الصفحات

2016/12/08

"الأدب وصناعة الوعي" كتاب جديد للدكتور أحمد يحيى علي

"الأدب وصناعة الوعي" كتاب جديد للدكتور أحمد يحيى علي

إصدار جديد للأستاذ الدكتور أحمد يحيى علي أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس الأدب وصناعة الوعي ضمن الإصدارات الأحدث لدار كنوز المعرفة العلمية بعمان/الأردن سيكون ضمن معروضاتها إن شاء الله في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة.
من أجواء الكتاب:


إن البنية التشكيلية للنص الأدبي الذي تمنحه خصوصية وتفردا يشجع المتلقي على الاقتراب منه تعد  بمثابة وسيلة إلى غاية تتمثل في ما يحمل من قيم دلالية تسهم في صياغة فكره وشعوره على نحو معين، هنا يبرز في أفق المعرفة مصطلح الوعي(Awareness)  واتصاله بعلم النفس وما يرافقه من معانٍ تدور في مدار الإدراك؛ أي إدراك الإنسان لنفسه وللعالم المحيط به، وتتعلق هذه الحالة بثنائية أكبر هي (الذات والعالم) وتأتي مفردات الزمان والمكان لتكمل مع هذه الثنائية منظومة بناء الوعي؛ ومن ثم فإن تدشين نافذة للرؤية تعين على إنجاز تصورات وصياغة أحكام تجاه عالم الذات الفردي والعالم الخارجي المحيط ذي الصبغة الجمعية يتطلب معمارا فكريا وشعوريا تتدخل في تكوينه خبرات قد تراكمت نتيجة علاقات تفاعلية بين المرء وحضوره الحياتي وما يحصل فيه من ملابسات، والأدب الذي ينجزه صاحبه يعد بالنسبة إلى فاعله دليلا عاكسا لوعي صاحبه وقراءته الحاكمة الراصدة لهذا الحضور، ويتمدد هذا الدور عندما يصادف هذا الأدب ذواتا تستقبله وتستعين به في عمليات قراءة وصياغة مواقف تقوم  بها إزاء نفسها وعالمها هي الأخرى.
ووفق هذا الطرح فإن الدال (وعي) يتحرك في نسق رحلي معرفي من حقل علم النفس إلى حقل الأدب مكتسبا بفضل هذا الأخير بعدا دلاليًا جديدًا ينسجم وطبيعة هذا الحقل؛ فما يسمى في علم النفس بالوعي يُطلق عليه في عالم الأدب (التجربة الشعورية) التي تعبر عن موقف وحالة شديدة الدقة تحياها الذات المبدعة ذهنيا ووجدانيا نتيجة تناوبها لموقعي الفاعل المؤثر والمفعول المتأثر في داخل سياق واقعي ذي محددات تصنع ملامحه؛ فما يبثه إليها هذا السياق وما ترسله إليه يفضي في نهاية المطاف إلى حالة تجد لها سبيلا للظهور في منجز فني أدبي هو بمثابة أداة تجسيد لهذه الحالة.
إن الارتقاء والتوسع بمهمة الأدب ودوره في حياة الجماعة - التي تستظل بلغة وثقافة وحضارة تتميز بها عن غيرها ممن ينتمي إلى جنس الإنسان - بحيث لا تقتصر على جانب المتعة التي يبعثها عامل الجمال المنطلق من كيفية تشكل النص وصولا إلى رسالة يؤديها ووظيفة فاعلة مؤثرة وموجهة في داخل محيطه قد تتجاوز لحظته وبيئته المكانية المحدودة يعد مسألة يحرص عليها صاحب القلم الذي يوظف رصيدًا معرفيًا وسيرة حياتية يمتلكها وهو يفتح للمعنيين بالقراءة نوافذ لرؤية أوسع للعالم وللحياة عموما تنضاف إلى أشكال الرؤية التقليدية التي تقوم على المعايشة المباشرة وعلى المقروء في حقول معرفية أخرى غير الأدب؛ لذا فإن مفردات إطارية مثل (إنسان، حياة، أدب) تعد مكونات رئيسة تسهم في صياغة لفظة (وعي) الذي يكتسب مظاهر عدة ومتنوعة في حضوره من خلال تعامل المتلقي مع عالم الأدب بأنواعه المختلفة؛ إذ يجد القارئ نفسه على موعد مع مساحات فكرية يفتحها له هذا العالم بما يحظى به من عمق:
-       الوعي بالتاريخ
-       الوعي بالمجتمع وتحولاته
-       الوعي بالسياسة
-       الوعي بالنفس من داخلها
-       الوعي بالسياق الثقافي والحضاري الذي ينضوي تحته النص ومبدعه
-       الوعي باللغة مفردةً وتركيبًا ودلالةً
-       الوعي بالجمال من خلال الوقوف على الحالة البنائية للنص محل القراءة
-   الوعي بالنوع الأدبي الذي ينتمي إليه النص مجال اهتمام القارئ وصاحبه ومنجزاته الأدبية الأخرى ويتوسع هذا النوع من الوعي ويتمدد ليشمل مجمل العملية الأدبية برمتها على تنوع أثوابها.
إن هذه الحالة التي تتولد عن هذا المصطلح الأثير (الوعي) وتتحرك في مسار رحلي بين مبدع وعالم وقارئ لمنجزه تضيف إلى نشاطها شريحة من القراء هم المتصفون بهذا النعت (ناقد) الذي ينشئ مساحة فكرية جديدة تأخذ مكانها إلى جانب أخواتها السابقات وتتمثل في:
-   الوعي بالمصطلح النقدي: الذي يحيل إلى المنهجية الموظفة من قبل هذا الناقد في معالجته للنص، والحديث عن هذه المنهجية يفتح الأفق أمام رحلة مر عليها حقل النقد يمكن اختزالها في: المرحلة التقليدية حيث التعويل على المؤلف وسيرته في قراءة النص، وفي هذه المرحلة تبدو جلية تيارات مثل الكلاسيكية والرومانسية والواقعية، ويلي هذه المرحلة ما يسمى بالحداثة التي أغلقت النص على نفسه وقطعت عنه أسباب الاتصال بخارجه وجعلت من الوقوف على مقومات بنائه من الداخل وصفًا ورصدًا هو الشغل الشاغل لعمل الناقد يبدو ذلك جليا في ما عُرف بالبنائية والأسلوبية، ثم تأتي مرحلة ما بعد الحداثة التي كان فيها لمناهج التلقي ثم ما يسمى بالسيميولوجية ثم النقد الثقافي وجود ظاهر بدأ فيه الناقد يتحرر من قيود الشكلية وسلطانها في مرحلة ما سمي بالحداثة ليمنح لنفسه بوصفه قارئًا سلطةً في تحليل النص وتأويله مستعينًا بتجاربه وبفهم لسياق الخارج المحيط بمبدع النص وبه في تقديم منجزات دلالية تسعى إلى ترسيخ مسلمة مفادها أن للنص حياة يحظى بها تجعله يتحرك حركة ذاتية مستقلة خاصة به بمنأى عن فاعله الأول.
وبالوقوف عند هذه الرسالة الواصلة بين المرسل الأديب والمرسل إليه القارئ يظهر جليا هذا الجانب من الوعي المتمثل في الوعي بالنوع؛ فلكل شكل أدبي قانون يحكم بناءه ولكل تجربة تنضوي وتنتمي إلى نوع بعينه خصوصيتها من حيث الصياغة التي اعتمدها لها صاحبها، ومن هذه النقطة بالتحديد (الوعي بالنوع) أو (الوعي بالشكل) يأتي الحديث عن محتويات هذا المؤلَف الذي يحرص على تسليط الضوء على فكرة الوعي واتصالها بكل من صاحب النص وقارئه في علاقتهما بالنص وبالعالم الذي يعيشان، من خلال تضافر نظري منهجي جامع بين ما هو لغوي لساني وما هو ثقافي يتماس مع التاريخ وعلم النفس والاجتماع محاولا توظيف كل ما يمكن أن يخدم هذه الرؤية الساعية إلى الوقوف على ما للنص الأدبي من قيمة وتأثير في صياغة موسِعة لمفهوم الوعي، وتتنوع المجالات التطبيقية التي تم الاتكاء عليها في هذه المعالجة بين قديم وحديث من جانب، ومن جانب ثان لا تقتصر على نوع أدبي محدد؛ فقارئ الكتاب يجد نفسه على موعد مع القصة العربية في صيغتها التراثية (الخبر القصصي) والقصة في شكلها الحديث، وقصيدة الشعر في الطور المسمى بالشعر الحر أو التفعيلة، وشعر الزجل أو شعر العامية، و فن الرواية بشقيه في التأليف: الرجل والمرأة، وكيف ينظر كل طرف إلى عالمه في ضوء تجربته وقناعاته ومواقفه الفكرية.
ووفق هذا الطرح المصافح للعملية الأدبية في جل أنواعها تأتي فكرة الوعي مرضية للقيمتين الإمتاعية الجمالية والنفعية المتصلة بالمعنى اللتين تشكلان طقسًا يخيم على جو العالم الأدبي عموما بالنظر إلى هذه الثنائية الشهيرة (الشكل والمضمون)؛ ومن ثم فإن التفتيش عن العالم بمراتبه الزمنية الثلاث: الماضي، الحاضر، المستقبل وما يقع فيه، وعن الذات التي تعيش حياتها فيه بواسطة كل من الأديب ومتلقي عمله يأتي من خلال هذه الثنائية وما يلقيه كل طرف فيها من ظلال على الاثنين معًا؛ إذن تصير كل محاور الوعي سابقة الذكر محددة ومسكونة في محورين رئيسين - بالنظر إلى فن الأدب غير المتجمد عند عتبة الإمتاع والتسلية في حضوره وفي تكوينه – هما: محور: الوعي بالشكل وفيه وقوف عند النوع الأدبي وعند ما تتمتع به كل تجربة تأوي إليه من خصوصية من حيث التشكيل، ومحور الوعي بالمضمون أو المعنى الذي يبرهن على الطبيعة المجاوزة/المتعدية التي يجب أن يمتلكها كل نص أدبي؛ ألا وهي ما يحمله من قيم تسهم في توجيه من يكتشفها على نحو معين يؤثر إيجابًا في العالم الذي يحيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق