الصفحات

2018/04/13

تذكار.. قصة بقلم: وفاء شهاب الدين

تذكار..
وفاء شهاب الدين
سلمت وليدي اليوم إليه..ليمزق أوصاله الصغيرة بعد أن منحني الحب ــ طوال تلك الشهورــ هدفاً أحيا من أجل تلمسه..
بعد شهرين تحسسته..
مازال صغيراً لم تأتلف أجزائه ولم تتشكل أعضائه..لكن تحصنه بأحشائي يطمئنني، يبدو ضعيفاً فأستمد منه قوتي ورغبتي في حياة باردة التفاصيل شنيعة الملل..
يكبر فيمنحني قواماً بربري الأنوثة همجي التعابير، يتهمني الكل بسمنتي وملامحي التي خط عليها الانتظار خاتمه فأعيرهم بابتسامة
من منهم يشعر بأنه يحملني ويحملك
أنا فقط من أحملنا دون كلل بل وأحملهم لكن عمى خيالهم عن رؤية تضحياتي..
تجتاحني برودة البحر.. وحدها أمواجه تحملني حيث الشمس ومدن الملح تنشق عن أهوال الفقد خلفي، بقارب الموج أدفئه عسى أن يذكرني يوماً حين تنقطع بي حبال الذكرى..
لا والد له..إلا حب دأب على التنكر لكل من تمددت تحت سلطانه تنشد لذة فمنحها لذة تلاشت وتذكاراً ..لا ينتهي..
للشمس أيضاً قلب بارد يدفعنا لتجديد مواثيق المطر، أتقي المطر بثوب عاري وجسد تهتك هالاته أستار القمر، عاقر هي الشمس وكم هو عقيم ذلك القمر..
أنا وحدي من مزجتهما بداخلي فمنحت للعالم فرصة اللقاء الغامض حيث قدسية السر ولهيب الشوق تلبيه حواسي ويخضع لإرادته العالم بلا  مقاومة.
وحدي أدبر تلك اللقاءات وأدير تلك المشاعر..وأمجد تلك الحوارات وأدبج تلك القصائد..وحدي أدور حول كعبة الحب مثقلة بآلاف النذور ومئات الضحايا وآلاف الدموع وغفران يرتجيه الكون من حولي في صمت وأصرخ أنا مطالبة بالعفو رغم براءتي!
أنا المضرجة بحناء الخجل أشهرها بوجه حداد يرتديه كل من حولي، حياء يباغتني فأعري سحب أفكاري لتمطرني ويستترون خلف استسقاء لا يمنح لهم..
أغتسل..تسقط عني أقنعتي..و دموعي وقطرات ماء عبرت رأسي وكفنت جسداً يحمل نبتة الغيب..
يثور خلفي تساؤلات وألف إجابة وألف قصة وألف عار وألف ألف قسم..
لهفة الملائكة كانت..أم زهد الشياطين..منبع التهتك أم سهد العارفين..مذبح العشق أم صليب الخطيئة
وحدي بذاك الليل أبكي..إمعانا في نشوة النهاية..أنوء تحت آهات الانتظار وصرخات الألم..تمتد يميني لرحمة ويسراي مترعة بالعذاب ألف قلبي حول عنق الصبر فتتعلق آهاتي بكتف الوجع وتمنحني مكافأة من يأس..
دون بكاء استقبلني ..دون صراخ..دون ثياب ..بجسد مستسلم تمدد على ذراعي..
وحيدة أتأمل ملامحه..حياة جديدة انبثقت عن موتي وتفرعت لتثمر جزءاً مني يتنفس بلا رئتين يركض بلا سيقان ويحكي بلا حروف ،
يسرد من بين صمته آلاف المعاني ومن بين أنفاسه الميتة تنشق عشرات الحيوات..
بيد تناسيت روعة الفقد ومغبة التخلي سلمته إليك لتكتب بحبر الخيبة ــ على جبينه ــ اسمي لتخبرهم أن ذاك الجنين كان يوما لي وبغباء أم تختبر للمرة الألف نزق الأمومة ولم تتعلم بعد قدسيتها فرطت به
وحدي..أكتب بدماء وليدي مجدي وأخلد بأشلائه الصغيرة اسمي..وحدي استأثر بذلك البكاء حين أرى أخرى تحتضنه، تنتزعه من بين أحشائي لتلقمه اهتمامها بعد أن وأدته أخرى لا تستحق..
مترعة بالقهر أشكو حبراً من الكلمات أوقظها لتسامرني وتضرب لي في الحب موعداً ينتهي ككل مواعيد الحب بفاجعة..
ألثم وجهه الدافئ وأطعمه بعد طول الجوع دموعي..منحته اسمي ألا يكفي؟ منحته حياة لم تكن لي وسعادة لم أمنحها لسواه فمنذ استوطنني نبذت وطن المفخخين باللذة وانتبذت عالم الحبر وبيوت الكلمات..
قلت" هوني عليكِ ..إنه مجرد..كتاب"...
أجبت ووجهه المسكين يأسرني ويغريني بارتكاب حماقة إعادته إلى داخلي"وهل يؤلمنا قدر كتاب؟"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق