الصفحات

2018/05/12

(( الفن و الانحياز للطبقات الكادحة المُهمَّشة)) قراءة في ديوان "أبويا الصنايعي" للشاعرة رانيا مسعود بقلم: إبراهيم موسى النحَّاس



(( الفن و الانحياز للطبقات الكادحة المُهمَّشة)) قراءة في ديوان "أبويا الصنايعي" للشاعرة رانيا مسعود
بقلم: إبراهيم موسى النحَّاس
           الفن مرآة للحياة والفنَّان بوجه عام والشاعر بوجه خاص متفاعلٌ مع مجتمعه بطبيعته التي تجنح نحو المثالية والخير والسعادة والجمال، والشاعرة رانيا مسعود في ديوانها "أبويا الصنايعي" تقدِّم رؤية تقوم في جوهرها على الإحساس بالطبقات الكادحة المُهمَّشة و الانتصار لها، بدءًا من العنوان- الذي يمثِّل واحدة من أهم عتبات النص عند "جيرار جينيت" و"فيليب هامون" - حيث نجد فيه إضافة ياء المتكلم إلى الأب بما يوحي بالفخر بهذا الأب، ثم تأتي صفة للأب ترتبط بالمهنة والوضع الاجتماعي الذي تنحاز له الشاعرة أي كلمة" الصنايعي"، وتعريف كلمة" الصنايعي" يحمل معنى التعظيم لهذا النوع من العمل أو الحِرَف اليدوية في إشارة منها منذ العتبة الأولى التي نلج منها إلى عالم الديوان إلى فخرها وانحيازها الواضح لتلك الطبقات الكادحة، وإذا انتقلنا إلى عتبة أخرى وهي عتبة الإهداء نجده لم يبتعد كثيرًا عن تلك الرؤية وذلك الانحياز مع إضافة دور المرأة و قيمتها في المجتمع؛ فتقول فيه:
((إلى ابنة بائعة اللبن
التي زوَّجَها "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه لولده
 فأنجبت خامس الخلفاء الراشدين
"عمر بن عبد العزيز"))
       لهذا فالأب ذلك الصنايعي المكافح هو كل أب في الطبقة المتوسطة، أب لنا جميعًا ورمز للكفاح الذي لا تفيه كلمات التقدير والمدح  والتحية حقه، فتقول في ص 11:
((إيديك اللي باشت من المَيَّة ديَّ
ورُقْعَة ف هدومك
وبُقعَة ف يمينك
وصندل مداري لشق ف كعوبك
وبسمة مداريَّة علينا تخبِّي
عينيك اللي صاحية
 من النجمة تجري
بتطلب ف لُقمة
وكلمة تحيَّة
 ما تِكفِي كفاحَك))
 هي ترسم صورة مرئية لهذا الشخص المكافح، ومن رموز الكفاح أيضًا الجندي الذي يقف يحرس الحدود، فتقول في ص 48:
((يا شايل سلاحك في إيدك وواقف
بليلك نهارك تكيد العِدا
يا حافظ لدينك وأهلك وناسك
وساعة جهادك تلبِّي النِدا
يا حارس وطنَّا ليلانا ونهارنا
ووقت المخاطر تخطي المِحَن
يا عايش لناسك عدوك ما داسك
عينيك صاحية تحرس حدود الوطن)).
     وعلى المستوى الفني نجد مع بساطة المعجم الشعري المتمثل في اللهجة العامية لكنها تحمل ذلك العمق الفلسفي مع توظيف السؤال الوجودي باعتبار السؤال بداية المعرفة وتحفيز لعقل المتلقي على الوصول لرؤية الشاعرة؛ فتقول مثلًا في ص 51:
((اتخلقنا زي ما احنا
ما اتخلقناش الكوامل
ليه أعيبك ليه تعيبني
لو ما حدش فينا سالم؟
زي ما احنا ما اتعايبشي
في النواقص والكوامل
كله ناقص ما اكتملشي
هوَّ وحده الرب كامل)).
       كما نجد توظيف الطابع القصصي لتغرس من خلاله القيمة الكبرى للطبقات الكادحة وهي قيمة الإنسان؛ فتقول في ص71:
((أشرف سواق أتوبيس هيئة
أشرف كمساري
أشرف راجل
أشرف سِكِّته بدماغ فايقة
أشرف موزون
أشرف عاقل
أشرف حرِّيف
إيده السايقة
لا بطيء ف شوارع
ولا عاجل
أشرف إنسان)).
      أيضًا نجد توظيف الصورة الكلية برسم مشهد يمكن تخيله بكل عناصره و تفاصيله، ولا تنفصل الصورة هنا عن رؤية الشاعرة المنحازة للمهمشين من هؤلاء الناس في المجتمع على ضرورة ما لأعمالهم البسيطة من أهمية؛ فتقول في ص54-55:
((أنا فرَّان
بسيط لكن
بلسعة إيدي
أغنيَّة
أبات حرَّان
في نار ساكن
تشعوط جلدي
وعينيَّ
أبس اللقمة
 م المغرب
أقوم اخبزها
صبحيَّة)).
      من القراءة السابقة يمكن أن نقول إنَّ ديوان " أبويا الصنايعي" للشاعرة رانيا مسعود يقدم الصورة اليومية لعموم المكافحين من تلك الطبقة الكادحة المُهمَّشة في المجتمع في قصيدة عامية تتمتع بسهولة المعجم الشعري مع العمق الفلسفي وتوظيف السؤال والخيال الكلي برسم بورتريهات و مشاهد كاملة يمكن تخيلها بصورة كلية مرئية تؤدي المعنى بلا تكلف أو غموض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق