الصفحات

2018/04/18

نقولا زيادة في مرآة شيخ الـمؤرخين الـجزائريين بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـــة



نقولا زيادة في مرآة شيخ الـمؤرخين الـجزائريين
بقلم:  الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـــة
         يؤكد الدكتور سليمان إبراهيم العسكري على ضرورة معاودة قراءة كتب العلاّمة نقولا زيادة الرحالة في جغرافيا وتاريخ الوطن العربي،«ليس فقط للاستمتاع بلغته وأسلوبه،وإنما لكونه أحد القلائل الذين احترموا ماهية التاريخ،ومدرسته التي تحتمل الشك بقدر احتمائها باليقين».
      كما يشير الدكتور سليمان العسكري إلى حيادية العلاّمة نقولا زيادة تجاه أمته العربية في مشرقها ومغربها،حيث إنه لم يدع منطقة إلا وكتب عنها.
        وبعد قراءتي لدعوة الدكتور العسكري  ،وجدت نفسي ميالاً إلى تقديم رؤية العلاّمة الدكتور (أبو القاسم سعد الله)؛شيخ المؤرخين الجزائريين،كونها تكشف النقاب عن جوانب مهمة من علاقة نقولا زيادة بالمغرب العربي وشمال إفريقيا من خلال منجزاته ومؤلفاته التي درس فيها تاريخ المنطقة،ففي مسيرة العلاّمة نقولا زيادة جملة من الجوانب التي تستحق البحث والتنقيب والدراسة والاكتشاف،فهو رمز من رموز الحضارة العربية ،وصوت تاريخ سيظل صداه يتردد على مر الأجيال والعصور.
          لقد كان الدكتور سعد الله أحد أصدقاء العلاّمة نقولا زيادة،وكان زميلاً له بمعهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة،وهذا ما يشير إليه شيخ المؤرخين الجزائريين ،حيث يقول موضحاً علاقته به:«صدفةً كنا معاً في القاهرة أستاذين زائرين في وقت واحد بمعهد البحوث والدراسات العربية.وفي صباح الثامن من أبريل سنة:1976م جاءني الدكتور نقولا زيادة إلى الفندق مودعاً،فقد أخبرته قبل ذلك بيوم بأنني مغادر القاهرة.وأثناء الحديث القصير الذي دار بيننا أخبرني أنه كان قد زار الجزائر سنة:1951م،وأنه لقي بها عدداً من المثقفين ذكر لي منهم الشيوخ:محمد البشير الإبراهيمي،ومحمد خير الدين،والطيب العقبي،وأحمد بن زكري.كما أخبرني أنه زار العاصمة وقسنطينة وتلمسان وغيرها من المدن.وأنه كتب بعد رجوعه إلى بيروت مقالة عن حركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،ونشرها في مجلة(الأبحاث)التي كانت تصدر عن الجامعة الأمريكية( عدد مارس،1952).
      بحكم وجودنا في معهد واحد،وتخصص واحد،وتدريسنا للطلبة أنفسهم؛فقد تعددت لقاءاتنا،كما كنا ضيفين مرات عدة على موائد بعض المؤرخين المصريين أمثال د.أحمد عزت عبد الكريم،ود.جمال زكريا قاسم...وقد تراسلنا بعض الوقت بعد ذلك ثم انقطعت الصلة بيننا لأسباب ».
       و في الجزء الثالث من كتابه الموسوم ب«مسار قلم» الذي هو عبارة عن يوميات، استعاد شيخ المؤرخين الجزائريين ذكرياته مع العلاّمة نقولا زيادة،ومن بين ما ذكره أنه التقى يوم:21مارس1976م بنقولا زيادة حينما كان جالساً مع عبد المنعم ماجد؛رئيس قسم التاريخ بجامعة عين شمس،وقد أخبره الدكتور نقولا زيادة خلال هذا اللقاء أنه كتب بحثاً سنة:1970 عن أربعة مؤرخين جزائريين هم:مبارك الميلي،ومحمد علي دبوز،وعبد الرحمن الجيلالي،وأبو القاسم سعد الله،كما أشار الدكتور أبو القاسم سعد الله إلى لقائه بالدكتور نقولا زيادة بمقر الجمعية المصرية للدراسات التاريخية حينما حضر للاستماع لمحاضرته التي ألقاها عن«الطرق التجارية في الصحراء بين المغرب العربي والسودان القديم»،وقد أعجب المؤرخ سعد الله أيما إعجاب بالعلاّمة نقولا زيادة ووصف محاضرته بالمفيدة،وبأنه كان يملك ناصية اللغة العربية والإنجليزية.
       وقد تعددت لقاءات شيخ المؤرخين الجزائريين بالعلاّمة نقولا زيادة،ودارت بينهما الكثير من المناقشات العلمية المعمقة رفقة عدد من كبار مؤرخي وأدباء الأمة العربية مثل:الدكتور يونان لبيب رزق،وعبد العزيز نوار،وصلاح العقاد،وأحمد عبد الرزاق وغيرهم.حيث يقول الدكتور سعد الله وهو بصدد وصف لقاءاته به  «...ولكن لقاءاتنا كانت مثمرة لكلينا،فهو قادم من لبنان محملاً بأفكار ومشاريع وأنا قادم من الجزائر محملاً بأفكار ومشاريع.فكنا نجلس في بهو الفندق،أو في قاعة الأساتذة بالمعهد أو على مائدة بعض الأصدقاء المصريين ونتحدث ونرسم خططاً لتعاون ثقافي لاحقاً،ولكن عندما يرجع كل منا إلى البلد الذي جاء منه تصطدم الأحلام بالواقع وتتوقف أو تتبخر للأسف.وأذكر أننا التقينا أيضاً في بيروت عدة مرات عند بعض دور النشر،وبعض هذه اللقاءات في القاهرة وفي بيروت مسجلة في يومياتي».
        وحينما قررت إحدى المؤسسات الثقافية الأردنية إصدار كتاب تكريمي يخصص للعلاّمة نقولا زيادة طلبت اللجنة المشرفة على الكتاب من أبي القاسم سعد الله أن يُشارك ببحث عن التاريخ العربي يُنشر ضمن الكتاب التكريمي،فساهم الدكتور سعد الله بدراسة مطولة عن«الأمير شكيب أرسلان والقضية الجزائرية».
     ومن أهم الأبحاث التي كتبها  شيخ المؤرخين الجزائريين عن المؤرخ الكبير نقولا زيادة، بحثه   المعنون ب«نقولا زيادة وشمال إفريقيا»والذي نشر في كتاب«حصاد الخريف»الصادر في طبعته الأولى سنة:2010م،إذ تتجلى أهمية هذا البحث في تقديمه رصداً شاملاً عن جهود نقولا زيادة في دراسة تاريخ شمال إفريقيا،كما يميط اللثام عن رؤى نقولا زيادة للتحولات التاريخية التي وقعت بالمغرب العربي.
        منذ البداية يؤكد شيخ المؤرخين الجزائريين على أن أعمال نقولا زيادة تدل على اهتمامه بأهل المغرب العربي وكفاحهم،وتاريخهم، وذلك-كما يذكر-خلافاً لمعظم المثقفين والمؤرخين العرب في المشرق في عهده،ويشير إلى أن ما لفت نقولا زيادة هو الصراع ضد الاستعمار،كما يظهر في كتبه عن ليبيا وتونس،ثم أدب الرحلة.
           يقول الدكتور سعد الله في مستهل بحثه«إن ورقتنا تدرس علاقة الدكتور نقولا زيادة بالمغرب العربي( شمال إفريقيا)من خلال كتاباته.وسنبدأ بالأقدم منها ثم نتابع تطور أفكاره حول المنطقة.وقد لاحظنا أنه بالإضافة إلى الكتب نشر بحوثاً ومقالات بالعربية والإنجليزية عن المنطقة أشار بنفسه إلى بعضها في ثنايا مؤلفاته.ولا ندري متى بدأت بالضبط علاقته بأقطار المغرب العربي وأهلها،ولكن يبدو لنا أنها لا ترجع إلى أبعد من سنة:1946م حين نشر أول كتاب له دعاه(صور من التاريخ العربي)،وهو كتاب-كما يدل عنوانه-ليس خاصاً بالمغرب العربي.فقد ضمنه صوراً تاريخية عنه وعن الأندلس».
            ويتساءل شيخ المؤرخين الجزائريين عن أسباب اهتمام نقولا زيادة بالمغرب العربي خلافاً لمعظم المثقفين الشرقيين في ذلك العهد؟ويقول عن هذا السؤال بأنه قد لا يجد الجواب الشافي له الآن.
     «ذلك أنه لم يكشف عن الجواب في مؤلفاته وبحوثه:فهل هو مجرد الاهتمام بمنطقة معزولة في زمن أخذت فيه حركات التحرير تنشط،ومنها حركات المغرب العربي التي كان على رأسها في المشرق خلال الثلاثينيات أمثال:عبد العزيز الثعالبي(تونس)،و عبد الكريم الخطابي(مراكش-المغرب)،والفضيل الورتلاني(الجزائر)،وإدريس السنوسي(ليبيا)؟»
       ويضيف الدكتور سعد الله«هل كان اهتمام أهل الشام بالأندلس هو الذي قاد الدكتور زيادة إلى البحث في آداب وسفارات الأندلسيين والمغاربة فكان لابد من الدخول إلى البيوت من أبوابها؟
      وربما تكون هناك علاقة بينه وبين الإنجليز خلال الحرب العالمية الثانية وهي التي كانت وراء اهتمامه بالجناح المغربي للطائر العربي الكبير،وهذه العلاقة هي التي عبرت عنها رحلته الأولى إلى برقة(بنغازي) سنة:1949م،ونتج عنها كتابه(برقة الدولة العربية الثامنة).
        وربما يقول آخر:إن الاهتمام الأكاديمي هو الذي كان وراء علاقة نقولا زيادة بالمغرب العربي.ذلك أنه فيما بدا لنا كان من أوائل المهتمين بالتاريخ في خدمة المجتمع أو التاريخ الاجتماعي وإعادة تفسير التاريخ في ضوء الواقع،وبأدب الرحلات كفن وتاريخ اجتماعي.وقد كان المغاربة من أبرز من كتب في الرحلة ووصف العالم،ابتداءً من الإدريسي مروراً بعشرات الرحلات التي انطلقت من الأندلس وبلاد المغرب.ويبدو أن الجغرافية والرحلات كانت تجد اهتماماً خاصاً لدى نقولا زيادة فبدأ بها،وقد ظهر ذلك في كتابه(الرحلات والجغرافية عند العرب)،وهو الكتاب الذي تحدث فيه عن رحالة المغرب العربي وكتاباتهم عن مدنهم وأهلهم وأحوالهم».
      كما لاحظ شيخ المؤرخين الجزائريين أن العلاّمة نقولا زيادة لم يغط بمؤلفاته السياسية الحديثة كل أقطار المغرب العربي،واكتفى بقطرين حديثي العهد بالاستقلال هما ليبيا وتونس،حيث خص ليبيا بمؤلفين أحدهما تناول فيه إقليم برقة أو بنغازي فقط،ووصل فيه إلى مشارف الاستقلال.أما الكتاب الثاني فقد تطرق فيه إلى القطر الليبي وهو يقاوم الاحتلال الإيطالي ويعاني من تداول الإدارات(العثمانية والإيطالية والإنجليزية) عليه ثم هو دولة مستقلة. في حين تناول   القطر التونسي في عهد الاحتلال،وتوقف مع سنوات الإصلاح الوطني التي انطلقت مع أحمد باي،ثم  الحماية الفرنسية.
     توقف الدكتور أبو القاسم سعد الله مع مؤلفات العلاّمة الرائد نقولا زيادة حسب تسلسل ظهورها:
 1-بالنسبة لكتاب«صور من التاريخ العربي» فهو يحتوي على سبعة أقسام تتناول المجتمع العربي في مشرقه ومغربه،وفي القسم الثاني منه تحدث عن جزر البحر الأبيض المتوسط،وتطرق إلى أخبار الفتوح العربية في هذه الجزر(قبرص،كريت،صقلية،مالطة،سردينية...)،ولم يغفل الحديث عن العمران العربي الإسلامي الذي نشأ في هذه الجزر،وبلاط روجر ملك النورمان،والرحالة ابن جبير.
          كما تطرق فيه إلى الأندلس وتاريخها الأدبي والحضاري،وهو كتاب لم يكن مخصصًا كله للمغرب العربي(شمال إفريقيا)،ولذلك فقد اتسم بالتنوع فتحدث نقولا زيادة عن كاهن(حائك)الوادي آشي،والعلاقات الأندلسية-البيزنطية،وحياة الأندلس من مجالس أنس وأدب وبذخ اجتماعي.
2-أما كتاب«برقة الدولة العربية الثامنة»،والذي صدر سنة:1950م،بعد أن زارها نقولا زيادة سنة:1949،وعمل فيها لمدة سنة مساعداً لمدير المعارف البريطاني،وهذا ما جعله-كما يقول الدكتور سعد الله-يعرف البلاد وأهلها عن كثب،ويشعر بحب شديد لها ولهم،وهذا الكتاب في أصله ألف  للتعبير عن وفائه لأهلها كما أوضح ذلك في المقدمة.
         انطلق نقولا زيادة في كتابه هذا من وصف المدينة وصفاً جغرافياً،فذكر«شواطئها وتعرجاتها كما ظهرت له من الطائرة التي نزل بها المدينة المخربة التي كانت مسرح معارك خلال الحرب العالمية الثانية،فوصف اتصالها بالصحراء وصعوبة الصعود منها ومن سواحلها إلى الجبل الأخضر مهما كان اتجاه الصعود،وذكر بالأسماء الرومانية بعض الأماكن التي أصبحت لها أسماء عربية.وصرح بأنه قد أخذ معلومات الكتاب من الرسائل التي كان يبعث بها إلى زوجه،فكان ينقل أحياناً من نصوص الرسائل حرفياً.كما جاء ببعض الخرائط الاقتصادية للمدينة وإحصاءات عن ثروات برقة من الجمال والخيول والأبقار والأغنام وحتى الماعز والحمير،بالإضافة إلى القمح والشعير والخضار والفواكه وأشجار النخيل والثروة السمكية».
       كما تحدث كذلك عن الفتح الإسلامي لبرقة على يد عمرو بن العاص ثم عقبة بن نافع،وقد وقع ذلك بعد فتح الإسكندرية،حيث تابع عمرو بن العاص مسيرته إلى طرابلس،وتابع عقبة مسيرته إلى فزان،وبعدها توالى الولاة المسلمون على مصر وبلاد المغرب التي كانت تابعة إلى ولاة مصر في بداية الأمر.
         وقد نقل الدكتور نقولا زيادة ما أورده الإدريسي عن انتشار الإسلام واللغة العربية بين البربر،وكيف قدمهم المسلمون وشاركوهم في كل شيء، الأمر الذي سهل اعتناقهم الجماعي للإسلام،ولم تكن لهم لغة مكتوبة فوجدوها في اللغة العربية،كما نقل كذلك ما كتبه ليون الإفريقي(الحسن الوزان) عن المنطقة،وتحدث عن فرسان القديس يوحنا،وعن التقسيم الإداري في ليبيا في العهد العثماني،ودخولها تحت مظلة الدولة العثمانية.
    وقد أشار الدكتور أبو القاسم سعد الله إلى أن العلاّمة نقولا زيادة قد أعطى اهتماماً خاصاً للسنوسية بصفتها طريقة وحركة«فتحدث عن ظهورها وتعاليمها ونظام زواياها وتأثيرها،وعن زعمائها الأربعة،وهم:محمد بن علي(ت:1859)،وابنه المهدي(ت:1902)،وأحمد الشريف(ت:1918 )،ومحمد إدريس الذي كان حياً عند كتابة الكتاب.وذكر من زواياها البيضاء والكفرة وجغبوب.ودعم انتشارها بخريطة،كما تحدث عن علاقة السنوسية بتركيا الفتاة، وعن الاعتداء الإيطالي على ليبيا بجيش قوامه34.000،و6.300فارس،بينما عدد القوات العثمانية في القطر الليبي كله لا تتجاوز4.210جنود.
       وفي الكتاب وصف لمقاومة أهل برقة للاحتلال الإيطالي وحركة الجهاد الليبي التي استغرقت حوالي عقدين،وقد وصف القائد غرازياني بالفاتك لأنه أسر رمز المقاومة عمر المختار،ونصب له محكمة صورية حكمت بإعدامه.وقد زار مكان الإعدام فاندهش من قلة المترددين عليه بعد أن كان يعج بالناس-حسب تعبيره-فاقترح إقامة نصب تذكاري لعمر المختار.وقسم مراحل النظام السياسي والإداري بعد ذلك بحسب السلطة،فهذا الاستعمار الإيطالي بقي إلى1942 بإدارة عسكرية،وأنشأ عدة قرى أصبحت لها اليوم أسماء عربية،كما استولى الإيطاليون على الأراضي الخصبة،وعملوا على تجهيل السكان.ثم ظهرت حركة التحرر بعد هجرة كثير من الليبيين إلى مصر حيث انطلقت المقاومة ضد إيطاليا.
      أما الوضع سنة:1949 فقد اختلف،إذ كان السنوسي يتردد على ليبيا مما أسهم في تهدئة الخواطر،حسب رأي المؤلف.ثم جاء الحكم البريطاني فوضع أسساً لنظام مختلف،واعترف بإدريس حاكماً(ملكاً)على برقة،ثم تطور هذا الحكم إلى الاستقلال الداخلي قبل أن تنال ليبيا استقلالها الكامل في فاتح سنة:1952،بينما أعلنت فرنسا استقلال فزان في سنة:1950».
3-الجغرافية والرحلات عند العرب:وهو كتاب يشتمل على عدة فصول من ضمنها فصل بعنوان«تونس وجغرافيو العرب»،وآخر عن ابن بطوطة الذي يسميه الدكتور نقولا زيادة شيخ الرحالين،إضافة إلى فصل  عن رحلة التجاني التونسي،وفصل موسوم ب«رحالة من المغرب».
        تطرق نقولا زيادة في أحد فصول الكتاب إلى بلاد المغرب في عرف الجغرافيين العرب،حيث إنها تعني عندهم«المنطقة الممتدة من مصر إلى المحيط الأطلسي»،وربما أدخلوا في ذلك الأندلس أيضاً،وقد أشار إلى ما كتبه ابن حوقل في كتابه«صورة الأرض» عن مدن القطر التونسي،وبالنسبة للجزائر أو المغرب الأوسط،فقد أورد ما جاء في كتاب أبي الفداء من تعريف لمدينة وهران،حين قال عنها:«إنها مدينة في بلاد البربر على ضفة البحر،وهي تبعد عن تلمسان مسيرة يوم». ونقل أبو الفداء عن المقدسي أن وهران تقابل الأندلس.كما لم يهمل الحديث عن بعض المدن الصحراوية النائية وعمرانها في تونس وليبيا مثل: غدامس وفزان وودان وزويلة،وبعض الجبال مثل: جبل قفصة وجبل وسلات.
       وقد نقل نقولا زيادة عن ابن سعيد ما ذكره بالنسبة لمدينة أوجلة الصغيرة المتحضرة الرابطة في الميدان التجاري بين الصحراء وبلاد السودان، كما تحدث عن مدن المغرب الأقصى طنجة وسبتة وفاس،وكما كانت تلمسان محل اهتمام ابن سعيد فقد شغلت اهتمام نقولا زيادة كذلك،حيث وصفها كل منهما بأنها« مدينة مشهورة مسورة،لها ثلاثة عشر باباً،وبخارجها أشجار وأنهار.وهي قاعدة ملوك بني عبد الواد(الزيانيين).وقد أضافا إليها بجاية الواقعة وسط الجزائر وقسنطينة الواقعة بشرقها.واعتبر ابن سعيد بجاية قاعدة المغرب الأوسط ،ولها بساتين على ضفتي نهرها،وتقابلها مدينة طرطوشة في الأندلس.وقال:إن جزائر بني مزغنة(مدينة الجزائر حالياً) تقع غربي بجاية بينما مرسى الخرز الشهيرة  بالمرجان فتقابله جزيرة سردينية.كما ذكر أن قسنطينة لها نهر يصب في خندق سحيق حتى أنه يحدث دوياً هائلاً.وقسنطينة هي آخر مملكة بجاية وأول مملكة إفريقية(تونس).وتحدث عن ثرائها بالحبوب التي تحفظ في المطامير مائة سنة ولا تفسد.ولها أسواق وتجارة،وسكانها من البربر،ويصلها بالمسيلة جبل متصل».
        وقد قدم نقولا زيادة رأيه في تاريخ الرحلة من المغرب إلى المشرق،و ذهب إلى أن رحلات المغاربة إلى المشرق أكثر من رحلات المشارقة إلى المغرب لأسباب منها أداء فريضة الحج،ووجود مراكز العلم الأولى.وقد اختار ثلاثة رحالة هم:ابن جبير وابن سعيد والعبدري.وبعضهم من مثقفي الأندلس وبعضهم من مثقفي المغرب وهذا يدل-كما يقول الدكتور سعد الله-على عناية نقولا زيادة بهذه المنطقة من العالم العربي والإسلامي.
      كما اهتم كذلك بالرحالة المغربي ابن بطوطة،واستغرب من كونه قضى ثمانية وعشرين عاماً في الرحلة قاطعاً مائة وعشرين ألف كلم،لذلك فقد دعاه«شيخ الرحالين العرب وسيد الرحالين في القرن الثامن الهجري(الرابع عشر الميلادي)».
       وقد لاحظ  نقولا زيادة أن من خصائص رحلات ابن بطوطة أنه كان قليل الاهتمام بالمدن والأرض كثير الاهتمام بالناس،ومنهم العلماء والأولياء،ولذلك اعتبره رحالة متميزاً ومؤرخاً اجتماعياً بارعاً،كما أورد كذلك بعض النصوص من رحلة ابن بطوطة عن المغرب وحكم السلطان أبي عنان المريني،وقارن فيها بين خيرات ورخص السلع في المغرب وغلائها في مصر والشام والخليج،كما تحدث فيها عن بعض عادات المغرب والمشرق.
 4-محاضرات في تاريخ ليبيا من الاستعمار الإيطالي إلى الاستقلال: أصل هذا الكتاب مجموعة من المحاضرات  عن تاريخ ليبيا  ألقاها نقولا زيادة على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية . وقد ذكر أنه يضعها «بين يدي القارئ العربي،آملاً أن يفيد منها بالقدر الذي أفدته أنا في إعدادها».
         وقد بدأ كتابه هذا بخريطة شاملة لليبيا،«وقسمه إلى عشرة فصول هي:البلد وأهله،وشيء من التاريخ،وهما فصلان تمهيديان فقط لأن اهتمامه كان منصباً على الاحتلال الإيطالي وما بعده ثم على ليبيا في القرن19،والسنوسية،وليبيا وإيطاليا(في فصلين بنفس العنوان)،وليبيا من1943إلى1949،ثم مصر وجامعة الدول العربية،وقضية ليبيا في المحافل الدولية ونحو الاستقلال.
         احتوى كتاب المحاضرات أيضاً على عدد هام من الملاحق:منها دستور المملكة الليبية المتحدة،والقانون الأساسي لولاية برقة،والقانون الأساسي لولاية فزان مذكراً  بأنه لم يسجل جميع الوثائق التي صدرت عن مندوب الأمم المتحدة مثل التقارير ومناقشات الجمعية العامة لقضية ليبيا.ولكنه أورد قائمة بكتب مختارة باللغتين العربية والأجنبية،ناقلاً عن القدماء والمحدثين من الليبيين وغيرهم؛مثل:الزاوي والسنوسي والحشائشي وشكري والكعاك».
        وقد ركز نقولا زيادة على السنوسية والعلاقات الليبية الإيطالية،وأشار إلى علاقة السنوسية بحركة تركيا الفتاة،حيث رأى أنها لم تتأثر بها،كما لم تتأثر بسقوط السلطان عبد الحميد سنة:1908م،لأن السنوسية لم تكن راضية عما كانت ترمي إليه حركة تركيا الفتاة  من تتريك العرب،ولا راضية عن خطط الحركة لإلغاء الخلافة،حتى أن النائبين اللذين انتخبا لمجلس النواب العثماني كانا معارضين لجمعية الاتحاد والترقي.
        كما نبه الدكتور نقولا زيادة إلى أن«الإيطاليين اعتقدوا خطأً أن تسامح السنوسية مع الأتراك عن طريق تمكينهم من رفع علمهم على واحتي الكفرة وجغبوب سيجعل السكان يستقبلون الإيطاليين بالأحضان ويثورون ضد الأتراك،ولكنهم كانوا مخطئين.وتحدث عما عرف بالجمهورية الطرابلسية سنة:1918،أي: بعد خروج العثمانيين نهائياً،وعن تكوين مجلس شورى من خمسة وعشرين عضواً من أعضاء الحكومة الجديدة.وقال:إن طرابلس لم يصبها ما أصاب بني غازي وطبرق من تدمير خلال الحرب العالمية الثانية.
      أما بريطانيا التي حلت محل إيطاليا بعد انتهاء الحكم الفاشيستي،فقد اهتمت بالإدارة رغم أن ليبيا ظلت تتبع وزارة الحربية البريطانية لا وزارة الخارجية.وقد أشاد بما قامت به بريطانيا من أعمال في ليبيا مثل فتحها103  مدارس ومستشفيين اثنين في مصراتة وطرابلس.ولمح إلى أن ما قامت به بريطانيا في ليبيا يعتبر في درجة الإنجازات،وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل الإيطاليين يرغبون في الرجوع إلى ليبيا بعد أن كانوا غادروها».
5-تونس في عهد الحماية1881-1934:  وصف الدكتور أبو القاسم سعد الله هذا الكتاب بأنه كتاب ظرفي كتبه نقولا زيادة بعد مرور بضع سنوات على استقلال تونس وقدمه لمعهد الدراسات العربية العالمية في شكل محاضرات ألقاها على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية بالقاهرة،وقد جعله في خمسة فصول  ومجموعة من الملاحق.
           خصص  الفصل الأول للحديث عن جغرافية وتاريخ تونس منذ أقدم العصور مع التركيز على الفتح الإسلامي العربي،ثم عصور الولاة،والأغالبة،والدولة الفاطمية،والدولة الصنهاجية،والتغريبة الهلالية،والدولة الموحدية،والدولة الحفصية،والاحتلال الإسباني،والاحتلال العثماني،ثم الحماية أو الاحتلال الفرنسي،مع نبذة عن العلاقات بين تونس والدول الكبرى الأخرى.
      وتحدث في الفصل الثاني منه عن النهضة التونسية في القرن التاسع عشر،فذكر إصلاحات أحمد باي،ومحمد باي،ثم محمد الصادق باي،وإصلاحات خير الدين باشا التونسي،ومساهمة محمد قبادو،ومن هذه الإصلاحات حصول تونس على شبه دستور لأول مرة في تاريخ دولة عربية مسلمة،وهو المعروف بعهد الأمان(1858).
      وقد كرس نقولا زيادة الفصل الرابع من كتابه هذا للحديث عن علاقات تونس مع أوروبا أثناء العهد العثماني،وكيف تطورت إلى الاحتلال الفرنسي،وتحدث في الفصل الخامس عن الحماية الفرنسية وما أحدثته من تغييرات في المجتمع التونسي،ولاسيما منها تلك التغييرات التي أدخلها المقيم العام الفرنسي.كما دعم كتابه هذا بمجموعة من الملاحق التي تتصل بتاريخ تونس الدبلوماسي من مراسلات ومعاهدات ونحوها قبل الحماية الفرنسية.
         يؤكد شيخ المؤرخين الجزائريين في ختام بحثه هذا على أن نقولا زيادة قد تعمق في دراسة أحوال المغرب العربي وتجول في مراحله التاريخية من العصور الإسلامية المزدهرة إلى مراحل الاستعمار المزرية.وقد كانت دراسته للمنطقة تبعاً للمنهجية التاريخية التي اتبعها المسلمون السابقون باعتمادهم الوصف أكثر من التحليل والنقد.وقد كان نقولا زيادة في(صور من التاريخ العربي)،وفي(الجغرافية والرحلات عند العرب)معجباً بمساهمة أهل المغرب في هذين التخصصين(الجغرافية والرحلة)فنقل عن بعضهم وأعجب باستنتاجاتهم وتعاطف مع محزونهم ،و« لا يخفى أن نقولا زيادة مؤرخ اجتماعي،فقد اهتم بحركة الناس في مختلف ميادينهم اليومية،من عادات وأسعار وتجارة ومصاهرة بين العائلات وحياة الحضر والبدو ونشاط الأسواق،ثم الحياة الدينية والعلمية والأدبية،ودور المدن وما إلى ذلك.كما اهتم بالعلاقات بين الشرق والغرب ولاسيما السفارات بين الحكام المسلمين والحكام الغربيين.هذا عن بعض كتبه العامة والتي تناول فيها أخبار بلاد المغرب.أما كتبه التي تناول فيها بالتحديد ليبيا وتونس فقد اهتم بالحركات الإصلاحية والتحررية وبالنظم الإدارية التي سنتها كل دولة مستعمرة ثم مقاومة الاحتلال بمختلف أشكال المقاومة.أما لغته فلم تكن هجومية ولا سافرة رغم قرب العهد من الأحداث،بل كان يعالج مواضيعه بلغة محايدة هادئة مع أسلوب شفاف هو أقرب إلى الصياغة الأدبية الطلية منه إلى الصياغة العلمية الجافة».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق