الصفحات

2010/01/01

كن ليبراليا .. وحقوق المواطنة للأطفال

كن ليبراليا .. وحقوق المواطنة للأطفال

عبده الزرّاع
مدير تحرير مجلة قطر الندى للأطفال

تأخر دور مؤسسات المجتمع المدنى فى دعم الأدب والثقافة والفن كثيرا فى مصر ، وكان يجب أن تقوم – تلك المؤسسات - بهذا الدور منذ سنوات طويلة ، مساهمة منها فى النهوض والمساندة للعقول المتفتحة اليقظة للابداع فى شتى مناحى حياتنا الثقافية والفنية ، وقد ظهرت بوادر طيبة من مؤسسة ساويرس باطلاق جوائزها الأدبية الكبرى منذ بضعة أعوام ، وقتها قامت الدنيا ولم تقعد وهاجم الجائزة عدد غير قليل من كتاب ومثقفى مصر وشككوا فى نوايا مانح الجائزة ، ولكن القائمين عليها لم يلتفتوا لهذا الهجوم، بل مضت الجائزة فى طريقها تتطور عاما بعد عام ، وأصبح الجميع – للأسف الشديد- يلهث ورائها ويتمنى الفوز بأحد جوائزها ، وأرى أن هذا الدور واجب وطنى يقع على كاهل تلك المؤسسات يقدمونه لأبناء هذا الوطن ممن يمتلكون مواهب كبرى تحتاج لمن يقف بجوارها ويدعمها ، وياليت جميع مؤسسات المجتمع المدنى فى مصر تفعل مثلما فعل ساويرس.
ونحن لانغفل الدور الكبير الذى تقوم به وزارة الثقافة المصرية لدعم الثقافة والمثقفين والفنانين من خلال مؤسساتها وهيئاتها المختلفة ، واقامة المؤتمرات والمهرجانات والمسابقات ، ودعم الكتاب من خلال المنح الأدبية , وتوفير الكتاب من خلال مشروع القراءة للجميع واتاحته بأسعار زهيدة لكل فئات المجتمع ، ودعم النشر المركزى والاقليمى ، واقامة الأنشطة الثقافية والفنية من خلال بيوت وقصور الثقافة فى شتى ربوع مصر من أقصاها الى أقصاها ، وتشييد المكتبات فى القرى والنجوع المحرومة من الثقافة ، انه دور لاينكره الا جاحد ، ولكن يجب أن تعمل مؤسسات المجتمع المدنى جنبا الى جنب مع المؤسسات الحكومية مثلما يحدث فى جميع دول العالم .
فقد سبقتنا الى هذا الدور العديد من الدول العربية خاصة دول الخليج العربى ،وقامت مؤسساتها المدنية بدعم المثقفين والفنانين والباحثين ، واطلاق الجوائز الأدبية والبحثية الكبرى ، لتشجيع الأدباء والباحثين الجادين على مستوى الوطن العربى ايمانا منهم بقيمة الابداع والمبدعين والدفع بالأمة الى الأمام .
ومثلما يحدث فى جميع دول العالم المتقدم حتى لاتقع المسؤلية كلها على عاتق الدولة ، وهناك العديد من المؤسسات المدنية الألمانية التى تعمل فى حقل الثقافة والاعلام والبحث العلمى فى مصر والوطن العربى ، وتقدم المنح والمساعدات وتقيم الدورات التدريبية والورش الأدبية والفنية ، ايمانا منها بدعم الثقافة والاعلام والبحث العلمى ، وقد كنت من المحظوظين بحضور دورة تدريبية عام 1997 فى صحافة وثقافة الأطفال استمرت لأكثر من خمسة شهور متصلة ، بدعم من مؤسسة هانذزايدل الألمانية وبالاشتراك مع التليفزيون المصرى ومجلة سمير ، وبحضور عدد كبير من المهتمين والمتخصصين فى أدب وثقافة وصحافة الأطفال فى مصر ، وكانت دورة على قدر كبير من الجدية ، استمعنا خلالها الى محاضرات فى تقنيات الكتابة والرسم للأطفال ، وأهمية الموسيقى والرياضة والمسرح وأثره على نفسية الطفل ، ومحاضرات فى التربية وعلم النفس من أساتذة كبار متخصصين فى هذا الشأن ، وقد استفدت استفادة كبيرة ، وكانت هذه الدورة وماتركته فى نفسى من حب لهذه الثقافة النوعية أن أتجه كلية الى الاهتمام بكتابة وثقافة الأطفال .
وقضيت مؤخرا ثلاثة أيام بأحد الفنادق المطلة على شاطىء بحيرة قارون بالفيوم ، فى المدة من 26 الى 28ديسمبر الماضى ، فى ورشة كتاب الأطفال ( كن ليبراليا ) حول تنمية الليبرالية السياسية وحقوق المواطنة عند الأطفال ، والتى أقامها نادى أدب سنورس وبدعم من مؤسسة فريدريش نومان الألمانية التى تعمل فى مجال الثقافة والاعلام من منظور ليبرالى ، بدأت فعاليات الورشة بالجلسة الافتتاحية بعنوان : ( لماذا الليبرالية السياسية وحقوق المواطنة للأطفال ) شارك فيها الأديب احمد طوسون ، المنسق العام للورشة ، وهانى عبد الملاك منسق المؤسسة ، وأدارها الأديب أحمد قرنى ، وبحضور الكتاب المشاركين ، وأطفال المدارس الابتدائية والاعدادية ، وبعدها عقدت أربع موائد مستديرة , جاءت المائدة الأولى تحت عنوان : ( القيم الأساسية وأدب الطفل – الطفولة وتشكيل الشخصية – ترسيخ القيم عند الطفل ) والثانية : ( تعويد الناشئة على وضع نهايات مناسبة للنصوص – الحرية – التلقائية – التجربة – تقنيات نقد واعادة كتابة النصوص ) ، والثالثة : ( ضد التمييز) والرابعة : ( حقوق المواطنة للأطفال وفق الميثاق العلمى لحقوق الطفل ) أما الجلسة الختامية ، خصصت لفتح حوار حر حول الأفكار والرؤى التى تولدت عند الكتاب نتيجة أعمال الورشة ، أدار الموائد المستديرة كلا من : الأديب أحمد الأبلج ، وكاتب هذه السطور ، وبحضور أكثر من ثلاثة عشر كاتبا من المهتمين بأدب وثقافة الأطفال من شتى ربوع مصر ، وهم : د محمد سيد عبد التواب ، انتصار عبد المنعم ، ناصر المحلاوى ، سمر ابراهيم ، عماد عبد الحكيم ، هدى توفيق ، محمد عاشور هاشم ، خالد سعيد ، والفنان عهدى شاكر ، وأعتذر عن الحضور الأديب أحمد فضل شبلول لسفره خارج البلاد ، شهدت قاعة المؤتمرات التى خصصت للورشة مناقشات ساخنة وجادة ، وجدل بناء ، خاصة مائدتى ضد التمييز ، وحقوق المواطنة للأطفال وفق الميثاق العالمى لحقوق الطفل ، وطرحت وجهات نظر ورؤى جديدة مفادها ضرورة خوض كتاب الأطفال المناطق الشائكة ، وتقديمها للطفل العربى بفنية وبما يتفق مع قيمنا وعاداتنا ، وأيضا ضرورة تناول كتاب الأطفال عالم الكمبيوتر والانترنت والمديا الحديثة فى أعمالهم الأدبية ، وعدم التمييز الدينى والعرقى بين الأطفال بعضهم وبعض بما أنهم متساون فى الحقوق والواجبات ويعيشون فى وطن واحد .
أثبتت هذه الورشة أن الجيل الجديد من كتاب الطفل قادر على حمل المسؤلية لو أتيحت له الفرص الحقيقية ، وتقديم ابداع مختلف متجاوز لما هو حالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق