الصفحات

2017/01/27

حفل توقيع رواية "ذهب الرقيم" في مكتبة شومان



حفل توقيع رواية "ذهب الرقيم" في مكتبة شومان

     في العاصمة الأردنية عمان،وفي أمسية شتويّة تزخر بالنّخب الثقافية والأكاديميّة والإبداعيّة  والإعلاميّة والمهتمين،استضافت مكتبة شومان ضمن برنامجها الدّوري" قراءات في المكتبة" حفل توقيع رواية"ذهب الرقيم" للرّوائي الدكتور عبد العزيز اللبدي حيث عُقد على هامشها ندوة نقديّة متخصّصة عنها؛و أدار تلك النّدوة وقدّم المنتدين فيها د.سميرمحمد أيوب،في حين شارك فيها كلّ من: الأديبة د.سناء الشعلان،والأديب بكر سباتين،والباحثّ المتخصّص في البتراء مأمون النّوافلة.
 وقد افتتح د.سمير محمد أيوب النّدوة بالتّعريف بالرّوائي اللبدي،حيث قال في معرض تقديمه له إنّه:" الدكتور عبد العزيز طاهر اللبدي،روائي أردني من أصول فلسطينيّة من اليامون،وهو طبيب جراحة،درس الطّب في بون/ألمانيا،وتخرّج منها عام 1974،تخصّص في الجراحة العامة،ثم حصل على شهادة الدكتوراة في الطبّ من أكاديميّة الدّراسات العلية من برلين عام 1984 ،مؤسس أكبر موقع طبيّ عربيّ،كان من كوادر العمل السياسيّ في حركة فتح الفلسطينيّة،وعمل في الهلال الفلسطينيّ منذ تخرّجه حيث عاش مأساة مجازر مخيم تل الزّعتر عام 1976،وعاش فصول صموده وكبريائه،وأُنتخب عضواً في المكتب التّنفيذي عام 1978 إلى عام 1994،حاز على جائزة الطّب العربيّة من اتّحاد الأطباء العرب والرّئيس الجزائريّ،عمل في جامعة القدس في فلسطين المحتلة.من مؤلفاته:أوراق تلّ الزعتر،الهلال الأحمر الفلسطيني،الأوضاع الصّحيّة والاجتماعيّة في فلسطين من 1982- 1986،تاريخ الجراحة عند العرب،القاموس الطّبي العربيّ،وردة كنعان".
    كما قدّم د.سمير محمد  أيوب ورقة نقديّة بعنوان :"تجليّات زمن السّرديّة ووقائعها التّاريخيّة" حيث قال في معرضها :" تقديم السّارد "كان ياما كان" استهلالة عرفتها الثقافات الإنسانية الأولى،لتشير إلى أنّ التّلازم بين الزّمن والأدب ليس شيئاً عارضاً.فالزمان هو الصّورة المميزة لخبرتنا؛فهو لا ينفصل عن أيّ ذات الذّات،فالنّمو العقلىّ والنّفسيّ والحسيّ للإنسان يقع عبر الزّمن.الزمن المطلق في الواقع ضائع ومفقود،ولا يبقى دليل على وجوده إلاّ فيّ الذاكرة الإنسانية كأرشيف للذات.فيمكن التّأسيس على ذلك بأنّ الأدب هو فن زمنيّ ... تأتي أهميّة هذه الفعالية الثقافيّة من المكان هذا،ومن الحضور الكريم،ومن المحاضرين،ومن موضوع الرّواية الرّقيم ، المبرقشة،الوردية،البتراء،أعجوبة العالم،من منا لا يعرفها؟! الأنباط إبداع وإنماء : جعل الصّحراء تخضر، والصّخر الأصم يتكلم.ولكن هل نحن حقا نعرفها ؟إلى جبال الشراة التي تحتضنها بحنان،نرحل إليها هناك هذه الأمسية،عبر رواية ذهب الرّقيم،سنكتشف بعدها،أنّ ما نعرفه هو القليل،فقد غابت عنا أشياء قبل أن تدلف هذه القامات عبر بوابات الرقيم وعتباتها،أرى لزاماً علي،أن أسرج لهم شيئاً من قناديل التّاريخ،لتضئ بعضاً من معارج مسرح أحداث الرّواية:بالطّبع لن يرقى حديثي،إلى مستوى الدّراسة العلمية" .
    "أبدأ قائلاً:على الرّغم من أنّ الكثير من حضارة مملكة الأنباط،وخاصة الكنوز المعرفية في البتراء،وما زالت بانتظار الكشف عنها،وكأغلب أبناء وطني لا أعرف الكثير عن تاريخ بلادنا،إلاّ أنّ مملكة النبط كانت دولة عربية مستقلة تدير شؤونها سلالة مالكة، قامت بتبني سياسة توسعية،أوصلتهم حتى دمشق وسهل البقاع وجنوب لبنان . وشملت غزة وسيناء حتى البحر الأحمر... كان سكان البتراء يعرفون الكتابة والقراءة، ويعتقد بعض المؤرخين أنّ ما يسمى بالخزنة كان مكتبة قديمة،وسميت بهذا الاسم؛لأنّها كانت مخزنا للكتب،بنيت لتعكس أهميّة المدينة الثقافية والحضارية في ذلك الوقت الذي تباهت فيه المدن اليونانية والرومانية في بناء المكتبات،ممّا مكنهم في ان يكون لهم تأثيرات فعالة في المشهد الثقافي العام في المنطقة".
   في حين قدّمت الأديبة د.سناء الشعلان قراءة نقديّة مطوّلة للرّواية حيث قالت في معرضها:" منذ غلاف رواية" ذهب الرّقيم" يحبسنا مؤلفها الدكتور عبد العزيز اللبدي في حيز المساحات التّاريخيّة عندما يسجّل على الغلاف أنّها رواية تاريخيّة،وبذلك يعلن بصراحة أنّنا أمام أداة سرديّة هدفها الأوّل والأخير هو التّاريخ،فهو مبتغاه الأعلى وفق حقائقه المثبتة في إزاء دحض الأكاذيب،وبذلك يمنعنا من تفلتات المخيال،ويربطنا قهراً بسلطته السّرديّة بوصفه الرّاوي العليم في مساحات تاريخيّة شاسعة،ولنا عندها أن نقوم بإسقاطاتنا من منطلق هذا التّاريخ الذي يخلّصه مّما علق به من أكاذيب وافتراءات صهيونيّة، إلاّ أنّه لا يطيق صمتاً فيصرّح لنا علانيّة في نهاية روايته عن بغيته قائلاً:"لقد حاولت أن لا أتأثّر بالنّظرة والتّفسير التّاريخي للعلماء الأوربيين،والذي اعتمد على التّفسير التّوراتيّ وموائمة تاريخ المنطقة العربيّة مع التّاريخ التّوراتيّ الذي لا يستند لحقائق تاريخيّة،بل أساطير دينيّة،يحاول من خلالها تكييف المنطقة لتلائم اليهود"
   "وهو من يستعير في بداية الرّواية جملة محمود درويش القائلة " آن أن نصحّح تاريخنا كي نضاهي الحضارات قولاً وفعلاً"،وقلقه إزاء تصحيح هذا التّاريخ يجعله لا يلهث وراء الشّكل الحداثيّ للرواية،بل يرتدّ بها إلى ما قبل الحداثة حيث الشّكل الكلاسيكيّ الرّتيب،ليجعل منها متناً ضمن متون تاريخيّة أو بحث زمنيّ تراكميّ،ولذلك يمهرها بمقدّمة تاريخيّة حول علاقته كراوٍ بتاريخيّة السّرد الذي يصنعه في الرّواية في قصّة بطل الرواية "كرمل"،ويستعرض جهوده البحثيّة في بناء أرضيتها التأصيليّة والتّوثيقيّة،وينهي الرّواية بملحق تاريخي عقده تحت عنوان "عن الأنباط "في نحو ستٍ وعشرين صفحة  كي يزجّ فيه بأرثه التّاريخيّ الذي يخشى أن يتفلّت من وعي الملتقّي وهو يقرأ عمله هذا أو يغيب عنه أو يكون جاهلاً به بشكل أو بآخر،وعلى الرّغم من أنّ هذا السّلوك التوثيقي هو عمل تشويهي للبعد السّرديّ الرّوائيّ بوصفه نسقاً كاملاً لا يجوز أن يفسّر في وجود جسد سرديّ آخر خارج عنه،وهو بذلك يهزم النّص في معركة التّجريب وسعار ابتكار الأشكال السّرديّة الجديدة القادرة على كسب رهان الإيهام والتخييل والإدهاش ولفت الانتباه والاهتمام،إلاّ أنّه يُفسّر ويُسوّغ ضمن هدف الرّوائيّ من هذا العمل الذي يحرص على تاريخيته أكثر من حرصه على فنيّات السّرد ومستجدّاتها وفنونها وأفانينها وانزياحاتها ومحمّلاتها وإمكاناتها،إلى جانب أنّه سلوك تفسيريّ وتوضيحي لجأ إليه الكثير من كتاب الرّوايات التاريخية إن جاز التّعبير،أو الذين يرهنون أعمالهم السّرديّة لصالح التّاريخ.
   ومن هنا يغدو هذا العمل الرّوائيّ الضّخم هو سجل تاريخيّ جديد للجغرافيا التي تؤرّخ لها الرّواية،وهي منطقة الرّقيم،وذلك في غائيّة واضحة ومعلنة،وهي انتصار التّاريخ والجغرافيا للنضال العربيّ الفلسطينيّ في إزاء أكاذيب الصّهيونيّة وافتراءاتها،إذن هذا العمل هو انتصار تارجغرافي(تاريخيّ جغرافيّ) للإنسان العربيّ على عدوه الصّهيونيّ الذي يُعمل عدوانه وخبثه في سبيل تزييف التّاريخ وتشويه نضال الإنسان العربيّ،وتقزيم قضيته.ومن هنا تغدو هذه الرّواية وثيقة جماليّة سرديّة في لعبة من تداخل النّصوص السّرديّة والبصريّة والسّمعيّة والحركيّة في سبيل تقديم رؤية الرّوائيّ بطريقته الخاصّة،والرّوائي في هذه الرّواية انتصر للتّاريخ،وانتصر به،وقدّم ذلك عبر وثيقة زمنيّة تدور أحداثها في ضوء استحضار لكامل تاريخ المنطقة عبر قرون عديدة تمتدّ إلى ما قبل التّاريخ،بوعي كامل بأنّ الرواية التّاريخيّة تقوم بإعادة بناءات السّرديّات عبر منظور تاريخيّ خاصّ يستدعي الماضي ليفسّر الحاضر،ويغادر الحاضر ليفكّك الماضي،ولكن لماذا كلّ لك؟ إنّه لهدف سام وملح وحاضر في ذهن كلّ من المبدع والمتلقي والنّاقد في آن،وهو تفكيك معاني الإسقاطات،وتفسير الحاضر بوعي من منطلقات الماضي،وتشكيل الرّؤية للحقّ وأدواته وغاياته وكيفيّة تحصيله عبر تفنيد الحوادث،وتحليل الحقائق،وردّ الشّبه،وتهشيم الأكاذيب".
     كما قدّم الأديب الرّوائيّ بكر سباتي قراءة عن المكان وتجلياته في هذه الرّواية،في حين أُختتمت الأمسية النّقدية بحديث موجز للأديب د.عبد العزيز اللبدي عن روايته من زاوية دراسة المكان في الرّواية ضمن إسقاطات الجمال والإبداع التّكويني في ظلّ معارفهم وفنونهم، إلى جانب حديث تاريخيّ وتوضيحي عن الأرضيّة التّاريخيّة للرّواية في ضوء الحقائق التّاريخيّة عن البتراء.
   وقد خُتمت الأمسيّة قبيل توقيع الرّواية بعرض قدّمه الباحث المتخصّص بالبتراء مأمون النوافلة الباحث والكاتب المختص في الحضارة العربية النبطية والخبير الدولي في علم الفلك الآثاري،ورئيس المبادرة الوطنية لإعادة اكتشاف الحضارة العربية النبطية،إذ قال:"كانت الحضارة العربية النبطية حضارة مؤثرة أكثر من كونها متأثرة على عكس ما هو شائع بدليل ما نقلته عنّهم الشعوب والحضارات الأخرى من العلوم والفنون الهامة. تسمية الشعب العربي الذي أنجز مدينة الرقيم وأسس إحدى أهمّ الممالك العربية في عصور ما قبل التّاريخ بالأنباط هي كناية عن كثرة استنباطاتهم العلمية والفنية المختلفة كاستنباط علوم الفلك والفيزياء والأحياء والكيمياء والهندسة وفن النحت وما إلى ذلك. مصطلح المناخ المستخدم عالميّاً هو من أسماء مدينة الرقيم وهو اسم يجمع بين ثلاثة علوم هي الفلك وإدارة الوقت والرّصد الجويّ التي شكلت الأساس في بناء المدينة الوردية،وما زالت أدوات ومراكز البحث في تلك العلوم ونتائجها ماثلة في المدينة وظاهرة للعيان،ولعل أهمها ما هو موثق في تفاصيل مبنى الخزنة الذي يمثل خلاصة تلك الأبحاث وقاموساً علميّاً وفلسفيّاً نبطيّاً يحتوي على عدد هام من الدّلالات الفلكية والكونية وتقويماً سنويّاً يؤرخ لبدايات المواسم ونهايتها من خلال الانتقال المنتظم لأشعة الشمس على واجهته على مدار العام إضافة إلى المنحوتات الأخرى الدّالة على الاهتمام النبطي عالي السوية بالشأن البيئي في ذلك الوقت المبكر من عمر البشرية. وقد استفاد الأنباط من موقع مدينة البتراء الذي يتوسط ثلاثة مناخات مختلفة،هي مناخ البحر الأبيض المتوسط ومناخ البحر الأحمر والمناخ الصحراوي إضافة الى المناخ الشفا غوري الاستثنائي في رصد الأحوال الجوية وقياس كميات الهطول المطري على امتداد الرقعة الجغرافية التي امتدت مملكتهم عبرها. كما وظفوا التباين في الارتفاعات في الحيز الجغرافي المحدود نسبيا للمدينة والذي يصل إلى حوالي ١٦٠٠ م فوق سطح البحر على قمم جبال الشراة شرقاً ونحو ٤٠٠ م تحت سطح البحر إلى الشّمال الغربي في إجراء الاختبارات على الارتفاع الأكثر موائمة لتأقلم الجمال وإناختها، وبالتالي استخدام هذه المعرفة في شق الطرق التجارية التي تمر من خلالها القوافل التجارية على الأراضي النبطية التي تم تزويدها بسدود وخزانات مياه كافية لسقاية تلك القوافل ومن هنا جاءت تسمية علم المناخ المشار إليها سابقاً". بحراً كان الأنباط هم أوّل من اخترع الشّراع المثلث للسفينة مما أدّى إلى تحسين أدائها ومضاعفة سرعتها، كما أنّهم أوّل من اخترع بوصلة الأنواء الملاحية المعتمدة على المعرفة الواسعة بعلم النّجوم، وقد تمّ التّوصل إلى نموذج لسفينة ذات أشرعة مثلثة منقوش على إحدى الصّخور في الرقيم إضافة إلى عدة نماذج لبوصلة الأنواء الملاحية في ذات المدينة. الرّقيم هي اللوح المرقم وكل ما هو منحوت في المدينة إنّما يدل على عملية ترقيم وتدوين لنتائج البحث والدراسات العلمية العربية النبطية".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق