الصفحات

2018/02/07

الضمير السردي في (عمارات النصر) ورؤية مغايرة للبطلة بالتحليق بعيدًا عن شخص الكاتبة بقلم: رانيا مسعود



الضمير السردي في (عمارات النصر) ورؤية مغايرة للبطلة بالتحليق بعيدًا عن شخص الكاتبة
بقلم: رانيا مسعود
 (عمارات النصر) هي القصة الأولى من مجموعة "إيقاعات من جرانيت" التي احتفت الهيئة العامة للكتاب بها وبكاتبتها السكندرية في أروقة مخيمات الثقافة في معرض الكتاب في دورته التاسعة والأربعين. والقارئ لقصة (عمارات النصر) قد يستشعر في البداية تقليدية الأحداث المتناصة مع أفلام الأبيض والأسود من الزمن الجميل، لكنها ببساطة هي إحدى القصص التي تحلق بنا بعيدًا عن صخب الحياة المملة في آفاق القصة العاطفية التي ربما تختفي من كتابات شبابنا، ولكنها لا تختفي طويلًا حيث تعود من آن لآخر في سرديات البعض منا وقد يبالغ النقاد في الحكم عليها بالسذاجة العاطفية في الكتابة، إلا أننا نلمس فيها حبكة ممتازة واستهلالًا مختلفًا يكاد ينافس الروايات القصيرة جدًا في تركيبته وبنيته السردية.
استهلت القاصة "إيمان الزيات" المجموعة بالقصة التي رسمت لنا ملامح المكان في حي من أحياء الإسكندرية، وكأي فتاة في عمر البطلة لا بد أن تنجذب إلى الفتى الوسيم، وللسكندريات بالذات الوسامة المتشربة بالتأنُّق حين تلفتها مواصفات الفتى النبيل الظاهر في هذه القصة الأولى (عمارات النصر). والمكان البطل من العنوان ترسمه "إيمان" بدقة شديدة حتى تكاد تخال أنَّك ضمن ساكنيها؛ فتتسلل إليكَ بجملة المقدمة بالعودة إلى روح الزمن القديم المنسابة داخل النفس باستدعاء عبير الربع قرن الماضي من عمر البطلة. ولعاطفية الكاتبة سحرها الخاص حين اختيار الأناقة والرقة في روعة التشبيه (كقلبٍ في بيات)، والسجع في كلمتي (بيات والذكريات) مما يضفي على استهلالها جاذبية بعبق مفعم بالشاعرية ذات التأثير المختلف في نسيج السرد.
الوصفُ الذي تتهادى به كقارئ يجعلك أسيرًا للمكان، ويعمق من الرباط الأصيل بينك وبين العنوان من بداية القصة. ثم العودة إلى التوغل في روح الشخصيات بالكشف عن عاطفية الأم لبطلة القصة التي تتحدث فيها "إيمان الزيات" بضمير السرد الأنا. وللضمير السردي ها هنا ما قد يجعل القارئ يلقي بالقصة على القاصة ذاتها، إن لم يكن على علاقة مقربة منها ويعرفها حسن المعرفة؛ إذ أن اختيار السرد في هذه الحالة بالضمير الذاتي قد يقرِّب القصة من نفس القاصة، ويقرب البطلة والقاصة من القارئ إلا أنه قد يُحدث ارتباكًا ما مبعثه  أننا كقراء لا بد وأن نعيش القصة المروية بضمير الأنا وكأنها مرتبطة ارتباطًا تامًا بالكاتب أو الكاتبة، دون الوعي أن الكاتب قد يتقمص أدوارًا مختلفة، ويرويها بضمائر متعددة ومنها ضمير الأنا، وقد يختلق عوالمه التي يجلسُ فيها وبين شخوصها بما يروقه من طرق متباينة للتعبير بالصور المختلفة عن إبداعه القصصي. ويختلفُ تلقي القصة من قارئ إلى آخر إلا أن أغلب الظن أن القصة المسرودة بضمير الأنا دائمًا ما تحيل الأحداث المروية إلى صفة الكاتب.
تشارك القاصة وبطلتها المتماهيتان بالضمير السردي (الأنا) شخوصٌ منها الأم التي ظهرت منذ البداية وبقوة لتبني منها القاصة في نهاية القصة ما يستدعي صرامة وقوة الشخصية التي أثرت في الحدث الرئيس للبطلة. يشارك الأم بمساحة أقل كلٌّ من نبيل وممدوح، إلا أن ممدوح لم يحتل المساحة التي أفردتها القاصة لنبيل الذي يتحرك في المكان البطل بين السور والشرفة وإطلالته على محبوبته أثناء المباراة. ومن الشخصيات الثانوية -في رأيي- "بوسي" والتي أفردت لها القاصة الحديث بإلقاء الضوء على عائلتها، وقد ظهرت بالقبح الذي لا بد أن تراه البطلة فيها حتى وإن كانت في الأصل لا تنتمي للقبح، فللقارئ أن يتخيلها بالقبح لأنها المنافِسَة القادمة للقاصة الحقيقية كبطلة في أحداث القصة.
الرسالة في النهاية ذات المضمون القصير كانت سببًا في إغلاق المشهد القصصي الطويل جدًا الذي عنونته القاصة "إيمان الزيات" بالاسم نفسه، كما عنونت لكل جزءٍ في القصة الطويلة أو إن جاز التعبير عنها بالرواية القصيرة جدًا في (عمارات النصر).
وعلى تقليدية المشهد الأخير في القصة، نجد "إيمان الزيات" تنسجه بسردٍ مختلف يضعه في مرمى الأبطال كهدفٍ تحرزه بقوة في اختيار النهاية. فالحدث واحد وقد تتشابه الأحداث كثيرًا إلا أن لكل ساردٍ طابعه المميز الذي يفرد له حيزه الإبداعي في فضاء الإبداع القصصي أو الروائي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق