الصفحات

2011/09/30

"أبن عمي المقيم في الخليج" قصة قصيرة لخالد خماش


أبن عمي المقيم في الخليج
خالد خماش*
ها هي المرة العشرين التي أمسك فيها الفأس وأهوي به على هذه الأرض العصية , هذه الأرض التي كانت السبب في زرع أشجار البؤس في قلبي , لتكبر وتكبر حتى أصبحت غابة من الشقاء المستمر .
تبدأ الحكاية حينما خرجت من بطن أمي , التي كادت أن تحمل لقب مطلقة , لولا إن جاء أخي حسين قبل أن أكمل أنا العام , سُر والدي كثيراً بأخي , وراح يؤهله منذ الصغر أن يكون هو الأمر الناهي وسيد البيت في غيابه , ولكن أخي حسين كان ألين في المعاملة من والدي , فكان قلبه يفيض بالمشاعر والأحاسيس , فهو الذي يتوالى تلبية طلبي من والدي بعد أن تعجز أمي في ذلك , حينما كبرت وتخطيت السابعة عشر من عمري بقليل , جاء من يطلب يدي من والدي الذي أبلغهم إني مخطوبة لأبن عمي المقيم في الخليج , كانت أمي تُدهش من هذا الكلام , فمن أين جاء والدك بعم إليكِ في الخليج ..؟ وفي العشرين من العمر , جاء لي شاب في السنوات الأخيرة في كلية الطب , ولكن والدي ضحك من كل قلبه وقال , أن أبنتي مخطوبة لأبن عمها المقيم في الخليج , وأصبحت هذه الجملة ملازمة لوالدي , يخرج عمي وأبنه من مكمنه حين وجود من يريد خطبتي , وبعد انصرافهم , يعد والدي عمي وأبنه إلى مكانهم السابق ويغلق عليهم , لحين الطلب من جديد.
ها هي الأيام تمر وتأخذ من أعمارنا, وليستعد بريق الشباب في الرحيل بلا رجعة , ووالدي سامحه الله لا يشعر بما أنا فيه , لا يعرف متطلبات جسد أنثى في مثل سني , توقفت عن حلمي بفستان العرس , وعن فارس الأحلام الذي يخطفني على ظهر حصان أبيض , هذه الأحلام أصبحت من المحظورات بالنسبة لي .
كل زميلاتي تزوجوا وعاشوا ليلة العمر ,إلا أنا ..فالكثير من النساء كانت تسألني ..لماذا لم تتزوجي ؟ هل عُميت عيون الشباب ؟ من هن أقل منك جمالاً وقواماً تزوجوا , وعندهم الآن العديد من الأطفال , كانت إجابتي هي الصمت , فماذا أقول لهم , هل أقول كما يقول والدي , إني مخطوبة لأبن عمي الوهمي المقيم في الخليج ,الذي أخترعه والدي من خياله الواسع , ولكن الكثير من الناس تعرف إن والدي يكذب , فهو وحيد والديه ,عاد الطبيب مرة أخرى , واحضر معه العديد من الشخصيات المهمة في حينا , وكان على رأسهم شيخ الجامع الذي أستهل الجلسة بخطبة تبين, كيف كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , يتعامل مع بناته , وكان والدي يهز رأسه كتعبير منه على صدق ما يقول , وبعد انتهاء الخطبة قال الشيخ لوالدي , نحن جئنا اليوم لطلب يد أبنتك الماصون لأبننا الطبيب , ولكن والدي لم يتردد أو يفكر في جملته المحفوظة عن ظهر قلب , والله يا شيخنا أبنتي مخطوبة لأبن عمها المقيم في الخليج , رد الشيخ عليه , منذ سنوات ونحن نسمع هذه المقولة , وإلى الآن لم يظهر أبن أخيك , ولا نعرف إن إليك أخاً من الأساس , ولكن والدي كان يؤكد لهم على صدق ما يقول , خرجت الناس وعندها يقين أن والدي يكذب .. أخي حسين نظر لوالدي وعلى وجهه الكثير من علامات الإستفهام والدهشة , ثم قال بصوت يحمل بحة من الغضب , إن أختي من حقها أن تتزوج وتصبح أماً , إن هذا الطبيب شخص مناسب جداً ليكون صهرك , لماذا اخترعت كذبه وتطلب منا تصديقها..؟ رد عليه والدي وقال .. أنا كذبت من أجلك ,أرفض تزويج أختك أيضاً من أجلك ..من أجلي أنا ..؟! وهل أنا عقبة في طريق زواج أختي ..؟ أنا فعلت ما فعلت من أجل الأرض .. الأرض ..؟ حتى لا يقاسمك فيها أحد , فأختك إذا تزوجت ستنجب من يأتي ويطالبك بحصة أمه في الأرض ,أنا فعلت ذلك لأستخلصها إليك وحدك ..
هذا ما سمعته من خلف باب الغرفة , قبل أن أشعر بدوران أسفل مني , وأن الأرض ليست في ثبات بل تتأرجح مثل موج البحر , حينما يضرب في الصخور التي على الشاطئ .. في إحدى الأيام استيقظت من النوم على صراخ أمي ,أسرعت نحو غرفتها لأجد والدي على فراشه ثابت لا يتحرك .. توقف قلبه عن النبض , هذا ما قاله الطبيب الذي أحضره أخي حسين , ولأول مرة أشعر إن دموعي القريبة جداً أصبحت بعيدة بمسافات شاسعة , كنت أرسم على وجهي تعبير الحزن ولكن بداخل صدري كان قلبي يرقص فرحاً , فالصخرة الصماء التي كانت تقف في طريق أمومتي تحطمت وذهبت بغير رجعة .. وبعد عدة شهور قليلة جاء الطبيب مرة أخرى ومعه العديد من رجال الحي ,أستهل شيخ الجامع الحديث بخطبة عن بر الوالدين بعد موتهم , ثم تطرق الشيخ عن سنة الرسول عليه الصلاة السلام في تزويج بناته , ثم قال لقد جئنا جميعاً اليوم لنطلب منك يد أختك المصون لأبننا الطبيب ..ولكن أخي لم يتردد في جملته التي خرجت كالسيف في وجه الجميع , والله يا شيخنا أختي مخطوبة لأبن عمها المقيم في الخليج .

- تمت-

* غزة، فلسطين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق