قراءة في رواية يوتوبيا للروائي المصري أحمد خالد توفيق بقلم: علي قوادري

قراءة في رواية يوتوبيا للروائي المصري أحمد خالد توفيق 

علي قوادري

الكاتب
ولد بمدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية فى اليوم العاشر من شهر يونيو عام 1962، وتخرج من كلية الطب عام 1985،بدأ أحمد خالد العمل فى المؤسسة العربية الحديثة عام 1992 ككاتب رعب لسلسلة (ما وراء الطبيعة) حيث تقدم بأولى رواياته (أسطورة مصاص الدماء)
العتبة/العنوان
قد يبدو من العنوان أننا أمام مدينة فاضلة متكاملة ، و يحيلنا العنوان لأفكار فلسفية سابقة المدينة الفاضلة لأفلاطون والفرابي  وقد جاء في الويكبيديا مايلي
وتوبية توماس مور يوتوپيا - بالإنجليزية : (Utopia) ، من اللفظ اليوناني (οὐ τόπος) ( او توپوس ) بمعنى " لا مكان ".
توماس مور (1516) ألف كتاب بإسم يتوبيا و كان أول من استخدمَ التعبير ،صور فيه دولةً مثاليةً يتحقق فيها الخيرُ و السعادةُ للناسِ،ولا يوجد فيها أثرٌ للشرِ.
ومن ثم أصبحت الكلمة تستخدمُ لوصفِ كلِ عملٍ ادبي او فلسفي يتعلقُ "بالمدينةِ الفاضلةِ". من أشهر كتب اليوتوبيا : كتاب أفلاطون " الجمهورية " ( جمهورية أفلاطون ) ، و " مدينة الرب " ل سانت أوغسطين ، و " مدينة الشمس " لكامبانلا (1623)، و " أتلنتس الجديده " ل فرانسيس بيكون (1627 )، و " يوتوپيا حديثه " ل ويلز،إضافة لقصص و روايات ليها طابع يوتيپى مثل يوتوبيا رواية اجتماعية للكاتب المصري أحمد خالد توفيق (2008).
هنا يتداخل الخيال ويتر الزمان في حيز آخر وقد تكون من نسج خيال المؤلف..
الرواية
هي رواية تستشرف المستقبل انطلاقا من وطن الكاتب مصر المحروسة حيث ينقسم المكان إلى منطقتين وبتوصيف الشاعر الكبير عبد الرحمان الأبنودي
إحنا شعبين شعبين شعبين
شوف الاول فين
والتاني فين
وأدي الخط مابين الاتنين
بيفوت
إنتوا بعتوا الارض بفاسها
بناسها
في ميدان الدنيا فكيتوا لباسها
بانت وش وضهر
بطن وصدر
ماتت
والريحه سبقت طلعت أنفاسها.



منطقة تتميز بالرفاهية والاستقرار والغنا الفاحش حد الترف وتعاطي المحرمات  والمخدرات  تلك التي سيتم اختراعها خصيصا للأغناء في المستقبل..

هي منطقة يوتوبيا التي احتشد فيها الأغنياء وبنوا مجتمعا له تقاليده لا يعترف بالدين ولا بالإثنيات ،يتعايش فيه اليهودي والمسلم والمسيحي ، لا حدود للحريات والترف والشذوذ  والمحرمات ،مجتمع مادي صرف ،تحرسهم أسوار عالية ورجال من المتقاعدين من المارينز..

ومنطقة ثانية فيها الأغلبية المسحوقة من الشعب يعيشون في فقر مدقع  وصدامات وحروب عصابات يتعاطون أرخص أنواع المخدرات ،قد يتقاتلون من أجل جيفة أو كلب ميت ،عكس أبناء المنطقة الأولى فالأوساخ تلطخهم والأسمال البالية تكسوهم ،يموتون بالأمراض والجوع ولكنهم يتكاثرون..

الشخصيات

مثَّلَ منطقة يوتوبيا الراوي وصديقته جرمينال وشلتهم ، ينامون ويستيقظون في ملل بعد أن مارسوا كل شيء متاح لهم ليقرر الراوي تجريب الصيد ويقصد بذلك أن يخرج من يوتوبيا متنكرا فيقتل واحدا من الفقراء الأغيار ويأتي بتذكار منه كأن يقع أذن أو إصبع أو ذراع..

المنطقة الثانية مثلها جابر واخته المريضة بالسل وشله عبد الظاهر والسرجاني وبيومي وبقية المقهورين ..

يلتقي الراوي وجابر في أنهما من فئة المثقفين الذين قرآ الكثير ممن الكتب والفرق البسيط أن الأول وجدها بسهولة والآخر وجد الكتب في القمامة..

الصراع الدرامي

تصور الرواية حسب الكاتب ما ستكون عليه مصر في سنة 2023  وهو ما عبر عنه قول الشاعر احنا شعبين يعني أن الدولة ستغيب ويصير الصراع بين طبقتين ،واحدة تستفيد من ريع الدولة وتبنى نفسها وتؤسس لها منطقة خاصة ومحرمة وطبقة سفلى كادحة تعاني وبينهما تتلاشى الطبقة الوسطى..

إذن فالصراع صراع طبقيتين وشعبين وشخصيتين الراوي وصديقته مقابل جابر وأخته..

اعتمد الكاتب في نقل الأحداث بتقسيمها بين الراوي وجابر ،فحانت تروى عن طريق الأنا وبعيون وخلفيات كل شخصية منهما،خلفيات ثقافية وفكرية فيها العداء للآخر وفيها صور نمطية رسمت ل شعب في مخيلة السارد..

تواصل الصراع في كل المحطات كاشفا سيمات كل شخصية ومعريا الوسط القادم منه..فالراوي الذي مارس كل الرذائل يخبرنا أنه لا تواصل بينه وبين أبيه فيناديه باسمه مثلما يفعل مع أمه ،ووصلت به الجرأة حد محاولة القيام بالجنس معها لتكشف عاملة في الحافلة التي يهرب فيها من أجل الصيد عن بعض خفايا والده-بارون الدواء ومحتكر تجارته- الذي يفضل الذكور ليحل لغز عدم نومه مع زوجته الأم منذ سنوات..

من جانب آخر يعيش جابر أصعب الظروف مقاوما من أجل البقاء ،راويا مغامراته مع من أحب من نساء وعراكه مع السرجاني وفقده لقرنيته..

ينجح الراوي في مغامرته ويسحب عاهرة كي يقتلها ويأخذ التذكار إلا أن المفاجأة أنه سيحاط بشلة العراب السرجاني ،بينما لا يفصله عن الموت إلا خطوة يتدخل جابر وينقذه ويهربه لكوخه البائس ، متحديا طبقته معللا ذلك بأنه ليس دمويا وهو الذي يهرب كلما اشتد قتال العصابات..

من هنا يتحدد الفرق بين الشخصيتين/الطبقيتين/الشعبين فالفقراء يقتلون من أجل لقمة العيش وليس من أجل القتل بينما الأثرياء من أجل التسلية وكسر الملل ..

وفي مشهدين آخرين يبرز الكاتب إنسانية ووحشية كل طبقة

1/مشهد عودة جابر من أجل اغتصاب جيرمينال النظيفة بعد أن شربت منوما ..هنا يستفيق الإنسان في جابر الفقير -رغم أنها فرصة لينتقم من كل يوتوبيا - ويتركها ثم رفضه لتسليمها للقواد السرجاني من أجل المتاجرة بجسدها الذي سيدر عليهما المال الوفير ومن بعدها تحديه للجميع وتهريبهما من خلال النفق الذي سيؤدي ليوتوبيا ولمول وسط المدينة

2/مشهد الراوي وهو يغتصب اخت جابر الذي غاب من أجل تأمين هروبهما رغم مقوامتها الشرسة وأخيرا قتله لجابر غدرا الذي ساعدهما وآواهما وقطع يده متباهيا..

إنه مشهد يحيلنا لرائعة شكسبير ماكبيث إلا أن الفرق هنا أن القاتل يندم هناك وهنا ينطلق القاتل متباهيا ومتفاخرا وراويا لبطولاته..

خاتمة


واحنا ولاد الكلب الشعب
احنا بتوع الاصعب وطريقه الصعب
والضرب ببوزظ الجزمه وبسٍن الكعب
والموت في الحرب

لم تكن حادثة قتل جابر لتمر كبقية الحوادث ولكنها أشعلت ثورة تذكرنا يثورات الحرافيش عند نجيب محفوظ  وتحيلنا لربيع قادم بعد مرور سنوات عن صدور الرواية (الطبعة الأولى
2008 دار ميريت

بحرق البوعزيزي في تونس لنفسه..

انتفاضة شعب ضد شعب هي النتيجة الحتمية لممارسات فئة قلية ضد فئة كثيرة من ظلم ونهب واستعباد وقتل واحتقار..

يوتوبيا رواية شديدة الأثر والتأثير ،مليئة بالمفاجآت وبالأحداث بأسلوب روائي مميز وقوي ومتين البناء وذكي الطرح’ وظف فيها الكاتب الخيال والحقيقة، منذرا بمستقبل فيه القوي يأكل الضعيف ،تغيب فيه الدولة ويهمش فيه الإنسان وتتلاشى فيه قيم الإنسانية والأخوة والدين والوطن ويصب منطق الغاب هو السائد، تمحى أواسر المحبة وتتفكك الأسر ..رواية مخيفة وحزينة وسادية وسودائية تحاكي أفلام الخيال العلمي الأمريكية بدمويتها وانحطاطها..رواية تستحق القراءة والدراسة والنقد..