ناحية أخرى وغيرها ، وهي قضايا على اختلاف عناوينها إلا أنه يمكن إدراجها تحت عنوان واسع هو ( علاقتنا كمجتمعات عربية وإسلامية ) بالغرب عمومًا ليس فقط من الناحية السياسية ، وإنما أيضًا من الناحية التاريخية والثقافية والحضارية بشكل عام ". ( الإسلام والغرب من التعايش إلى التصادم 9 )
  وإن قراءة المشهد السياسي ّ ينبغي أن تدل على محاولة لفهم مواقف السياسة من حولنا من خلال الاطلاع على الآراء المختلفة ووجهات النظر المتباينة الخاصة بالمشهد السياسيّ في الداخل والخارج على حد سواء ؛ وتكون القراءة الرشيدة من خلال معرفة الرؤى الفكرية المتعمقة في الواقع السياسيّ ككل .
   و" إن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المسلمون الآن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بغرض تشويه صورتهم ، أو وصفهم بصفات غير حقيقية ، منها أنهم أعداء الحياة والبشرية ، أو الحضارة والإنسانية ، أو اتهامهم بأنهم أهل إرهاب وحرب ، كل هذا لن يغير من موقف المسلمين المتسامح من الآخر ؛ لأن الشجرة المثمرة هي التي دائمًا تـُـقذف بالحجارة ، كما أن الحضارة الإنسانية في أشد الاحتياج لوحي وتعاليم السماء النقية التي لم تـُحرَّف ولم تبدّل ؛ فقد تكفل الله - سبحانه وتعالى - بحفظ القرآن الكريم ، كما جنّد من عباده المخلصين من يحافظ على سنة خاتم المرسلين ،عليه الصلاة والسلام ، والبشرية جميعها محتاجة لهذا الحق المبين ؛ لتخرج من الظلمات إلى النور بإذن الله ". ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 165)
   والدين الإسلامي – بلا ريب – هو دين السلام كما يظهر من اسمه ؛ ولا شك في ذلك ؛ حيث إنه يدعو إلى السلام ، بل جعل السلام نصًّا للتحية ، وجعل لهذا النص ثوابًا لمن ينطق به ، ومن يرد على الناطق - أيضًا – كما هو معلوم في الشريعة الإسلامية الغرَّاء ، ... وقد دعا الإسلام إلى إصلاح ذات البين ، ودفع الأذى عن الطريق ، وعدم الفساد في الأرض ، وغير تلك الأخلاقيات في هذا الدين الحنيف الذي يدعو إلى حُسن المعاملة مع المسلم وغير المسلم على حد سواء .
    وإن " عالمنا المعاصر أصبح عالمًا مُتداخلاً لم تعد الشعوب فيه تعيش فقط بجوار بعضها ، بل يمكن القول إنها أصبحت تعيش مع بعضها البعض .
   ولا ضير علينا إذا اعترفنا بأننا في عصرنا الحاضر في حاجة إلى الوافد الثقافيّ ؛ فعصرنا لا مكان فيه للانعزال حتى لو أردنا ، ولا مكان فيه للانغلاق حتى لو حاولنا ؛ فالتيار جارف ولا بد لنا أن نتعلم كيف نسبح في هذا الخضم الجارف ؛ حتى نصل إلى شاطئ الأمان دون أن يجرفنا الطوفان ، ودون أن نظل أسرى لعقدة الذوبان في الآخر أو فقدان الهُوية ؛ فهذا أمر يتوقف علينا نحن ، ولا يتوقف على هذا الوافد الثقافي " . ( الدين للحياة 188 )
   والحياة الإنسانية بشكل عام تحتاج إلى التعاون المستمر بين الجميع ؛ فكلنا في حاجة إلى بعضنا في العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغير ذلك من قضايا التعاون بين الشعوب .
    و" إن ما نسعى إليه جميعًا هو في نهاية المطاف نفس الشيء ، أي حياة كريمة باعتبارنا أعضاء في مجتمع إنساني .
   وهذا يتطلب أن نسعى في مجتمعنا المتعولم أولًا وقبل كل شيء إلى السلام في عالمنا ، وإلى ما يرتبط به أو ما هو شرط له ، ألا وهو احترام حقوق جميع البشر أفرادًا وشعوبًا ، ولكن الأمر المؤسف أنه غالبًا ما يتم الانحراف عن ذلك والانزلاق إلى حروب حمقاء لا معنى لها ". ( الدين للحياة 210 )
   ولقد أرسى الإسلام مجموعة من الأسس المهمة التي يمكن أن نحتذي بها في تعاملنا مع الآخر ، وهذه الأسس " لا تقوم على نظرة ضيقة أساسها من ليس في صفنا فهو بالتأكيد يقف ضدنا ، بل اتسمت نظرتها للآخرين بالتسامح ؛ لأن الدين الإسلاميّ دين عالميّ دعوته موجهة لكل البشر ". ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 3 )
  وإن " من شأن انتشار قيم الثقافة والاحترام المتبادل والتسامح بين أتباع الأديان أن يقضي ذلك على الأحكام المسبـَّـقة ، ويصحح الأفكار الخاطئة لدى كل طرف عن الطرف الآخر.
   ويشجع ذلك بطبيعة الحال على تعرف أتباع كل دين على الأديان الأخرى على نحو موضوعيّ بعيد عن أي شكل من أشكال التعصب أو الكراهية ، وبذلك ينفتح الطريق أمام التعاون بين الجميع في كل ما من شأنه أن يعود بالخير على هذا العالم الذي نعيش فيه ". ( الدين للحياة 238 )
  وإن تعصب كل فرد لرأيه ، وعدم النظر إلى رؤية الآخر أمر مذموم في الحياة الإنسانية ... ، وسياسة القتل ، والدعوة إلى التخريب من عوامل الرجعية والتخلف في شتى المجتمعات ، ومختلف الحكومات على اختلاف الآراء ، وتباين وجهات النظر .
   وإن " من مظاهر حسن الخلق حُسن الاستماع للآخر ، والإنصات له ؛ ذلك أن المُحاور الجاد ، هو الذي يهتم بصاحبه ، ويُصغي لكلامه ، ويُحسن السماع له ؛ حتى لا يكون في عالم منعزل عنه ، وفي هذا ما يُعين على هدوء الطرفين ، ويتيح لهما حسن الفهم ، ووضوح الرؤية ". ( فقه الحوار في ضوء مقاصد الشريعة 81)
  وإن الأذواق تختلف من شخص إلى آخر كاختلاف بصمة الصوت ، أو الأصابع ، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع ، وربما كان العمل عن طريق الكلام ذا نتيجة مثمرة ... ، وربما كانت النصيحة مفيدة في سياق ، وربما كانت غير صالحة في سياق آخر ؛ ولا عجب في ذلك فلكل مقام مقال ... ، والعبرة بمدى الاستفادة من علوم الآخرين ، ومناهجهم ، نظرًا وتطبيقًا ؛ وإن اختلفت الآراء ، وتباينت وجهات النظر ، والمفكر هو الذي يُعمل عقله ، ويقدح زناد فكره ، ولا يتبنى النظرة العَجلى في الحُكم على الأشياء .
   وإننا " إذ نـُـرحب بالدعوة إلى الحوار مع العالم الإسلامي فإننا على اقتناع تام بأن الحوار هو اللغة الحضارية الوحيدة التي تليق بالإنسان صانع الحضارة ، وهو الطريق للتواصل إلى تفاهم مشترك عن طريق الاحترام المتبادل ؛ لاستعادة بناء الثقة بين الجانبين ". ( الدين للحياة 203 )
وتحاول " كل مجموعة حضارية سواء في الشرق أو الغرب ترتيب أوراقها وإعلان موقفها من الأفكار المطروحة على الساحة العالمية ، وبخاصة بعد إعلان " جورج بوش " رئيس أكبر دولة في العالم سابقًا مقولته الشهيرة " من ليس معنا فهو ضدنا " ، وذلك عند إعلانه الحرب على الإرهاب في كافة أنحاء العالم على حد زعمه ، وهي مقولة تؤدي إلى تسطيح الأمور وتبسيطها بأسلوب مخل يتنافي مع أبسط الحقوق ألا وهو حق الاختلاف مع الآخرين دون أن يُفسد هذا للود للقضية ". ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 3 )
    وإن الإسلام " دين الوحدة الدينية ، والوحدة السياسية ، والوحدة الاجتماعية ، ودين العقل والفكر ، ودين الفطرة والوضوح ، ودين الحرية والمساواة ، ودين الإنسانية ؛ وهو لذلك كله دين ودولة ، وهو الذي قرر حقوق الإنسان ". ( الإسلام وحاجة الإنسانية إليه 1/23 )
  وإن " العقل في مدلول لفظه العام ملكة يُناط بها الوازع الأخلاقي أو المنع عن المحظور والمنكر ، ومن هنا كان اشتقاقه من مادة " عقل " التي يؤخذ منها العقال ، وتكاد شهرة العقل بهذه التسمية أن تتوارد في اللغات الإنسانية الكبرى التي يتكلم بها مئات الملايين من البشر ". ( التفكير فريضة إسلامية 10)
  وللعقل أهمية كبيرة في حياة الإنسان في شتى مجالات الحياة ؛ ولا شك في ذلك ؛ لأن " العقل هو مرجعية التفكير في الإنسان ، به سمت منزلته ، وتحددت مهامه ، وتأهل لحمل الرسالة والمسؤولية ، وفُضل على غيره من العالمين ، وهو وسيلة التقدم والارتقاء ، ومصدر الخير والسعادة إذا ما أُحسن استخدامه ، فإنه أداة التمييز بين الحق والباطل ، والنافع من الضار ، وبصلاحه يصلح الإنسان ". ( من قيم التشريع الإسلامي 169 )
  و " الجدل والحوار إنما يتوجهان في الحقيقة إلى العقل البشري الأمر الذي ندرك معه إلى أي حد كان القرآن الكريم يعتمد على العقل في تكوين الإيمان ". ( مفاهيم قرآنية 156)
   وإن التعاون الإيجابي بين الدول والبلدان أمر له أهميته في الحياة الإنسانية ، و" إن فكرة التلاقي  والتعاون والحوار والتعارف بين الشعوب والأمم هي الفكرة الأقرب والحل الناجح لمختلف المشاكل ؛ فالتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان من مرتكزات وأهداف الدين الإسلاميّ ، كما أن التعارف والتلاقي بين الشعوب من المفاهيم المستقرة في العقلية الإسلامية ". ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 154 )
ومن اهتمامات الدين الإسلامي تقدير العقل ، ولذا " علينا عرض الإسلام عرضًا موضوعيًا ، وشرح تعاليمه شرحًا مُستنيرًا بعيدًا عن العواطف والانفعالات ؛ نخاطب العقلية الغربية وغير الغربية بأسلوب يتفق مع ظروف العصر ، وما جـَـدَّ من تطورات ، وما حدث فيه من طفرات هائلة في جميع المجالات ". (الدين للحياة 228 )
  وإن للعقل مكانة كبيرة في الإسلام ، و" الإسلام دين العقل والفكر ، ما في هذا من ريب ، وبذلك يشهد القرآن الكريم الذي يشيد بالعقل في كثير جدًّا من آياته ، والرسول العظيم في كثير من أحاديثه ، كما يدل ذلك أيضًا عقائده التي جاء بها ، وأصوله التي قام عليها ". ( الإسلام وحاجة الإنسانية إليه 1/36 )
  وتبقى فكرة الحوار فكرة متميزة للغاية إذا تم احترام الآخر وتقديره ، و" ربما تكون فكرة الحوار بين الثقافات والحضارات هي الفكرة الأكثر قبولاً في الوقت الراهن عند كل الشعوب والدول ، خاصة مع تطور وسائل الاتصالات بدرجة كبيرة وشعور الشعوب في أي بقعة من بقاع الأرض بوجود قضايا مشتركة كثيرة تؤثر على معيشتها وتطور حياتها في المستقبل القريب أو البعيد.
    وتصبح فكرة " حوار الحضارات " في مفهوم الكثير من المُفكرين المحايدين والحكماء البديل المنطقي لمقولة " صراع الحضارات " التي انطلقت من أمريكا على وجه الخصوص ، كما يصبح الحوار هو الخيار العقلانيّ الوحيد في مواجهة فكرة الصراع والحروب بين الدول والشعوب  ". ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 154 )
   والحرية المتميزة هي التي تُعطي كل طرف من الأطراف الحق في التعبير من غير احتكار للحديث على حساب الطرف الآخر إلا بدليل ، و " إن من الحرية الحقة ألا يستبعد الإنسان هواه وغرائزه وشهواته ، وألا ينزل فيما يأتي ويذر إلا على حكم عقله الرشيد ، وهذا مما ألح عليه الإسلام في القرآن ، وعلى لسان الرسول والصحابة والتابعين ".  ( الإسلام وحاجة الإنسانية إليه 1/47 )
و" إن حرية التفكير والإبداع هي جزء لا يتجزأ من حرية الإنسان الاعتقادية والسياسية والاجتماعية ، وهي مسؤولية عقلية ودينية وأخلاقية واجتماعية وسياسية " . (  ضد التعصب 19 )
  وإن " الحرية تشمل فيما تشمل ... تحرير العقل من الضلالات والتقاليد الباطلة ، وتحرير الضعف من سلطان القوى وجبروته ، وتحرير الفكر والإرادة والعمل ، ما دام هذا لا يضر بالغير ولا بالصالح العام ". ( الإسلام وحاجة الإنسانية إليه 1/42 )
وللحوار مظاهر خاصة ترتبط بالأخلاق ؛ وإن " من مظاهر حُسن الخُلق الهدوء أثناء الحوار وعدم الغضب ، أو الانجرار للاستفزاز الذي يفقد المحاور تركيزه ؛ فالغضب – حتمًا – يسبب خللاً في الفهم وتركيز العقل ". ( فقه الحوار في ضوء مقاصد الشريعة 78)
ويتصل العقل اتصالاً كبيرًا بالشريعة الإسلامية ؛ حيث إن " للعقل مكانًا في التشريع لا يجوز إغفاله ، ولا يمكن إنكاره ؛ فالخطاب الإسلاميّ موجه للناس ؛ لأنهم القادرون دون سواهم على الوعي بمدلول الخطاب ". ( من قيم التشريع الإسلامي 172 )
   وإن معرفة الخلفية الثقافية للآخر أمر مهم ؛ لمعرفة كيفية إدارة الحوار ، وإن " تفهم الخلفية الثقافية ، والحضارية لمن يتم مخاطبتهم أو التواصل معهم يُعتبر من الأمور الهامة التي لا يجب أن يغفل عنها المسلمون في تعاملهم مع الآخرين ؛ فأهل الحضارة المادية يجب أن يُخاطبوا باللغة التي تتناسب مع مداركهم العقلية ، وخلفياتهم الثقافية وهكذا ؛ لأن اختيار اللغة المناسبة تعمل على تقصير المسافات ، وتضييق هُوة الخلاف إلى جانب سهولة إقناع الطرف الآخر " . ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 146 )
  وللحوار أهداف مختلفة ، و" من أهم أهداف الحوار ... توضيح الحقائق وبيانها وكشفها أمام الناس ؛ ذلك أنه بدون الحوار يمكن أن تبقى الحقائق مزيـَّفة أو مشوَّهة ، وهنا تضيع الحقيقة ، وتشق الأكاذيب لنفسها طريقًا إلى عقول الناس ". ( فقه الحوار في ضوء مقاصد الشريعة 19)
  ويبقى التعصب نقطة سلبية عند الحوار بين الأطراف ؛ لأن " التعصب جمود في العقل وانهيار للفكر ؛ لأنه لا يسمح بالتعددية الفكرية ، وسنة الفكر أن الآراء يقدح بعضها بعضًا ، ومن خلال التعددية نصل إلى الأفضل ، ونقف على السلبيات والعيوب في الآراء المعروضة ". ( القرآن وصحوة العقل 38 )
  و " عندما قام الإسلام راح يزدري المظاهر ، ويركز على بناء الإنسان لخدمة البشرية ، ولم يهتم بالمباني العالية ، ولا القصور الفخمة ، ولا المقابر المنصوبة ، ولا النقوش المحفورة ، بل كان اهتمامه مُنصبًّا على روح الإنسان وضميره ، وعلى عقله وقلبه ، ينزع ما في القلوب من غل ضد بني البشر ، وينقــّي العقول من الخرافات التي تستهين بالعقول ، ويُطهـّـر ضمائر الناس وأرواحهم ؛ ليدفعهم في طول البلاد وعرضها ؛ لاعتناق هذه الحضارة ، حضارة الإسلام التي لا تؤمن بالغش والخداع ، ولا تؤمن بالكذب والتضليل ، ولا تدين إلا لله وحده خالق الحياة للناس كافة ".  ( حوار الحضارات بين الشرق والغرب 13 )
   وإن قبول الآخر أمر مهم للغاية في المناقشات والحوارات ، وإننا  " في حاجة كبيرة إلى إقامة الحوار مع كل من يُخالف الإسلام مع أهل الكتاب ومع غيرهم من أصحاب النظريات والمذاهب الفكرية الأخرى ممن يدَّعون أن لديهم أديانًا أخرى بهدف دعوتهم إلى الإسلام  ، وهدايتهم إلى الحق.
   ولا بد لهذا الحوار معهم أن يكون بالتي هي أحسن ، وعرض الإسلام بطريقة تـُقنع العقول ، وتـُخاطب القلب ، وكثيرًا ما خسر الإسلام بسبب سوء عرضه من أناس غير قادرين على توصيله للناس ، أناس لا يملأ الإسلام قلوبهم ولا عقولهم ، فكيف لهؤلاء أن ينفعوا غيرهم ؟!! ". ( فقه الحوار في ضوء مقاصد الشريعة 16).
   و" لا يجوز لأي طرف من الأطراف أن يدَّعي لنفسه أنه وحده الذي يملك الحق المطلق ، وأن غيره يقف في الطرف المُقابل الذي يتساوى مع الباطل .
   وإذا استقر ذلك في الأذهان استطعنا أن نصل إلى مستوى الاحترام المُتبادل بين أتباع الأديان ، وهذا يعني أيضًا التسامح مع أتباع الأديان الأخرى ؛ فالاحترام المُتبادل والتسامح وجهان لعملة واحدة ، والتسامح الذي نعنيه ليس تسامحًا حياديًا ، وإنما هو تسامح إيجابيّ لا يقبل بالآخر فحسب ، بل يحترم ثقافته وعقيدته وخصوصياته الحضارية ". (الدين للحياة 237 )
   وقد حث الله – تعالى – " الرسول والمسلمين على الدعوة للإسلام بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة ، وقد استخدم الله في القرآن الكريم هذه الطرق الثلاثة ، ويراد بالحكمة البراهين العقلية على وجود الله ووحدانيته ، وأكثر الله من الموعظة الحسنة بقصص الرسل والتخويف من عذاب النار ، كما أكثر من المجادلة اللينة الرقيقة ". ( عالمية الإسلام 4 – 5 )
    ومما لا شك فيه أنه " إذا كان المسلمون لديهم القناعة الكافية بأهمية التفاهم والحوار مع الآخر ؛ فإنهم يرون - أيضًا - أنه لنجاح هذا الحوار في تحقيق الأهداف المرجوة منه ، فإنه يجب أن يتأسس على الاحترام المُتبادل مع جميع الأطراف المتحاورة ، كما أن الغرض من هذا الحوار هو الوصول إلى الحقيقة المُجردة أيا كانت ؛ لأن الحكمة هي ضآلة المؤمن ، وأن الهدف من هذا الحوار ليس إفحام الآخرين ، أو التقليل من شأنهم وشأن معتقداتهم ، أو إكراه الآخرين على الدخول في الدين الإسلامي ". ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 162 - 163 )
  و" إن الاعتراف بالآخر وجودًا ورأيًا يعني نسبية الحقيقة ، وأنه لا يوجد طرف من الأطراف يمتلك الحقيقة المطلقة ، وإنما عبر الحوار والتفاهم تتضح معالم الحقيقة ؛ لذلك فإن الحوار مع الآخر يعني فيما يعني احتمال وجود جزء من الحقيقة عند هذا الآخر ، وإن كان يجب أن نؤكد هنا أن الاعتراف بالآخر ، واحترامه لا يعني القبول المطلق لأفكاره أو حضارته أو عدم الرفض لبعض من هذه الأفكار أو المعتقدات ، ولكن يعني محاولة صادقة لفهم هذه الأفكار والظروف التي أدت إلى تبني الطرف الآخر لها ، من أجل الأخذ منها بما يتفق مع معتقداتنا الدينية ، والظروف الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بنا " . ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 135)
   وإن الفُرقة والابتعاد عن المنهج الصحيح والسير عكس تيار الموضوعية الفكرية من أمور التخلف والرجعية في المجتمعات المتباينة ، وإن الزعم بأن شخصًا ما يمتلك الحقيقة المطلقة من سفاسف الأمور التي لا بد أن يُقضى عليها في شتى مجالات الحياة .
  ومن الأهمية بمكان أن يتعرف " كل طرف على الطرف الآخر .. على آرائه وأفكاره ومعتقداته وأسلوبه وتعامله ، وبصفة عامة على حضارته ، ومن هنا وجدنا الإسلام يجعل التعرف على الآخرين شرطًا أساسيًا للدخول في أي تعاملات تتم بين الأمم ". ( المسلمون والآخر وفاق أم شقاق 134 )
   وإن الاعتراف بالخطأ خطوة سديدة ناحية تصحيح هذا الخطأ ، والتمادي في الباطل تعصب للذات على حساب الآخر .
   وعلينا ألا نتمسك بوجهات النظر الخاصة بنا بتعصب وسلبية ؛ فربما سار المرء ناحية موجة تعانق شط الأمل من وجهة نظره ؛ فإذا دنا منها وجدها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن الماء العذب الذي يَشفي غـُـلة نفسه ، وما هو إلا الهلاك المبين ، والضلال المُنـْهـَـمــِـر .

مراجع المقال :

- الإسلام وحاجة الإنسانية إليه للدكتور محمد يوسف موسى ، سلسلة قضايا إسلامية ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، القاهرة 2010م.
- الإسلام والغرب من التعايش إلى التصادم للدكتورة هالة مصطفى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2002 م.
- التفكير فريضة إسلامية للأستاذ عباس محمود العقـَّاد ، دار نهضة مصر ، القاهرة 1998 م.
- حوار الحضارات بين الشرق والغرب للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي ، ط2 ، سلسلة قضايا إسلامية ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، القاهرة 2012 م.
- الدين للحياة للدكتور محمود حمدي زقزوق ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2010م.
- ضد التعصب للدكتور جابر عصفور ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2000م .
- عالمية الإسلام للدكتور شوقي ضيف ، دار المعارف ، القاهرة 1999م.
- فقه الحوار في ضوء مقاصد الشريعة للدكتور حساني محمد نور ، ع ( 213 ) ، سلسلة دراسات إسلامية ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، القاهرة 2013م.
- القرآن وصحوة العقل للدكتور محمد داود ، دار المنار ، القاهرة 2004 م.
- المسلمون والآخر وفاق أم شقاق للدكتور يحيى وزيري ، سلسلة قضايا إسلامية ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، القاهرة 2011م.
- مفاهيم قرآنية للدكتور محمد خلف الله أحمد ، ع( 79 ) ،عالم المعرفة ، الكويت 1984 م.
- من قيم التشريع الإسلامي للدكتور محمد الشحات الجندي ، ع(195) ، سلسلة دراسات إسلامية ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، القاهرة 2011م.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق