الصفحات

2018/12/26

"جسر التفاحة" لعواد علي.. المدونة بوصفها رواية

"جسر التفاحة" لعواد علي..
المدونة بوصفها رواية

عمّان-
على ما تنطوي التفاحة من شعرية في شكلها ولونها ومذاقها إلا أن الوقائع التاريخية والأحداث حرّفت المعنى الجميل لتلك الثمرة التي أخرجت آدم وحواء من الجنة بما تبع ذلك من تيه وشقاء ما تزال سلالتهم تدفعها حتى اللحظة.
وفي الرواية الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان وحملت اسم "جسر التفاحة" للروائي والناقد العراقي عواد علي لم تبتعد الحكاية عن المعنى الشقائي للإنسان.
وجسر التفاحة، هو مكان حقيقي يقع في منطقة النعيمة قضاء الفلوجة بمحافظة الأنبار ودارت حوله العديد من المعارك لمواجهة قوات الاحتلال الأميركي، واختلطت فيها المصالح والدوافع والأوراق التي تحول معها الوطن إلى ساحة حرب تأكل الأخضر واليابس .
وحينما يعيد الكاتب صياغته في نص سردي، فهو يقترح شكلًا جديدًا للرواية، ويقول عواد علي: "إن هذه الرواية تعتمد شكل المدونات الرقمية التي تعد واحدة من المستحدثات الاتصالية، وهي وسيلة لتدوين المذكرات والتجارب الشخصية، أو مساحة للتعبير بحرية عما هو سري ومكبوت ومنفلت حميمي".
وقد أعادها الكاتب روائيا في 43 مدونة يوثقها بالتاريخ ضمن سرد زماني خطي، واستعادي، فالمدونات تتبع عامي 2016 إلى 2017، الا أن الأحداث تمتد من مطلع العام 2003 بعيد احتلال العراق لتروي صورة الموت الذي فرد جناحيه على العراق.
ويسرد خلال ذلك بروز الحركات المتطرفة وظهور تجار الحروب وعصابات القتل التي ساهمت مع الحروب في تجويع الإنسان العراق وتدمير كيانه ونزوحه وموته المجاني.
وفي الوقت نفسه يحكي قصة الإنسان العراقي الذي ينتمي لأرضه في مواجهة جبروت المحتل، وعذابه اليومي وسجنه ووجعه وجوعه، ولا يخفي المدون في تلك المعمعة مشاعر الإنسان وتعلقه بفتاة أحلامه.
ويعرض خلال المدونة الكثير من النصوص الأدبية والأساطير العراقية القديمة وآراء الفلاسفة والحكايات التي يستذكرها من الماضي وتحديدًا خلال فترة اعتقاله، وينتقل في المدونات إلى جانب حميمي من حياته التي عاشها في ثلاث تجارب حب.
وبالنسبة للروائي/ المدون فقد كانت الكتابة فضاء للحرية الذي يعينه على الصمود في مواجهة مأساة الحرب وفقدان والده وحبسه، "منحتني الكتابة إحساسا بالحرية وقدرة على مغالبة القنوط والكوابيس، وجعلتني أوقن أن معاناة السجن ستنتهي وتغدو شيئا عرضيًا".
لكن تلك الحرية التي وجدها في الكتابة، لم تكن كذلك بعد خروجه من السجن، عام 2005، وهو يرى الموت والدمار أمام عينية، ليقول: "كل هذا الدمار ويدعي الساقطون أنهم جاؤوا لتحريرنا".
وكما منحته الكتابة/ التدوين الحرية، فقد وفر له الفضاء الافتراضي أيضًا الفرصة للتواصل مع أناس لم يلتقيهم من زمن، وأناس لا يعرفهم أصلًا، كما وفرت الفضائيات نافذة للإطلال على ما يجري في مدينته التي وقعت فيها معركة تحرير الفلوجة من الإرهابيين بعد هجرته إلى أوربا، وتعرض نحو خمسن ألف من أبنائها لسكين تحزهم بنصل التطرف الداعشي والحقد الطائفي بعد ما أخذ منهم الضعف مأخذه نتيجة انقطاع الكهرباء والماء  ونقص الغذاء.
في المدونة الأخيرة تلخص الحكاية عبر المفارقة التي يسردها الكاتب/ المدون في مكالمة هاتفية مع أحد أقاربه: "لم أتوقع يوما أن يأتي زمن يغدو فيه العدو منقذًا، لكن هذا ما صار ليلة الإعلان عن سقوط دولة داعش في الموصل، "غريب أن يصبح الذئب راعيًا"، وخصوصا مع تحول الدولة إلى مناطق نفوذ تحطم وحدة البلاد وتحطم الإنسان.
كانت اللعبة الفنية للرواية التي تقع في 198 صفحة بالمراسلات التي جرت صدفة مع أحد العراقيين المقيمين في المهجر، الذي أوحى للكاتب/ المدون صوغ تلك الأحداث وجمع أشتاتها في شهادة سردية، أو نص تتبعي توثيقي يقترب من شكل اليوميات، أو شريط سينمائي يظهر الأحداث وفق تقطيعات النص الذي يروي الأحداث الواقعية بمزيج من الخيال واستعادة تاريخ العراق وحضارته التي تمتد منذ جلجامش، فكان "جسر التفاحة".
ويقول الناقد عدنان حسين أحمد: "مثلما اتسع فضاء الرواية الجغرافي في العراق وشمل الفلوجة والأنبار وكركوك ونينوى وأربيل، فإنه يتسع عالمياً ليشمل تركيا وألمانيا وفرنسا وأميركا، فهي رواية شخصيات وأحداث وأمكنة بامتياز. ويكفي أن نتتبع حركة البطل المأزوم نفسياً وهو يتنقل بين عدة بلدان أوروبية لنكتشف من خلالها مدناً كثيرة، مثل هانوفر ونيس ونورنبيرغ وإزمير، التي خففت من وطأة مأساته الشخصية وفسحت له المجال كي يندمج ثانية في المجتمع، ويتأهل من جديد لحياة طبيعية حافلة بالمغامرات العاطفية العابرة، كما حدث له مع مليكة الفرنسية القادمة من شمال أفريقيا. ولعل أهمية هذا اللقاء أنه يكشف طبيعة هذه الشخصية المزدوجة. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى شخصية شارلوت، العجوز الألمانية التي تكبر الراوي بثلاثة عقود".
يشار إلى أن الكاتب عواد علي حاصل على شهادة الماجستير في المسرح من جامعة بغداد بالعراق، صدر له نحو عشرين كتابا في الرواية والنقد، منها في الرواية: حليب المارينز، نخلة الواشنطونيا، أبناء الماء، حماقة ماركيز، وفي النقدالمألوف واللامألوف في المسرح العراقي، شفرات الجسد..جدلية الحضور والغياب في المسرح،، المعرفة والعقاب.. قراءات في المسرح العربي، المسرح واستراتيجية التلقي، المرأة والتخيل.. مقاربات في المسرح العربي والمسرح والتخيل الحر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق