الصفحات

2018/10/17

الأعمال الإنسانية أثناء ثورة التحرير الجزائرية( 1954-1962م) بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقــــة

الأعمال الإنسانية أثناء ثورة التحرير الجزائرية( 1954-1962م) 
 بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقــــة

قليلة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت قضايا الأعمال الخيرية والإنسانية أثناء ثورة التحرير الجزائرية المظفرة،فموضوع« الأعمال الإنسانية أثناء حرب التحرير الجزائرية1954-1962 »يعتبر من الموضوعات التي لم تلق العناية الكافية،ولم تحظ بالاهتمام الواسع من قبل المؤرخين الجزائريين. وهذا ما أشار إليه المناضل والمجاهد الكبير سعد دحلب؛وزير الشؤون الخارجية في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية،وهو بصدد تقديم كتاب الباحث الدكتور فاروق بن عطية،حيث ذكر أنه لم يهتم أي مؤلف إلى حد الآن بدور النشاطات الإنسانية أثناء حرب التحرير الجزائرية،وأشار إلى محاولات الأستاذ ابن عطية بإنجازه لعدة أبحاث شخصية،وإنارته للأوجه الخفية لجانب كامل من كفاح الشعب الجزائري في سبيل تحرير وطنه، حينما كان يرزح تحت نير الاستعمار الفرنسي،وتحت وطأة الظلم والقهر والاستبداد. وذكر الدكتور مصطفى مكاسي؛الأمين العام الأسبق للهلال الأحمر الجزائري في التصدير الذي كتبه لهذا الكتاب أن الأستاذ فاروق بن عطية الذي يعتبر رجل ثقافة،وعالم اجتماع، قد أزاح الحجاب على جانب غامض من جوانب ثورة التحرير الجزائرية من خلال تسليطه الأضواء على الجوانب الإنسانية فيها،وقد فعل ذلك بكفاءة وموضوعية ،وسيعترف بجهوده كل من يطلع على هذا الكتاب الثمين. إن كتاب« الأعمال الإنسانية أثناء حرب التحرير1954-1962 »للدكتور فاروق بن عطية،لا يدرس الأعمال الإنسانية أثناء ثورة التحرير الجزائرية المجيدة بصورة عامة،بل إنه يؤرخ لها ويتتبع خطواتها بدقة وتحليل وافٍ. وما تجدر الإشارة إليه أن الدكتور فاروق بن عطية الذي كان مديراً للمدرسة الوطنية للإدارة في الفترة الممتدة ما بين( 1967-1970م) ليس جديداً عليه دراسة هذا الجانب الإنساني في ثورة التحرير،فقد سبق وأن ألف عدة كتب متميزة من بينها نذكر كتاب« العمل النسوي بالجزائر»و « تمليك القضاء بمدينة الجزائر»ولعل أهم كتبه كتابه الصادر عن جهود الرجل الخير محمد خطاب الذي قدم خدمات جليلة للثورة الجزائرية،ولجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،والذي كان الشيخ العلاّمة محمد البشير الإبراهيمي يثني عليه أيما ثناء في مقالاته بجريدة البصائر،ويصفه بالرجل المنقطع النظير البار بأمته ووطنه ،ويؤكد على أنه نابغة من نوابغ المحسنين من طراز خاص يقل وجوده في الأمم،وكان يُطلق عليه الشاعر الكبير مفدي زكريا اسم بطل الفلاحة إمام المحسنين،وقد كتب عدة قصائد يثني فيها على جهوده وأعماله الإنسانية والخيرية التي قدمها للثورة الجزائرية. استهل الدكتور فاروق بن عطية كتابه بتمهيد أشار فيه إلى أن بحثه هذا موجه قبل كل شيء إلى الشباب قصد توجيه نظرهم إلى مجال دراسة تاريخهم لاكتشافه من جديد،فمن الأهمية بمكان ألا يجهل الجزائريون-ولاسيما منهم الشباب-ماضيهم من أجل استنباط الكثير من الدروس في الوقت الحاضر وإعداد مستقبلهم،فهذا الماضي يساهم في تعزيز الأنفة الوطنية،ويرسخ حب الوطن،ولذلك فإنه يتحتم على المرء أن يعرف ماضيه،وأن يطلع على المحن التي عاشها شعبه،والطريق الطويل والشاق الذي قطعه الأجداد لاسترجاع استقلال هذا الوطن المفدى . فلابد أن يطلع الشباب الجزائري على تفاصيل نشاط الثوار الحقيقيين من أجل الاقتداء بإرادتهم الصلبة،وإيمانهم الراسخ،والتزامهم السرمدي في خدمة الثورة. ويتساءل الدكتور فاروق بن عطية في تمهيده للكتاب فيقول« لقد دفعتنا مطالعة الكتب المهتمة بحرب الجزائر إلى طرح بعض الأسئلة على أنفسنا،هل ينبغي أن نقبل كتابة تاريخ بلدنا من مؤلفين أجانب؟هل يمكن تطهير التاريخ من الاستعمار من جهة،وكتابة التاريخ بمحو عمدي لبعض الفترات وبعض الأحداث وبعض الشخصيات الذين قاموا بأدوار هامة من جهة أخرى؟إن سرد التاريخ بكيفية وافية يتطلب التزاماً علمياً ونزاهة أخلاقية لا نظير لها،لماذا يتجنب بعض السياسيين الجزائريين الإدلاء بآرائهم إلى الجامعيين من بلادنا عبر استجوابات،بينما نراهم يبحثون عن صحبة الجامعيين الأجانب؟ما معنى هذا المركب،وهذا الانفعال الذي ينم عن وضعية المستعمر؟ألم يحن الأوان لوضع الثقة في مواطنيهم؟لماذا الكتب التي تطبع في الخارج عن بلدنا تنال نجاحاً كبيراً عند الوسائل السمعية البصرية الجزائرية وعند الجمهور؟هل نحن قادرون على التصرف في مصيرنا بأنفسنا؟هل ينبغي أن ننتظر موت آخر الثوريين لكي نقوم بطرح الأسئلة عليهم؟إن هذه التساؤلات فرضت علينا المساهمة في تقديم لبنة من أجل بناء جزء من تاريخ الجزائر.سنلقي الضوء بشكل أساسي على النشاط الإنساني للثورة الجزائرية،علماً بأن أي مؤرخ لم يدرس هذه القضية بكيفية جدية إلى يومنا هذا،أنا لا أدعي أني أصبحت مؤرخاً حقيقياً،غير أن هذا التحليل قد يساعد على إدراك جيد لأسباب النشاطات الإنسانية للمقاومة والثورة الجزائرية،ومن المهم أن يتمكن الشعب الجزائري من الاطلاع على صورة اندلاع أول نوفمبر1954م من زوايا مختلفة ومتعددة،حتى يحسن تقدير جهود الذين ماتوا من أجل وطنهم دون أن ينقص وزن مسؤوليات الذين هم على رأس الدولة،علماً بأن عطاء الجميع كان ضرورياً لاسترجاع الحرية،وأن مساهمة الجميع مفيدة لإعادة بناء البلد»( ص:12). ويشدد المؤلف على نقطة مهمة،وهي أن الجزائريين منذ اندلاع ثورة التحرير المجيدة،ورغم حرب العصابات،كانوا يؤكدون ويلحون على إقامة أعمال إنسانية،ونظراً لوفائهم للقيم العربية والإسلامية،فقد احترموا منذ البداية قوانين الحرب،وطوروا مصالح الصحة،وأشار المؤلف إلى شخصية الرسول محمد –صلى الله عليه وسلم-الذي امتاز بإنسانيته،ولم يسمح أبداً بقتل الرجال في الباطل،ولا النساء والأطفال،وكان يأمر بالعفو والتسامح والحوار. يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام رئيسة :يركز القسم الأول من الكتاب على« بوادر الحرب»وعلى بدايات ثورة التحرير،وردود الفعل التي أحدثتها،حيث توقف الدكتور ابن عطية مع الأساليب المضللة التي استعملت من قبل الاستدمار الفرنسي ضد الجزائريين،وتحت عنوان« للبحث عن الحقيقة استعمال الكذب » ذكر أن المجلات،والمنشورات قبل سنة:1954م لم تنقطع عن تمجيد الوجود الفرنسي،مع الإلحاح على الكذب لتصوير فرنسا على أساس أنها صاحبة منجزات حضارية في الجزائر،وتطرق الدكتور فاروق بن عطية إلى ما أحدثته الثورة الجزائرية من تحولات،حيث فرضت سلسلة من الإصلاحات من أجل ترقية الطبقة الاجتماعية،وربما إنشاء نخبة قادرة في نظر الملاحظ الأجنبي على البرهنة بأن هناك جهوداً ترمي إلى خلق بعض العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف حياة المسلمين. فقد قام( روبارت لا كوست)الوزير المقيم والوالي العام للجزائر يوم:6ديسمبر1956م أمام جمعية الصحافة الديبلوماسية الفرنسية بتعداد الإصلاحات الاجتماعية والسياسية،وأكد على القوانين التي تسهل ارتقاء المسلمين إلى الوظيفة العمومية،واعترف في نفس الوقت ببعض المظالم فيما يتعلق بالتمثيل في المجالس البلدية:يمثل934.500ساكن أوروبي5/3بينما يمثل:3.190.000ساكن مسلم5/2. كما تطرق المؤلف إلى أكاذيب المسؤولين الفرنسيين الذين اعتبروا قضية الجزائر شأناً داخلياً فرنسياً،ولا يحق للآخرين التدخل فيه لأنها عمالة فرنسية،وهذه( حجة قانونية)لاسترجاع النظام والبحث عن حل فرنسي في إطار فرنسي. وقد اتخذت جريدة نيويورك بوست يوم:3أكتوبر1965 موقفاً من هذا الموضوع،حيث جاء فيها( ليست قضية الجزائر مسألة فرنسية خاصة،لأن لها جملة من الآثار الدولية،أبسط شيء هو أن الجزائر ليست إلا أحد الدلائل على الإفلاس الكلي للسياسة الاستعمارية الفرنسية). وجاء في جريدة نيويورك تيليغرام ليوم:3أكتوبر1956م( قال رئيس المجلس الفرنسي إنه سحب وفده من جمعية الأمم المتحدة للمحافظة على كرامة فرنسا الوطنية.الطريقة الوحيدة لاسترجاع الكرامة هي إيجاد حل يرضي التطلعات الشرعية للأهالي قبل تدخل الشيوعيين). وقد سعت المندوبية الجزائرية المقيمة في القاهرة من حين إلى آخر إلى الرد على تصريحات المسؤولين الفرنسيين المضللة والمكذبة للحقائق من خلال تقديم التصحيحات اللازمة،ففي يوم:9جوان1957م،وقصد تكذيب ما أشيع عن وقوع اتصالات من أجل المفاوضات،أوضحت جبهة التحرير الوطني ما يلي: 1-هذه الشائعات ليس لها إلا هدف تصديق النظرية التي مفادها أن الحكومة الفرنسية تبحث عن السلم في الجزائر. 2-جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني يريدان السلم،ولكن ليس السلم في النظام الاستعماري،بل السلم في الحرية. 3-نعم لحل سلمي،ولكن بعد الاعتراف بحق الجزائر في الاستقلال. في ختام هذا القسم،وقف المؤلف وقفة متأملة لكفاح جبهة التحرير الوطني عبر جهادها،واستشهد في البدء بما جاء في بيان أول نوفمبر1954م الذي أكد على إقامة حكومة جزائرية ذات سيادة ديمقراطية واجتماعية داخل إطار المبادئ الإسلامية،وعلى احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز بين الأجناس والعقائد. وقد علق الدكتور فاروق بن عطية على توجهات جبهة التحرير الوطني الإنسانية بالقول« يؤكد التصريح على أن الشعب الجزائري المضطهد لم يلجأ إلى الكفاح المسلح إلا كوسيلة أخيرة، ولاسيما بعد أن اقتنع باستحالة أي تغيير بالوسائل الشرعية أو السلمية،ومع ذلك كان هذا النداء مشوباً بالإنسانية». وقد قدم المؤلف مجموعة من الرؤى التي تبرز الجوانب الإنسانية في كفاح الشعب الجزائري،كما أورد مجموعة من الشهادات التي تربط كفاح الشعب الجزائري بالدين الإسلامي،يقول الدكتور فاروق بن عطية« والجدير بالذكر هو الرجوع إلى بيان ولادة جريدة المجاهد الجريدة المركزية لجبهة التحرير الوطني التي ظهرت في الجزائر في جوان1956م،لأول مرة( لفظة جهاد-الحرب المقدسة-التي اشتقت منها لفظة-المجاهد المحارب باسم الدين-كانت نظراً للحكم المسبق المناهض للإسلام وقت الحروب الصليبية،تتخذ في الغرب المسيحي معنى محدوداً يتمثل في رمز الاعتداء الديني.إن هذا التأويل كان سخيفاً لأن الإسلام هو دين التسامح وأن احترام الأديان وعلى الخصوص الدين المسيحي واليهودية هو أحد أوامره الأساسية التي ما فتئت تطبق عبر القرون). الجهاد بمعناه الأساسي،هو مجرد تظاهرة حركية من أجل الدفاع الذاتي والمحافظة، أو استرجاع تراث القيم العليا الضرورية للإنسان وللمدينة.هو كذلك إرادة الاستكمال الذاتي المتواصل في كل المجالات،الحقيقة تفرض علينا أن نلاحظ أن الجهاد أثناء الفترة الثورية اتخذ معنيين حسب تأويل الفلاح لهذه الكلمة أو تأويل إطار جيش التحرير الوطني الذي يتمتع بقسط من التعليم. 1-من الواضح أن المجاهد حمل السلاح ضد المحتل للحفاظ على دينه( في سبيل الله). 2-يدخل التأويل الثاني في إطار كفاح تحرير بلدان العالم الثالث،ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بعودة الحقوق والقيم التي اغتصبها المستعمر بما فيها الإسلام. ومع ذلك يجدر بنا أن نلاحظ أن المجاهدين في الجبال ينقلون ثقافة ترتكز على التقاليد والقيم المستنبطة من تراث إسلامي ورثوه عن الأسرة وعن المدرسة القرآنية.وكانت ساعة الصلاة محترمة،وعواطف التعاون والتضامن والأخوة كانت سائدة في الميدان»( ص:52). تطرق المؤلف في مستهل القسم الثاني من الكتاب والذي وسمه ب« النشاط الإنساني للثورة الجزائرية »إلى بعض الأفكار عن المبادئ الإنسانية،فقاموس( هاشيت)في1991م يعرف كلمة إنساني بأنه الذي يهدف إلى هناء وسعادة الإنسانية. وفيما يتصل بالنشاط الإنساني للثورة الجزائرية ركز المؤلف على مصلحة صحة جيش التحرير الوطني،والهلال الأحمر الجزائري. 1-مصلحة صحة جيش التحرير الوطني: ابتداءً من سنة:1955م أنشئت لجان صحة في مختلف الأمكنة التي تتوافر فيها الإمكانيات لمساعدة المرضى ولاسيما لمعالجة الجرحى في مختلف مناطق الوطن،ثم تم الانتقال إلى تونس والمغرب بعد تدفق اللاجئين بكثرة،« وكانت الأقسام الصحية تستعمل وسائل متنوعة لمساعدة السكان وتخفيف آلامهم البدنية والروحية.أتى الأطباء والممرضون والممرضات بوسائل مزرية باتخاذ مبادرات جريئة كبتر عضو دون تخدير وبمنشار بسيط،وذلك بموافقة الجرحى الذين كانوا مصحوبين بإيمان نادر وشجاعة خارقة للعادة،كم تحمل الناس من آلام وكم قدّموا من تضحيات وبراهين الإخلاص من أجل قضية.كان هناك تفاهم وتفان تام من أجل هدف سام وكفاح مشترك من طرف كل الذين كانوا يكافحون مهما كانت مرتبتهم. كانت مصلحة الصحة العسكرية المتمركزة في وجدة مكلفة باستقبال جرحى الجنود وعلاجهم وإيوائهم،وكانت بالإضافة إلى هذا النشاط تسعى لتكوين ممرضين»( ص:59). ينبه الدكتور فاروق بن عطية إلى أن عدد الممرضين تناقص في سنة:1957م،واضطر العديد من الأطباء إلى الحيل لتكوين عدد كبير من الممرضين داخل الوطن،وكلما اشتد القتال يزداد عدد الجرحى والمعطوبين،وأمام العجز الذي سجل في مختلف الوسائل الصحية،تعين التفكير في نقل كبار الجرحى نحو أماكن آمنة،مثل وجدة في المغرب الأقصى،وغار الدماء في تونس حتى يتمكن الأطباء من إجراء العمليات الصعبة.وقد كان الدكتور محمد الصغير نقاش يشرف على الأعمال الصحية في القطر التونسي،و في المغرب كان الدكتور عبد السلام هدام هو اليد العليا التي تشرف على مصلحة الصحة العسكرية،وقد تلقى مساعدات ثمينة من قبل الأطباء والصيادلة الجزائريين المقيمين بالمغرب،إضافة إلى مصالح الصحة العمومية للمملكة المغربية،كما ساهمت في الأعمال الخيرية ودادية الجزائريين في المغرب من خلال شراء الأدوية والمعدات. ولا شك في أن أعين الاستعمار الفرنسي لم تكن غافلة عن الأعمال الإنسانية والخيرية التي كان يقوم بها أبناء الشعب الجزائري تضامناً مع بعضهم البعض،فقد دفع اتساع وانتشار الثورة الجزائرية الإدارة الاستعمارية إلى اتخاذ عدة قرارات لمراقبة دخول الأدوية وانتشارها في الجزائر( أكتوبر1955)،وكان الهدف من اتخاذ القرارات الجهنمية حرمان المجاهدين من أبسط العلاجات،والتقليل من عزيمتهم،وقد أشار جاك سوستيل في كتابه« الجزائر المحبوبة والمعذبة»إلى أن كميات كبيرة من الأدوية المستعملة لعلاج الجرحى،ومواد كيميائية كانت تختفي بسرعة فائقة من الصيدليات والدكاكين وتشترى.وقد تم الحكم على الكثير من المناضلين بأحكام قاسية لمجرد حملهم لأدوية،أو أدوات صحية ،فعلى سبيل المثال في تلمسان حكم على شابين بالسجن لثلاث سنوات لأنهما كانا يحملان 20كلغ من القطن.كما كانت السلطات الاستعمارية تجبر الصيادلة على التصريح بالكميات الموجودة لديهم من الأدوية ،وتجبرهم على تبرير مبيعاتهم وتوضيحها حتى لا تذهب إلى الثوار والمجاهدين. وقد أكد الدكتور مصطفى مكاسي الذي عمل في الميدان،وكان الطبيب الرئيس في معسكر لا راش( المدعو مزرعة بوصافي من طرف الجزائريين)المكلف بإيواء المبتورين،على أن هذا المركز قد سلم من قبل جيش التحرير المغربي،وحزب الاستقلال في سنة:1957م،وقد جاء في شهادته التي أوردها الدكتور فاروق بن عطية في الكتاب« فإنني أؤكد على أن هذا المركز المعسكر قد سلمه جيش التحرير المغربي وحزب الاستقلال في:1957م.إن مقامنا في وسط سكان لا يتكلمون إلا باللغة الريفية( الشبيهة بالأمازيغية)والإسبانية،جعلنا نكتشف أننا كنا نعتبر أجانب.وذات يوم لاحظ أحد مواطنينا العضو في جيش التحرير الوطني سعيد عبد الدائم وهو طبيب جراح أسنان من تيزي وزو تشابهاً بين اللغة القبائلية واللغة الريفية،وخطر بباله أن يخاطب أحد الأعيان بالأمازيغية،فسرى التيار وعاملنا سكان المنطقة معاملة أخوية وزودوا معسكرنا بالمواد المحلية.ومكافأة على حسن معاملة السكان لنا،اقترحت على الملازم بوشاقور( قائد معسكر لاراش)فتح مركز علاج مجاني لمرتين في الأسبوع لصالحهم.وكانت النتيجة الفورية شهرة جيش التحرير الوطني وسمعة الجزائريين الذين يسعون إلى تحسين مصير المغاربة والجزائريين دون تمييز.وكانت مهمتنا تتمثل في علاج المحرومين ومساعدتهم،كانت المساعدة الاجتماعية توزع دون تمييز في المناطق الحدودية حيث يختلط الكثير من اللاجئين الجزائريين بالسكان المغاربة،وكان يوجد في الرباط كذلك مركز علاج( فحص مرة في الأسبوع) بالإضافة إلى العلاج المتنقل في مختلف المزارع»( ص:62). بالنسبة للهلال الأحمر الجزائري،فقد دفع اتساع النزاع واشتداد القتال جبهة التحرير الوطني إلى اطلاع العالم على ظروف حياة اللاجئين بغرض الحصول على المساعدات. 1-قصد مساعدة السكان النازحين عن وطنهم بوساطة إنشاء هيئة قادرة على مد يد المعونة لحكومة وطنية من أجل إعداد استقلال البلد بتحكم جيد لمشاكل الصحة والسلك الطبي. 2-قصد إدماج الهلال الأحمر الجزائري في الحركة العالمية للصلبان والأهلة الحمراء والاستفادة من المساعدة العالمية. ويذكر المؤلف أن المسؤولين الجزائريين شعروا في تطوان بضرورة إنشاء هلال أحمر جزائري ،فكلفوا السيد شنغريحة( سي عبد القادر)بالاتصال منذ سبتمبر1956م بالدكتور بن سماين لإعداد مشروع قوانين عامة« واستعان هذا الأخير بالصيدلاني مراد عبد الله لتحرير تقرير أول عنوانه( منظمة الهلال الأحمر الجزائري)وأرسل هذا التقرير مصحوباً بمشروع القوانين العامة المستوحى من قوانين الهلال الأحمر التونسي إلى قيادة الولاية الخامسة في منتصف أكتوبر1956،وهكذا اتخذ الهلال الأحمر شكله بعد عامين من اندلاع الكفاح المسلح صادقت جبهة التحرير يوم:11ديسمبر1956( لجنة التنسيق والتنفيذ)على إنشاء الهلال الأحمر الجزائري الذي يطالب باحترام التعليمات التالية: 1-انعدام الرئاسة الشرفية. 2-لا تتكون اللجنة إلا من جزائريين فقط. 3-اللجنة سوف تستقيل عند تحرير الشعب. 4-اللجنة تكون عمومية. وتم الجواب بواسطة القيادة العامة لولاية وهران في الحالة الراهنة مسؤول اتحادية المغرب الطيب الثعالبي المدعو( علال)العضو النائب في المجلس الوطني للثورة الجزائرية في مؤتمر الصومام.ووقعت المصادقة على اللجنة المعينة في طنجة يوم:29-12-1956م برئاسة بوكلي حسن. جرى إيداع القوانين في عمالة طنجة يوم:8جانفي1957م وأعلنت الإذاعة والصحافة نشأة الهلال الأحمر الجزائري. وسرعان ما شرع الهلال في العمل: 1-ألقى نداءً إلى الخارج لطلب مساعدة مادية ومعنوية. 2-حاول تقديم أحسن مساعدة ممكنة للجرحى واللاجئين. 3-بحث عن الحصول على موارد. وسرعان ما كللت هذه المساعي بالنجاح.هذا الضغط أجبر اللجنة العالمية للصليب الأحمر على أن تتصل بالهلال الأحمر الجزائري من أجل التفكير في حل مشكلة الاعتراف به فعلياً»( ص:65). رصد المؤلف واقع اللاجئين الجزائريين،وسعى إلى كشف النقاب عن جهود المنظمات الدولية تجاههم ،فالوضعية السيئة لللاجئين الجزائريين دفعت لجنة التنسيق والتنفيذ إلى اتخاذ قرارات هامة تتعلق بمساعدة فعالة ومستعجلة من طرف بعض البلدان الصديقة.وقد تقرر مع نهاية شهر سبتمبر سنة:1957م إرسال وفد من الهلال الأحمر الجزائري إلى ألمانيا الشرقية للاتصال بالصليب الأحمر الألماني،لتوجيه نداء إلى جمعيات أوروبا الشرقية،وقد حصلت لجنة التنسيق والتنفيذ على حق المشاركة في نيودلهي،وكلف مبعوث الهلال الأحمر الجزائري في الشرق الأدنى بالاتصال بالأهلة الحمراء الجزائرية للاندماج معهم. وقد لا حظ المؤتمر الدولي التاسع عشر للصليب الأحمر المنعقد في نيودلهي في القرار الخاص باللاجئين الجزائريين أن : - المساعدة التي توفرها الحكومة التونسية والمغربية،واللجنة الدولية للصليب الأحمر،والهلال التونسي والشركات الأخرى التابعة للصليب الأحمر تبدو غير كافية لإبعاد الخطر الفادح الذي يهدد حياة هؤلاء الأبرياء ضحايا الحرب. -يرى المؤتمر أن الجهود الدولية هي وحدها القادرة على مواجهة التحديات الضخمة التي تتطلبها المساعدة التي ينبغي توفيرها لمئات الآلاف من البشر. -توجيه نداء عاجل إلى العالم من أجل بذل جهود مماثلة لصالح اللاجئين الجزائريين. في القسم الثالث من الكتاب،والمعنون ب« النشاط الخارجي لجبهة التحرير الوطني »تحدث المؤلف عن مختلف الجهود الجبارة التي بذلتها جبهة التحرير الوطني على الصعيد الخارجي،فيوم:9سبتمبر1958م شهد تعيين بو الصوف وزيراً للتسليح والعلاقات العامة،وقد كانت هناك جهود ترمي إلى: -تحقيق تموين منتظم بالأسلحة لجيش التحرير الوطني. -تكوين سياسي وتقني لرجال مخلصين. -مواجهة عمليات( SEDECE)والرد على النشاطات النفسية لمصلحة( ACTION)والدعاية في الجيش داخل الجزائر وخارجها. وفي ختام الكتاب نلفي الكثير من الملاحق التي تعتبر مصادر تاريخية ثمينة،إذ تشتمل على الكثير من النصوص والنداءات لصالح استقلال الجزائر. ولا شك في أن كتاب« الأعمال الإنسانية أثناء حرب التحرير1954-1962 »للباحث الدكتور فاروق بن عطية يُسهم بشكل كبير في توفير الكثير من المعلومات النفيسة عن الأعمال الخيرية والإنسانية أثناء ثورة التحرير المجيدة،ويمكن القول إن الباحث فاروق بن عطية بتأليفه لهذا السفر الثمين قدم خدمة جليلة لتاريخ الجزائر المعاصر،وكما قال الدكتور مصطفى مكاسي؛الأمين العام الأسبق للهلال الأحمر الجزائري في تصديره للكتاب( سيدي فاروق بن عطية ستحتفظ الأجيال المقبلة بذكرك بفضل هذا المؤلف الذي أنجزته حباً لوطنك).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق