الصفحات

2017/01/16

حوار مع النّاقد الجزائري عبد الله لالي بمناسبة صدور كتابه ( متن وحاشية ) أجرى الحوار: عبد الحليم صيد



حوار مع النّاقد الجزائري عبد الله لالي
بمناسبة صدور كتابه ( متن وحاشية )
أجرى الحوار: عبد الحليم صيد

الأستاذ عبد الله لالي بن محمّد أديب جزائري معروف ، تناول فنّ القصّة القصيرة منذ حداثة سنّه فأبدع فيه وأمتع، ثمّ أحكم الصّنعة في هذا اللّون من الأدب إلى أن صار أحد روّاد القصّة في الجزائر.
نشر إبداعاته القصصيّة في مختلف الصّحف الجزائريّة ، ثمّ تمكّن من نشر مجموعته القصصيّة الأولى "فواتح " سنة 2007 م ، أتبعها بمجموعة قصصيّة أخرى للأطفال سنة 2013 م ، تحت عنوان "أحلام العصافير " ، وبعد ذلك أصدر مجموعته القصصيّة الثالثة " بقايا " سنة 2014 م.
كان الأستاذ عبد الله لالي يزاوج بين لونين من الكتابة : الأوّل فنّ القصّة القصيرة ، والثاني نقد الأعمال الأدبيّة.
وقد قام بنشر عدد كبير من المقالات النّقديّة على صفحات الجرائد الوطنيّة وفي مواقع عديدة من شبكة الأنترنت.
ثمّ وفقه الله تعالى خلال المدّة الأخيرة لطبع أوّل عمل له في النّقد الأدبي أسماه ( متن وحاشية.. قراءة نقديّة في متون إبداعيّة  ).
وبمناسبة صدور كتابه هذا التقينا به في مدينة بسكرة وأجرينا معه الحوار الآتي:
عبد الحليم صيد:
متى بدأتَ تنشر المقالة النّقديّة ؟
عبد الله لالي : ترجع بداية اهتمامي بالنّقد الأدبي إلى مطلع تسعينيّات القرن الماضي ، وقد نشرت قراءات نقديّة مختلفة في بعض الصّحف الوطنيّة ربّما تكون بالتحديد في سنة 1992 م إذ عندي نصّ منشور في جريدة ( النّبأ ) عن فنّ المقامات بتاريخ 10 ماي 1992 م عقّبت فيه على أحد القرّاء ، وقد تكون هناك نصوص أخرى في بعض المطبوعات المحليّة، لكن أهمّ دراسة نشرتها في النقّد الأدبيّ طويلة إلى حدّ ما ؛ هي قراءتي في المجموعة المسرحيّة (العبور ) للأستاذ عماد الدّين خليل ( العراق ) ونشرت في جريدة ( الجزائر اليوم ) عام 1993 م في أربع حلقات ..  
عبد الحليم صيد:
كيف استطعت المزاوجة بين فنّ الإبداع القصصي وكتابة النّقد الأدبي ؟
عبد الله لالي :
هي الحالة الإبداعيّة التي تفرض ذلك ، أحيانا أكتب القصّة بشكل متّصل ولا أجد أية رغبة في كتابة غيرها ، ولكن تمرّ بي أوقات أقرأ نصوصا جميلة مثيرة أشعر برغبة عارمة أن أشارك القرّاء معي في تملّي جوانبها الجماليّة والفنيّة، فأترك القصّة إلى حين وأكتب النّقد الأدبي ، وأحيانا أكتب الاثنين معا في وقت واحد ، أكتب النّقد الأدبي ، وأخطّ ملامح قصّة جديدة اختمرت في الذّهن وألحّت أن تتربّع على العرش الأبيض ( الورق ) .. قبل أن تظهر مملكة الشابكة العالمية ، لتوصل كلماتنا إلى كلّ بقعة في الأرض ..
عبد الحليم صيد:
ما هي موازين النّقد الأدبي التي تعتمد عليها ؟
عبد الله لالي :
منذ بداياتي الأولى وأنا أهتمّ بالنّقد الأدبي فكنت أقرأ كتبه وأطلع على مدارسه المختلفة بشكل مفصّل ومعمّق ، وكانت تستهويني كثيرا المعارك الأدبيّة التي جاءت بها النهضة الأدبيّة في القرن العشرين لاسيما في مصر ، ومن خلالها اكتشفنا كثيرا من المناهج النّقديّة التي كانت في الغالب مناهج غربيّة ، نشأت في بيئة غير بيئتنا ، وكانت لها أسبابها التي ساهمت في ظهورها، ولم تكن تلك الأسباب نفسها متوفّرة في عالمنا العربي ولا في أدبنا العربي، لكنّ المثقّفين المتأثرين بالثقافة الغربيّة بشكل استلابي تشرّبوا هذه المناهج وتغلغت في كتابتاتهم حتّى ما يحيدون عنها قيد أنملة ، فكانوا في البداية يتخذون مناهج الرومانسيّة والوجوديّة والعبثيّة والكلاسيكية والجديد والقديم ، في دراساتهم وأبحاثهم ، فلما ظهرت الحداثة تبنّوها، ثمّ تبنوا ما بعد الحداثة ، وكذلك البنيويّة وما بعد البنيويّة ، والشكلانيّة ، ومدرسة الفنّ للفنّ ، وغير ذلك من مسميّات أفرزها الأدب الغربي ، في بعضها ما يفيد وينفع ، وأغلبها غثاء كغثاء السيل ، أو هو سراب إن جئته لم تجده شيئا ..
ولذلك تجدني اطّرحت كلّ تلك المناهج جانبا – إلا ما ندر – واتخذت لي طريقا وسطا ، ينهل من المدرسة العربيّة الإسلاميّة الأولى ، وهي مدرسة معتدلة في النّقد الأدبي ، بلا شطط ولا تفريط ، إذ تهتمّ بعنصري الإبداع الأساسيين وتوليهما العناية القصوى وهما البناء الفنيّ والبناء الموضوعي للنّص ، وتبدأ بالبناء الموضوعي ( المضمون ) أوّلا ، إذ أنّ أيّ نصّ مهما بلغ من الجمال والكمال الفنّي ، فإنّه لا يساوي شيئا بلا مضمون ، ثمّ يأتي بعده مباشرة البناء الفنّي ، وأساسه اللّغة والأسلوب والصّور الجمالية ، مع الاستفادة من بعض تقنيّات المدارس الغربيّة ، التقنيات النقديّة وحسب بغض النظر عن أفكارها التنظيريّة.. وهناك عنصر ثالث في عمليّة النّقد الإبداعي والذي حفلت به المدرسة النقدية العربيّة أيما احتفال ، وهو ( المبدع ) نفسه ، صاحب المتن الإبداعي فلا يمكن أن يكون خارج النّص الذي أنتجه كما تدّعي نظريّة موت المؤلّف التي جاء بها الفيلسوف الفرنسي ( رولان بارت 1915 م / 1985 م ) ، فالمتن الإبداعي متربط ارتباطا وثيقا بصاحبه ، وكثيرا ما تفسّر بعض النّصوص وتُفهم دلالاتها من خلال معرفة شخصيّة صاحب ( المتن ) ومعرفة السياق الذي كتبه فيه..وإلا كان عملُنا النّقدي مجرّد تخمين أو تخرّص لا طائل من ورائه غير التكهّنات والتّشدّق اللّفظي..
عبد الحليم صيد:
هل بإمكانك تحديد النّقّاد الذين تأثرت بهم ..؟
عبد الله لالي:
تأثرت بنقّاد كثيرين من أهمّهم في المدرسة العربيّة القديمة الجاحظ وابن قتيبة وابن الأثير، وفي الحديث تأثرت بالرّافعي والعقّاد ولكن تأثّري بالرّافعي كان أكثر ، خصوصا في كتابه ( تحت راية القرآن ) الذي يعتبر من أروع الكتب النّقدية التي قرأتها وكذلك كتابه على ( السّفود ) وبدرجة أقلّ تأثرت بالدّكتور زكي مبارك من خلال كتابه ( النثّر الفنّي في القرن الرّابع الهجري )، والدّكتور عماد الدّين خليل في تنظيراته الدّقيقة والواضحة للأدب الإسلامي المعاصر ، والدّكتور حسن بن فهد الهويمل من خلال كتابه ( الحداثة بين التعمير والتدمير ) والدّكتور حسن الأمرّاني في كتابه ( جماليّة الأدب الإسلامي ) وكذلك أعجبت كثيرا بشوقي ضيف وتأثرت أيضا بشيخ النّقاد الجزائريين بلا منازع الدّكتور عبد المالك مرتاض، ونقّاد غيرهم كثيرون..
عبد الحليم صيد:
كيف يكون أثر النّقد الأدبي في نفسيّة الكاتب المبدع ؟
عبد الله لالي:
المبدع يريد من خلال نصّه أن يوصل صوتَه وأفكاره إلى القرّاء ، بل إلى أكبر فئة منهم ، وقد يَسمع من يقول له منهم بين آن وآخر : أحسنتَ أو أجدتَ ..فلا يفرّق في ذلك بين المجامل والمعبّر عن شعور حقيقي نتج عن تأثره بالنّص، لذلك فهو دائما في انتظار النّاقد الذي يقول كلمة الفصل في نصّه ، فإمّا يكون الحكم لصالحه فيحفّزه ذلك على مزيد من الإبداع والتجويد ، أو يكون غير ذلك فيثبّطه ويوهن من عزيمته ، وقد يحدث أحيانا العكس ، فلربّما كانت الإشارة إلى مكامن الضّعف والوهن في النّص الإبداعي عامل تحدٍّ ومحاولة للتجديد والتجويد عند المبدع ، لكن أثر النّاقد في الغالب يكون إيجابيّا على المبدع ، لأنّ نصّه حاز اهتمام جهة مختصّة وتفرّغت لدراسته فترة من الزمن وبذلت في ذلك الجهد والوقت ..
ومن هنا يمكننا القول أنّ عمليّة النّقد هي مساهمة فعّالة في إحياء النّص الإبداعي والترويج له بين القرّاء ، أمّا غض الطّرف عنه وإهماله فهو حكم نقديّ قاسٍ ومسبق على المتن الإبداعي بتركه في مجاهيل النسيان..
عبد الحليم صيد :
 الملاحظ على غالب كتاباتك النقديّة الميل إلى إبراز الجانب الإيجابي للنّصّ الأدبي مع إغفال الجوانب السّلبيّة فيه، هل هو منهج جديد ترى ضرورة اتّباعه وتعميمه ؟
عبد الله لالي :
لا ، هو ليس منهجا جديدا ، بل هو اختيار ومنحى أنحوه أثناء التعرّض للنّصوص الأدبيّة بالقراءة، فالسّاحة الأدبيّة تعجّ بالغث والسّمين كما هو معلوم ، والأوقات لا تتسع لدراسة كلّ شيء ، ربّما إذا أطال الله في أعمارنا فعلنا ذلك، أقصد أن أعرض لبعض النّصوص التي جاءت بالغثّ وروج لها الإعلام وغشّ القرّاء بها، لكن الآن عندما أختار نصّا لقراءته ( نقديّا ) فالاختيار في حدّ ذاته أو عدم الاختيار هو حكم نقديّ أوّلي ، فأنا لا أختار إلا ما يعجبني من النّصوص ، فبمجرّد أن أضعها نصب عيني لأقراها فقد حكمت لصالحها مُسبقا ، وبالتّالي عندما أتعرّض لتفاصيل القراءة النّقديّة فأنا أنبش عن مشاهد الجمال والإدهاش والتفوّق في ذلك النّص..
هذا جانب ، وهناك جانب ثان وهو اختيار بعض الأسماء التي عانت من التّهميش وعدم العناية بها قصدا بسبب توجّهها الإبداعي الأصيل ، فأنا حين أعرض لهذه الأسماء أريد أن أبرزها وأظهر ما عندها من قوّة إبداع ، ولا يعنيني هنا مكامن الضّعف أو نقاط الوهن فليس المقام مقامها حينها ..
وقد أضطر – وأقول أضظر قصدا – للإشارة إلى بعض الخلل أو الوهن فيما أدرسه من نصوص بشكل فيه لطف ولين ، وبأسلوب اللّحن – كما قلت ذات مرّة – وأنا هنا أستنجد بقول الشاعر : مَنْطِقٌ صَائِبٌ وَتَلْحَنُ أَحْيَانًا* * وَخَيْرُ الْكَلامِ مَا كَانَ لَحْنًا ( على تفسير أنّ اللحن هنا هو التلميح )،
ليفهم اللّبيب وتبلغ إشارتي إلى الأديب دون تشهير أو فتّ في العضد، وتفويتا على ذوي الدَخَن والضّغينة أن تُشفى صدورهم ، وحرصا أن تُشفى صدور قوم محبّين ..
وربّما عرضت لمبدع – أعرفه – في بداياته وانطلاقته البكر ، فأنا آخذ بيده ، وأشجّعه على المضيّ قدما وأنا على يقين أنه سيجوّد ويبدع أفضل في المستقبل ، فالنّقد ليس مجرّد غربلة وتصفية وحسب ، بل هو مشاركة في عمليّة بناء الإبداع الأدبي الجميل أيضا ..
عبد الحليم صيد:
نركّز الآن على كتابك الجديد " متن وحاشية.. قراءة نقديّة في متون إبداعيّة "، لماذا اخترت هذا العنوان بالذّات " متن وحاشية " ؟ .
عبد الله لالي:
هذا العنوان استهواني بشدّة وأنا أبحث عمّا يدلّ على مضمون كتابي الجديد قبل إخراجه للنّاس ، وهو مقصود في حدّ ذاته ومقصود لما يدلّ عليه ، فمن جهة أريد إحياء الصيغ التراثيّة في كتابة العناوين ، إذ كانت التسمية بالمتون والحواشي شائعة جدا في عهد الازدهار العلمي والأدبي في الحضارة العربيّة الإسلاميّة ، ونحن نعتزّ بها ونفخر بالانتماء إليها ، ومن جهة أخرى فعلا أنّ النّصوص عبارة عن متون من الإبداع المختار ، وقراءتي فيها حاشية إضافيّة لها تحاول أن تكون نصّا إبداعيّا ثانيا يستهوي القارئ ويجتذبه ، فيشعر وهو يقرأه أنّه يقرأ نصين يجريان في مضمار واحد قد نسمّيه ( مضمار الفنّ والجمال)..
وفي هذه التسمية أيضا نوع من التحدّي لأدعياء الحداثة ، الذين يزعمون حمل راية التنوير الفكري والأدبي ، ويصاعرون خدودهم لتراثنا الأدبي الغني السّني ، بزعم التجديد والحداثة، ولكنّهم لا يتورّعون عن تسوّل المطلحات والتيمات والاقتبسات من الأدب اليوناني أو الإغريقي الوثني القديم ، قسمة ضيزى .. وميزان جائر ، وإنا وإيّاهم على هدى أو ضلال مبين ..
عبد الحليم صيد :
في كتابك المذكور سبع قراءات نقديّة لمتون إبداعيّة ، هل هذا العدد هو كلّ ما في جعبتك من القراءات ؟
عبد الله لالي:
في حقيقة الأمر هذه القراءات السّبع هو كلّ ما تمكّنت من طبعه في هذه النّسخة ، وفي الأصل هذا هو الكتاب النّقدي الرّابع لي بحسب ما كنت أخطّط له ، فقبله كتاب ( قراءات نقديّة ) وكتاب (على ضفاف الإبداع ) وكتاب ( المدرسة الكعبيّة ) ، ولكن سبق هذا الذي هو آخرها ترتيبا من حيث التأليف .. وتجري الرّياح بما تجود به الأقدار، لي في رصيدي عشرات القراءات النّقدية وأرجو أن يوفقنا الله إلى طبعها جميعا ..
عبد الحليم صيد:
أثناء مطالعتي لكتابك ( متن وحاشية ) لاحظت فيه سلاسة الأسلوب وعذوبة الألفاظ مع تماسك العبارات ، حتّى خيّل إليّ  أنّني أقرأ نصّا فنيّا وليس نقدا أدبيّا ، كيف تطوّر أسلوبك في النّقد إلى أن صار بهذا الشكل الجميل ؟
عبد الله لالي:
أشكرك الأستاذ عبد الحليم صيد على هذا الثناء اللّطيف ، الذي يزيدني ثقة فيما أكتبه ويحفّزني على مزيد من الإتقان والتجويد ، وقد كنت في ريب من أمري حتّى لاحظ هذا الأمر في أسلوبي كثير من القرّاء غير ما مرّة ، منهم من أعرفهم معرفة مباشرة ومنهم من لا أعرف ، وهذا جعلني أنا نفسي أحاول تأمّل أسلوبي بمنظار خارجي ، فوجدت ذلك التوفيق يرجع – بحمد الله تعالى – إلى عدّة أسباب ربمّا يكون أوّل أسسها ؛ افتتاني بأسلوب القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، الذي يقدّم أروع المعاني بألفاظ مباشرة سهلة يفهما كلّ من أوتيَ حظّا من العربيّة ، ثم تأثري بالتراث العربي الأصيل بدءا بمدرسة ابن المقفّع والجاحظ وابن قتيبة ثمّ الأغاني للأصفهاني ، ومدرسة الرّافعي أكثر من تأثرت به في العصر الحديث وتشرّبت أسلوبه إلى درجة تقليده في بعض الجمل أو الصور الفنيّة على سنة قولهم :
فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم, * *  إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ. 
وأمر آخر هو أنني أحاول أن لا يكون نقدي نصّا علميّا جافا ، لا يدرس إلا في مخابر القارءات العلميّة ، وإنّما أجعل منه نصّا متاحا لكلّ طبقات القراء كما يقول الدّكتور محمّد مصايف رحمه الله تعالى .
عبد الحليم صيد:
كيف ينظر الأستاذ عبد الله لالي إلى حركة النّقد الأدبي في الجزائر ؟
عبد الله لالي:
حركة النقد الأدبي بدأت تعرف شيئا من الحراك المحتشم في السنوات الأخيرة ، لكنّها لا تزال دون مواكبة الحدث الأدبي ، ومسايرة الإبداع الفنّي ، ذلك لقلّة النّقاد المتفرّغين لهذا الشأن فجلّ النّقاد المعروفين يجمعون بين النّقد والإبداع ، وفي كثير من الأحيان العمل الأكاديمي الرسمي الذي يستنزف القوّة والجهد ، ويذهب بصفوة الوقت ، لكن من الضروري أن يظهر نقد تفاعلي سريع يشبه النّقد الإعلامي الصّحفي الذي يقدّم المادّة الأدبيّة للقارئ ويقرّبها منه ثمّ يأتي لاحقا النقد المعمّق ..
عبد الحليم صيد :
هل يمكن عدّ الدّكتور الجليل عبد الملك مرتاض أكبر ناقد جزائري في الوقت الحالي ؟
عبد الله لالي:
هو شيخ النّقاد في الجزائر حاليا بلا شك ، وله تاريخ في النّقد عريق ، ورغم ظهور نقاد كثيرين في السّاحة الأدبيّة مثل السّعيد بوطاجين ومخلوف عامر والدّكتور حسين مونسي والأستاذ الأمين بحري ، وغيرهم ، إلا أنّ الدّكتور عبد الملك مرتاض مايزال يفرض سلطانه ( النقدي ) وحضوره الأدبي بكل اقتدار ، ولا أدلّ على ذلك من اختياره في لجنة التحكيم في شاعر المليون بالإمارات وناقد حصّة شاعر الجزائر التي نظمتها قناة الشروق ، وأبدى فيها من القدرة والسلطان النّقدي ما خلب الألباب ..
عبد الحليم صيد :
بعيدا عن مجال النّقد والقصّة ، هل كتب الأستاذ عبد الله لالي سيرته الذّاتية ومذكراته الشخصيّة ؟
عبد الله لالي:
لقد حاولت مرارا أن أكتبها كاملة لما فيها من متعة استرجاع الذّكريات أوّلا ، ولذّة النظر إلى الوراء بعد مضي سنيّ العمر ، ولما قد يصلح أن يكون فيها من عبرة ودرس للأجيال ، لكن في كلّ مرّة أكتب فيها شيئا تأتي الشواغل الإبداعيّة الأخرى وتحول دون إتمامها ، لكن كتبت فيها – بحمد الله نتفا متفرّقة من هنا وهناك ، شيئا من الطفولة ومشاهد من مرحلة الشباب ، وبعض اليوميات التي أكتبها أحيانا في وقتها ، حتى لا أنسى تفاصيلها ، وقد يمنحنا الله سبحانه وتعالى فرصة من العمر كي نكتبها كاملة ..  
عبد الحليم صيد :
لقد تابعت باهتمام وتابع معي قرّاؤك سلسلة مقالاتك الأدبيّة المتدفّقة المعنونة بـ " من أحلى الأيّام "  ما هو عدد حلقات هذه السّلسلة ؟ وهل تنوي طبعها في كتاب ؟
عبد الله لالي:
هذه السّلسلة كتبت فيها 104 حلقات ، وقد ضمّنتها شيئا من ذكرياتي ومذكراتي الثقافيّة ، وأيّامي الجميلة التي قضيتها في البحث عن الكتاب أو في قراءته وكانت بحقّ من أحلى الأيّام ، كنت جمعتها في كتاب يربو على الثلاثمائة صفحة ، وإذا يسّر الرّحمن سيتم طبعها ..
عبد الحليم صيد:
أنا أرى أنّ من أمتع سلسلتك المذكورة ما جعلته تحت عنوان ( كرّاستي القديمة ) هل تستطيع إخبارنا في عُجالة عن هذه الكرّاسة القديمة ؟
عبدالله لالي:
أنا أشاركك الانطباع نفسه هي من أجمل الذّكريات عندي ، إنّها لحظة تذكّر.. لحظة شاعريّة امتزجت فيها العاطفة بالتحصيل العلمي العميق ، راودتني عندما كنت أفتّش في مكتبتي ذات يوم ، وظهرت فجأة تلك الكرّاسة وظهر ما فيها من معلومات قيّمة سجّلتها بخطّ يدي ، ثمّ تبيّن لي فيما بعد أنّها عدّة ( كرّاسات ) ، وكان من عادتي قديما أثناء المطالعة أن أدوّن أهمّ المعلومات التي أقرأها في الكتاب الذي أكون بصدد قراءته ، فإذا وجدت عبارة جميلة أو بيتا شعريّا أو مقولة لعالم أو حكيم أو فكرة سديدة سجّلتها وربّما علّقت عليها أحيانا ، فأخذت كلّ مرّة أقلّب صفحات هذه الكرّاسات وأتملّى ما دوّن فيها من معلومات علميّة وثقافيّة، وأكتب ما يخطر لي حولها من أفكار وما يمدّني به الماضي من ذكرياته الذهبيّة وأسجّلها في سلسلة ( من أحلى الأيّام ).
عبد الحليم صيد:
الحديث معك أستاذ عبد الله لالي ماتع نافع لكنّه قارب النّهاية ، هل من كلمة أخيرة تختم بها هذا الحوار ؟
عبد الله لالي :
أشكرك على هذا الحوار الجميل أخي الأستاذ عبد الحليم صيد ، وأحيّيك على أسئلتك الدّقيقة ، وأتمنى أن يكون نافعا ومفيدا للقرّاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق