الصفحات

2009/12/31

نشرة مؤتمر أدباء مصر بالإسكندرية -العدد الأخير

نشرة مؤتمر أدباء مصر بالإسكندرية- العدد الأخير
رئيس تحرير النشرة/أحمد المريخي
حتى مطلع الفجر
الأدباء يمطرون الإسكندرية شعرًا

ليلة أمس أمطرت الإسكندرية شعرًا فسمع صوته القاصى والدانيّ، جموع الشعراء فى ربوع مصر أبت إلا أن تُسمع البحر ما يضرم فى أحشائها من صور وخيالات تجلت فيها الروح الإنسانية العميقة لمصر الشاعرة.
من مركز الإبداع هذا البناء الفنى البديع، إلى شاطيء البحر، إلى غرف الفنادق، إلى الشوارع والمقاهي، تتابعت الموجات، وكلما احتضنت موجة أخرى تعالى صوت الشعر لامسًا أرواح المارةِ والعابرين.
امتلأ مقهى «علولة» بالشعر بجمهور الشعر من مختلف الفئات عندما تسرب صوت الشعر إليه؛ إندهاش المارين والعابرين- هؤلاء الذين قرروا الدخول إلى المقهى فضولاً وشوقًًا- جعل الشعراء، بل كل شاعر يتجلى كحالة خاصة من الوجد.
الأمر لم يختلف كثيرًا فى فندق كليوباترا، وغرف فندق قاعود وساحته حتى كافيتريا مركز الإبداع.. لم ينتظر الشعر برنامجًا رسميًا ليصدح فى سماء الإسكندرية، معلنًا أنه لا يزال فى عنفوان توهجه.
الشعراء الذين تنوعت أسماؤهم جاءوا من كل ربوع مصر، وكانوا- وإن تباينت رؤاهم وأصواتهم وخصوصياتهم- يطمئنون جمهور الشعر إلى أن ابنائه لا يزالون قادرين على تجديد حيويته. وقد أبدع الشعراء فى مقهى «علولة»، ومنهم.. أحمد عواد، جمال عدوى الهلالي، حسين علام، محمد طعيمة، محمد طايل، محمد فرج، محمد أمين خربوش، سيد الطيب، أيمن صادق، عبد الله حسن رمضان، أشرف دسوقي، سالم الشهباني، عزة الزرقاني، محمد أبو المجد، وغيرهم كثيرون..
وفى كليوباترا أبدع الشعراء، ومنهم.. أشرف البولاقي، سعيد قنديل، محمد عبد العليم، أمل درويش، ربيع محروس زيادة، محمد أمين إسماعيل، محمد رشدى عبد الباسط. عبد الله الهادي، راضية علي، عماد حسني، عبيد عباس، إبراهيم حامد، كرم فصاد، عبد الصبور السايح، محمد درة، محمد تمساح، إبراهيم رفاعي، على قراقيش، منى عوض، هبة السركي، محمد الشاذلي، ميرفت خالد، محمود مغربي، فتحى عبد السميع.

شكرًا لهذه الأمانة

الاختلاف منح مساحة لإثراء رؤى أعضاء أمانة مؤتمر أدباء مصر فى دورته الـ24.. الاختلاف هو ما جعل موضوع المؤتمر ومحاوره المتنوعة نابضة بالحيوية، بعيدة عن التكرار والقوالب الجاهزة، قريبة من رؤى المستقبل ومنفتحةً عليها..
تحية للشاعر فتحى عبد السميع أمين عام المؤتمر على إخلاصه للشعر والشعراء وللمؤتمر وأمانته..
تحية للناقد د. هيثم الحاج على رئيس لجنة الأبحاث وأعضاء لجنته على سعة صدرهم وجهودهم المتميزة..
تحية للروائى حمدى البطران رئيس لجنة التنظيم وأعضاء لجنته. وتحية لكل أعضاء الأمانة الذين أسهموا فى إنجاح المؤتمر..
تحية للشاعر محمد أبو المجد مدير الثقافة العامة لاحتوائه لكثير من المشكلات التى واجهت الأمانة..
تحية للشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية على تعاونه المثمر مع الأمانة وأعضائها والمؤتمر.
تحية للناقد د. مصطفى الضبع المشرف العام على إدارة مواقع الهيئة الإلكترونية وفريق العمل المصاحب له عزت إبراهيم، حامد أنور، ومحمد غريب، ومحمد ماهر وعنوان موقع المؤتمر www.odabaaelaqaleem.com.eg
تحية للسيدة ميرفت واصف مدير إدارة الإعلام بالهيئة وفريقها المعاون وتحية للسيدة إيمان عقيل مدير إدارة العلاقات العامة ووكيل الإدارة محمد عزت.
وتحية لكل من تعاون مع المؤتمر من الإسكندرية.
وأخيرًا وليس آخرًا تحية كبيرة للناقد د. أحمد مجاهد على جهوده وإنجازاته ليس لمؤتمر أدباء مصر وحسب، إنما للثقافة فى أقاليم مصر المختلفة.
جدير بالذكر.. أنه تم إهداء هذه الدورة لاسم الشاعر الراحل كامل عيد رمضان، وكانت الأمانة العامة للمؤتمر قد وافقت بالاجماع على تكريمه وإطلاق اسمه على تلك الدورة (2008 – 2009).

طلب: لا يوجد فى تراثنا مفهوم متكامل للحرية .. وبندق: الشعر ممثل للكون

عُقدت مساء أمس جلستان بحثيتان الأولى «مفهوم الحرية ولغة الرمز»، للشاعر د. حسن طلب، والثانية بعنوان «الشعر سفيرا فوق العادة» للشاعر مهدى بندق.وفى الجلسة الأولى انطلق حسن طلب فى دراسته من مقولة السهروردى «الرمز لا يُرد» موضحًا أن الاحتمال فى الرمز يغلب على اليقين، والتعدد يغلب على الوحدة، وكذلك التلميح على التصريح مؤكدا على علاقة الرمز بمفهوم الحرية، إذ إن الحرية لا توهب لأنها إن وهبت فقدت معناها وربما تحولت إلى عبودية، وقال طلب إن الحرية عملية معقدة، والرمز يحميها ويعضدها، مشيرًا إلى أن مفهوم الحرية متسع ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بالرمز، فالحريات متعددة بحسب زواياها، وكذلك الرمز فهو شجرة من الدلالات والمعانى تزيد وتنقص بحسب الظروف.
وقال طلب إنه لا يوجد فى تراثنا مفهوم متكامل للحرية خاصة فى التراث العربى الإسلامي، مشيرًا إلى أن الحرية تريد أن تنطلق من منطق خاص بعيد عن الأديان. كما أشار إلى علاقة الحرية بالشعر وقال إنه لا يوجد فى الشعر مصطلح واضح عن الحرية، أما بالنسبة للرمز فلابد له أن يقترب من اللغة الجمالية، واللغة الرمزية هى القيمة الجمالية التى تكون فى صالح الأدب والتذوق.
وفى الجلسة البحثية الثانية «الشعرُ.. سفيرا ً فوق العادة» تحدث الشاعر مهدى بندق فى علاقة الشعر بالمعرفة والجمال، واقفا على مقولة «المعرفة جوهر مستقل عن الأشياء المطروحة فى العالم»، ومشيرا إلى أن العلم الحديث برهن أن الوعى ليس شيئا يضاف من الخارج إلى دماغ العارف، وإنما هو مجلى لوظائف المخ العليا أوهو أرقى وظائف هذا المخ وقت يمارس دوره، ليس بمثل ما تمارس المعدة وظيفة هضم الطعام، والقلب وظيفة ضخ الدم فى أعضاء الجسم حسب، وإنما بتجاوزه– أى الوعي- لحدود الوظيفة ورتابتها، منطلقاً إلى التفتيش عن مبرراتها، ومعززاً قدراتها بقدرته هو على الابتكار والخلق وإعادة الإنتاج بالتذكر، وحذف المنتج البالى بالنسيان.
إذن لابد من الاعتراف بأن الوعى إنما هو تمثيل للكون ما دام يلتزم بشروط صاحبه وقوانينه، ولكنه التمثيل القادر- بالأقل عند بعض الناس - على إنتاج المعرفة والجمال، حسب المعطيات الواقعية التى لا تعكر عليها أوهامُ السلف، وبهذا الفهم الحداثى صارت المعرفة علما، وكذلك الجمال، و لم يعد ينظر إليهما أحدٌ – إلا أنصاف المتعلمين – بوصفهما «إلهاما» يأتى من خارج الكون المادي.
وأما الشعر فقد أبت عليه طبيعته أن يرضى بدور التابع للعلم. وكيف له أن يفعل هو الذى ُفطر على المغامرة واقتحام المجهول سواء فى عوالم المعرفة، أو فى سماوات الفن المشعة بالجمال السرمدي؟.
كان الشعر ولا يزال يعد نفسه ممثلاً خاصا للكون .. سفيرا ً فوق العادة، فلقد برز إلى الوجود من ذات المادة الأزلية التى شكـّلت الكون (ويمكن أن ندعوها الملموس الظاهر ومعناه الباطن فى جديلة واحدة) بل لعله – أى الشعر - قد رأى أن كل ما فى الكون محض قصائدَ وإن تزيت بأزياء مختلفة.
ترى أين يكون موقع الشعر فى هذا البناء الجديد؟ لعله يقبل (أو لا يقبل) بمنصب العضو المنتدب، أو المراقب العام .. بالنظر إلى طبيعته التى تأبى عليه أن يكون له رئيس، حتى لو كان هذا الرئيسُ هو العقل ذاته، وإن قبله صاحبا وصديقا.

د. عبد الغفار مكاوى.. وحوار متجدد حول ثورة الشعر الحديث

فى المائدة المستديرة عن كتاب (ثورة الشعر الحديث) للدكتور عبد الغفار مكاوى والتى رأس جلستها د. عبد المنعم تليمة رئيس المؤتمر وحضرها عدد كبير من النقاد والأدباء والإعلاميين. بدأت الجلسة بحديث د. عبد الغفار مكاوى عن جيله، وعن الأساتذة الذين تعلم على أيديهم ومدى تأثره بالطابع الموسوعى الذى اتسموا به وأخذه منهم فقال د. مكاوي: جيل الرواد تعلموا الموسوعية من طه حسين والعقاد , والثقافة العربية كانت تحتاج إلى هذا.. فطه حسين مثلاً له دور كبير فى الترجمة فهو ممن فتحوا أبواب ونوافذ على الثقافة الإنسانية والعالمية. كذلك دور زكى نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي، وغيرهم، فالموسوعية كانت من سماتنا باعتبارنا أنا وجيلى تلامذة لهؤلاء.. وذكر أن موهبته الأدبية بدأت معه منذ أن كان عمره 10 سنوات وكان اتصاله بصلاح عبد الصبور دافعًا لإنصرافه عن الشعر واتجاهه إلى الترجمة ولكنه استفاد من كتابته للشعر فى بداية حياته فى ترجمته للشعر.
وتحدث الدكتور عبد المنعم تليمة قائلاً: د. عبد الغفار مكاوي أصيل وهناك انتقالات فنية فى الحركة الشعرية العربية فمثلا قصيدة التفعيلة نقلة فنية كبرى واستقرت. ثم جاءت النقلة الأخرى المتمثلة فى قصيدة النثر سواء قصيدة النثر المكتوبة بالفصح أو المكتوبة بالعامية.
وبدأت المداخلات من الحضور بتوضيح للدكتور محمد زكريا عنانى ذكر فيه أن د. عبد الغفار مكاوى بدأ مشروعًا فى هذا الكتاب يذكرنا بالمشروع الثلاثى الذى طرحه د. طه حسين وعبد الرحمن العبادى وأحمد أمين فى التأريخ للمشروع الإسلامى فمن يتأمل العمل يرى شيئًا ما يثير التساؤل، أين شكسبير وبقية شعراء الإنجليز من الكتاب وأين بوشكين وبقية شعراء روسيا. لعل هذه مرجعه لانشغال ثنائى المثلث عن القيام بدورهما فى إنجاز الجزء الخاص بهما .
وقد علـّق د. مكاوى على هذا التوضيح بقوله: التقيت يوماً بصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتى فقال عبد الصبور إنه انتهى من مسرحية (مآساة الحلاج) وفى نفس اليوم اتفقنا على أن يترجم البياتى تطور الشعر السلالى الروسى , وصلاح عبد الصبور قال إنه سيترجم الشعر الأنجلوساكسوني، ولكنهما لم ينفذا ما اتفقنا عليه لانشغالهما بإبداعهما الشعرى, فعندما سألت صديقى الشاعر المرحوم صلاح عبد الصبور عما وصل إليه فوجئت أنه لم يفعل شيئاً. كذلك البياتى بينما أنا ترجمت الجزء الخاص بى وهو مادة الكتاب الذى بين أيديكم .وأنا أرى أنهما كانا محقين لأن الترجمة قد تأخذ المبداع من إبداعه
وفى تساؤل د. فاطمة قنديل: قالت لدى شيء من التوجُّس حول الحديث عن المثقف الموسوعى وأتساءل عن دور المثقف المؤمن بتداخل الحقول المعرفية فى مجال بعينه أو فى نقطة بعينها..
ورد د. مكاوى قائلاً: نحن الآن ما زلنا بحاجة إلى قدر من الموسوعية رغم اتجاه ثقافة العصر نحو التخصص الدقيق
د. حسن طلب: حول مشكلة العلاقة بين الشعر والفلسفة فى هذا الكتاب أجد لمحات تشير إلى علاقة الفكر بالفلسفة ولكن هذه اللمحات فى واقعنا الثقافى إلى الآن لا تكفي. ونحن نريد من هو مؤهل لكى يقرر لنا هذه العلاقة وأظن أن د. عبد الغفار مؤهل لذلك.
فقال د مكاوي: هناك اتصال وثيق بين الشعر والفلسفة مع الفارق الكبير بينهما ولو أخذنا على سبيل المثال واحداًمثل هيدجر نجده رغم رداءة أسلوبه فى اللغة الألمانية لكنه لعب دوراً أدبياً هاماً فكان يرى أن الميتافيزيقية وصلت لنهايتها مع نيتشة وماركس، ويرى أن الشعر والفلسفة يسكنان على قمة جبلين فهما معاً رغم انفاصلهما، وفضله يرجع إلى أنه سلط الضوء عل هيلدرلينف وهو واحد من أهم شعراء ألمانيا، بعد أن كان مظلومًا فى الحياة الثقافية . من هنا لا انفصال بين الشعر والفلسفة وأتمنى أن يدخل الدكتور حسن طلب وهو شاعر ودكتور فى الفلسفة فى القيام بهذا الدور.
الشاعر عبدالمنعم عواد يوسف: كلنا تأثرنا بهذا الكتاب وربما أنه دفعنا إلى التجديد فى الشعر وميزة هذا المؤتمر أنه وضع فى أيدى الشباب هذا الكتاب، فإصدار هذا الكتاب القّيم فرصة ليقرأه الشعراء الشباب.
الشاعر أحمد سويلم: ترجمة الشعر من أصعب الأعمال وعند قراءة هذا الكتاب أجد سلاسة وبساطة وكأنه لم يقابل أيّة صعوبة فى الترجمة، وأرى أنه من المهم جدًا الإشارة إلى الصعوبات التى واجهت الدكتور عبد الغفار فى ترجماته والحديث عن أن الترجمة خيانة للشعر ومثل هذا الكلام.
د. مكاوى: الشعر كالفعل الصوفى فتجربة الشعر عندى هى تجربة اتحاد صوفى. فحين تحب النص وتتمنى أن تكون أنت الذى كتبته بلغتك. كل هذا رغم أنى لست شاعرًا وكنت أتمنى أن أكون شاعرًا،وهناك جوانب أخرى هامة مثل إتقان اللغة ومعرفة حياة الشاعر وسياق عصره وحضارته وظروفه الاجتماعية، فكل هذا يضئ النص، ولا يمكن إخراج الشعر من التاريخ لأنه كتب فى لحظة تاريخية.
د. سيد البحراوي: التجارب الشعرية التى قامت عليها نصوص هذا الكتاب وهذه النصوص تنتمى لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وهى تنتمى لشعر الحداثة وليس الشعر الحديث، لهذا هل يمكن أن نتساءل عن طبيعة عنوان الكتاب ؟
د. مكاوى: كتابى يتناول الشعراء الثلاثة الذين أثروا فى الحداثة الشعرية وهم بودلير، رامبو، مالارميه، فقلت إن النماذج الشعرية توقفت عند آخر عقد الستينات وما بعد المؤسسين الثلاثة هم بداية النزعة الحداثية.. أى نزعة ما بعد الرومانسية التى تقوم على التشظى والمعادل الموضوعى والتشيؤ وتهميش المجاز فهؤلاء الحداثييين جاءوا بعد السبعينيات. ومن هنا كانت تسمية الكتاب بثورة الشعر الحديث وليس الحداثى .
الشاعرة فاطمة ناعوت: ماذا عن ترجمة الشعر شعرًا فالحديث فى المقدمة أنه قام بهذا من قبل وشكسبير ومحمد عنانى وصمويل بكت ولويس عوضوغيرهم، إذ قال الإيطاليون أيها المترجم أيها الخائن فما درجة الخيانة ومقياسها الإجرامى إذا ترجم الشعر شعرًا ؟، وهل الخيانة تنقل النص المُترجم من نص إلى نص آخر؟.
د. عبد الغفار مكاوي: سؤال مشروع جدًا فالإنسان عندما يتأثر بنص أجنبى ويقرر نقله إلى لغته فهذا يؤدى إلى مشكلة لأنه لا يمكن نقل النص إلى لغة أخرى بل الأفضل قراءته فى لغته لكن هناك ضرورة حضارية وتاريخية لذلك، فمثلاً ملحمة جلجامش التى ترجمتها للعربية عثر على ترجمة لها فى اللغة الحبشية كذلك وجد بعض ألواح هذه الملحمة فى تل العمارنة لأن أفلاطون دولته كانت مترامية الأطراف. فالترجمة ضرورة وقد قلت فى المقدمة هل يمكن أن نعصب أعيننا على تجارب كبرى فى الشعر العالمي، لكن ليس كل من يتقن اللغة حتى لو كان استاذًا جامعيًا يصلح لترجمة الشعر، فلابد أن يقوم بها أديب قوى فى لغته وحبذا لو كان شاعرًا. ودافعى إلى الترجمة هو الحب لأن حبى للنص يكون دافعًى الأول لترجمته.ومع هذه فيجب النظر إلى الترجمة كعلم بل هى الآن علوم ونظريات كثيرة , وهناك معاهد متخصصة فى الترجمة، وأتمنى وجود هذه المعاهد فى مصر متخصصة فى الترجمة للذى تخرّج من الجامعة وليس للذى حصل على الثانوية العامة ليترجم فى مجال تخصصة.
وفى سؤال لمحمد آدم: لماذا تفشل الفلسفة والفكر الفلسفى فى عالمنا العربي؟.
د.مكاوى: مشكلة فشل الفكر الفلسفى عندنا معقدة، فلابد من الحرية والإيمان بحرية التعبير وأن تكون الحرية حقًا دستوريًا رغم أن التاريخ أظهر أن هناك حالات فردية خالفت هذه القاعدة، ففى أزمنة محنة ظهر شعراء وفلاسفة كبار مثل ابن خلدون، كذلك علم الكلام ظهر فى عصر إرهاب المأمون للمفكرين من خلال ما سمى بمحنة خلق القرآن ورغم هذا ازدهرت الفلسفة، لكن هذه حالات فردية لكن الفلسفة لا تزدهر إلاّ فى وجود حرية حقيقية فى التعبير، لكن التاريخ يقول إنه فى أسوأ الظروف تظهر الموهبة والإبداع أحيانًا.
رؤى الشعراء محورا أساسيا فى استقراء واقع الشعر المصرى الراهن، تختلف وتتباين لكنها تلقى الضوء على الحراك الثرى للقصيدة وتجلياتها من جيل إلى جيل، الأمر الذى احتفى به مؤتمر أدباء مصر، الذى أكد على أن الثراء فى المشهد الشعرى يمتد إلى العمق الجغرافى لمصر المحروسة، فمن الإسكندرية ومطروح ودمياط والبحر الأحمر إلى سواهاج والأقصر وأسوان.

رؤاهم فى راهن الشعر

محمد آدم :
الشعر هذه المساحة الكونية من الكلمات والمعارف واللغة، والإشارات، والإداركات التى يقوم الشاعر بامتصاصها بفم فراشة وأصابع ربيع لكى يقوم برحلته الجوية الشعرية على أكمل درجة!!.
الشعر هو هذه المدن المجهولة، الغريبة، التى تصيبك بالدهشة والدوران وأنت تدخل أزقتها وحواريها وشوارعها، وتحدق إلى أنهارها، وطيورها، وأشجارها، لياليها البيضاء، والسوداء دون أن تبالى بأى شئ سوى هذا الغرور الممزق الهائل الذى يعتورك وأنت مأخوذ بكل ما تري، وتسمع، وتحس، وتشم، فلا توجد مدينة مثل مدينة، ولا قارة مثل قارة، حتى عناصر الطبيعة الأزلية من شمس وقمر ونجوم وسحب، هذه كلها تختلف باختلاف كافة المدن التى تدخلها للمرة الأولى، ورغم أننا نكون قد رأينا القمر آلاف المرات، وتطلعنا إلى تلك الشمس ملايين المرات، وأمطرتنا سحب هذه البلاد، أو تلك بقطراتها التى تبلل كل شئ بدءاً من الفراشات وحتى الأحذية، أقول إن كل هذه الطبيعية، تختلف باختلاف المدن كذلك، كما تختلف كذلك باختلاف الأرض والزمن، فالمطر فى الصيف غير المطر فى الشتاء وكذلك الشمس والقمر، فالقمر فى الصحراء غير القمر فى المدينة، والقمر على المحيطات غير القمر عبر مستنقع!!.
صحيح أن الضوء واحد ولكن رؤيتنا واستقبالنا لهذا الضوء تختلف بالقطع باختلاف زاوية الرؤية والرائى معاً.
فتحى عبد السميع:
من يتابع الحركة الشعرية فى مصر يجد حمى التهميش تهيمن على المشهد من خلال التصريحات ، والحوارات المنشورة أو الجانبية، فثمة من يتحدث عن تهميش قصيدة النثر ويقول انظروا «المجلس الأعلى لا يمنح جائزة لشاعر يكتب قصيدة النثر» وثمة من يتحدث عن تهميش شعر العامية ويقول انظروا «المهرجان الفلانى يتجاهل شعر العامية، والمجلة الفلانية لا تنشر لمن يكتب بالعامية»، ومن هنا كان حرصنا على تمثيل تلك الاتجاهات الفنية المختلفة.
ولا تتوقف دعاوى التهميش عند هذا الحد، فهناك ثنائية الكبار والشباب، وثنائية المغمور والمشهور، والمنطوى على إبداعه والمنفتح عبر علاقاته المختلفة أو منصبه الثقافى أو الإعلامي، وغيرها.
ورغم الضربة العنيفة التى وجهتها وسائل الاتصال الحديثة للجغرافيا، فالشكوى ما زالت قائمة وحادة من مركزية العاصمة، وتهميش الشعراء الذين يقيمون خارجها، وكثيرا ما نسمع صارخا يقول «لقد سقطت من خريطة الشعر المصرى لأننى فقط أقيم بعيدا عن العاصمة ومركزيتها».
ورغم قناعتنا بالمبالغات التى تحيط بدعاوى التهميش، ولأننا نسعى بالأساس لتوفير مناخ صحى بقدر ما نستطيع، فقد كان من واجبنا الاهتمام بهؤلاء الشعراء خاصة فى ظل مؤتمر يكتسب خصوصيته من الشمولية الجغرافية، ويعبر عن جميع الأدباء فى كافة الأقاليم.
محمود قرنى
ويطرح النص النثرى الجديد نفسه كبديل لإشكاليات عديدة تجلت مع نص التفعيلة ففى اللحظة التى يتراجع فيها الشعر إلى منطقة اليومى والبسيط، يتراجع النص الريادى بتهمة انسحاق الذات أمام القضايا الكونية والإنسانية الكبيرة مثل أسئلة القيم الكبرى فى الموت والحياة والخلق وما إلى ذلك، وفى الوقت الذى يؤكد فيه النص النثرى على تهميش البلاغة وزخارفها، فإن النص الريادى يتراجع بتهمة الشفاهية الناتجة عن الخطاب اللغوى الأيديولوجى المؤسس على بلاغة يلعب فيها الموروث الدور الأساسي، وفى الوقت الذى تطرح فيه قصيدة النثر تدمير المكان وعلاماته بضرورة إنشاء النص الإنسانى المتجاوز، يتراجع أيضا النص الريادى بتهمة «أفدح» وهى الشوفينية والالتزام وتبادل الأنخاب مع الأوطان.
ولا شك فى أن قصيدة النثر جاءت فى لحظة مفصلية تتغير فيها ثوابت كثيرة على المستوى المحلى والعالمى فى ثورة ما بعد الحداثة والمعلوماتية الهادرة من كل مكان وأيضا فى لحظة يتم فيها التشكيك فى دور النص الريادى، ولكن السؤال: هل هذه المراجعات مع النص الريادى على مستوى المفهوم تعنى أنه يفقد فاعليته؟ وأتصور أن الإجابة بالنفى أو بالإيجاب لن تكون ذات معنى، لكن المؤكد أن ثورات التحرر فى العالم الثالث هى التى (دشنت استرجاع الفرد صوته فى الشئون العامة والخاصة ومهدت لتوسيع حدود طبقات اجتماعية مسحوقة وهو الأمر الذى أعطى قيمة رفيعة لمعنى الالتزام فى الفن والأدب..)، فهل يمكننا بطريق آخر الجزم بأن الواقع فى العالم الثالث تجاوز مأزقه تجاوزا سليما يرتبط بحركات تحديث حقيقية، تمنح هذه الانقلابات الأخلاقية مبررات الإزاحة؟‍‍‍! قد يكون ذلك صحيحا فى جانب منه وهو الأمر المتمثل فى حالة السأم العمومية التى أصابت المتلقى بفعل الشعر الفاسد الذى طرح مجموعة من الهلوسات والأمراض باعتبارها تجليات لتقدم النص، وهو تصور يدخل ضمن هذا التاريخ من الهلوسات المشار إليها، وقد حدثت فى بداية القرن ردود أفعال عنيفة ضد الرمزية وضد كل ما هو ذهنى، ودعا النقد الغربى إلى الاقتراب من الحياة أكثر، أو نحو «الحقيقة الملموسة» وقد شهدت فرنسا بالفعل تيارا يتبنى هذا الشعر الملموس منذ العام 1910م، إلا أن واقع الشعر الأوروبى تغير تماما بعد الحرب العالمية الأولى، فقد ظهرت الدادائية والسوريالية لتحطما (قوى النظام والتنظيم الفنى تماما)، ولكن يبدو أن الكائن فى العالم الثالث وصل إلى نقطة اللاعودة... لا إلى القيمة، ولا إلى المعنى... وقد يتراجع هذا الشعور إذا ما ارتبط بمشاريع ثقافية وطنية واضحة المعالم حتى لو علمت فى إطار من التدويل.
أود أن أتساءل قبل الخوض فى تفاصيل أكثر حول راهن الشعر المصرى فيما بعد السبعينيات، وعما آل إليه النص السابق على الشعرية الراهنة عبر مقولات بعض رموز الريادة المصرية والعربية وعبر الخطاب العام الذى يبدو أن مقولاته باتت تجرى مجرى الحكمة، وكأن ثمة مخلصا لا بد من خلقه كى يكون هو حامل النبوءة وحامل سراج المستقبل للإنسان فى هذا الكون.
لكن الإنسان الذى آزر حلم تحريره، يرفض أن يتحول شعراؤه إلى أنبياء ومخلصين وشهداء على مذبح الصوامع الصغيرة التى تبتلوا فيها. أليس من حق هذا الإنسان أن يختار؟! أظن أن المقدمات التى أشاعتها الريادة تتناقض تمام التناقض مع الحق الذى شرعته لإنسانها، وها هى تتحول إلى سوار ذهبى فى رقبة المستقبل. وعندما يظل الخطاب على هذا النحو خارج الشعر دائماً، فقد وقع لا محالة، فى الأيديولوجيا. لقد تخطى الوظيفة الجمالية إلى وظيفة أخرى، هى أليق ما تكون بالساسة وصناع الأفكار وصناع القنابل الفتاكة. ولا أظن أن إضافة هذا الزخم الشعرى كله إلى خطاب الأيديولوجيا سيكون عملاً موضوعياً، لكن المؤكد أنها لم تكن الغاية التى ينشدها شعر «التحرير والنبوة». وإن كانت مقولات متناثرة هنا وهناك تؤكد الأفول الذى اعترى خطاب التحرير هذا، قبل أن يسلك طريقه إلى الشعر الخالص.
مصطفى الجارحي
من المهم هنا التأكيد على أن ما سُمح بنشره بعد ذلك بسنوات، لا يعبر عن التجربة الحقيقية لهذا الجيل، وفيما يبدو أن ثمة صفقة بين المؤسسة وبعض الشعراء، سيما أولئك الذين تولوا مناصب فى هذه المؤسسة، أدت إلى نشر هذه الأعمال التى وُصفت بأنها ليست عملية نشر بقدر ما هى عملية أقرب إلى التواطؤ.. فى حين أن التجارب الحقيقية لم تُنشر بعد، أو نُشرت بمنأى عن المؤسسة.
ثمة ملمح آخر، بالأدق مأزق أحاط بتجربة هؤلاء الشعراء، فعلى الرغم من أنهم حاولوا عدم تقليد السابقين عليهم، إلا أنهم ظلوا لفترة يقلدون بعضهم بعضاً، ويمكن الرجوع فى ذلك لما تمت طباعته من دواوين فى هذه الفترة، ليس فقط فيما يتعلق بالقاموس اللغوي، ومن ثم المفردات المتشابهة، وإنما على مستوى المجاز وتركيب ونحت الصورة الشعرية، وربما يذهب الأمر إلى الخروج بالرؤية نفسها، وإن كان البعض يحيل ذلك إلى المنابع والمصادر الواحدة لقراءاتهم، أو يعزوه البعض الآخر إلى حضورهم معاً فى المكان الواحد واللحظة الواحدة، ما أدى إلى هذا التشابه، لا التلاقح.
أمر آخر من المهم الإشارة إليه، هو ادعاء البعض من هؤلاء مسألة الريادة، أولاً فى قصيدة التفعيلة، وثانياً وهو الأغرب، فى قصيدة النثر، ومحاولاتهم المستميتة فى التأكيد على ريادتهم فى منطقتين هم ليسوا فيهما من الأصل، حتى أصبح المدَّعون بذلك أكثر شهرة ربما من كتاباتهم، على الرغم من أن الندوات والمؤتمرات تشهد بما كانوا يكتبونه وقتها، وما زال بحوزة الكثيرين منا شرائط مسجل عليها هذه الندوات، فضلاً عن أشرطة الفيديو فى المؤسسة الثقافية نفسها.. على أنه من المفيد فى هذا الشأن الإشارة إلى «الردة» التى جعلت هؤلاء، الذين قالوا بريادتهم، يتخلون عن النثر ويعودون ليس فقط للتفعيلة والمجاز، وإنما لكتابة هى أقرب إلى الزجل، تلبية لمنصب زائف، عطَّل تجربتهم الإبداعية، إن كان ثمة تجربة إبداعية لديهم من الأساس.
والخلاصة، بعد ما يزيد عن ربع القرن، هى أن الذاكرة لا تموت، وأن رهان الشعراء الحقيقيين على الزمن جاء فى صالحهم، فأينما ذُكر الشعر كان حضورهم فذاً، وعلى الرغم من عدم وجود نقاد لهذه التجربة المهمة فى تاريخ شعر العامية المصرية، إلا أن الحقيقيين من هؤلاء قد لعبوا دورهم، وأضافوا إلى شعر العامية الكثير من إبداعات هى أشبه بالعلامة التجارية، التى لا يمكن تقليدها، وكذا لا ينكرها إلا حاقد.
أشرف عتريس:
(ليها طعم جديد خالص 1998م)، و (أنت متورط معايا 2005م)، لن أكون مزايداً حينما أستقوى وأستشهد ببعض الأسماء فى المشهد الإبداعى شاركتنى التجربة منذ البداية – بعد الشهيد الحقيقى مجدى الجابرى – حيث كانت دواوينهم سنداً لي: (مسعود شومان – صادق شرشر – طارق هاشم – يسرى حسان – سيدة فاروق – شحاتة العريان – سعدنى السلاموني) ثم توالت أسماء أخرى لها من المشهد حضورها القوي، فحاولت أنا قدر الإمكان رصد حركة الشارع، والناس، وأجساد البنات فى كل مكان، واكتشاف بعض الأماكن التى نرتادها جميعاً فى غفلة دون الانتباه إليها وممارسة (لعبة الاستغراق) والبحث عن صور غريبة ونماذج بشرية هامشية تصنع بطولاتها بنفسها من قيمة الحدث نفسه وصيغة التعبير عنه بأبسط المفردات دون تقعير إلا القليل النادر حيث استحضار ثقافات من الذاكرة لها نفس قوة التأثير– على الأقل– فى أدمغة المخلصين لقصيدة النثر.
هكذا كانت التجربة الأولى، وبعد سبع سنوات جاءت تجربة ( أنت متورط معايا 2005م ) فكان الطرح الأكثر جرأة، حيث الخلط بين لغة الشعر ولغة الشارع فى تركيبة خاصة لا يشوبها غير الألفاظ الأجنبية التى أصبحت مفردات حياتية وجزءاً من الواقع، فتأتى المفارقة تيمة أساسية فى دواويني.
ما صنعه زملائى كان بمثابة جرأة طليعية تنحاز إلى العادى والمهمش فى معركة الحياة، فانضممت إليهم طواعية طامحاً فى كتابة تجبرك على الاندهاش وقراءة مختلفة، وصنع حالة (خاصة) دون فهم أو تصنيف خاطئ حيث كتابات (المذكرات، وأدب الاعترافات).
فنحن لسنا من الساسة أو الزعماء أو مجرمى الحرب فى محاكم التأديب والتأنيب، بل من الشارع وإليه نعود بوجع الناس.
الخوف كل الخوف أن تتسرب إلينا جحافل المقلدين والمتشاعرين الذين يعانون من عقدة النسخ والتقليد والاستسهال هرباً من عناء القراءة فى استيعاب وهضم المنجز سواء شعراً أم نثراً.
لذا.. أرى لزاماً علينا إصدار (مانفستو) من مبدعى قصيدة النثر كى يتضامن فيه كل أفراد المشهد الإبداعى والحركات الأدبية المخلصة فى الأقاليم ضد محاولات توريث الأنموذج القديم واستمرار صلاحيته، إيماناً بحرية أشكال الكتابة عبر النوعية فى قصيدة النثر تحديداً.
هكذا تدين الحركة المزمع تفعيلها فى وجه من يختبئ فى ظلالنا دون فهم أو إدراك حقيقى لمغزى ما نعانيه وما نأمل فيه حقاً فى كتابة قصيدة جديدة.
سمير سعدى :
غنية بلادنا بالتجارب الإبداعية الشعرية، الفصيح منها والعامى، ويأتى غنى تلك البلاد ومبدعيها من غنى ذاكرتهم الإنسانية المحتفظة بكل التفاصيل والأحداث والموروثات. أغان/ أمثال/ حكم شعبية/ قصص وسيرة وغيرها من الحكاوى التى مرت على تاريخ هذا الوطن، الممتدة من آلاف السنين والأزمان البعيدة، فتشت فى معنى هذا النتاج المبدع من الشعر فى مصر فلم أجد سوى مفردة (الحنين) هذا البئر المملوء بالجواهر والكنوز المخفية للشخصية المصرية قديمها وحديثها، ولم أجد أيضا معنى سوى الشعر «هو حنين يسكن الذاكرة».
وطرحه هو محاولة للوجود الكونى، وإثبات الحضور فى لحظة تمر كوميض الشهاب فى السماء!! إنه السؤال الأصعب فى حياة أى مبدع حقيقي: لماذا نبدع؟.. وما أقسى الإجابة وأصعب الطرح لمحاولة الإجابة بأى شكل كان!!
أنا أكتب فأنا موجود، وكائن وأشغل فى الفراغ حيزاً، أنا أكتب فأنا أعبر عن وجودى بشغل مساحات من الورق الأبيض بحبر الكتابة، إنها نقطه من الحبر فى بحر واسع من الإبداع والتخيل وضع كل مبدع نقطته فيه.. وما يبقى إذن هو تجمع هذه النقط فى البحر الواسع لكى يمكث فى الناس للنفع والفائدة وسوى ذلك يذهب جفاء، يذهب كما يذهب ريم الموج.
عماد غزالي
أنا واحد من ذلك الجيل الذى يطلقون عليه «جيل الثمانينيات» ، وسواء أكانت تلك التسمية دقيقة أم لا، فإنه يمكننى القول إن هذا الجيل استطاع التواصل مع النماذج البارزة للشعرية العربية الجديدة منذ جيل الريادة مرورا بالأجيال التالية، وحاول تجاوز المأزق الذى وصلت إليه القصيدة فى مصر على أيدى شعراء السبعينيات، وحالة التوتر التى سببوها بطبيعتهم الهجومية الحادة، بالإضافة إلى النموذج الشعرى المغلق الذى قدموه، فتسبب مع عوامل اجتماعية وثقافية وسياسية أخرى فى عزلة تامة للشعر وانفصال حاد بينه وبين المتلقي.
جاء جيل الثمانينيات وطالع هذا المشهد فسعى إلى تجاوزه عبر منجز إبداعى بدأ بإحداث عملية التواصل التى أشرت إليها، إذ نجد القصيدة الثمانينية تطويرا حقيقيا للمنجز الشعرى فى الخمسينيات والستينيات وليست رفضا باترا له، كما أنها استفادت من الجوانب التى رأت أنها إيجابية فى التجربة السبعينية، فالشاعر الثمانينى – على الأغلب - متواصل مع آبائه والأجيال السابقة عليه.
ويعود لعدد من الأصوات المهمة فى هذا الجيل التطوير الجذرى الذى حدث بالاتجاه إلى قصيدة النثر التى تكاد تتسيد المشهد الآن. لم يكن ذلك التحول شكليا، بل كان مصحوبا بتغييرات شاملة فى بنية القصيدة وتشكيلها وجمالياتها، ابتعادا بها عن الإنشاد والبلاغة المألوفة والتحليق الصوفى والمجاز اللغوى الآلي، وصولا إلى بلاغة جديدة تقدم الشاعر الفرد والإنسان البسيط بتفاصيل عالمه وتجاربه الخاصة عبر لغة سردية وصور بصرية تتميز بدقة تكوين المشهد. أصبحت الصورة جزءا من عالم متكامل تقدمه القصيدة لتومئ إلى مرماها بما يقارب مفهوم الكنائية، لذا أسميها الصورة الكنائية. كما تقدّم على يد هؤلاء الشعراء لونٌ من السرد الشعرى الذى استفاد كثيرا من تقنيات السينما والرواية الحديثة والفن التشكيلى فى بعض النماذج ووصل إلى درجة كبيرة من النضج الآن.

مبدعون من مختلف الأجيال:
التنوع الشعرى ظاهرة صحية

تشهد الحركة الشعرية فى مصر الآن تنوعاً فنياً كبيراً على مستوى بنية النص الشعرى وشكله ورؤيته الفنية مما جعلنا أمام شعريات متنوعة وأصوات متباينة الاتجاهات تفرض نفسها بقوة على الساحة, هذا التنوع يراه البعض ظاهرة صحية, والبعض الآخر من المبدعين والنقاد يرفضه تماما ربما لتعصبه أو انحيازه لنسق كتابى معين أو الالتزام بمفهوم محدد لبنية القصيدة وجمالياتها الفنية, لهذا كانت أهمية تناول هذه القضية من وجهة نظر المبدعين والمتلقين معا.
بداية يقول الشاعر عبد المنعم عواد يوسف: ربما أختلف مع الذين يقولون بأن العصر عصر الرواية وليس عصر الشعر, وفى هذه الأيام يتصور البعض أن الحركة الشعرية تقهقرت وأن الشعر لم تعد له مكانته الأولى بين الأنواع الأدبية الأخرى كما كان دائماً وفى تصورى الخاص أن الحركة الشعرية الآن ما زالت مزدهرة وما من يوم يمر إلاّ ويطلع علينا شاعر جديد يستوى فى ذلك شعر الفصحى أو شعر العامية وإذا كان البعض يتصور أن قصيدة النثر هى السائدة الآن وأنها هى المسيطرة على الساحة الثقافية فأنا أرى أن الاتجاهات المختلفة فى كتابة القصيدة تعمل متساندة من أجل ازدهار الحركة الشعرية . فالقصيدة الحقة وأقول القصيدة الحقة موجودة فى كل الاتجاهات سواء العمودية البعيدة عن النظم والموائمة لروح العصر لها شعراؤها المتميزون الآن وكذلك قصيدة التفعيلة الجيدة وحتى قصيدة النثر التى كتبها الشعراء انطلاقاً من التطور والتجديد لا من مجرد ركوب موجات الحداثة, هذه القصيدة موجودة وفيها كل مقومات الشعر وإن تخلـّت عن الإيقاع الخليلي, ومن يشهد المؤتمرات الأدبية واللقاءات الثقافية المختلفة والتى تزدان بالأمسيات الشعرية التى يقبل عليها الجمهور بحفاوة شديدة يعرف أن الحركة الشعرية الآن بخير.
ويرى الشاعر محمد فريد أبو سعدة أن الحركة الشعرية فى مصر الآن بالغة الاحتدام وهى لا تجد من النقد ما تستحقه من متابعة وفرز. ويقول: أصبح التعدد سمة رئيسة فى هذه الحركة, فنحن أمام شعريات وليس شعرية واحدة, وأمام مناخات جمالية مختلفة وتستحق الدراسة, كل ما آخذه على الفاعلين فى هذه الحركة الشعرية هو أنهم يبدون وكأنهم أصيبوا بأمراض سبعينية من إزاحة ومما يمكن أن نسميه بالانتصار للفرقة الناجية , هذا التناحر ليس فى صالح الحركة الشعرية وليس فى صالح تأسيس ذائقة جمالية لدى القراء لتقبل الجماليات الشعرية الجديدة. رفقاً بأنفسكم أيها الشعراء, فلا يمكن الحرب على جبهات متعددة ولا يمكن الاستمرار فى حرب أهلية شعرية دون أن نفقد من نتوجه إليه بهذا الشعر.
أما الشاعر فارس خضر فيرى أن الشعر الآن فى أفضل حالاته حيث تصدر عشرات الدواوين يومياً, وهناك عشرات الندوات التى تهتم بالشعر وعشرات المجلات الأدبية التى تفرد ملفات وصفحات كثيرة عن الشعراء الجدد وأشكال شعرية جديدة تبدأ فى التبلور والتشكل بأشكال أكثر تواؤماً والتصاقاً بالواقع الذى أفرزها.
تقول الشاعرة هبة عصام: ربما توجد أزمة على مستوى القراءة والتلقى فى ظل الفضائيات واستبدال الكلمة بالصورة، بل وعلى مستوى النقد أيضاً لعدة أسباب كالشللية والمزاجية، لكن على مستوى النتاج الإبداعى فمصر فى حالة توهج دائم ليس فى الشعر فقط وإنما فى كل الألوان الأدبية، والمشهد الشعرى الآن يمر بحالة حراك فوق العادة، هى فى النهاية فى مصلحة الشعر لولا التركيز على الصراعات الوهمية وإقصاء الآخر وتحيز كل طرف لاتجاه معين بدلا من التحيز للشعر الحقيقى فى كل منهما، عامة أنصاف المواهب من الطرفين هم وقود المعركة، فالمبدع الحقيقى ينأى بنفسه عن ذلك الجدل المفتعل ويعلم أن الفنون تتجاور ولا تتصارع، وللشاعر الحرية الكاملة فى اختيار الشكل الذى يعبر من خلاله، لكن فكرة إلغاء الآخر أصبحت عادة محببة عند الكثيرين رغم أنها أثبتت فشلها فالنظريات العلمية فقط هى من يلغى أحدها الآخر، أما الشعر فشأن متفرد يتعلق بتركيبة الروح للكاتب والمتلقى على حد سواء، الشعر هو الجنون ذاته، والمجنون لا يُسأل عما يفعل، الفيصل فقط هو شعرية النص، فالشعر هو الشعر موزونا كان أو منثورا، ومن يستطيع أن يجد تعريفا جامعا مانعاً له فإنما يحاول الإمساك بالهواء، إنها روح الشعر التى نستشعر وجودها من عدمه إن تحلينا ببعض الحيادية وتقبل الآخر، بل والوقوع فى حب الشعر بكل أشكاله.
وحول موقف المتلقى من هذا التنوع يقول الإعلامى عمرو الشامى أنه أولاً لابد أن نشير إلى أن هوية الشعر فى حد ذاتها أمراً غامضاً لدرجة كبيرة مما يصعب الإجابة بل قد يجعلها مستحيلة, فالشعر تحديداً أصبح كالمعرفة بالنسبة لي, ولهذا ستكون الإجابة بالنسبة لى مرجأة لحين قراءة القصيدة التى أصبحت كل واحدة منها شعراً فى حد ذاتها أو شعرية على الأصوب, وعن نفسى أستطيع القول بأن ثمة شعراء من مدارس مختلفة يلبون عندى بعض التشوق لجوهر الشعر كما استمتع كثيراً بأعمال عدد من كتاب قصيدة النثر ولا سيما تلك التى لا تعطى نفسها سريعاً, ومع هذا يظل الإبداع المصرى فى أزمة عميقة أزمة المعرفة فحتى من يدعى أنه يرجئ الإجابة أو يطرح الأسئلة تكتشف أنه ليس كذلك وأن ادعاءه شعار مرفوع, ولكنه كسابقيه مدجج مكبل بمعرفة ما لقـّن فى سنواته الأولى . إضافة إلى التباين الشديد فى مفهوم الجمال حالياً.

إجلال هاشم:
الإسكندرية بدأت عهدا ثقافيا جديدا بهذا المؤتمر

إجلال هاشم رئيس إقليم الدلتا الثقافى أعربت عن رضاها التام وسعادتها الغامرة بهذه التظاهرة الثقافية لمؤتمر أدباء مصر فى الأقاليم فى دورته الرابعة والعشرين وأنها رأت ذلك فى عيون كل الحاضرين من الأدباء والإعلاميين, وقالت إن الإسكندرية بهذا المؤتمر تبدأ مرحلة مهمة من نشاطها الفنى والثقافى والسياحي، فنحن على مشارف 2010، حيث يتم الاحتفال بدءًا من العام الجديد باختيار الإسكندرية عاصمة للسياحة العربية، وكانت من قبل عاصمة للثقافة العربية.
وأضافت قائلة: إن النجاح الحالى للمؤتمر يحّملنا مسئولية كبيرة تجاه الحركة الأدبية بالإقليم، وبعد هذا الانطباع الجميل الذى لمحته فى عيون الجميع فقد تضاعفت المسئولية خلال الفترة القادمة، فلا تكاسل ولا تجاهل ولا إرجاء ولا تقصير، وشعار المرحلة القادمة.. العمل الدؤوب من أجل المحافظة على هذا النجاح.

قالوا عن المؤتمر

كان من المفروض أن يكون هناك محور عن شعر الشاعر اليونانى كفافيس، باعتباره شاعر شعريته من المدينة التى كانت مدينة عالمية (كوزموبوليتانية) كما كان من المفروض أن يكون هناك محور عن الكاتب البريطانى لورانس داريل صاحب رباعية الإسكندرية.
حمدى البطران
شكرا لسيادة الوزير، وشكرًا للرجل الصلب د. أحمد مجاهد، وشكرًا للأستاذ محمد أبو المجد، فليست الأماكن التي أعددتموها هي التي تسعنا بل هي قلوبكم النقية وأفكاركم اليقظة.
محمد طاهر برعي
رغم أنها المرة الأولى التى أشارك فيها إلا أننى فى حالة فرحة كبيرة بموضوع المؤتمر «المشهد الراهن للشعر».. فهذا المحور يشير بالعمق لتمثيل الإبداع فى مختلف ربوع مصر، وجميل جدًا أن يرأس المؤتمر د. عبد المنعم تليمة ، كذلك مشاركة د. عبد الغفار مكاوي.. فما أجمل أن ترى فى مؤتمر أدبى مشاركة حقيقية لجيل من المبدعين الحقيقين فى الثقافة المصرية.
سمير سعدى
يظل المؤتمر نافذة حقيقية وهمزة للوصل بين المبدعين فى جميع ربوع مصر، فقد قدم المؤتمر فى جميع دوراته الكثير من الأسماء التى شاركت أيضًا بجهدها فى رفعة المؤتمر، خاصة فى دورتيه (23 و24) .
صلاح الدين خليفة
هناك نقلة نوعية على الأقل على مستوى الآليات التى أرى أنها تمكن إلى حد كبير- إن أردنا- من خلق حالة ثقافية فريدة فى الواقع المصري، لكن السؤال الذى أطرحه وأظننى سأظل أطرحه: هل هذه الحالة تتماس مع ما هو حقيقى وملموس فى اللحظة تمر بها الجماعة المصرية الآن أم لا؟
أشرف العناني
على مدار عدة دورات كاد المؤتمر أن يفقد ما له من رصيد بين أدباء ومبدعي مصر، إلا أنه بصدق بدأ يتعافي ليخرج قويًا بأمانة حرصت عليه ونتمنى أن تسلمه لأمانة تزيد من قوته وتؤكد على أهميته لكل مبدعي مصر.
سعيد عبد المقصود
لم أتوقع عند قدومى من أسوان أن نقابل بمثل هذه الحفاوة من سيادة الوزير الفنان فاروق حسنى الذى فتح قلبه لأدباء مصر وأعطاهم مساحة من الحرية فى عرض مقترحاتهم وأمنياتهم. ما لا يفوتنى وأنا فى أحضان عروس البحر المتوسط أن أشكر كل من ساهموا فى إنجاح هذا العمل الثقافى الذى هو بمثابة فرصة لالتقاء الأدباء فى كل مكان فى أرض مصر الغالية.
الشاذلى محمد عباس
يمثل المؤتمر اللقاء الأهم والأكبر للأدباء، وأرى من الضرورة إعادة النظر فى آليات المؤتمر خاصة فيما يتعلق بالمشاركين فيه، بحيث يتم الإهتمام أو دعوة المبدع الحقيقى بعيدًا عن سياسة الدور الذى تأخذ به كافة الأندية الأدبية فى كافة الفروع.
عبد الله السلايمة

الأخيرة
الأمانة القادمة ومسيرة المؤتمر

فى حضور رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الناقد د.أحمد مجاهد، والشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية ورئيس لجنة الانتخابات والشاعر محمد أبو المجد مدير عام إدارة الثقافة العامة وعزت إبراهيم أمين سر اللجنة، تجلت الديمقراطية فى انتخابات أمانة مؤتمر أدباء مصر لدورتيها القادمتين 2010 / 2011 ، والتى أكدت حيوية أدباء مصر وقدرتهم على التعبير عن أنفسهم بشفافية ونزاهة، وسط اختلاف واتفاق ينبئ عن وعى بدور وأهمية مؤتمر أدباء مصر وقيمته المؤثرة فى تفعيل الثقافة المصرية.
وإن أدباء مصر ليرجون للأمانة الجديدة استكمالا يضيف لمؤتمر أدباء مصر رصيدا جديدا فى أفكاره ورؤاه ولمسيرته المليئة بالعطاء للثقافة المصرية, وقد أسفرت الانتخابات عن أعضاء الأمانة الجدد: عبد القادرة طريف- مطروح، محمد طاهر برعي- أسوان، أحمد عبد الباقي- الفيوم، جمال عطا- أسيوط، حشمت يوسف- الأقصر، حازم المرسي- جنوب سيناء، سعيد عبد المقصود- البحيرة، سمير الفيل- دمياط، السعيد عبد السلام قنديل- كفر الشيخ، إبراهيم عطية- الشرقية، عبيد طربوش- البحر الأحمر، كمال كوكب- الوادي الجديد، يسري توفيق- 6 أكتوبر، محمود مغربي- قنا، علي عبد الحميد بدر- المنوفية، نور سليمان- بني سويف، محمد عبد الستار- الغربية، أيمن صادق- الإسكندرية، أشرف العناني- شمال سيناء، محمد التمساح- السويس، سمير معوض- بورسعيد، مدحت منير- الإسماعيلية، الشرقاوي حافظ- القاهرة، د. عبد الحكيم العلامي- حلوان، منى عوض خليفة- الجيزة، فؤاد مرسي- القليوبية، محمد عبد القوي- المنيا، بهاء الدين رمضان- سوهاج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق