الصفحات

2017/10/14

الـمسرح الشعري العربي-الأزمة والـمستقبل- بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــــة

الـمسرح الشعري العربي-الأزمة والـمستقبل- 
بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــــة

يتبين لكل متتبع لواقع المسرح الشعري العربي أنه لم ينل حظاً وافراً من الدراسة والبحث في وطننا العربي،وظل مغيباً عن النقاش والتحليل لسنوات طويلة. ولعل أبرز الدوافع التي حملت الدكتور مصطفى عبد الغني على إصدار هذا الكتاب الموسوم ب« المسرح الشعري العربي-الأزمة والمستقبل-»،الذي طبع ضمن سلسلة كتب عالم المعرفة الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت ، عدم الاهتمام بقضايا المسرح الشعري العربي،حيث يُرجع الدكتور مصطفى عبد الغني غياب أو تغييب المسرح الشعري إلى فضاءات العولمة،وغلالات الأمية الثقافية،وغيابات الوعي العربي لأكثر من ربع قرن أو يزيد. اعتمد المؤلف في مادة كتابه على مجموعة من الوثائق والمصادر والمراجع المتنوعة،وتتجلى أهمية الكتاب في جدته،حيث إنه يتحرى و يستقرئ ميداناً قلما امتدت إليه أقلام الدارسين العرب،فهو يسعى إلى تسليط الضوء على الأزمة التي يعرفها المسرح الشعري العربي،ويحاول استقراء المستقبل،فيقدم تشريحاً دقيقاً لأزمة المسرح الشعري العربي،كما يستشرف المستقبل. وزع المؤلف كتابه على أربعة أبواب أساسية مع مقدمة،وتمهيد عنوانه: « الحراك الدرامي في العصر الحديث»،تساءل فيه عن ملامح الحراك الدرامي في العصر الحديث،وملامح الأزمة في المشهد الراهن؟ ولعل أبرز ما لفت الانتباه إليه أن المسرح الشعري العربي-عبر الحقبة الأخيرة خاصة-لم يتبلور بعد ضمن المناخ السائد في هذا الوقت،حيث يرى المؤلف أن من يرصد المسرح العربي بشكل خاص يلاحظ أن تياراً أو جيلاً مسرحياً ظهر في السبعينيات والثمانينيات لم يتمكن من تعميق مجرى النهر،ولم يستطع أن يتصدى لسلبيات الحاضر. جاء الباب الأول من الكتاب الذي عنونه المؤلف ب« المسرح الشعري بين المد والجزر»ليُقدم متابعة تاريخية شاملة للمسرح الشعري العربي تمتد من منتصف القرن التاسع عشر-حين ظهرت أولى محاولات المسرح الشعري-إلى غاية أيامنا هذه. حيث توقف المؤلف في متابعته التاريخية مع أربع مراحل رئيسة: المرحلة الأولى ويطلق عليها المؤلف اسم مرحلة التطور بين أعوام:1847 و1918م،وهي التي عرفت نشأة المسرح العربي في لبنان وسورية ومصر إلى غاية الحرب العالمية الأولى،وقد عرفت نصوصاً متنوعة،حيث ظهرت في لبنان مسرحيات مارون النقاش« البخيل»،و« أبو الحسن المغفل أو عصر هارون الرشيد»،و« الحسود السليط»،إضافة إلى أحمد خليل القباني الذي يعد أول من أدخل الأغنية إلى المسرح،وقد كتب ما يزيد عن عشرين مسرحية مستوحاة من التاريخ،كما كتب يعقوب صنوع« البنت العصرية»،و« الضرتين». أما المرحلة الثانية التي هي حالة المد التالي بين سنوات:1940و1967م،فقد تميزت بارتفاع أسهم التأصيل مروراً بالفترة بين الأربعينيات والخمسينيات،وهي الفترة التي عرفت تصاعد موجات التغيير والتعبير عن الهم العربي ،فقد شهدت تعالي ضربات الغرب الاستعماري والصهيوني،فهذه الفترة تمثل إرهاصات التغيير في المنطقة،حيث انعكست الثورات على التعبير الأدبي وأجناسه ولاسيما منها المسرح الشعري،فقد بدأت هذه الفترة بعمل مسرحي كبير هو مسرحية« جمال باشا السفاح» التي عُرضت في مدينة دمشق،ومن سمات هذه المرحلة التوجه السياسي والنضالي ضد المستعمر،إضافة إلى مناقشة الأوضاع الاجتماعية والمشاكل البارزة التي عرفتها المجتمعات العربية،وفي هذه المرحلة كانت أغلب المسرحيات التي تمثل تقام من قبل الهواة،حيث أسست في هذه المرحلة مجموعة من الفرق والأندية من قبلهم،كما عرفت هذه المرحلة ظهور المسرح التجاري الذي لم تشهده المرحلة الأولى،وقد تميزت هذه المرحلة بالاستماتة في تقليد المسرح الأجنبي،واعتبار عدد كبير من المسرحيين أن إتقان التقليد هو المعيار الأساس لازدهار المسرح العربي ورقيه. وقد اتسم المسرح العربي في المرحلة الثالثة بالجرأة والوضوح والصراحة في معالجة الأوضاع والظروف الاجتماعية والسياسية التي مر بها عالمنا العربي،حيث انقسم إلى قسمين رئيسين: قسم اجتماعي:وقد ظهر في التركيز على الواقعية،التي تراوحت بين الواقعية الاشتراكية التي لامست حد المباشرة في التشجيع على الثورة،والواقعية النقدية التي تبحث عن الحلول للمشاكل التي تواجه الفرد العربي في مجتمعه. وقسم سياسي:حيث ركزت الكثير من المسرحيات على القضايا السياسية،ولاسيما منها موضوع الهزيمة،وكانت تتم الدعوة في المسرحيات إلى الحرب،وتحقيق الكرامة. وقد شهدت المرحلة الثالثة إقبالاً كبيراً على المسرح العربي لم يظهر في المرحلتين السابقتين،نظراً لازدياد الوعي،ونمو المستوى الثقافي في العالم العربي. أما المرحلة الأخيرة فقد شهدت تراجعاً في التعبير الدرامي،حيث غاب النص المسرحي عربياً كان أم أجنبياً،فقد تميزت هذه المرحلة بتطور فن الأداء المسرحي،وتراجع الكتابة المسرحية،كما تطور الإخراج،بيد أنه لم يكن له هدف فكري مشترك،وقد عبر المؤلف عن هذا الأمر بقوله:« تكاملت العروض المسرحية في حلة بهية،لكنها شاحبة،وهذا يعني أننا نعيش في هذه الحالة التي عرفت الجزر الحاد في الحراك الفني سواء عبر المسرح التقليدي أو المسرح الشعري،ونظرة عامة إلى المنطقة ترينا كم الفوضى والاضطراب الذي أصبح سائداً في الخروج من عصر العولمة إلى عصر الفوضى(غير الخلاقة)التي ترسم للمنطقة من خارجها وتعيش فيها المنطقة لكل المؤثرات التي نعرفها جميعاً،حتى إننا يمكن أن نعيد النظر فيما يجري في المنطقة-وللمنطقة-لنرى من بعيد،مسرح المنطقة العربية بأقطارها التي تعاني-مثل كل مأساة درامية حادة-حالة من الأحداث الدامية التي تجري وكأنها حدث درامي كبير يتعدد فيه نظام الإشارات ورموز العلامات وخطوط الحركات والأفعال الدرامية لتصنع كلها في المشهد الأخير ميلودراما هائلة. يمكننا أن نقول إذن،ونحن نتابع حالة المد والجزر الهائلة في المنطقة،إن الحراك الدرامي الشعري انتهى إلى الإخفاق،وإن حركات التأصيل الدرامي التي بدأها خليل اليازجي بمسرحية(الوفاء والأمل)في بيروت ثم في القاهرة في منتصف القرن التاسع عشر تشهد حالة الجزر الحاد الذي تعرفه دراما المسرح الشعري العربي اليوم،وهو ما يحتاج منا العود-من جديد-إلى البدايات،الحراك الأول من التأصيل إلى التغيير»(ص:82). خصص المؤلف الباب الثاني من الكتاب للحديث عن الدراما الشعرية،ورأى أن المشهد الراهن ضنين بالعطاء،وسجين في الغنائيات وضعف الأداء الدرامي،وغياب النص الشعري بحضور أحداث خطيرة تمر بها أمتنا العربية،وهو إلى ذلك يحمل وهناً يمنع تجميع تيارات التطور،أو تعميق المجرى،قواقع المسرح الشعري العربي حالياً يعرف أزمة حادة. في الباب الثالث من الكتاب قدم المؤلف قراءة تحليلية معمقة حاول من خلالها إبراز المدى الذي حقق به المسرح طموحه الدرامي،وتساءل في مستهل هذا الباب:هل لدينا حقاً دراما شعرية؟ يؤكد الدكتور مصطفى عبد الغني منذ البداية على أن هناك أزمة دراما في المسرح العربي اليوم،ومع ذلك فإن هناك مجموعة من النصوص التي لا يمكن تجاهلها بأي حال،كما يذهب في رصده لأزمة الدراما إلى أن الواقع الدرامي الذي نحياه أرسل بإشارة السلبية المريعة على كل شيء. تحدث المؤلف في الباب الأخير من الكتاب عن الأزمة والطريق إلى المستقبل،ورأى أننا نعيش حالة انحسار تتعدد صوره،فالملكة الشعرية تتناقص اليوم بشكل كبير في كتابة المسرح الشعري،وأغلب الذين يكتبون الشعر الدرامي كانوا يكتبون الشعر الغنائي،واتجهوا بعدها إلى المسرح،وهذا ما يضعهم أمام إشكالية اللغة،حيث إن عدد الشعراء القادرين على الوصول درامياً وشعرياً إلى القارئ قليل جداً،كما لاحظ الدكتور مصطفى عبد الغني أن هناك ندرة شديدة في الوعي لدى الكاتب الدرامي في التعامل مع التغيرات في بنية الشعر العربي،ودعا إلى التنبه إلى صفة التعدد والدينامية،والتي تتحدد بالرجوع إلى التمييز الذي يميز فيه إليوث بين أصوات الشعر الثلاثة:الصوت الأول وهو الشعر الغنائي الذي يتجلى فيه حديث الشاعر بصوته المفرد،والصوت الثاني الذي يتحدث فيه الشاعر بصوت غيره،والصوت الثالث الذي يتحدث فيه الشاعر بعدة أصوات وهو الشعر الدرامي أو المسرحي،فقد اتجهت حركة الشعر العربي شأنه في ذلك شأن الشعر العالمي إلى تعدد الأصوات،فأضحت كثرة وجهات النظر من الصفات المعتادة في القصيدة التي تتسم بالوحدة البنائية التي تقوم على الوحدة الشعرية،وهذا ما يظهر في اتجاه معظم المعاصرين إلى كتابة القصيدة الطويلة سواء كانت عمودية أو مرسلة. وينبه المؤلف إلى أن العربية والشعرية في اللغة الأم غير مسؤولة عن تراجع (الفنية) الدرامية في عالم المسرح الشعري،وهذا ما يُفسر بأن نص المسرحية الشعرية لم يعرف بشكل علمي ولاسيما في الفترة الأولى،فمعظم المسرحيات كانت أقرب إلى الشعر المسرحي منها إلى المسرحية الشعرية،فهي تشكل امتداداً للشعر الغنائي قبلها،فقد انبثقت منه،فكأن الشعراء نظروا إلى المسرح الشعري في الغرب وظنوا أن كل من يمتلك موهبة شعرية يستطيع بالضرورة أن يكون مسرحياً،وهذا ما يدفع الباحثين إلى إدخال دراسة المسرح الشعري في المدارس من أجل صياغة الوجدان لدى العربي في فترة مبكرة للتعرف على اللغة الشعرية أو الشعرية الدرامية. في ختام دراسته قدم الدكتور مصطفى عبد الغني مجموعة من الملاحظات التي تتصل بالمسرح الشعري العربي من أبرزها غياب الإحالات الشخصية في مقابل التركيز على الحاضر،فالتاريخي يظل مرهوناً بالحاضر وقضاياه،فالكاتب العربي يسعى إلى الإحالة السياسية في مرآة التاريخ،وليس إلى الحكي التاريخي للخروج بعظة أو عبرة،كما أن الكاتب المعاصر قام باستخدام التراث استخداماً مُفرطاً لمصلحة السياسة،فكان التركيز على القيمة السياسية،أكثر من الاهتمام بالقيمة التراثية وهذا ما طغى على الأعمال المسرحية،التي طغت عليها الكثير من السلبيات منها شيوع الغموض في البنية الفنية،أو الاغتراب الذي ينتج عن موقف الغلو لدى البعض، الذي يمنع تقديم الخطاب الدرامي بشكل واضح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق