الصفحات

2016/10/23

الرقصة بقلم : عبد القادر صيد

  الرقصة
بقلم : عبد القادر صيد
   في قلبي كلّه ليس هناك شعور أسوء من الوحدة ، فهي لا  تواجهني  و لا تهاجمني ، و إنما أجدني أنفذ إليها شيئا فشيئا ، و لا أحد يستطيع إنقاذي ، و لكن ما عساي أفعل إن لم  أنخرط في هذا الشعور المحزن حد اللذة ؟ ما الذي سوف يملأ عليّ فراغي سوى همهمات غير مفهومة تداولت على جدّي و أبي رحمها الله ؟ و بقي جزء من نصيبهما ، أنا الآن أضطلع بالتكفل به قضاء للدين ، و وفاء لا اضطرابا في الأعصاب و لا خللا في الطباع كما يتمتمون بشأني ،سأقوم بتعديلات على هذه المشاعر لتحسّ بي قليلا ، فأنا أحملها ، سأحاول أن تحملني في مستقبل الأيام ،ماذا سيكون شكلي لو أنني لم أكن مجتاحا من قبل هذه الوحدة العابثة التي تحكمني بدكتاتورية ساخرة ؟ ما مصلحتها من جسم نحيف لشخص يعيش على الهامش ؟ لا يتقاطع مع الناس إلا في فنجان القهوة المرّة صباحا ، أكره التدخين لأني أريد ان أصير مصنعا ملوّثا، ،لا أريد أن أحظى بالسبق في أي شيء ، ربما أخشى العين ؟ أو أخاف من التحدي ؟ أو أترفع عنه؟ لأن النتيجة دائما محسومة ، فأنا الأفضل في كل شيء ،يكفي أن أتنحنح حتى أدخل الرعب في قلوب المنافسين الوهميين ، لا وجود لهم أمامي ، أحدهم يكرهني لسبب تافه ، زوجته مدحتني له ، أصبحت عدوا لدودا بمجرد  أن قالت له :
ـ ذلك الصامت يبدو رجلا جادا..
كان ثرثارا و مزّاحا ، عقد المقارنة داخله ، و ترجمها إلى غيرة و كره ، و يترقب اليوم الذي سيصطدم فيه معي ، لن أمنحه الفرصة ليموت بغيظه و يسبح في بحيرة الإحباط ما تبقى من أنفاس تبغه البغيض . هل سيصل به الامر إلى قتلي يوما ؟ لا أعتقد ، فهو ليس مجنونا مثلي ،ثم هو لا يعرفني ، و قد لا يكون أصلا من بلدتي ، و الحادثة ترجع إلى أكثر من سنة ، لست مسؤولا عن إحساسه بالإهانة ، لن أصبح في أواخر سنين عمري مسؤولا عما يحدث للناس بسبب خصالي المتميزة ، هل فعلا مدحتني ؟ أم تراني توهمت ذلك ؟ قد يكونان قد تحدثا في موضوع آخر ، لست متأكدا تماما من الموضوع ، لكنني أجزم أنه يكرهني ،لذلك سأنسى الأمر  كلية ، و سأقصي كل الأفكار السامّة التي تحاول أن تجعلني مختلفا عن الآخرين ، لن تنفجر هذه الأفكار لأنها كرصاصة في جيبي ، لن تجد منفذا لمسدسها ، ستنتهي صلاحيتها بوصول أجلي ، و ليقع ما يقع بعد موتي ،هذا هو تكتيكي .. أحس أن ما يدور في ذهني مسجل في دفاتر عند غرباء ، أو هيئات غير رسمية ، لذلك سأخفض من صوت نفسي ، و سأتحايل في التفكير لأخدعهم ، قد يعدل من فكر في مشروع الانتحار عنه إذا رأى فضاعة من أقبل عليه و لوم الناس له ، لكني لم أفكر في الانتحار يوما ، فلم هذه الأفكار؟ إنها وسوسة لا أكثر    و لا أقل ، و أمر الوسوسة جلل ، لأنه قد يتطور الأمر إلى تهيئات و ربما حتى التلفظ بعبارات لا إرادية ، أعرف شابا لاحق مجموعة من البنات يعاكسهن ، طلبت منه إحداهن أن يرقص إن كان رجلا و لا يخشى من عيون الناس ، تجرأ و رقص ،و منذ ذلك الوقت أي خمس و عشرين سنة و هو يؤدي نفس الرقصة  ، المسكين لم يعد يرجع إلى منزله ، يقولون عنه مجنون مثلي ، مشكلتي أنا أنني لم أرقص تلك الرقصة منذ نفس المدة ، متى سأرقصها ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق