الصفحات

2017/05/21

يعقوب الشارونى لـ " الوفد " :التسلط والقهر.. أسلوب التربية فى الأسرة العربية



يعقوب الشارونى لـ " الوفد " :التسلط والقهر .. أسلوب التربية فى الأسرة العربية
* الطفل المصرى الأذكى عالميًّا .. والمدرسة تقضى على قدراته
حوار : ممدوح دسوقى

بعد خبرة جاوزت الخمسين عامًا فى الكتابة للأطفال وعنهم ، ومؤلفات تجاوزت الأربعمائة عمل  ما بين روائى وقصصى ومسرحى ، وحصوله على أهم جوائز أدب الأطفال العالمية والعربية والمصرية ، يقول " يعقوب الشارونى " ، أحد رواد أدب الأطفال ، إن الطفل المصرى هو مِن أذكى أطفال العالم حتى التحاقه بالمدرسة فتقضى على هذا الذكاء .
" يعقوب " يؤكد أن التسلطية والقهر هما عنوان التربية فى الأسرة العربية ، لأنهما يحولان الطفل إلى خاضع مستسلم . ويشير إلى أن قانون الطفل المصرى هو الأفضل فى العالم لكنه غير مفعل .
" الشارونى " قال إن أدب الطفل يُكتب للاستمتاع وليس لتعليم اللغة ما دام لا يتعارض مع القيم التربوية ، ولا يوجد محرمات فى أدب الطفل بل معالجة تناسب عُمر الأطفال . واعتبر أن المجلس القومى للطفولة والأمومة يعمل أكثر لصالح المرأة وليس الطفل .
*          *          *
* ما تقييمك لأدب الطفل فى مصر ؟ 
          - أدب الطفل بدأ مع كامل كيلانى عام 1929 ، عندما أعاد صياغة قصة " السندباد السحرى " ، وظل يكتب حتى توفى عام 1959 ، فأدب الأطفال كان مهملاً أو عملاً جانبيًّا من أعمال أدب الكبار . وإذا كان كامل كيلانى له الفضل فى وضع كتب الأطفال على الأرفف فى المكتبات ، وأصبح له قسم خاص بها سواء فى مكتبات البيع أو مكتبات  القراءة ، فإنه توصل إلى هذا الهدف بشيئين لا علاقة لهما بأدب الأطفال .
* كيف ؟ 
          - لأن " الكيلانى " قال إنه يُعلِّم لغــة ، بينما كُتب الأطفال يجب ألا تُعلِّم لغــة ، رغــم أن الكتــاب يعتمد على اللغة فى صياغته . مثلاً ، كان فى كل صفحة يستحضر كلمة جديدة على الطفل ، ثم يشرحها بين قوسين أو فى أسفل الصفحة ، وهذا الأسلوب يقف حائلاً بين الطفل والاستمتاع بالكتاب ، لأنه يقطع الاسترسال والتعايش مع النص الأدبى بسبب التوقف لقراءة وفهم الشرح . لكن هذا الأسلوب هو الذى جعل كتب كامل كيلانى توزع حاليًّا توزيعًا جيدًا فى دول شمال إفريقيا ، لأنها تُسْتَخْدَم هناك كوسيلة لتعليم اللغة العربية ، بسبب إهمال الاستعمار - فيما سبق - تعليم العربية فى المدارس هناك .
          إن الكتاب المدرسى هو الذى يقوم " بتعليم اللغة " ، أما الأديب فيستخدم ما سبق أن تعلمه الصغار فى صياغته لإبداعه الأدبى .
* لكنه أيضًا قال إن كتبه تُعلِّم الأخلاق والتربية ؟
- هذا صحيح .. فقد قال إن كتبه تُعلِّم تربية وأخلاقًا ، وطَبَّقَ هذا كثيرًا فى كتبه . مثلاً ترجم قصة " علاء الدين " ، من صياغة إنجليزية ، وفى أول صفحة أضاف أن                 علاء الدين كان أسوأ مثال للطفل ، فلم يكن يرفض تعلم حرفة والده ، ولا يستمع إلى كلام والديه ، وأن والده استخدم معه كل الطرق لإصلاحه بما فيها الضرب ولم ينصلح  حاله . وفى الصفحة التالية يعثر علاء الدين على المصباح السحرى الذى أحضر له كل الثروات .. هنا يوجد تناقض ، فكيف لشخص سىء السلوك وعاص لوالديه وأسوأ مثال للأطفال ، يكافئه الله ويعطيه المصَّباح السحرى ؟ وفى ثالث صفحة يقول : علاء الدين نزل الكهف فقال له الساحر : أعطنى المصباح قبل خروجك ، فأجابه علاء الدين : لن أعطيه لك ، فأغلق عليه الساحر مدخل الكهف ، فاستغل " الكيلانى " هذا الموقف قائلاً : هكذا عاقبه الله لأنه لم يكن يستمع إلى كلام والديه ، مع أن ما حدث كان الوسيلة أو الحيلة الفنية لكى يصبح المصباح ملكًا له ، لأنه لو كان قد أعطى المصباح للساحر ، لكان دور علاء الدين قد انتهى .. ونسى المؤلف أن علاء الدين وهو محبوس فى الكهف ، وجد الخاتم الذى أحضر له الجنى وعرَّفه قيمة المصباح . وهكذا اضطر الكيلانى أن يناقض فنية القصة لكى يُدْخِل فى قصصه صفحات من التربية والنصائح المباشرة ، فأخرج القصة عن العمل الفنى . لكن هذه كانت طريقته ليقنع الكبار بأن كتبه تُعلِّم لغة وأخلاقًا ، لكن من الخطأ الاستمرار إلى اليوم فى تطبيق هذا التوجه .   
* إذن ما هى طبيعة أدب الأطفال ؟ 
          - أدب الأطفال نوع من أنواع الأدب الذى يُقرأ للاستمتاع الأدبى قبل كل  شىء ، بغير أن يكون هدفه تقديم المعلومة ولا تعليم اللغة ولا الوعظ والإرشاد أو الدفاع عن قضية ما . لكن على كاتب أدب الأطفال ألا ينسى أنه يقدم هذا الكتاب لطفل صغير يتأثر بكل كلمة ، لأنه لا يملك ملكة نقدية ، لهذا لابد أن يراعى فى خلفية العمل ألا  يتعارض مع القيم التربوية التى يقدمها للأطفال .
* هل أدب الأطفال لا يقدم شخصيات أو مواقف سلبية ؟ 
          - بالطبع توجد مواقف سلبية ، لكن إذا اضطر مبدع العمل الأدبى أن يعالج هذه السلبيات، فلابد أن يتجه بسرعة إلى تقديم موقف إيجابى ، ولا يترك الجزاء إلى آخر القصة أو الرواية عندما يكون الطفل قد نسى ما هو الموقف السلبى الذى يتم بسببه  العقاب . لهذا فإن كُتب الأطفال تستلزم نوعًا معينًا من الخبرة حتى لا تـُرَسِّخ فى وعى الطفل قيمًا سلبية أو سيئة . إن الحياة مليئة بالسلبيات والشخصيات المنحرفة ، لكن مهمة الكاتب ألا يجعل هذه الشخصيات تسيطر على الطفل القارئ أو تبهره فيقلدها . لذلك فإن على الكاتب أن يقدم السلبيات بطريقة فنية وليس بطريقة مباشرة ، مثلاً العنف  لا يجب أن يظهر أنه وسيلة لحل المشاكل ، بل لابد من إظهار أن من يلجأ إلى العنف لن ينجح ، وهذه مسئولية الكاتب أمام الطفل القارئ .
* ما هى التحديات أمام أدب الطفل فى العالم العربى ؟ 
          - أدب الأطفال أمامه تحديات كثيرة ، ومعركته حتى الآن أن البعض ما زال مقتنعًا بأنه وسيلة لإعطاء المعلومة والتربية واللغة . ومع أن هذا خطأ ، فإنه للأسف لا يزال يسيطر على فكر بعض الناشرين ، أو حتى بعض أعضاء اللجان التى تمنح جوائز أدب الطفل .
 وبالمناسبة فإن كامل كيلانى الذى توفى عام 1959 ، قال هو نفسه قبل شهور قليلة من رحيله ، إنه لم ينل تكريمًا أو حصل على جائزة ، واليوم أصبح فى كل بلد عربى جائزة لأدب الطفل ، بعضها يصل إلى أكثر من مليون جنيه ، وهذا معناه وجود اهتمام عربى بأدب الطفل وتشجيعه ، مع اهتمام باكتشاف الموهوبين ورعايتهم .
* وهل هذا الاهتمام ساعد على الارتقاء بأدب الطفل ؟ 
- طبعًا ساعد على الارتقاء بأدب الطفل ، لكنه لم يلغِ هذه المقولات الخاطئة من عقل المؤلف والتربوى وأمين المكتبة ، مع أن الاهتمام بأدب الأطفال أصبح واضحًا فى الاهتمام بالمكتبة المدرسية ، وإنشاء مكتبات للأطفال ، وفى وجود ( 20 ) جائزة عربية حول أدب الطفل.. لكننا لا نزال نسير على نفس المنوال الذى رسخه كامل كيلانى ، ونِصْف أدب الأطفال ما زال يعيش فى جو القصة التى هدفها اللغة والتربية وحشر المعلومات ، وهذا غير سليم ، ولابد أن نتخلص من هذه المعوقات الثلاثة حتى نصل إلى العالمية ، وهنا تبرز ضرورة التوسع فى وجود حركة نقدية ، تتابع كل ما يصدر من أعمال أدبية للأطفال والصغار .  

* وكيف وصل أدب يعقوب الشارونى إلى العالمية ؟ 
- بعض أعمالى فازت بجوائز مصرية وعربية ، كما حصلت على جوائز عن مُجمل إبداعى الأدبى . وأيضًا حصلت على جائزتين من أهم جوائز أدب الأطفال العالمية ، هما جائزة أفضل كتاب أطفال على مستوى العالم من معرض بولونيا الدولى بإيطاليا لكتب الأطفال عام 2002 ، وجائزة أفضل مؤلف للأطفال من المجلس العالمى لكتب الأطفال عام 2016 ، كما بلغ عدد الكتب التى كتبتها للأطفال أكثر من ( 400 ) كتابًا تم ترجمة عدد كبير منها إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والمجرية والماليزية ، فقد حاولت أن أفهم طبيعة أدب الطفل، وأنه نوع من الأدب لابد أن يسيطر عليه الرغبة فى إمتاع القارئ قبل أن أحاول أن أفيده، وبالطبع لا أنسى ، وأتذكر دائمًا ، أن الطفل القارئ لابد أن يستخلص وجهة نظر إيجابية مما يقرأ .
* هل اتجاه الطفل إلى شاشات الكمبيوتر أبعده عن الكتاب ؟
- هذه المشكلة تثار لدى دول شعوبها تقرأ ، وعندئذ نتساءل هل شاشات الكمبيوتر أبعدته أم لا عن القراءة . لكننا شعب غير قارئ ، بدليل أن الأمية لا تزال تشمل 29 % من سكان مصر ، ونضيف إليهم 30 % لا يجيدون القراءة والكتابة حتى الصف السادس الابتدائى . إذن مشكلة الانصراف إلى الكمبيوتر هى مشكلة وهمية ، لأن من لا يقرأ سينصرف إلى المشاهدة واللعب .
مع هذا فإننا نكتسب مزيدًا من القراء سنة بعد أخرى ، بدليل أن جميع الناشرين لديهم كتب أطفال ، ومكتبة الأسرة عندما كانت تطبع ( 80  ) ألف نسخة من كتاب للأطفال ، كانت توزع كلها خلال أسبوع . واليوم توجد نهضة حقيقية للاهتمام بكتب الأطفال ، ودولة الإمارات العربية لديها مشروع توزيع ( 50 ) مليون نسخة من كُتب الأطفال كل عام ، وهذا المشروع هدفه أن يكون الكتاب بين يدى كل طفل فى العالم العربى .
* هل هناك استفادة حقيقية من كُتب الأطفال ؟ 
- فى الخارج تتم الاستفادة الحقيقية من الكتاب . مثلاً تمت ترجمة روايتى " كنز جزيرة عروس البحر " إلى الإيطالية عام 2005 ، ضمن مشروع للتقريب بين شمال وجنوب البحر المتوسط ، وتم توزيع النص الإيطالى على ( 700 ) مدرسة فى نابولى وما حولها ، وطلبوا من التلاميذ القيام بأنشطة حول الكتاب ، فمنهم من عمل فيلمًا مدته ( 5 ) دقائق ، وغيرهم ألَّف قطعة موسيقية ، وبعضهم حولها إلى مسرحية أو سلسلة رسوم فنية ، وتمت دعوتى أنا والكاتب الكبير محمد سلماوى إلى نابولى لنشاهد أفضل الأعمال للطلاب فى                   الـ ( 700 ) مدرسة . وجدنا الأطفال يقدمون أعمالاً مُبهرة حول الكتاب . فهناك يتم توظيف الكتب لِتُخْرِج كل القدرات الإبداعية لدى الأطفال ، وهذا يضعنا أمام أهمية استخدام الكتاب لتنمية الإبداع وليس للتعليم ، بل لجعل الطفل عنصرًا فاعلاً وأساسيًّا فى التحاور والتفكير والإبداع حول الكتاب الذى يقرأه .
* كيف ترى برامج الأطفال المصرية ؟ 
- فى الخارج يستفيدون من الكتب الأدبية فى البرامج الخاصة بالأطفال ، لأنهم يحوِّلون الكتاب إلى أنشطة متعددة ، فمشهد يتم تمثيله ، ومشهد آخر يتم رسمه ، ومشهد يتحول إلى إجابة أسئلة حول الكتاب . لكن فى برامجنا نشاهد مذيعة الأطفال تجلس وسط أطفال تختلف أعمارهم من 4 إلى 15 سنة ، وبالطبع لا يوجد برنامج أطفال واحد يناسب هذه الأعمار معًا ، لكن الواضح أنهم أبناء بعض العاملين فى التليفزيون ، وهذا لا يشجع على التفاعل بينها وبين الأطفال ، لأنها تحكى وهم يستمعون فقط ، بمعنى أنه لابد من نقل الأطفال من موقف التلقى السلبى ، إلى حالة المشاركة الإيجابية النشطة .
* كيف ترى الطفل المصرى من خلال تعاملك معه ؟ 
- الطفل المصرى من أذكى أطفال العالم ، حتى دخوله المدرسة فيخبو هذا الذكاء ، لأنه يتعود على الحفظ والتلقين دون إبداء الرأى أو النقد .. لكننا نرى الطفل فى القرية يقود الجاموسة وهو فى سن السادسة ، ويسيطر عليها حتى تخرج إلى الغيط أو الترعة لتشرب ، ثم يعود بها بمفرده . ولو نظرنا إلى الطفل الصبى فى أى مهنة ، صبية الورش ، تجدهم فى منتهى الذكاء والنشاط وسرعة التعلُّم ، لكنه تعلُّم محدود لا يتواصل ، سواء فى القرية أو المدينة .
* وما تقييمك للعملية التعليمية وطريقة التدريس ؟ 
- العملية التعليمية تقضى على كل وسائل الإبداع لدى الأطفال ، لأنها تعتمد على التلقين والحفظ وليس الحوار والنقاش والفهم ، فقد أصبح الحصول على مجموع مرتفع هو الهدف، وليس بناء العقل والقدرات الإبداعية .
* ما الذى يعيب الطفل المصرى ؟ 
- التربية الوالدية للطفل المصرى هى التى تعيبه ، لأنها تجعل كل شىء يفعله الطفل مرتبطًا بالخضوع والاستسلام والطاعة للوالدين ، دون نقاش ، كرد فعل للتربية التسلطية.
* كيف يمكن كسر التربية التسلطية ، مع الاحتفاظ بالود والاحترام للوالدين؟ 
- بأن تتطور العلاقة ليصبح الأبناء أصدقاء للآباء ، ويختفى تصور الابن أن الأب سلطان لا مرد لحكمه وعلى الابن الطاعة . لكن ما أراه أن عنوان التربية فى الأسرة العربية هو التسلطية ، وهذه تفسد كل تربية للطفل ، لأنه لا يفكر ولا يستطيع إلا الخنوع والاستسلام ، فى حين أنه لابد أن يحاوره الوالدان ويناقشاه ، من خلال تخيير الطفل حول طعامه وملبسه ونزهته وهواياته وقضاء وقت فراغه ، لأن التربية فى حقيقتها هى تنمية القدرة على الاختيار الصحيح لدى الأطفال ، ولابد أن تكون طلبات الكبار من الأطفال بالاختيار وليست بالأوامر . إن الطاعة الآن تجعل الطفل يطيع فى الظاهر ، وبعيدًا عن أبويه يفعل ما يريد.
* وماذا عن التسلط فى العملية التعليمية ؟ 
- الطفل يعانى من التربية التسلطية فى الأسرة ، وأيضًا من التربية التسلطية فى المدرسة ، لأنه يحفظ فقط ، وهذا يُفرض عليه فرضًا . كما أن المناهج المدرسية لا تترك مساحة للنقد ، ولا للمفاضلة ولا للتفكير والاختيار ولا للخبرة العملية .
* وما الذى يجب على كاتب الأطفال أن يراعيه فيما يكتب من أعمال أدبية؟ 
- على كاتب الأطفال أن يعيش قضايا عصره ، وأن يمتلك رؤية مستقبلية ، ويتطرق إلى موضوعات مثيرة لاهتمام القارئ الصغير .. وشيقة .. عليه أن يقرأ كثيرًا ويتابع حياة الناس ، ويشارك فى مؤتمرات ، ليفهم طبيعة الناس وطرقهم المختلفة فى تحقيق مصالحهم ، وما هى ثقافتهم وبيئاتهم التى تفرض عليهم سمات متباية فى التعامل مع الأحداث والمواقف ، فكل بيئة تختلف عن الأخرى ، وبالتالى تترك آثارًا مختلفة على من يعيشون فيها .
* ما هى محرمات أدب الأطفال ؟ 
- لابد أن نعرف أن الأطفال أقل من ( 12 ) عامًا لا يهتمون كثيرًا بالجنس                      أو العواطف ، وكل ما يبحثون عنه هو الأحداث والحركة والشخصيات . وعندما نحدثهم عن المرأة فى أدب الطفل ، فهذا تحضير لهم لكيفية تعاملهم واحترامهم للطرف الآخر فى المستقبل ، لأن كلمة محرمات يجب أن تكون مناسبة لمرحلة الطفولة ، فلابد أن يعرف الطفل كل شىء ، لكن بطريقة تؤكد الإيجابيات وليس السلبيات . مثلاً يقول البعض " لا تحدثوا الطفل عن    الموت " ، كيف وهو يرى جده قد مات وجاره  مات ، فالموت حقيقة فى حياتنا ، وحتى الشجرة تموت . فلابد أن نتحدث معه عن الموت لكن بما يناسب عمره . فلا يوجد شىء اسمه محرمات فى أدب الطفل ، بل توجد معالجة تناسب عمر الطفل .
* فما الذى يجب أن نبعده عن كتب الأطفال ؟ 
- لابد أن نبعد الدعاية عن كتب الأطفال ، وعلى وجه خاص الإعلان المستور أو المتخفى ، أو محاولة حشر شىء سواء كان سلعة أو فكرة فى عمل مقصود به ظاهريًّا تسلية الأطفال . إن النص الذى يحتوى على دعاية متخفية سيبعث على الملل بكل تأكيد .
* متى يمكن أن نرى مشروعًا قوميًّا موجهًا للطفل ؟ 
- يوجد لدينا المجلس القومى للأمومة والطفولة ، والمركز القومى لثقافة الطفل ، والإدارة العامة لثقافة الطفل فى قصور  الثقافة ، وقناة الأسرة والطفل فى التليفزيـون ، لكن المشكلة فى كيفية التنسيق ، وترشيد العمل فى هذه المراكز . وأرى أن المجلس القومى للطفولة والأمومة يعمل لصالح المرأة أكثر من الطفل ، لهذا أطالب بعودة دوره فى دعم الطفولة ، لأنه منذ عشر سنوات تم مطالبة كل جهة حكومية بأن تعلن عن مُكَوِّن مخصصات الطفولة فى كل وزارة مثل الأوقاف والداخلية والصحة والثقافة ، لأن ميزانيات الأطفال عندما تتداخل مع ميزانية الكبار عادة ما تطغى عليها مطالب الكبار .
وفى كل عام كان يتم عمل مكون لميزانية الأطفال داخل كل وزارة لها ارتباط بالأطفال ، لكى يتم سؤالها عن استخدامها المكون المخصص للأطفال ، وهذا هو المشروع القومى الذى لابد أن نعيد الاهتمام به ، لكن المجلس القومى للطفولة والأمومة لا يطلب حاليًّا هذا الاستفسار .
* وهل الوزارات تستجيب وتراعى هذا الأمر ؟ 
- لابد أن تعرف الوزارات أن مخصص الأطفال داخل الميزانيات مهم جدًّا أن يُنْفَق على الأطفال كل عام ، وليت هذا ينفذ .
لكن المشروع الأكبر للأطفال هو التعليم ، لأن المدرسة هى القادرة أن تعلم أشياء كثيرة مهمة فى الحياة ، سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو رياضية وكيفية الاتصال بالآخرين، لأنها مؤسسة متكاملة فى مجال تربية وتعليم الأطفال ، لكنها حاليًّا تركز فقط على ما سيكتب فى الامتحان .
* وكيف نُخرج الطالب من هذا النمط ؟ 
- يتم كسر هذه القوالب الجامدة بوجود أنشطة فاعلة فى المدرسة ، كالأنشطة الرياضية والموسيقية والفنية والرحلات ، مع أنشطة المكتبة ، والمفترض أن تصبح الأنشطة 40 % من اهتمام المدارس الابتدائية ، مع وجود كتب تناسب الأعمار المختلفة فى مكتبة المدرسة ، والاهتمام بما تقدمه هذه الكتب فى مختلف المجالات ، لكى تواجه اهتمامات الأطفال المختلفة .
* وما البيئة المثالية لنشأة الطفل ؟ 
- بإعداد وتربية الأب والأم قبل الزواج ، لأنهما مَن سيقومان بإعداد طفل المستقبل ، مع وجود مدرسة تدير أنشطة ، واهتمام بدور المكتبة والمسرح والخيال العلمى ، مع ثورة فى نوعية عالم كتب قبل المدرسة ، بأن يتحول الكتاب إلى كتاب مرئى ومسموع مع استخدام مختلف الحواس ، لكى يستطيع الطفل تحويل الخبرة المكتوبة إلى خبرة مسموعة ومرئية وملموسة .
* هل يوجد تشريع ما تطالب به مجلس النواب للطفل المصرى ؟ 
- قانون الطفل المصرى جيد جدًّا ، بل من أفضل قوانين الطفل على مستوى العالم ، لكنه غير مُفَعَّل على نحو كامل . وإذا كنا سنضيف فلا توجد مشكلة ، لكن المهم ألا نحذف منه شيئًا ، ونعمل على تفعيله كاملاً .
* وكيف يمكن غرس قيم التعاون والتسامح وقبول الآخر ورفض الإرهاب؟ 
- كلما نمينا فى الأطفال أن يعبروا عن رأيهم بحرية ، وأن يحترموا الرأى الآخر ، فإننا نجتث جذور الإرهاب من بدايتها ، لأن الإرهاب يعتمد على السمع والطاعة دون تفكير أو نقاش . وبالطبع هذا يتم من خلال أنشطة وقصص غير مباشرة ، وليس من خلال مواعظ ونصائح مباشرة .
* كيفية نشر الوعى بحقوق الإنسان وخاصة الطفل ؟ 
- منذ وقت مبكر كشفت دراسة صادرة عن هيئة اليونيسيف فى مصر ، أن الدراسات الاجتماعية أظهرت أن أساليب التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة ، تتسم بقدر كبير فى التسلط ، بما يحول دون انطلاق الطفل فى التعبير عن نفسه ودون نموه نموًّا صحيًّا . كما أشار التقرير إلى أنه رغم أن مبادئ المشاركة والحقوق والحريات المرتبطة بها مكفولة لكل المواطنين ، لكن مفهوم فكرة مشاركة الطفل لم تكن معروفة فى مصر حتى عهد قريب . فالمشكلة تكمن فى المعتقدات الموروثة التى ترسخ أنماط التنشئة التسلطية ، والتلقين فى نظم التعليم ، والنمطية التى تقدم بها البرامج .
* هل أنت متفائل بمستقبل أدب الأطفال ؟ 
- نعم .. فالآن هناك عدد متزايد من الكبار ، آباء وأمهات ومدرسين ومربين ، يدركون مطالب الأطفال واحتياجاتهم الفكرية والعقلية والعاطفية ، وهذا التغيير فى النظرة إلى مرحلة الطفولة قد حمل عددًا يتزايد من المؤلفين على أن يقدموا للأطفال مختلف ألوان   الأدب ، كما شجع معظم الدول العربية على إقامة مسابقات لأدب الأطفال ، وتقديم جوائز سخية للمؤلفين والرسامين والناشرين . كما بدأ الاهتمام بترجمة بعض أهم كتب الأطفال العربية إلى لغات أجنبية . كل هذا يؤكد المستوى المرتفع الذى وصل إليه الكثير مما يقدم لأطفالنا ، نتيجة الاهتمام المتزايد بكل ما يتعلق بثقافة الأطفال ، لكننا فى حاجة إلى مزيد من الاهتمام والدعم ، فنحن لا نزال فى بداية الطريق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق