الصفحات

2018/03/19

أضواء على بطولات الشعب الجزائري في منطقة الشمال القسنطيني( الميلية) بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بــوفـلاقــة



أضواء على بطولات الشعب الجزائري في منطقة الشمال القسنطيني( الميلية)
بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بــوفـلاقــة
   «مملكة الفلاڤة» هي التسمية الذي أطلقها الجنرال شال؛القائد العام للقوات المسلحة الاستعمارية بالجزائر على منطقة الميلية،حيث جاء في كتاب«الوقت الضائع» في الفصل الذي يتحدث فيه الكولونيل ترانكي عن مخطط شال،قوله متحدثاً لترانكي :« سأعطيك قيادة المنطقة الأكثر صعوبة في الجزائر،إنها الميلية.
    لقد مات بها عدة قواد،الكولونيل ماري الذي كان يحكمها اغتيل على بعد100متر من المدينة،إنه ثاني كولونيل يقتل في المنطقة( الميلية)،بالإضافة إلى اثنين من متصرفي المنطقة قتلا في مكتبهما.في العام الماضي قمنا بعملية استلزمت مجموعات كاملة لم نحصل خلال أيام عديدة إلا على بندقية صيد،شيء مضحك، ومؤسف في نفس الوقت.هذا ما لا أريده أن يتكرر.الميلية...إنها مملكة الفلاڤة.هنا أريد أن أنهي الحرب،عندما تتغلب على تلك المنطقة عند ذلك ستنتهي الحرب...»)1(.
    من خلال كلام الجنرال شال يتضح الدور الكبير الذي لعبته منطقة«الميلية»أثناء ثورة التحرير الجزائرية إلى درجة أنه يربط انتهاء الحرب بالقضاء على منطقة الميلية.
     وفي هذا السياق تأتي شهادة المناضل الجزائري عمر شيدخ العيدوني لتكشف النقاب عن جوانب من الكفاح الثوري بمنطقة الميلية،و  تقدم صورة وافية عن وقائع ثورة التحرير  الجزائرية في الولاية الثانية، وتكتسي شهادته أهمية خاصة،فالرجل أحد أبرز المناضلين الذين شاركوا في الحركة الوطنية،وعمره لا يتجاوز سبع عشرة سنة،وعند اندلاع ثورة التحرير المباركة كان في قلب أحداثها، نظراً  لما أسند إليه من أدوار هامة على مستوى منطقته.    
  إن كتابمملكة الفلاڤة» يعد شهادة ثمينة عن تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية المباركة بالولاية الثانية،بما يحتويه من معلومات عن الحركة الوطنية الجزائرية،والثورة التحريرية بمنطقة الميلية.
    وقد وصف الأستاذ الإعلامي بلال بوجعدار هذا الكتاب في تقديمه له بأنه : «وصف دقيق لمنطقة كانت دائما في قلب الأحداث، وكانت دائما في مقدمة الذين رفعوا لواء الجهاد ضد قوى الاستكبار، ودفعت في سبيل ذلك أثمانا باهظة.
   مملكة الفلاڤة، أول كتاب وأهم كتاب يخرج للناس يحكي الحكاية من البداية حتى النهاية، حكاية ثورة التحرير المباركة في أولاد عيدون "الميلية" حاليا يعيد الأمور إلى نصابها، ويضع الأحداث في سياقها، ويكشف لأول مرة حقائق مثيرة عن تاريخ الكفاح في المنطقة التي ظلت سجينة الصدور أو دفينة القبور أو هكذا أريد لها أن تكون.
  مملكة الفلاڤة، ليس كتابا في التاريخ يرجع إليه، و ليس دراسة أكاديمية تقدم معرفة علمية خالصة، و ليس مذكرات شخصية تجعل من صاحبها بطلا قوميا حوله تتمحور الأحداث منه تبدأ ،و إليه تنتهي،ولكنه شهادة عن الوقائع كما عاشها صاحبها، و رواية لتفاصيل هامة حول تعقيدات العمل الثوري في أولاد عيدون و تشابك أدوار الفاعلين فيه، و تداخل المحلي بالوطني، و تمازج الجزئي بالكلي، و تكامل الفرعي و الأصلي...  
  مملكة الفلاڤة، إعلام للجاهل، وإفحام للجاحد، إظهار للحق، وإبطال للباطل، حماية للتاريخ من التشويه وصيانة للحقيقة من التيه.
  مملكة الفلاڤة، توثيق شامل لما حدث في أولاد عيدون منذ نضالات الحركة الوطنية، و امتداداتها، مرورا بلحظة التفجير الأولى، و إرهاصاتها...  
  مملكة الفلاڤة، محاولة لإخراج أولاد عيدون من عزلة ارتضتها لنفسها، أو فرضت عليها من طرف غيرها، ومحاولة لإرجاع الحق إلى أصحابه، حتى يعرف الناس أهل السبق والصدق، لأنهم راحوا ضحية مواقفهم الرجولية وقراراتهم البطولية، فالحقيقة ليست دائما كما تبدو، أو كما أريد لها أن تكون.
  مملكة الفلاڤة، شهادة المجاهد عمر شيدخ عن الأحداث بمنطقة أولاد عيدون (الولاية الثانية المنطقة الثانية الناحية الأولى "221")، بصفته صانعا لبعض من تفاصيلها، مشاركا في كثير من أجزائها، قريبا من عديد رجالاتها و أبطالها، يرويها كما عاشها لا يرجو من وراء ذلك غير تبيان الحقيقة التاريخية وحدها، ليعرف الجميع عظمة هذه المنطقة، وعظمة رجالها ونسائها، ولم يكن هذا الأمر هينا عليه  ، لما قد يثيره من حزازات ،وما يخلفه من هزات، فالجراح بعد لم تندمل، و البناء بعد لم يكتمل، و الاقتراب من أرض فيها الكثير من الألغام مغامرة كبرى ، و لا عاصم من هذه القواصم  غير نية صادقة، و غاية نبيلة، و صبر جميل. 
     مملكة الفلاڤة، رسالة رجل التفجير والتحرير، إلى جيل البناء والتعمير، ليواصل المعركة  بعزم و ثبات، فعدو الأمس مازال متربصا، وإن بدل جلده وأسلوبه، ولن يغفر أبدا للأجيال الحاضرة، والآتية ما فعل به الأولون، فليأخذوا حذرهم وليحموا مكتسباتهم، وليعدوا ما استطاعوا من قوة فالحرب سجال، و أبدا لن تنتهي»)2(. 
   في بداية الكتاب يؤكد المجاهد عمر شيدخ العيدوني على أن تسمية المنطقة الصحيحة هي   «أولاد عيدون»،وليست«الميلية»،ويرى أن الميلية اسم دخيل على المنطقة،ويعتقد أنه دسيسة استعمارية،ولذلك فهو يصر على استعمال اسم«أولاد عيدون»بدل اسم«الميلية».
    الحراك السياسي في أولاد عيدون قبيل الثورة:
    قدم المؤلف لمحة تاريخية عن الحراك السياسي بمنطقة«أولاد عيدون» قبل الثورة،فأشار إلى أن أولاد عيدون عاشت حراكاً سياسياً شكلته ثلاثة كيانات كبيرة، ورسمت معالمه، حركة الانتصار للحريات  الديمقراطية، وأحباب البيان ، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
     فحركة انتصار الحريات الديمقراطية ترأس قسمة  أولاد عيدون بها المناضل زيدان أرزور، ومن أبرز روادها: علي مسقالجي، ويعتبر المسؤول الأدبي عن الحركة،و العربي لحمر الذي كان ضابطا في الجيش الفرنسي، وشارك في الحرب العالمية الثانية، وبعدها عمل كاتبا لدى حاكم الميلية  ثم التحق   بالعمل الوطني بعد رفضه التنديد بالحركة الوطنية وأفكارها، فانحاز إلى صفها غير آبه بالحاكم وسلطته، وأصبح عضوا بارزا في المنظمة السرية "L’OS" ومن الأوائل المفجرين لثورة التحرير المباركة.
  أما أحباب البيان  فقد كان يمثلهم في الميلية الأستاذ أحمد طالب،وهو حاصل على شهادة ليسانس في الحقوق، وكان أحد كبار المثقفين في المنطقة، وكانت له يد بيضاء على أبناء الحركة الوطنية. 
    أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فقد ترأس شعبتها عبد الله إدريس، ومعه الشيخ محمد الصالح بن عتيق،ويشير المجاهد عمر شيدخ العيدوني إلى أنه لا يمكن الحديث عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دون الوقوف مطولاً مع شخصية عظيمة هي شخصية محمد خطاب الفرقاني،الذي قدم الدعم المالي،واللوجستي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،فهو« أصيل دوار بني فرقان، رحل إلى المغرب حيث يعمل أخوه رابح ،وكان موظفا ساميًا هناك. التحق به ،واشتغل بالفلاحة حتى أصبح من كبار أثرياء العالم، وجاد بكريم ماله على الجمعية، فبنى المدارس، و تكفل ببعثات الطلبة إلى الخارج كما اشترى في مسقط رأسه ملهى للفرنسيين، وحوله إلى ثانوية وهبها لجمعية العلماء، ولا يزال موقعها إلى الآن شاهدا على عظمته، و عمق وطنيته، و نبل أخلاقه، و عنه يقول علي منجلي: "أعظم شخصية عرفتها الثورة الجزائرية في المغرب شخصية محمد خطاب"، وكثيرا ما أثنى عليه الشيخ البشير الإبراهيمي في مقالاته.
        وكان يزور أولاد عيدون مرة كل عام، يتفقد أهله و أصدقاءه ،وكان يكن احتراما كبيرا للحركة الوطنية خاصة للعربي لحمر الذي كان جارا له في الصغر.
        و توفي محمد خطاب سنة: 1963 في سويسرا بطريقة غامضة، إذ وجد ميتا في غرفته بالفندق، وانقطع ذكره واندثر أثره »)3(.
     وبالنسبة للعلاقة التي طبعت فصائل الحركة الوطنية(حركة الانتصار-البيان-جمعية العلماء)   أشار المؤلف إلى أنها «علاقة تعاون وتكامل تتقاطع في نقاط كثيرة هامة، كرفض القمع الاستعماري، وعدم التعاون معه أو التحاكم إليه أو الاستعانة به، كما كانوا يلتقون في موضوع الهوية العربية الإسلامية للبلد، فقد كانوا جميعا يدعمون تعليم اللغة العربية، وترسيخ العقيدة الإسلامية، وتنمية الشعور الوطني، كما كانوا متفقين أيضا على ضرورة محاربة الزوايا ،ومناهضة أفكارها الهدامة ،وإبطال كيدها، وإضعاف نفوذها من خلال استقطاب العامة، ونشر العلم الصحيح بينهم ،وفتح أعينهم على الحقيقة الاستعمارية المقيتة ،وضرورة التصدي لها»)4(.
المجاهد عمر شيدخ العيدوني وبدايات عمله النضالي:
      تحت عنوان«بدايات عملي النضالي» تحدث المجاهد عمر شيدخ العيدوني عن بداياته مع العمل النضالي،  فقد بدأ العمل بعد اقترابه من أعضاء حركة انتصار الحريات الديمقراطية،وذكر  أنه  آمن،واقتنع بما يحملونه من أفكار، وتصورات التي تعبر بصدق عن الأحاسيس التي تخالجه،حيث لازمهم،وازدادت ثقته بهم،وبمرور الوقت اكتسب صفة المناضل العامل،وانخرط بصفة رسمية في العمل النضالي،و يقول عن انضمامه لحركة انتصار الحريات الديمقراطية« بمرور الوقت اكتسبت صفة المناضل العامل، وانخرطت بصفة رسمية في العمل النضالي، وانضممت إلى الخلية التي كان يرأسها العربي لحمر، ومعه أحمد زويكري المدعو بالحملاوي، حضرت معهم أول اجتماع لها في سنة 1950 بمنطقة بين لشعاب، وناقشنا في هذا الاجتماع قضايا سياسية وتنظيمية وتربوية فتطرقنا إلى كيفية التصدي لقمع الاستعمار، وكيفية جمع المال، وحشد الجماهير وتنظيمها، وكيفية الارتقاء بشخصية المناضل، وتقديمه للناس نموذجا يحتذى به،وكنا نركز على هذا البعد كثيرا، فالمناضل في عرف حركة الانتصار لا تلين عزائمه مهما اشتدت المحن، وكنا نقول دائما إن المناضل أشد قسوة من الحديد، فالحديد يفنى، و لا تفنى عزيمة المناضل.
       بعد هذا الاجتماع اطمأن قلبي، وترسخت قناعتي وزاد تعلقي بهؤلاء الناس،  و ما يدعون إليه من أفكار، و ما يسعون إلى تحقيقه من أهداف.
     وكانت اجتماعات الخلايا تلتئم أسبوعيا، وبصفة مستمرة، وكنا نناقش كل التقارير المتعلقة بالأوضاع  السياسية، و الاجتماعية، و الاقتصادية المحلية،و تنوعت نشاطاتنا اليومية بين بيع الجرائد، وتوزيع المناشير، و الكتابات الحائطية الممجدة للحركة الوطنية ،والمنددة بالاستعمار وأعوانه، وكان ذلك كله يتم ليلا ،وبطرق سرية، كما كنا نعمل على حشد الجماهير، وتعبئتها نفسيا وفكريا، وأذكر قولنا لهم: لو أسكنتكم فرنسا بين السماء والأرض، ولم يكن علمكم أخضر، وأبيض، ونجمة وهلالا فلا قيمة لذلك، ولا جدوى منه، وهذا تعبير صريح عن فكرة تحررية متجذرة بين مناضلي الحركة الوطنية تتجاوز بكثير المطالب الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية»)5(.
    وقد كان أبرز توجيه سري حمله المراقبون في تلك الفترة( 1953-1954م).-كما يؤكد المؤلف-هو ضرورة السعي الحثيث  من أجل الحصول على السلاح بشتى الطرائق المتاحة،وقد تمكن بعض المناضلين من تحصيل بعض القطع،ويذكر من بين هؤلاء:  المناضل الكبير صالح بولعتيقة الذي تمكن من الحصول على سلاح أوتوماتيكي، والمناضل أحمد عبد النور، والمناضل صالح بوبرطخ الذي استطاع أن يشتري عددا معتبرا من بنادق الصيد، ومن بين المناضلين الذين جمعوا المال لشراء السلاح السعيد بوزردوم المدعو بوطيوة، و خلخال عمر، و عمار شيدخ، و قد تكلف صالح بوبرطخ رحمه الله بشراء السلاح.  
    فموضوع الحصول على السلاح كان إشارة تؤكد أن التحضير الفعلي للثورة قد بلغ مرحلة متقدمة.
    ويُقدم المجاهد عمر شيدخ العيدوني ملاحظة هامة،تتعلق بالدور الكبير الذي لعبته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في المنطقة،حيث يقول في هذا الشأن:« للأمانة لم تكن حركة الانتصار وحدها في الميدان على مستوى المدينة والدواوير، بل كان لجمعية العلماء حضور قوي لافت من خلال مدارسها المنتشرة في كل مكان. و شيوخ هذه المدارس لهم دور بارز في نشر الوعي الديني والوطني،  لقد كانوا في حقيقة الأمر خير معين لنا في هذا السياق. ومن بين الأسماء البارزة لجمعية العلماء التي كانت تنشط على مستوى الدواوير، أذكر الحاج رابح بوعندل، في دوار بني فرقان، وعبد الله إدريس في دوار الشرفة وأولاد علي، ولحمر محمد المدعو بن الساسي محمد في دوار بني صبيح، والذي أصبح أثناء الثورة عضوا بارزا في الولاية الثانية مع زيغود يوسف، وعبد الله بن طبال، ومحمد جريدي في دوار بني تليلان، والشيخ الزاهي، والشيخ عمار حماني، والشيخ أحمد حماني - المتخرجان من الزيتونة- في بني عيشة أما جماعة البيان فكان حضورهم مقتصرًا على وسط المدينة، ويستمدون قوة تمثيلهم من جمعية العلماء المسلمين»)6(.
  ولم يكن نشاط الخلايا النضالية العاملة في أولاد عيدون يقتصر على المستوى المحلي،بل  كان هناك تواصل دائم مع الولايات المجاورة،وحتى العاصمة،من خلال تبادل المعلومات، والتعليمات والوثائق ،وتدريجياً اتسعت دائرة العمل،وتقوت الروابط « واشتغل المناضلون في حماس لأن كل المؤشرات تدل على أن ساعة الحسم باتت وشيكة، وأصبحنا نترقب بين الفينة، والأخرى نبأ الإعلان عن بداية العمل الثوري المسلح ».
بداية الثورة التحريرية الـمباركة:
      في  بداية حديث المؤلف عن انطلاق الثورة التحريرية المباركة،أشار إلى زيارة  المجاهد عبد الحفيظ  بوالصوف متخفيا في زي تاجر تونسي، في أواخر شهر أوت، وبدايات سبتمبر 1954م ، حينما التقى بالمناضلين: علي بوعرورة، ويوسف رابحي في مقهى المرحوم يوسف تيطح ،وتحدثوا مطولاً، وفهم على بوعرورة من حديث بوالصوف أن الثورة آن أوانها، وأن جماعة الوحدة والعمل جادون في إعلانها في أقرب الآجال، فبدأ سعيه الحثيث في تهيئة الظروف ،والاستعداد الأمثل لهذا الموعد الحاسم، ولكنه اعتقل يوم 12 أكتوبر 1954م بمحاذاة منطقة لعرابة على متن دراجته الهوائية، وبحوزته بنادق صيد، إثر وشاية من القياد والوقاف، وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين.
   و في أواخر شهر أكتوبر وصلت المعلومة التي تؤكد أن  انطلاق ثورة التحرير المسلحة قد تحدد في:01 نوفمبر 1954 م   .
    وبناء على ذلك وقع  اجتماع  بتاريخ 31 أكتوبر   في المكان المسمى "أولاد عميور" بين العربي لحمر ،و  مجموعة كبيرة من المناضلين أبرزهم: صالح بولعتيقة، وبغيجة رابح، وحسين بودشيشة، وعلي بودشيشة، وأحسن كروم، و صالح مليط...  وغيرهم، وقرروا القيام بأول عملية عسكرية على مستوى المنطقة تمثلت في الهجوم على منجم بولحمام، وأخذ المتفجرات منه، وكان التخطيط على النحو الآتي:
قسموا أنفسهم إلى ثلاث مجموعات:
-          المجموعة الأولى: بقيادة العربي لحمر: تقطع خطوط الكهرباء والهاتف، وتهاجم المنجم، وتفتح مخزن الذخيرة.
-          المجموعة الثانية: بقيادة صالح بوبرطخ، و بعداش محمد، تحضر البغال من أجل حمل الذخيرة.
-          المجموعة الثالثة: بقيادة سعد زعيمش، وعيسى أوصيف، تحضر بيان أول نوفمبر، وتوزعه.
   وبعد العملية يمكث كل من العربي لحمر، وصالح بولعتيقة في الجبل، ويعود البقية إلى بيوتهم بصفة عادية كأن شيئا لم يكن.
   بعد الاجتماع مباشرة توجهوا إلى دوار العقبية عند المناضل عمار بلقعوير لتكون الانطلاقة من هناك.
   وفي الساعة الصفر في تاريخ 01 نوفمبر 1954م انطلق الجميع إلى تنفيذ ما اتفق عليه، فقطعت جماعة العربي لحمر خطوط الكهرباء، والهاتف وهاجمت المنجم، وأطلقت أعيرة نارية على حراسه، وبعض المعمرين ممن كانوا يعملون فيه، لكنهم لم يتمكنوا من فتح مخزن المتفجرات لحصانته، و إحكام غلقه، كما أرسلوا رسائل للحاكم ،وأعوانه وكان يدعى رينو،   يعلمونهم فيها ببداية العمل المسلح ضدهم، و يتوعدونهم بالقتل.
     وبالنسبة للجماعة الثانية   -جماعة صالح بوبرطخ ،ومحمد بعداش بن أحمد – «فقد أحضرت البغال، ولكنهم عادوا أدراجهم فارغين لأن المجموعة الأولى لم تفلح في فتح مخزن المتفجرات، وفي طريق عودتهم لمحهم أحد المواطنين، وتعرف على محمد بعداش، وعزم على التبليغ عنهم لاعتقاده بأنهم لصوص حاولوا سرقة المنجم، ولما عاد إلى بيته، وأخبر أهله بما رأى وبما ينوي القيام به، قال له ابنه: "دع عنك هذا فمن لم يشاهد هؤلاء خير بكثير ممن شاهدهم"، وكان رد الابن على هذا النحو لأنه كان واحدا منهم دون علم والده. فهكذا سارت أمور الثورة وهكذا نجحت» .
      أما المجموعة الثالثة المكلفة بتوزيع بيان أول فقد كان المجاهد عمر شيدخ العيدوني أحد أبرز أعضائها الفاعلين حيث يروي ما وقع بقوله : « أما المجموعة الثالثة المكلفة بتوزيع بيان أول نوفمبر فباشرت عملها صبيحة ذلك اليوم (الفاتح نوفمبر)؛ إذ جاءني سعد زعيمش برفقة عيسى أوصيف وكنت في المحل، فأشارا إلي خلسة بأن آتي، ذهبت إليهما فقالا لي: لدينا مهمة خطيرة نحتاجك لتنفيذها، فهل أنت مستعد، أجبت فورا، نعم، قالا: إن الأمر يتعلق بجلب السلاح، ففي الساعة   11تماما تكون أمام قصر جانطي تحت شجرة البرتقال، وستجد شخصا بيده عصًا صغيرة بيضاء، تقترب منه و تقول له: "دَنْتَ"؟! فيجيبك: " دَنْتَ "؟! فاتبعه.
     ذهبت إلى المكان المحدد في الموعد المحدد، فرأيت الشخص صاحب الأوصاف، فبادرته بالسؤال فأجاب بمثله، وسرت خلفه مسافة ليست بالبعيدة، أعطاني كيسا من خيش (كتان) معبأ بأوراق، محكم الغلق بخيط "سباولو" فأحضرت الكيس، وأخفيته في مكان قريب من المدينة، ثم عدت فوجدت عيسى أوصيف بانتظاري، وأنا أخبره بما جرى ، فأخذته إلى المكان الذي أخفيت فيه الكيس، فأخذه، وطلب مني العودة مباشرة إلى المنزل وألا أدخل المدينة  ذلك اليوم ، وأخذ الكيس ومعه سعد زعيمش، و وضعه في حمام المناضل "إبراهيم عبد الوهاب ،وفي اليوم التالي تم  توزيع ما به من مناشير على المواطنين، فالأوراق التي كانت بداخله كانت بيان أول نوفمبر 1954م الصادر عن جبهة التحرير الوطني، وبهذه الطريقة وصل بيان أول نوفمبر إلى منطقة أولاد عيدون ،وأصبح متداولا بين أيدي الناس، وشاء الله أن أكون الشخص الذي أحضره.
    و على إثر هذه العملية، و تحديدا في اليوم الثالث اعتقلت السلطة الاستعمارية  محمد بن أحمد بعداش، وعلي بودشيشة بن العربي، وكروم أحسن بن أعمر...و البعض من المشاركين فيها ،و سلطت عليهم شتى أصناف العذاب لتأخذ منهم اعترافا واحدا، و لكن هيهات، فقد صمد الرجال، و ما نطقوا ببنت شفة»)7(.   
   وتطرق المؤلف إلى عمليات التاسع من ماي1955م،و20أوت،ففي التاسع  من ماي« فاجأ المجاهدون العدو بعملية كبرى شملت دوار أولاد قاسم، و دوار أولاد دياب، حيث قاموا بقطع أعمدة الكهرباء وخطوط الهاتف، وأشجار البلوط من منطقة زاهر حتى جسر احزوزاين، ومن جسر بوسيابة حتى حدود القل، كما نسفوا الجسور،و من بينها جسر بوسيابة، وخربوا الطريق الرابط بين أولاد عيدون، والقل، ونصبوا العديد من الكمائن على امتداد الطرق الرابطة بين أولاد عيدون، وسكيكدة، وأولاد قاسم، وكاتينة (السّطارة حاليا)، وعلى هذا الطريق تمكن المجاهدون من الإيقاع بقوة استعمارية كبيرة، وكبدوها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وقد اعترف المستعمر بمقتل ثلاثة من جنوده وجرح اثنين، ولكن حسب المجاهدين  فإن عدد القتلى يفوق ذلك بكثير، وعلى إثر هذه العملية النوعية زار جاك سوستيل الوالي العام في الجزائر المنطقة، ووصل حتى مكان الكمين ،واعترف بصعوبة القضاء على الثورة في مثل هذه التضاريس الصعبة، وعند عودته إلى العاصمة أقام مؤتمرا صحافيا ،وصرح فيه أن الحرب كانت متوازنة، وبعد هجومات 09 ماي بأولاد عيدون رجحت كفة الثورة والثوار، وقد تحدثت حينها وسائل الإعلام العالمية عن هذه الهجومات بإسهاب كبير»)8(.   
    وفي20أوت تم قتل عدد كبير من العسكريين الفرنسيين،والمعمرين،وفي يوم:22أوت بمنطقة أولاد عيدون تلقى المستعمر ضربة قاسمة حيث قُتل الحاكم العسكري لأولاد عيدون المدعو«رينو»،وهو برتبة «عقيد»،كولونيل في منطقة أودادن،ويشير المؤلف إلى أن هذه الضربة القاسمة أصبحت حديث الصحافة العالمية بأسرها فلم يكن أحد يتصور مقدرة الثوار على الوصول إلى الحاكم رمز الهيمنة الاستعمارية، و دليل هيبتها، و حامي دولتها،وبعد انتهاء هذه الهجمات قال زيغود يوسف : «إن الثورة نجحت في سكيكدة نجاحا سياسيا، ونجحت في أولاد عيدون نجاحا سياسيا، وعسكريا».
وتوقف المؤلف مع مخطط بيجار من ديسمبر:1955م إلى غاية مارس1956م،الذي يعتبر أول مخطط  عسكري تقره القوات المحتلة في المنطقة،و قد أطلق عليه اسم "المروحة" Eventail «و هو عبارة عن هجوم شامل جوا وبرا وبحرا على المنطقة بأسرها فطوقها من كل جانب: من بني فرقان إلى أولاد عربي مرورا بتارسات، عقبة سعد الله ولجبالة. أحكم الخناق على كل تلك المناطق، وشن فيها حملة قتل واسعة في صفوف سكانها، وقام باعتقالات عشوائية صاحبها قصف جوي، ومدفعي مكثف، كما استعمل البارجات البحرية لأول مرة، إذ كانت ترمي بحممها من جهة وادي زهور على المنطقة.
     كان الهجوم محرقة حقيقية استهدف كل ما هو حي من إنسان وحيوان ونبات، وقد تمكن فيه من الاستحواذ على كمية معتبرة من بنادق الصيد كانت بحوزة مجاهدين ،ومدنيين قضوا في هذه المحرقة.
    وتحت وطأة هذا المخطط الجهنمي الكاسح قررت قيادة المنطقة المتمركزة في العتقة و أولاد الصالح، ممثلة في مسعود بوعلي ومساعديه: علي دُعَا الشهير بـ بن جكون أصيل منطقة مشاط، وهو من العسكريين الذين عملوا في الجيش الفرنسي لمدة قاربت 12 سنة أحضره مسعود بوعلي، كذلك زيدان بسطة، وعلي صوال المدعو ، قررت الرد عل مخطط بيجار، ومحاولة فك الخناق على المناطق التي استهدفها فاشتبكت معه في العديد من المعارك في مناطق أولاد عربي، الدمنة دي قويدر، بوسعاية، تارسات، ونجحت في إرباكه، وبدأت في إخراج السكان إلى مناطق آمنة كخروف و الجوزات تمهيدا لنقلهم إلى منطقة بني صبيح التي كانت آمنة، ولم تطلها يد الاستعمار في هذا الهجوم»)9(.
    وتعرض المؤلف لمعركة ذراع بولقشر الفاصلة،والتي كانت بقيادة المجاهد الكبير أحمد بلعابد،وقد تمكن المجاهدون فيها من غنم أكثر من خمسين قطعة سلاح متنوعة،وتمكنوا من إبادة قافلة عسكرية فرنسية مشكلة من حوالي خمس عشرة شاحنة،و كانت هذه المعركة رداً قوياً على مخطط بيجار.
    وعقب هذه المعركة ارتكب الجيش الفرنسي جرائم فظيعة ضد السكان العزل،وقد علق المؤلف على عظمة هذه المعركة،وردود الفعل التي انجرت عنها بقوله: «  كانت معركة ذراع بولقشر عظيمة في جرأتها، عظيمة في رجالها، عظيمة في تنفيذها، عظيمة في نتائجها، ولا أعتقد أن هناك ما يماثلها على مستوى الوطن، فلم يسبق، وأن سمعنا عن معركة بذلك الحجم، وتلك النتائج في مكان آخر.
    على إثر هذه المعركة داهم الاستعمار الفرنسي المشاتي القريبة من المكان كمشتة الطهر دي لمصلى، ومشتة بين لجبالة، ومشتة الرغاوة، واعتقلت أكثر من 40 مواطنا أبادتهم جميعا في مكان يسمى الدخسة دي الناصر.
    و لا يفوتني أن أذكر جريمة استعمارية أخرى تتمثل في حرق الشيخ عمي أحمد خراب، وهو في التسعين من عمره برش البنزين عليه، و حرقه انتقاما من ماضيه الوطني حيث كان صديقاً للأمير خالد، و مصالي الحاج وبن الغول وبن جلول و نفي في 1930 إلى الصحراء، وعند عودته من منفاه تم نزع شنبه إذلالا لرجولته، و لم يدخل مدينة أولاد عيدون إلى بعد أن نبت شنباه من جديد.
    بعد هذه المعركة، وفي مارس 1956 أنهى بيجار مخططه، وعاد يجر أذيال الخيبة، والهزيمة بعدما تكسر كبرياؤه على صخور أولاد عيدون، وعاد المهجرون إلى مناطقهم، وساد هدوء حذر ينبئ عن عاصفة أخرى قادمة قد تكون أمر وأقسى»)10(.    
        وسلط المجاهد عمر شيدخ العيدوني الأضواء على التغييرات التي وقعت في المنطقة بعد مؤتمر الصومام،فأشار إلى   الفترة الممتدة ما بين أوت 1956 وبداية 1957 ،والتي شهدت تشكل   فيلق الولاية بقيادة مسعود بوعلي، ونائبه رابح بلوصيف،« هذا الفيلق يتكون من عدة كتائب يقودها كل من محمد خيري المدعو الكابران، دخلي المختار المدعو البركة، حسين لمشلط، سعيداني عمر المدعو السارجان بابا، مسعود بونعاس المدعو النية،عبد الوهاب من القل،  وقام بعمليات كبرى على غرار عملية زقار في أواخر 1956 بين تمالوس و أولاد عيدون قادها ميدانيا مسعود بوعلي، و معه نوابه، وعدد كبير من مجاهدي القل، وأولاد عيدون، والطاهير، وقتلوا الكثير من الجنود الفرنسيين، وأسروا عددا آخر كلهم من المجندين الأفارقة المعروفين بـ "الساليغان" نسبة إلى دولة "السنغال" و على الأرجح فإنهم أعدموا جميعا.
   من بين المعارك الكبرى التي خاضها فيلق أولاد عيدون معركة "بين لغدر" على طريق قسنطينة في بداية 1957م وقد استشهد فيها الكثير من المجاهدين. أيضا معركة أسردون الشهيرة التي استشهد فيها "البركة" الذي كان محبوباً من قبل  المجاهدين.
     إضافة إلى  مشاركة بعض المجاهدين المحبوبين في هذه المعركة مثل "صوت العرب" المدعو بوبنيدر وعلي منجلي وزعموش حسين المدعو لمشلط ، وقويسم عبد الحق وسعد اللبان وكانوا يتمتعون بقدر كبير من الاحترام، وهذا لشجاعتهم الكبيرة، ثم معركة مشاط  أزارار الكبرى في سنة 15 أفريل 1957، وفيها أسقطت مروحية على متنها عقيد في  الجيش الفرنسي ، وهو العقيد الثاني الذي يسقط في المنطقة، وهو  brochet de vaugrigneuse "بروش ديفاركيوز" وقد أخذت بندقيته الآلية، وسلمت إلى بن طوبال، وعادت أولاد عيدون مرة أخرى لتحتل واجهة الصحف العالمية بانجازاتها العسكرية الحاسمة»)11(.  
    أما مخطط سوفينياك ( 1957-1958م)،الذي جاء تحت إمرة الجنرال( سالان)،الذي تولى قيادة الفلول الاستعمارية في الجزائر، فقد تم من خلاله إعلان   جل مناطق الشمال القسنطيني مناطق محرمة ،وتم ضرب حصار اقتصادي جهنمي ضد سكان المنطقة،ويذكر المؤلف أن الجيش الفرنسي،وتطبيقاً لأوامر( سوفينياك)، كان يخلط كل ما يؤكل من دقيق، و سكر، وحليب ،وزيت ،ومواد أخرى بالبترول السائل، ليحرم السكان، و من ورائهم المجاهدين مما يقتاتون منه على بساطته و قلته، معتقدا أنه بهذه الطريقة سيحكم قبضته على المنطقة، ويأتيه المجاهدون أذلة صاغرين مستسلمين، ولكنه خاب، و خاب مسعاه.
    وقد تمكنت الثورة من الوقوف بقوة في وجه مخطط( سوفينياك)،حيث تم تنظيم إضراب شامل عرف بإضراب الثمانية أيام  بالتزامن مع هذا المخطط ،  وبالنسبة لمنطقة أولاد عيدون يقول المؤلف: «إن كل الشخصيات الجزائرية المسلمة الساكنة بوسط المدينة خرجت«  واجتمعت في العتقة مركز قيادة المجاهدين وعلى رأسهم مسعود بوعلي، ومن بين هؤلاء: بوجمعة قريد وكان يشغل منصب مستشار عام لوالي قسنطينة، وكان صديقا لـروني مايير رئيس الوزراء الفرنسي ذي الأصل اليهودي، و هو من مواليد قسنطينة، وكان ينتمي سياسيا إلى المستقلين، ومن بين الشخصيات أيضا القاضي مصطفى بن يزار وكان يعمل بأولاد عيدون، و أحمد قارة محام، وعبد الرحمان حمودة أستاذ ثانوي، وسليمان مسقالجي تاجر ينتمي إلى حركة البيان، و قريد محمد الصالح، وكان تاجرا كبيرا يصدر السلع إلى فرنسا وغيرهم كثير قارب عددهم الخمسين، وكلفتهم الثورة في هذا الاجتماع بضرورة القيام بإضراب عام وحمل الناس على ذلك، فنفذوا الأمر، وبالتزامهم نجح الإضراب بنسبة 100%والذين كانوا مسؤولين عن هذا النجاح من القسم الرابع  هم بن حملاوي مسؤول,ونوابه سي رابح غيوة وسي أحمد بوشريط وسي أحسن زعيمش وغيرهم...
    على إثر هذا الإضراب قام الاستعمار بتخريب كل المحلات التجارية المضربة عن آخرها، ومخافة القتل أو الأسر أو... حملهم على العمل بالقوة فغادر أغلب السكان المدينة، واستقروا بجبال بني فرقان ومشاط، وأولاد عربي، و العتقة، و أولاد الصالح.
    و في هذه الأيام المشحونة تمكنت الثورة من ضرب العدو من خلال عملية نوعية جريئة تمثلت في قتل الحاكم  "جيرمان فور" برتبة عقيد ، وهو العقيد الثالث الذي يسقط في المنطقة، إذ تمكن البطل سعيداني محمد من التسلل إلى مكتبه ،وقتله وعند محاولة خروجه اشتبك مع أفراد من الجيش الفرنسي فسقط شهيدا»)12(.
من أخطر الـمجازر التي عرفتها الـمنطقة:
    كما كشف المؤلف النقاب عن أخطر المجازر التي وقعت بالمنطقة،فذكر أن منطقة سطارة مثلاً، والتي كانت منطقة محرمة لجأ سكانها من الترويع، والجوع إلى الجبال القريبة، واحتموا بالمجاهدين ،وأصبحوا يعيشون معهم، حوصرت من قبل الجيش الفرنسي، ومع هذا الحصار دخل المجاهدون «في اشتباك كبير دام يومين كاملين استشهد فيهما أزيد من 500 شهيد بين مجاهدين، ومدنيين بسطاء من أطفال ونساء وشيوخ ما تزال عظامهم متناثرة حتى الآن بين بني صبيح وبني تليلان».
   وفي المكان المسمى تامدور قام جيش الاستعمار بإبادة أزيد من 30 مواطنا أغلبهم من الشيوخ ،  وفي قرية الدردار قام جيش الاستعمار   بإبادة رجال المنطقة عن بكرة أبيهم فلم يدع منهم أحدا إلا وقتله وكان ذلك في رمضان قبل الإفطار بحوالي ساعة،   و في مشتة  الدرامة   تمت  إبادة أكثر من 95 شخصا على عدة مرات، أكثرهم من المدنيين العزل، ومنهم بعض المجاهدين على رأسهم بودرمين أحمد بن لبجاوي.
      كما ذكر المؤلف مجزرة أولاد عنان أين قام الجيش الفرنسي بقتل حوالي 35 مدنيا أعزل ،إضافة إلى مجازر أولاد الصالح، و العتقة، و الخناق دي الكوحل أين قتلت فرنسا 254 شخصا في المجموع من المدنيين العزل على عدة مرات ففي أولاد الصالح في أكتوبر 1956في يوم واحد قتل أزيد من 35  مدنيا،وفي منطقة بني معاندة قُتل ما يزيد عن 20 مدنيا أعزل انتقاما لمعركة دارت بينه، وبين جيش التحرير بعدما قام هذا الأخير بهدم جسر مجاز العباس.ومن المجازر الفظيعة التي وقعت  مجزرة بني وجهان بدوار لجبالة تحت قيادة المجرم الكابيتان-capitaine-روسو حيث تم القضاء على 54مدنياً كانوا قائمين يؤدون صلاة العيد.
     ويقول المؤلف إن: « من أكبر الأحداث التي مازلت أذكرها ،و تؤلمني إلى يومنا هذا قصة الطفلة الرضيعة ذات العشرة شهور ؛حيث طوق الاستعمار  منطقة بني فرقان، و كانت في حضن أمها وأبيها المجاهد عيسى لكحل كانت الرضيعة  تبكي من شدة الألم و الوجع، فاشتد الحصار بالمنطقة  وكي لا يكشفهم العدو الغاشم قام أبوها بوضع يده على فمها كي لا يسمع العدو صراخها فماتت. ضحى بفلذة كبده لحماية أكثر من200 شخص».  
   كما توقف مع مجزرة النحانح حيث قام ترانكي بتطويق المكان، وقتل من أبناء الحي أزيد من 20 فردًا لم يفرق بين رجل أ وامرأة،أو صغير،أو وكبير .
     أما مجزرة أولاد رابح،   فهي-كما وصفها المؤلف-واحدة من أخطر المجازر التي وقعت سنة:  1960  وقد صخر لها شال و ترانكي قوات عسكرية كبيرة"  و قد قتل فيها أكثر من سبعين شخصا كلهم من المدنيين العزل،   وافتخارا بما فعل صرح في الجرائد أنه قتل المجاهدين كذبا وبهتانا ،وفي سنة 1957م وقعت مجزرة مريعة في مشتة أولاد أعمر  بالقنبلة جوا وبرا استشهد فيها مابين 16 إلى 20 شخصا كان من بينهم نساء و رجال)13(.  
  ومن أهم المعارك التي تحدث عنها المؤلف معركة زكرانة الحاسمة التي وقعت في 13 أفريل 1957م،وقد دامت  يوما كاملا، وكان القتال ضاريا، وأسفرت عن قتل أكثر من100 جندي من بينهم ضباط كبار، والذي قام بهذه العملية جيش الناحية الأولى، و الثانية بقيادة المدعو ميلاط، ورابح جوامع، وعمار ڤوڤة، و في سيدي معروف، و بقيادة قنيدرة  وقعت معركة كبيرة دامت يوما كاملا أسقطت فيها طائرة حربية، و الكثير من الجنود الفرنسيين . كما وقعت  معركة أخرى بمنطقة لعروسة ببني يفتح بقيادة المجاهد اعمر قرفي و أباد فيها أزيد من 70 عسكريا فرنسيا حسب شهادة المجاهد محمد شباط المدعو حيمود .
     ويصف المؤلف معركة بين لشعاب،العتقة،عصفورة بقوله:« جاءت معركة بين لشعاب بعد أيام قليلة أين أبيد فيها برج مراقبة عسكرية بأكمله، وأخذنا رشاشين أوتوماتيكيين كبيرين من نوع(30american) وأسلحة أخرى خفيفة ، و الأبطال الذين هاجموا البرج هم سيوانة علي رحمه الله ،بشير أوصيف، بوفلعاص أحمد ،قيقط زيدان المدعو الروج ،حجلة اسماعيل، ولا يزالون على قيد الحياة. تلتها مباشرة معركة العتقة بقيادة مسؤول الفرقة البطل مليط يوسف الذي لا يزال على قيد الحياة، و هي التي قتل فيها أزيد من 30 عسكريا، وغنمنا كل أسلحتهم، واستشهد منا مجاهد واحد يدعى سي عمار، تلتها معركة عصفورة على طريق أولاد عربي التي تعد مفخرة للثورة الجزائرية قتل فيها عدد كبير من الجنود الفرنسيين، وتلتها أيضا معركة زرزور وكبدنا العدو الفرنسي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وغنمنا الكثير من الأسلحة المختلفة   »)14(.
    ومن بين المعارك التي تطرق إليها المؤلف  معركة الجيزية بين بني فرقان و الجيزية  وقعت في 02/9/1960 تحت قيادة بولالة بشير، حيث تمكنت الثورة من تكبيد العدو خسائر هائلة تمثلت في غنم 14 قطعة سلاح، وتم أسر أحد أعوان العدو "بوالشيح أحمد" ، وقد استشهد في هذه المعركة مجراب صالح .
ديغول على أبواب الـميلية:
   تحت عنوان:«ديغول على أبواب الميلية»روى المجاهد عمر شيدخ العيدوني زيارة ديغول إلى المنطقة،فذكر أن «شال» حينما بدأ يتحسس الهزيمة،وبعد أن   خسر أكثر من 300 عسكريا في سنة واحدة في أولاد عيدون وحدها،« الأمر الذي دفعه إلى زيارتها سرا، وقد وصل حتى جبال مشاط مشيا على قدميه، يشرف بنفسه على المعارك، وبعد أن اعترف بنفسه في مؤتمر صحافي بالعاصمة الجزائر لما سئل عن حقيقة الوضع في  أولاد عيدون؛ بأنه لم يستطع القضاء على الثورة فيها لبسالة رجالها، و صعوبة تضاريسها، مقرا بذلك بفشله الذريع ،و على خلفية هذا الفشل اشتد الصراع بين ديغول، و طاقمه العسكري الحاكم  في الجزائر، وهم الجنرالات الأربعة: Maurice Challe, Edmond Jouhaud, Raoul Salan et André Zeller موريس شال ، أندريه زيلير، راول صالان وادمون جوو، ومن كان معهم و سار في ركابهم من قادة آخرين على غرار: ماسو، أوساريس، لاغايار، ديكورنو و ترانكي ...
    قرر ديغول زيارة المنطقة في جولة أطلق عليها اسم: "جولة القِدر  la tournée de la popote" و هي جولة ميدانية يزور فيها قواته العاملة في الجزائر، و يتحدث فيها مباشرة مع جنوده في مواقعهم القتالية المتقدمة تهدئة لنفوسهم، و رفعا لمعنوياتهم، و حتى يقف بنفسه على واقع الأمر، و لا يكتفي فقط بمختلف التقارير التي كانت ترسل إليه ،و التي تبين فيما بعد عن طريق أجهزته الاستخباراتية الخاصة تحت إشراف وزير دفاعه ميسمر، و التي كانت تزوده بكل شاردة،  و واردة عن الوضع العسكري  معتمدا في ذلك على ضباط يعملون سرا في منطقة الميلية، ويُذكر أن شال كان يرسل تقارير مغلوطة عن الوضع الأمني في الجزائر»)15(  .
     ويذكر المؤلف أن«ترانكي»شرع في حشد الناس بالقوة عند اقتراب موعد الزيارة،وقام بإرسالهم إلى كاتينة مكرهين،وذلك لاستقبال ديغول في صورة مزيفة،كدليل على أن الأمن مستتب،والأوضاع مستقرة،ومن بين ما قام به إحضاره لمجموعة من النسوة عنوة،وقام بتزويدهن ببنادق بالية،وقدمهن على اعتبار أنهن مقاتلات في صفوفه، و قد أخذت لهن بعض الصور الفوتوغرافية ثم روجت على أنها حقيقة ثابتة.
     ويضيف المؤلف أنه عند نزول ديغول في كاتينة «حاول ترانكي ترسيخ تلك الصورة المزيفة حتى يعطي الانطباع بأنه الرجل القوي الممسك بزمام الأوضاع المحبوب من طرف السكان، و راح يحدث ديغول قائلا: نحن صابرون كما ترى سيدي الرئيس. فيرد عليه ديغول بحزم و دهاء: لكل صبر حدود يا ترانكي، فإذا كانت كل هذه الجموع معنا فمن يقاتلنا إذن؟ و إذا كان الأمر كما يبدو فسرح جيشك، و انزع الأسلاك الشائكة المضروبة في كل مكان.
   فهم ديغول دون كبير عناء أن الأوضاع ليست كما حاول ترانكي، و من ورائه شال أن يوهماه، بل هي أكبر و أخطر، و على إثر هذه الزيارة الخاطفة مشى على قدميه مطلعا على الجبال، و الأحراش التي شملت أيضا لحجر المفروش بجبال بني فرقان و الولجة و مشاط ؛ كرر جملته الشهيرة: لقد فهمتكم. وأصبح المعمرون بدلا من القول صباح الخير يقولون فهمتكم على قول ديغول»)16( .
     وفيما يتعلق بالوضعية الأمنية التي كانت سائدة أثناء زيارة ديغول يقول المجاهد عمر شيدخ العيدوني: «   أثناء زيارة ديغول إلى كاتينة، و حجر المفروش كان جيشنا يحاصر المنطقة من كل جانب عبر تازة وبرقيدة، وبني معاندة ، و كنا على مرمى حجر من القوات الفرنسية، وكان هناك تقارب كبير بين حراستي الجيشين و من طرائف ما حدث أن جنديا سرق سلاح خصمه بعد أن لاحظ نومه لأن حالة الاستعداد دامت 48 ساعة، و لولا أمر القيادة ممثلة في شخص بوبنيدر بعدم التعرض لديغول لوقع الاشتباك، و لسقط ديغول نفسه، فسرب الحوامات التي أقلته كان على مرمى حجر من جحيم نيراننا، و كانت الطوافات معرضة للإصابة في أية لحظة»)17( .  
  و لم يُغفل المؤلف الحديث عن تضحيات المرأة العيدونية،وأكد على أن المرأة في أولاد عيدون هي مثال للتضحية،والفداء،وقد لعبت دور الحاضن و الداعم للعمل الثوري في كل مراحله منذ بدايته، و حتى نهايته،وعرض عدة نماذج تؤكد الدور الكبير،والبارز الذي لعبته في تحقيق النصر المبين على الاستدمار الفرنسي.
 الهوامش:
(1) ينظر:عمار قليل:ملحمة الجزائر الجديدة،ج:02،مطبعة دار البعث، ط:01،قسنطينة،الجزائر،  ،1412هـ،1991م،ص:225.
(2) ينظر:تقديم الأستاذ الإعلامي بلال بوجعدار،مملكة الفلاڤة،شهادة المجاهد عمر شيدخ العيدوني على وقائع ثورة التحرير المباركة في الولاية الثانية،دار الهدى للطباعة،والنشر،والتوزيع،2011م،عين مليلة،الجزائر،ص:6-8. 
(3) عمر شيد خ العيدوني: مملكة الفلاڤة،شهادة المجاهد عمر شيدخ العيدوني على وقائع ثورة التحرير المباركة في الولاية الثانية،دار الهدى للطباعة،والنشر،والتوزيع،2011م،ص:23.
(4) المصدر نفسه،ص: 24.
(5)المصدر نفسه،ص: 30-31.
(6)المصدر نفسه،ص:37-38.
(7)المصدر نفسه،ص:50-51.
(8) المصدر نفسه،ص:69-70.
(9) المصدر نفسه،ص: 95-96.
(10) المصدر نفسه،ص:98.
(11) المصدر نفسه،ص:108-109.
(12) المصدر نفسه،ص:112-113.
(13)  توقف المؤلف مع أخطر المجازر التي عرفتها المنطقة في الصفحات ما بين:122-127 .
(14) المصدر نفسه،ص:150-151.
 (15) المصدر نفسه،ص:171.
(16) المصدر نفسه،ص:175.
(17) المصدر نفسه،والصفحة نفسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق