الصفحات

2011/11/30

الثورة الشعبية فى مصر: فى انتظار الحسم. بقلم / أيمن مصطفى الأسمر

الثورة الشعبية فى مصر: فى انتظار الحسم
بقلم / أيمن مصطفى الأسمر
أثبتت الأحداث المتشابكة على أرض الواقع فى الأيام والشهور التالية لتنحى الرئيس السابق وحتى هذه اللحظة أن مصر قد خرجت – من وجهة نظرى – عن المسار السليم الذى كان يجب أن تسير فيه الثورة الشعبية المصرية.

القراءة الواقعية لما حدث تفرض علينا أن نعترف أن الثورة فى مصر قد توقفت ربما قبل أن تبدأ ، وأن ما جرى خلال الأيام الثمانية عشر المضيئة كان - من وجهة نظرى – مرحلة تحضيرية يمكن تسميتها مرحلة ما قبل الثورة ، أما الثورة الحقيقية فكان يجب أن تبدأ فعلا فى اللحظة التى أعُلن فيها عن تنحى الرئيس السابق وتسليم الحكم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والمشهور باسم المجلس العسكرى.

فى هذه اللحظة كان يجب على جماهير الشعب المصرى أن تعى حقيقة المأزق الذى انزلقنا إليه جميعا ، فتغيير رأس النظام لا يمكن أن يشكل وحده هدفا لثورة حقيقية ، بل كان من المفترض مواصلة الكفاح لإسقاط النظام بكافة عناصره ، وتأسيس نظام جديد يرتكز على منهج تفكير جديد ، ولغة خطاب جديدة ، وآليات عمل جديدة ، ووجوه جديدة.

لكننا تركنا الأمر للمجلس العسكرى الذى أعتمد على أركان النظام القديم بتراخيها وتآمرها ، فأثبت فشله تماما فى إدارة المرحلة الانتقالية ، تركناه أيضا لما يسمى النخبة التى أثبتت قبل وأثناء وبعد الثمانية عشر يوما المضيئة عجزها وقلة حيلتها ، تشرذمها وتناحرها ، ضيق أفقها ومحدودية رؤيتها ، تغليبها للمصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، وبدلا من أن تكون تلك النخبة القاطرة التى تقود المجتمع وتدفع به إلى الأمام ، إذا بها تساهم بشكل كبير فى الدفع به إلى الخلف ، أما عن الشباب الذى كان ولازال رأس الحربة فى قيادة الأحداث فإنه وقع ضحية قلة خبرته ربما ، ومثاليته ربما ، وبراءته ربما ، فتفرق بعضهم مع الذين تفرقوا ، وتشتت بعضهم مع الذين تشتتوا ، وتلوث بعضهم مع الذين تلوثوا ، أستثنى بالطبع قطاعا مهما وكبيرا من هؤلاء الشباب لا يزال يحلم بتحقيق الأهداف الحقيقية والمشروعة للثورة ومازال يدفع ضريبة الدم ، إلا أنه للأسف غير قادر بمفرده على تغيير مسار الأحداث فى ظل الفوضى والاضطراب اللذان يعصفان بمصر وأهلها ، أما عن عامة الشعب فإن عقودا طويلة من الاستبداد والفساد وسوء الإدارة وصلت به إلى مرحلة من الانحدار وقلة الوعى وغياب الرؤية السليمة ، وهم لا يلامون على ذلك فهم ضحية كما أنهم لن يكونوا بالتأكيد أحسن حالا من نخبتهم ، هكذا وقعت مصر بين مطرقة المجلس العسكرى وسندان النخبة وقلة وعى غالبية الشعب.

قد تبدو الصورة التى عرضتها قاتمة ، إلا أننى رغم ذلك أشعر بالتفاؤل الشديد والثقة فى هذا الشعب القادر على صنع المعجزات والإتيان بما لا يتوقعه أحد ، وأثق أن هذا الشعب سيصل بعد مخاض عسير – لابد منه - إلى حتمية نبذ الوجوه القديمة ، ومناهج التفكير القديمة ، ولغة الخطاب القديمة ، وآليات العمل المائعة والمشوشة والتى لا نزال نسمع عنها حتى الآن ، وأنه سينتبه لضرورة الحسم من خلال ثورة حقيقية كاملة ، تؤدى بنا إلى بناء دولة حديثة ، فاعلة ، واثقة ، قادرة على تصحيح مسارها بصورة ديمقراطية وقادرة على تلبية متطلبات غالبية أفراد الشعب بعدالة ودون تمييز ، وسيحل الشعب مشاكله بنفسه ، وسيتخطى العقبات والفخاخ التى توضع فى طريقه كمثال طبيعة الدولة وهل هى مدنية أو دينية أو عسكرية ، وغيرها من العقبات والفخاخ المشابهة التى يشغلنا بها الكثيرون عن قصد أو عن غير قصد ولنتأمل خيرا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* قاص وروائي مصري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق