الصفحات

2016/11/22

الثقافة؛ بين التهميش والاحتكار والإقصاء بقلم/ حسن الحضري

الثقافة؛ بين التهميش والاحتكار والإقصاء 
بقلم/ حسن الحضري

ثمة عوامل ثلاثة تعدُّ من أهم وأقوى أسباب التدهور الثقافي، الذي تعاني منه بلداننا العربية في السنوات الأخيرة؛ تتمثل في: التهميش، والاحتكار، والإقصاء؛ فأما التهميش فهو سياسة تتَّبعها بعض الأنظمة الحاكمة، بقصدٍ أو غير قصدٍ، تجاه الأدباء والمثقفين، وإذا كان هذا التهميش مقصودًا؛ فإن الغرض منه هو التعتيم على أفكارهم، التي تخشى هذه الأنظمة من قدرتها على التأثير، سواء في الداخل أو في الخارج؛ وإذا كان غير مقصود؛ فإنه لا يخلو من سببين كلاهما مرٌّ؛ أوَّلهما أن تكون هذه الأنظمة فاقدة الوعي، غير مدركة أهمية العملية الثقافية ودورها في بناء المجتمع والنهوض به، فلا تضع ذلك في خطتها ولا تعِيره اهتمامًا، وهذا يجعلها بلا شك عرضةً للغزو الثقافي، الذي يمكِّن الغازي من السيطرة على ما يشاء من مؤسسات الدولة؛ من خلال توجيه عقول أبنائها إلى التعامل معها حسب الثقافة التي يرسمها لهم ويحقق من خلالها أهدافه غير المشروعة؛ وثانيهما أن تكون هذه الأنظمة فاقدة القدرة على تمييز الخبيث من الطيب، والغث من السمين، مهملةً قدراتِ أبنائها، غير مستعدة للإفادة منها، فيتم إهدار ما لديهم من أفكار يمكن أن تنهض بالوطن في حال الإفادة منها. وأما الاحتكار فهو سياسة يمارسها بعض الأدعياء والمتطفلين الذين وجدوا أنفسهم -بغير استحقاقٍ- أوصياء على شيءٍ من العملية الثقافية؛ سواء مِن قِبَلِ الدولة في المؤسسات العامة، أو مِن قِبَلِ أشخاصٍ بأعينهم في المؤسسات الخاصة، حيث يحتكرون لأنفسهم وللمقربين منهم فعاليات هذه المؤسسات، ولا يتيحون الفرصة لغيرهم في المشاركة؛ خشيةَ قدراتِ الآخرين وتفوقهم عليهم، فالباطل يخشى ظهور الحق، والرديء يخشى ظهور الجيد، والضعيف يخشى ظهور القوي؛ وهؤلاء الأدعياء والمتطفلون لا يدركون أنهم بأفعالهم هذه يخونون الأمانة، ويزيِّفون الحقائق؛ حيث جعلوا أنفسهم في الصدارة بغير اسنحقاق، وتقييم أي أمرٍ يتم وفقًا لمعطياته، ولا معطيات لهؤلاء إلا الضعف والانحطاط؛ ويكمن الخطر في التعميم، الذي يسيء إلى من لا ذنب له، بل يسيء إلى المتضررين أنفسهم وليس إلى الجناة فقط. وأما الإقصاء فهو سياسة يمارسها ضعفاء النفوس ومرضى القلوب، بغرض التخلص من كل رأيٍ أو مذهبٍ يخالفهم، وهم يعلمون علم اليقين أنه صاحب الحق، وأنهم أصحاب الباطل، فسياسة الإقصاء لا يمارسها إلا الضعفاء والمبْطلون، الذين يفتقدون القدرة على إثبات صحة آرائهم والدفاع عنها، ومقارعة الرأي بالرأي، والحجة بالحجة؛ وهم بأفعالهم هذه يحاولون فرض فكرٍ أو مذهب أدبي أو ثقافة بعينها، لا تناسب إلا قدراتهم المحدودة، التي لا ترقى إلى أداء الأمانة أو تحمُّل المسؤولية؛ فهم يقدِّمون مصالحهم الخاصة غير المشروعة على الصالح العام. إن الدولة التي تريد أن تنهض نهضة حقيقية شاملة؛ عليها أن تتعامل مع العملية الثقافية، من منطلق إدراكها أنها هي الأساس في بناء الفرد والمجتمع؛ لأنها تتعلق بكل شيء يخصهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق