الصفحات

2016/12/30

في قلبي امرأة عبرية والبحث عن الذات بقلم: رولا حسينات

في قلبي امرأة عبرية والبحث عن الذات
 بقلم: رولا حسينات

في قلبي أنثى عبرية ..أصابتني بالإعياء..إعياء من نوع آخر بعيدا عن منطق الجسد وعلاته إلى منطق الفكر ومتاهاته..ظننتني لوهلة قادرة على المضي قدما إلى نص روائي بحت لا يتعدى الحب والعاطفة ويأتي الدين فيه معرضا ضعيفا..لكنني فوجئت بأنني لن أخرج أبدا من تلك الأسوار الشاهقة التي بنتها الروائية الدكتورة هدى ببراعة وهي أسوار الفكر ووضعت لنا نقاط لتسلقها ولكننا لن نتمكن من ذلك إلا بعد أن نتيقن من حقيقة إيماننا وأن نعرف من نحن..بعيدا عن واقعنا المظلم إلى عالم آخر أكثر تفاؤلا.. وأنا أنفض الغبار وأزيح شظايا القتل وهستيريا التدين في العهد الجديد....كنت أمام نص تاريخي ديني حضاري ثقافي علمي دعوي موثق إلى أبعد تصور..لم تكن رواية عادية بل منطلقا جديدا في توضيح مفهوم الإسلام وبعيدا عن التشكيك ..بصراع فكري ديني لتكون الغلبة لمن؟؟ قل لله.. لعلنا في نقدنا لرواية قيمة كهذه نجرحها لأننا تعمقنا فيها حتى كانت جزءا منا لأنها حاورتنا وأنبتت فينا غراس الإيمان الصادق الذي يجعلنا قادرين حقا على الإجابة الواثقة على المعترضين والمشككين من أبناء جلدتنا أولا .. فما بالك بأبناء الديانات السماوية الأخرى..؟؟ كان النص الروائي قديسا لأبعد الحدود ويمكن القول أنه نوعي ..من منطلق البحث عن الذات والروحانية والثقة العمياء والإدراك العقلي كانت البداية..ريما كانت تعبيرا عن الغرسة الصغيرة التي رغم أنها لم تع طفولة في بيئة سوية بالنسبة لدينها وصغرها.. نشأت على حب الله..ووجدنا أنفسنا نتساءل هل كانت جربة في تونس الصورة الأمثل للتوافق الديني والتلاقي الحضاري والتعايش السلمي رغم التفاوت في المستوى المعيشي.. والذي جعل منطق التعايش السلمي مقبولا؟؟ هذا ما كان وما لمسناه من تزواج بين الإسلام وأهل الكتاب وتوافق أسري....وقانا منطقة الصراع المسلح بين الاحتلال الصهيوني وبين حركات المقاومة بين الحاملين أرواحهم على أكفهم وبين حاملي الرصاص في بنادقهم..بين منطقي التعايش والمقاومة امتدت خيوط الرواية لتحرك شخوصها بنمط روائي لكن برسالة مختلفة ..ندى وأحمد في البداية ريما وجاكوب ميشيل وندى وبابا جورج وسونيا ودانا وإيميل ..ربما تكون صور كل منهم على حدا قضية بحد ذاتها وتعبيرا عن مقدار الرفض أو القبول ..التعايش وقبول الآخر والانخراط في المنظومة الاجتماعية.. كلا على حدا تحمل فلسفة البحث وفلسفة الصمود وفلسفة الوقوف على الحياد أو القبول بالآخر..تحت سقف المدينة الواحدة كان اليهودي والمسلم والمسيحي وتحت سقف البيت الواحد كان هذا الاختلاف العقائدي ..إن الإشكالية الحقيقية التي تبيناها.. ليست في البحث عن الله إنما في تعريف الناس ومختلف الأديان بما هو الإسلام.. دين الله الذي ارتضاه للبشرية..وهذا يجعلنا نضع القاعدة الأساسية في منطق الحوار وهي إيجاد القاعدة المرجعية التي لا يمكن لأي كان أن يخطئها أو يبطلها وهي حقيقية وحدانية الأديان.. والنقطة الأهم التي ركزت عليها الدكتورة هدى هي الدعوة الدينية من البكر بدءا من الطفولة المبكرة والمتوسطة في العمر الغض المستجيب والحائر..الذي يسهل عجنه وتوجيهه..من الحادية عشر إلى العشرين. العقل الباحث عن المنطق والعاطفة معا من السنة والقرآن.. هذا السن الخطر الذي يحدث تغيرا في الصيغة الجينية الوراثية..عند نقطة ما ثورة نوعية لن يوقفها بعدها أحد.. إن الرهان هو هل بإمكاننا أن نقنع جيلنا نحن بأن الإسلام هو الحل؟؟ كما اقتنعت ريما بذلك واكتشفته بنفسها وعززته بثقتها بالله تعالى؟؟! ما أصبرها على العذاب.. ما أصبرها على دونية البشر.. يتمها وحاجتها وضعفها.. بأي منطق كان يضمن لها حالة من الضياع.. لكنه أثبت لنا حالة فردية من إثبات الذات والصبر ..وأحمد حين تمكن من إخراج ندى من اليهودية إلى الإسلام بنصوص تاريخية وبنصوص توراتية وبنصوص قرآنية.. لم يتعجل كان واثقا أنه يستطيع فعل الكثير.. ببساطة لأنه يملك الحجة والبيان ويحاجج بالتي هي أحسن صبورا شكورا واثقا نبيلا يتملكه الحياء الرجولي الذي تعشقه المرأة ..كما امتلك كل مفاتيح الرجولة.. ليس هذا وحسب بل كان يدمج بين إرضاء الله تعالى بأن يقاوم العدو بنفسه وهو أمام مهمة جليلة وهي إخراج من الظلمات إلى النور.. إن المنطق الذي فرضه شخوص هذه الرواية.. أن هذا السن الغض لا يمتلك حق التعبير عن الرأي ويبقى تحت الوصاية وخاضعا لشذوذنا في فرض القرار والعذاب.. كما كانت سونا وكما كانت تينا وكما كانت أم أحمد وكما كانت أم حسان وكما كانت وكانت.. هل هو السر الأنثوي في التزمت بالقرار والإصرار على رسم الخطوط العريضة للأسرة التي يردنها بعيدا عن الشذوذ الديني ومنطق مفارقة الطائفة والرفض الاجتماعي؟؟! على النقيض من ذلك كانت صورة الرجل واسعة الصدر..متفهمة وحاضرة ذهنيا وفكريا بابا جورج وجاكوب وميشال وحسان وأحمد.. وبقيت صورة سالم باهتة المعالم هاربة من المسؤولية.. كل شخصية من شخصيات الرواية حملت معها نهاية ليست مفتوحة.. رغم موت الكثيرين لأنها صور واقعية عن شخصيات نحاكيها وتحاكينا ونعايشها في روتين حياتنا اليومي..ونجدها كثيرا في المجتمعات المختلفة.. إن القضية الأساسية التي عرضتها الروائية المبدعة ..هو أن الإسلام ليس بمعتنقيه بقدر ما هو برسالته.. فالمعتنق مهما حاول أن يكون كاملا إلا أنه يشوبه نقص ما فالكمال لله سبحانه وتعالى.. وهذا يخص البشر المعجونين من طينة خصبة بكافة صور التعلق بمفاتن الدنيا.. ولم تكن منزهة كما هو الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.. فلا يعني الإخلال بالنظام ولا يعني التخلف ولا يعني الجهل ولا يعني أي من صور النقص مقارنة مع الحضارات الأخرى نقصا أو تشويها بالإسلام نفسه.. لأن المقارنة على أساس الحضارة ليست وسيلة لإضعاف حضارة سابقت عجلة الزمن وأحدثت نقاط تغير جذرية على خريطة العالم ..مهما حاول الغرب اليوم طمسها أو النيل من تراثها وإرثها الحضاري والفكري والعلمي.. من عبورنا أوروبا وامتدادنا إلى بلاد الهند والسند وإفريقيا ..تغلغل للإسلام على الخريطة الكونية لم يأت عبثا ولم يكن لينتشر كدين بقوة السلاح وبالترهيب وبالدماء.. لأن الخوف هو حاجز لا مرغب هو مخدر مؤقت.. رافض فيما بعد.. بزوال العارض ..لكننا نتحدث عن امتداد لأمة هي الأمة الإسلامية بعيدا عن القوميات والقبليات بعيدا عن الطائفية والفئوية.. من هنا تتكامل الصورة إن أردت أن تجادلني فجادلني بالقيمة والجوهر ودعك من أولئك المشوهين للمنظور الإسلامي.. وقد أبرزت الكاتبة ذلك التطرف الذي حدث من ظهور ملة تريد تشويه الإسلام.. وهذه الملة ليست بعيدة عن الملة المسيحية وفرقها وعن اليهودية وتعصبها... فقد اتفقت جميعها باتخاذ الدين وسما مرجعيا لبرهنة شرعيتها.. وليس بالضرورة مرجعا حقيقيا.. إن ما استهلته هذه الرواية كان مبنيا على البداية من الصفر من نقطة البداية.. من منطلق الإنسانية والحب والعاطفة.. لأن العاطفة هي بوابة الروح وهي مذيبة الجليد ومزيلة للصدأ.. لذلك كانت السنة النبوية وحياة الرسول عليه الصلاة والسلام خير بداية.. لنضعها حجرا في بناء قوي.. لأنني أريد أن أكون كمحمد عليه الصلاة والسلام في إنسانيته في تسامحه في قبوله الآخر.. في منطق التوافقية والانفتاح العقلي. أن أكون مثله حتما في الصبر وتحمل المشاق والتعذيب.. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون.. إن النقطة التي أرادت أن تختم بها الكاتبة روايتها كانت بعيدة كل البعد عن الأسلوب الذي سارت به.. فعبر لنقل 660 صفحة إلى مسار جديد هو الأسلوب الروائي.. البحث الذي يتضمن المغامرة وفقدان الذاكرة وحب جديد ثم يظهر الحب القديم وتبدأ المشاحنات والصراع لينتهي بنهاية سعيدة هي التقاء البطلين وزواجهما.. أجد الكاتبة قد أنهت روايتها بإسلام جاكوب وتينا وسارا وبسعيها في إقناع سونيا بالإسلام ولكن تبقي على روايتها موضوعا دينيا تاريخيا جدليا بحتا فارتأت بأن تعيد حبك الرواية من جديد لتمتع القارئ بصور الحب والعاطفة والنهايات السعيدة والتضحية.. لقد وفقت الروائية الدكتورة هدى بذلك أتم التوفيق لم تكن الرواية إلا بحثا شديد الوعي وطرحا فريدا يحتاج منا جهدا كبيرا.. إن أردنا ترويجه إلى أبعد من أن يبارح مواقعنا ليكون نصا أدبيا مترجما بجهود الكتاب والمترجمين.. لنخرج به إلى النور العالمي بدلا من الاكتفاء بترجمة النصوص التي لم تخرج بشهرتها عن الجنس والعري ومنطق المعاناة....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق