الصفحات

2011/09/25

"حُبيبات الرمل" قصة قصيرة لمحمد نجار الفارسي

حُبيبات الرمل
محمد نجار الفارسى*

يمتد أمامك فضاء موحش لا يحتويه بصرك ..
تشك فى أن ثمة حياة وراءه .. قبل الغروب – ديدنك – تتشبث بالحائط القصير فيما أصابع قدمك تتحسس التجاويف التى نحتتها من قبل  .. تعتليه .. ترتقى القبو المواجه للصحراء .. يكون القرص الذهبى فى حالة تأهب لاحتضان التلال برمالها المناورة .. تسكن مشدوهاً كأنك راهب بوذى يمارس اليوجا .. روعة المرأى يسلب إرادتك .. يدبرك القرية الصاخبة بأهلها ونخيلها وقبابها الجيرية .
كثيراً ما نعتوك بالبلاهة .
                             - 2 -
تتأمل بانبهار حبيبات الرمل وهى تصرع غرور الرجال .. كم هى مثابرة فى زحفها إلى دوركم .. يعترضوها بالحواجز ، حجارة ، جريد ، صاج .. تطمرها .. تواصل سيرها .. يعجبك إصرارها .. لكم تمنيت أن تغدو ذرة فى حبيباتها .
لدى كل عائق تجتازه تتواثب وتصفق طويلاً بانتشاء .. يعنفوك
       - تفرح وبسببها تفقد الضرع والمأوى !
                           - 3 -
تكتشف أن الهلع الكاسى والهم الجاثى سببه الخوف من فقدان الضرع والمأوى ، فتعاودك أمنيات التذرى بشدة ، إذ تطوحك الرياح حيثما شاءت ، لا يعنيك قر ولا حر ، لا ضرع ولا مأوى ، سائح فى  الرحاب ، فى الملكوت اللانهائى .
                             - 4 -
رغم انزعاج والدك ، الظاهر فى كثرة حركته ، وصمته المريب تتمنى فى ساعة الزوال الهائجة هذه إعتلاء القبو .. هم يقرأون فى وجهك ما يعتمل بداخلك .. فراح أبوك يحذرك بعينيه الحازمتين .. بين الحين والاخر يخرج متلفعاً بشاله يستطلع خبرها .
       - شديدة هذه المرة .
ينظر إليك ثم يكمل
      - لم أر مثيلاً لها .
عندئذ يزداد إلحاح الهاتف بسريرتك .. تغمض عينيك لتوهمهم بنومك .. تتحين الفرصة .. هو يعلم سترك لذا افترش لنومته بجانبك .
                                - 5 -
ساعات طويلة ويستيقظك والدك .. الدار مسربل بالظلام .. يشعر بالاختناق .. يلملم فراشه وهو يغمغم
        - ليلة ثقيلة .
يصغى  هنيهة للسكون المباغت .. يتسحب ناحية الباب .. تغوص  قدمه فى كومة رمل .. بالكاد يلمحه ينسل من فلج وفتحات بأعلى الباب .. يدنو من الباب ويدق عليه دقات متتالية .. يصيح فزعاً
       - قوموا .. قوموا
تنتحون جانباً .. بحرص يفتح الباب .. تدفعه الرمال  الجامحة .. تتدفق فتحتل كل خواء .
                               - 6 -
بشق الأنفس تزحفون للحياة من خلال كوة بسقف القبو .. فوق الأرض تنتصب ذاهلاً  .. جسدك يذرى رملاً  .. تفجعك حبيبات الرمل .


* أسوان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق