الصفحات

2018/07/10

أوعية وأواني المعرفة في ظل التكنولوجيا!! بقلم: محمود سلامه الهايشه

أوعية وأواني المعرفة في ظل التكنولوجيا!! 
بقلم: محمود سلامه الهايشه

هل الصورة كافية للتوثيق والتدوين؟!، طرح رئيس تحرير المجلة العربية الأستاذ/ محمد السيف، في افتتاحية العدد 480، محرم 1438هـ/أكتوبر 2016م، قضية الكتاب الورقي وتحدياته، وهل مازال الكتاب الورقي هو وعاء التوثيق بعد انتشار عشرات الوسائل الإلكترونية من أفلام وثائقية متلفزة وكرتونية وثلاثية الأبعاد، والكتاب الرقمي الذكي والشاشات التفاعلية، وملايين المواقع الإلكترونية، وتحولت دور النشر من نشر وبيع كل ما هو ورقي إلى الإلكتروني، وأصبحت مقصداً للكُتاب والمؤلفين وسوقاً للمستهلكين للمعرفة، ولكن بعد عدة سنوات من تدشين تلك التجربة الإلكترونية في العالم العربي، جاءت النتائج سلبية وغير مشجعة، وبل ومخيبة لآمال من خاضوها وهذا راجع لضعف الأمانة العلمية وعدم مراعاة الشروط العلمية المتعارف عليه في توثيق المعلومات، وعدم موثوقية البيانات والاعتماد عليه في الدراسات العلمية على المستويين العام والأكاديمي المتخصص. وقد أفردت المجلة ملفها في هذا العدد تحت عنوان "من يدون التاريخ.. الورق أم الصورة؟!". كل ما يدون فهو تاريخ، فإذا كتبت الأدب (شعر، قصة، رواية، نقد)، إنسانيات (فلسفة ومنطق، علم نفس واجتماع، لغات، تاريخ، جغرافيا)، علوم (بيولوجي، كيميائي، فيزيائي)، مهما كان ما سطرت، فهو في النهاية تاريخ طالما مضي عليه اليوم والليلة الذي كتب فيه، وما اختلاف المدون تتباين الأفكار والآراء ووجهات النظر في ذاك التاريخ، فكافة مخرجات العقل البشري تعد تاريخاً. يمكننا تقسم الأوعية المعرفية الحالية إلى ثلاثة أفرع رئيسية، يمكن تجزأت كل فرع بعد ذلك إلى تحت أفرع، الأول الورقي فقط، الثاني الإلكتروني فقط، الثالث الورقي الإلكتروني معا، والفرع الثالث هو الأكثر انتشار في العالم حالياً، وذلك بعد انقراض الآلات الكاتبة اليدوية، واستبدالها بالكتابة باستخدام الحواسب الآلية بكافة اشكالها والطباعة بالطابعات وآلات التصوير الرقمية والليزر، فقبل طباعة الجريدة أو المجلة فلابد أن يتم إعداد المقالات والمواد الصحفية الكترونيا قبل الورقية، فقد اصبح الإخراج الصحفي للجرائد وللكتب وتصميم الأغلفة الكترونيا بالكمبيوتر وبرامجه التي أصبحت في تطور مستمر يمكن أن نقول عنه أنه تطور على مدار الساعة. وطبعا من كثرة الأخبار والمعارف فقد أصبح لكل جريدة أو قناة تليفزيونية وسيلتين للعرض، موقع الصحيفة والنسخة الإلكترونية من المطبوع منها والنسخة الورقية المطبوعة، وللقناة الإخبارية أو حتى المنوعة موقع الكتروني وشاشتها الفضائية التي يتم استقبالها عبر الأقمار الصناعية وأطباق واجهزة الاستقبال، بالإضافة إلى البث المباشر عن صفحاتها على كافة وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك ويوتيوب وتويتر ...الخ؛ حتى دُور النشر أصبحت تبيع الكتاب الورقي مصحوب بأسطوانة مدمجة (DVD) عليها نسخة الكترونية من الكتاب بصيغة (PDF) وأحيانا مقاطع صوتية به الكتب مسجل ومسموع للمكفوفين، وفي حالة الدواوين الشعرية تستطيع أن تسمع وتشاهد الشاعر وهو يلقي بقصائد ديوانه، أو فيلم لعملية جراحية في المخ أو القلب موضوع الكتاب...الخ، وذلك لزيادة الاستفادة من الكلام المكتوب. القراءة كالأكل، القراءة لتغذية العقل، والأكل لإطعام المعدة، والكتاب الورقي أو الكتروني كصحن الصاج أو الصيني، ولكن الفرق أن القراءة غذاء معرفي معنوي، أما الطعام هو غذاء مادي ممسوك وملموس، ولكن حتى يزيد الاستفادة من القراءة والطعام فلابد من استخدام أكثر من حاسة من حواس الانسان الخمس (السمع، البصر، الشم، والتذوق، واللمس)، لأن البشر ليسوا متشابهين تماما في القدرات، فهناك من هم سمعيين، أو بصريين، أو حسيين، أو بين هذا وذاك، وبناء عليه فالقراءة هي مفتاح التعليم والتعلم، والتعليم الجيد يرتكز على مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، يستطيع عدد كبير من الطلاب الدراسين لديون شعر أن يقرأون ويحفظون قصيدة من هذا الديوان الكترونيا، ولكن عدد قليل جدا أن يتمكنوا من فعل ذلك الأمر مع كل قصائد الديوان. تستطيع ملايين الجماهير من متابعة مئات الأخبار العاجلة على مدار اليوم عبر شاشة الهاتف المحمول، والتي تأتيهم من عشرات المواقع والوكالات الإخبارية، فالخبر العاجل مجرد صورة أو بدون صورة وسطر إلى ثلاثة أسطر، والخبر الصحفي المطول يكون في العادة ما بين 8-10 أسطر، لذلك فيستطيع المتلقي من قراءة عشرة أخبار في دقيقة أو دقيقتين، أما الموضوعات والدراسات المطولة التي قدر تصل إلى ألف أو ألفين كلمة، فتجد القراء يغضون الطرف عنها.. فقط بالكاد يلتقط العنوان وسطور المقدمة، ثم يغلقها وينتقل لغيرها من الاخبار الخفيفة، فما بالنا إذا ما تحدثنا عن كتاب عدد صفحاتها لا تقل عن مئة، أو عدد كلماته 15-25 ألف كلمة أو يزيد!! فكم إنسان لديه القدرة على قراءة مئات بل آلاف الصفحات في وعاء الكتروني؟! لو حضرت عزيزي القارئ مناقشة رسالة ماجستير أو دكتوراه في أي مجال من مجالات العلوم المختلفة، وكان الباحث/ة قد استعان في كتابة الأطروحة العلمية بأحد المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، وحتى ولو كان كاتب لاسم الموقع ورابط الصفحة التي استعان بها، وحتى اليوم والتاريخ والساعة الذي نشرت فيه المعلومة على شبكة المعلومات، فستجد أستاذنا من الأساتذة المحكمين للرسالة يرفض تماما الاستعانة بمواقع الإنترنت أساساً، وهناك آخر ينصح بمواقع ويرفع آخر لضعف المصداقية فيها وفيما تنشره، وآخر يطلب من صاحب الرسالة بأنه كان من الواجب عليه أن يكتب أيضا الساعة والتاريخ الذي دخل فيه على الإنترنت وحصل على المعلومة أو البيانات المكتوبة في رسالته، وذلك لأن هناك بعض المواقع التي تقوم بحذف وإزالة موضوعات قامت بنشرها بعد فترة من الزمن، فإذا قام باحث آخر بالدخول على نفس المواقع وبذات الرابط الإلكتروني المكتوب برسالة هذا الباحث فلا يجد الموضوع محل الاقتباس!؛ بالطبع هذا الأمر لن يحدث مع كتاب نشر بشكل ورقيا وكان له رقم إيداع بدار الكتب والوثائق وترقيم دولي، لأنه موجود وله أصل، ويستطيع الأكاديميين الاستعادة به في أبحاثهم ورسائلهم العلمية، وحتى لو انتهت الطبعة الورقية من الأسواق ونفذت الكمية التي طبعت ورقيا من منافذ البيع، يمكن للباحثين في هذه الحالة استخدام النسخة الالكترونية للكتاب المطبوع في الأصل وله تاريخ نشر وناشر ورقم للطبعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق