الميزان
محمد نجيب توفيق حسن مطر
هذه
المرة نجحت التجربة، ولكن إلى أين تؤول النهايات، ذلك ما كان يتمنى أن يعرفه، لقد
بدأ مشواراً جديداً، على البشرية أن تستكمله ولكن إلى أين؟ الله وحده يعلم، هو لم
يفعل شيئاً سوى أنه استخدم خاصية الحياة في الخلايا الجذعية وقدرتها على التحول من
نمط إلى آخر بفعل بعض الانزيمات لتصنيع عنصر الكتروني يشبه إلى حد كبير
الترانسستور، واستخدم الجهد المتولد على الخلية الحية وهو جزء صغير من الفولت لكي
يصنع لذلك العنصر مصدر قدرة، واستخدم قدرة الخلايا الجزعية على تغيير استجاباتها
فصمم تلك الاستجابة لكي تضاهي استجابة المكبرات التشغيلية، والآن أتى إلى الخطوة
العملاقة التي لم يسبقه أحد إليها، وهي تصنيع حاسب آلي من الوحدات الحية التي تشابه
المكونات الالكترونية وجعله يعتمد ذاتياً على الغذاء العضوي في أبسط صورة
الكربونية والهيدروجينية، بل والأهم من ذلك هو دفعه إلى التناسل عن طريق انقسام
الخلايا وليس عن طريق الأعضاء التناسلية المتخصصة،.
إنه
لم يخلق، حاشا لله ان يقول ذلك، ولكن ذلك ما يدعيه أعداؤه أعداء النجاح، لقد رموه
بمصيبة كبيرة وقالوا أنه يعبث بمقدرات الحياة والطبيعة، ولكنه لم يفعل بالتأكيد،
كل ما فعله أنه استغل خصائص الحياة التي وهبها الخالق في إثراء الحياة نفسها
بموارد جديدة وإمكانيات مذهلة، إن الإنتاج هنا ذاتي ولا يعتريه العطب، دورة
الانقسام في موسم التوالد لا تتجاوز الساعة لقد جعل للجهاز كاميرتين للتصوير تشبه
وظيفة العينين، وجعل ميكروفونين لالتقاط الأصوات مكان الأذنين وجعل سماعة واحدة للحديث
وكأنه الفم، وجعل لوحة المفاتيح وكانها أصابع ممدودة لاستقبال البينات، وجعل جسم
الحاسب يرتكز على قاعدة عريضة كالأشجار، وجعل الشاشة على صدر الهيكل بحيث يمكن للمستخدم
أن يستقبل النتيجة بالصوت أو بالقراءة على الشاشة المفتوحة على الصدر.
وشكل
الإشارات الكهربية من تقطيع الجهد المتجمع من الخلايا، فلقد أوصل ألف خلية على
التوالي كونت له بطارية جهدها 90 فولتأ، وأخذ جزء من هذ الجهد ثم قطَعه إلى نبضات
مربعة ثم جمعها في مجموعات محددة، كل مجموعة تعني أمراً معيناً كما هو الحال في
اللغة الثنائية في الحاسب الآلي.
لقد
وقف الجميع في وجهه حتى ابنه المتخصص في الهندسة الطبية اتهمه صراحة بالجنون وأخبره
بأنه مجرد مهندس لا يصلح إلا لصيانة جهاز أو تشغيل ماكينة، وكان يرد عليه : إنه
فعلاً مجرد مهندس كما يقول، لكنه مهندس يحتوي العالم كله في داخله، يحتويه بذراته
وجزيئاته، بخلاياه وأجرامه، فرد عليه بجفاء : يبدو أن الشيخوخة قد أصابت عقلك وأنك
تعيش في حالة من التخيلات الخرافية ستؤدي بك حتماً إلى السجن أو الجنون، وأغلق باب
المعمل خلفة في شدة تدل على وقاحة لم يعهدها فيه من قبل،
كما
أصبحت ابنته الطالبة بكلية العلوم تخاف منه بعد أن رأته يقوم بتخدير فئران التجارب
الحوامل وتشريحها للحصول على بعض الخلايا الجزعية.
دخل
المعمل فوجد الحاسبات الحية التي خصصها للتناسل تنتج أجيالاً عجيبة، فلقد تطورت
الأصابع إلى أياد في بعضها، وتحورت القاعدة التي تشبه الشجرة إلى أرجل في بعضها
الآخر، بل وظهرت بعض الطفرات الغريبة في البعض الآخر فتكونت له مفاصل، وظهرت نواحي
اجتماعية عجيبة بين تلك المخلوقات، إنه كائن حي يتفاعل ويتأثر ويحب ويكره وله
إرادة، تلك المعضلة التي لن يجد لها حلاً، إنها لعنة داروين.
إن
معدل توالد تلك الكائنات فظيع ولو ترك على حالة فسيغطي الأرض كلها في عام، لأنهم أعدادهم
تتضاعف كل ساعة، ومميزات تلك المخلوق تفوق بمراحل إمكانيات الإنسان، وتلك الحاسبات
الحية يمكنها أن تنجز في ساعات ما يعجز الإنسان أن ينجزه في سنوات، وهي تبني
خبرتها الذاتية التي ستمكنها من تحقيق مصيرها بيدها، كما أن الطفرات وقانون
الانتخاب الطبيعي سينتج منها أنواعاً أفضل في المستقبل القريب.
إن
الخطر القادم سيهدد البشرية والحضارة الإنسانية وسيصبح الإنسان مخلوقاً متخلفاً
بالنسبة لها وربما تستعبده وتسخره لخدمتها، وربما تترك بعضاً منه خوفاً عليه من
الانقراض، وربما ستهدهده كما يفعل البشر الآن مع القطط أو الكلاب أو القرود، وربما
......
قام
المهندس من فوره قام بإشعال شمعة وقام بغلق المعمل ثم فتح كل صنابير الغاز
الموجودة خارجه وسحب زوجته سريعاً إلى الحديقة وقبل أن يصلا إلى الباب الخارجي
سمعوا صوت انفجار هز أركان المنطقة سقطا على إثره فارتطما بقوة على الأرض وأصابت
المهندس إغماءة قصيره سمع فيها صوت القارئ ( الرحمن .. علم القرآن .. خلق الإنسان
علمه البيان ... الشمس والقمر بحسبان ... والسماء رفعها ووضع الميزان .... ألا
تطغوا في الميزان )، وحين أفاق المهندس وهو يردد (ألا تطغوا في الميزان) ...فهم
وابتسم وأحس بأن ما فعله كان الصواب برغم كل ما خسر.
Dank den Themen .... Ich hoffe, mehr von den Themen
ردحذف9
ردحذفأشكرك على حسن مرورك .. thank you
ردحذف