الصفحات

2017/11/05

تراثنا العربي؛ بين التحقيق والتلفيق بقلم: حسن الحضري



تراثنا العربي؛ بين التحقيق والتلفيق
بقلم: حسن الحضري
لا شك أن الحفاظ على التراث، والعمل على نشره؛ أمرٌ له أهميته الملحَّة لدى أيَّة أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب؛ وأمتنا العربية لديها من تراثها العلمي في مجالاته المختلفة الشيء الكثير، وقراءة هذا التراث قراءة واعية؛ تؤدي بالضرورة إلى فهم خباياه، ومعرفة دقائقه، والتمكن من التعامل مع أطروحاته بطريقة صحيحة، من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من البناء والتقدم والرقيِّ.
فالمعوَّل كله في طريقة التعامل مع ذلك التراث؛ من أجل الحفاظ عليه، والإفادة منه؛ وذلك من خلال تناوله بالتحقيق والتعليق والنقد البنَّاء؛ القائم على أسس علمية تنظيرية وتطبيقية صحيحة.
وقد انتشرت في العقود الأخيرة مؤسسات بحثية ودور نشر لا تكاد تُحصَى كثرة، وكثيرٌ منها يعمل في مجال تحقيق التراث، لكن بطريقة عشوائية أو عبثية لا تؤدي الغرض المطلوب كما ينبغي أن يكون؛ فمعظم هذه المؤسسات تفتقد المنهج الصحيح، وتنقصها القدرات العلمية والخبرات البحثية، وكثيرٌ من القائمين على هذه المؤسسات والعاملين فيها لا يحسنون العربية، ويزعمون أنهم علماء في مجالات قوامها الرئيس هو اللغة العربية!!.
إن الله عز وجل أنزل القرآن الكريم على أهل اللغة ولم ينزله على أهل كتابَيْن كانوا مجاورِين لهم؛ فلا بد لمن يعمل في هذا المجال أن يكون ملمًّا بلغتنا العربية إلمامًا واسعًا، يمتد إلى فروعها المتعددة؛ إذْ لا يمكن لمن يجهل العربية أن يفهم النَّصَّ فهمًا صحيحًا، ومن لا يحسن الفهم فلن يحسن التفسير أو الاستنباط، حتى النُّقول تجده قد حوَّلها من كلام علميٍّ إلى كتلة من الحروف لا معنى لها، فلا هي بالكلام الواضح، ولا هي منسوبة إلى قائليها، ولا وُضِعت في موضعها الصحيح. 
إن التحقيق العلمي ليس معناه  النقل العشوائي لمادة علمية من مخطوط إلى كتاب، دون قراءة واعية أو موازنةٍ أصولية دقيقة بين النُّسخ المتاحة، أو إعمالٍ للعقل من خلال النقد والتحليل والتعليق، الذي يعتمد على أسس صحيحة؛ فالمحقق إذا لم تتوافر لديه آليات العمل الصحيح؛ سيكون عمله إساءة إلى المؤلف وإلى القارئ؛ لأنه سينسب إلى المؤلف أخطاء لا علاقة له بها؛ وإنما هي ناتجة عن فهمه السقيم لكلام المؤلف؛ كما أنه يقدم للقارئ معلومات مغلوطة لا يقصدها المؤلف.
أما المحقق المدقق، الذي ينظر  إلى الخبايا، ويلمُّ بالدقائق، ويفهم الغرائب؛ فتجده يقرأ النَّصَّ قراءة توافق قواعده الصحيحة، ويستشفُّ العلل ويستنبط الأحكام، ويعرض كل شيء على أصل قاعدته، ويتمكن من توجيه النص إلى مساره الصحيح، وتراه دقيقًا في التَّتبُّع والاستقراء وتقصِّي الشواهد والمتابعات، وإلزامها مواضعها الصحيحة؛ فترى فضله بيِّنًا ينطق بما لديه من علمٍ وحكمةٍ؛ وهو لن يكون كذلك إلا إذا توافرت لديه اللغة الفصيحة، والإبداع الجيد، فهو يحوِّل المادة الرديئة إلى مادة مفهومة، كما يحوِّل المتطفل المادة الصحيحة إلى كلام عبثي لا معنى له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق