الصفحات

2012/08/06

" الحياة أثمن" قصة بقلم: محمد نجيب مطر


الحياة أثمن
محمد نجيب توفيق حسن مطر
عند خروجه من الماء منتفخ البطن، متسارعة دقات قلبه، لاهثة أنفاسه، وبدون أن تسأله شيئاً، مد يديه وأخرج كل ما جيب سرواله من المال وأعطاه لها، نظرت إليه وعيناها تتسعان من الدهشة غير مصدقة، إذن لماذا كان هذا الجدل الحاد بينهما قبل النزول إلى البحر عن المصاريف، إنه إنسان غريب وتصرفاته أغرب، إنه يناقض نفسه، أحياناً يكون كريماً إلى درجة السفه وتضطر إلى محاولة فرملته، وأحيانا يكون حريصاً وبخيلاً إلى درجة لا تصدق، يقيم الدنيا و لا يقعدها على مصاريف يرى أنها غير ضرورية ولو كانت قليلة، ويصرف الأموال الكثير في أمور أخرى و لا يعبأ بها وكأنه يتخلص من شر مستطير، لا يمشي إلا وراء عقله، كان النقاش قبل نزوله إلى البحر حول النفقات المطلوبة لشراء وجبات جاهزة فهي ترى أنها جاءت إلى البحر للاستجمام والاستمتاع وليس من أجل أن تقف في المطبخ صبحاً لكي تحضر لهم طعام الفطور، وأن تقف في المطبخ ظهراً لكي تعد طعام الغذاء، وتقف في المطبخ ليلاً لتحضر طعام العشاء له ولأولاده، إنها إنسانة ولها حق التمتع بالراحة في المصيف، إنها ليست مجرد خادمة بلا أجر تتعب وهم يستمتعون، تطبخ وهم يأكلون تغسل وهم يلبسون، وإذا كان ذلك واجباً طول السنة فمن حقها أن ترتاح منه في المصيف، كانت تطلب منه إحضار الفطور في الصباح متخيلة أنه سيأتي لها بأقراص الطعمية الساخنة والفول والطماطم ليأكلوا في سهولة قبل الذهاب إلى الشاطئ ، لكنها تفاجأ بأنه يحضر عجينة الطعمية ويحضر لها البيض والباذنجان والبطاطس ويطلب منها قلي الطعمية وتحمير البطاطس وتحضير البيض المقلي بالسمن البلدي ، وتحمير الباذنجان وحشوه، وكانت تلك العملية تأخذ منها أكثر من ساعة رغم مساعدته ، ثم بعد العصر تذهب إلى الشقة لكي تحضر طعام الغذاء من لحم وخضار مطبوخ وأرز لتستهلك أكثر من الساعة ، وبعد صلاة العشاء تبدأ في تحضير طعام العشاء ، إن ذلك يستهلك وقتها فضلاً عن طاقتها، إنه لم يشتري طعاماً جاهزاً إلا مرة واحدة من الكابوريا والجمبري والسمك المشوي، وبدأت مناقشتها بعصبية طالبة شراء طعام جاهز لتوفير الوقت للمتعة والراحة، وتطورت المناقشة واحتد كل منهما على الآخر، أنهاها بقوله أنه يمكن أن يفعلها مرة على سبيل التغيير لكنه لا يحب الأكل من يد أحد غيرها، غضبت من كلماته وضاقت بكل شئ حتى أنها فكرت بالعودة من المصيف فالبيت أفضل ، على الأقل يوجد به كل لوازمها، لقد كرهت تصرفاته حتى أنها تمنت أن ينزل إلى البحر و لا يعود، وحينئذٍ أفاقت ولامت نفسها ودعت الله أن يعيده بالسلامة فهو كل شئ لها في الحياة.
نزل زوجها إلى الماء فوجد طفلاً يندفع في المياه وحول خصره عوامة، و أباه العجوز واقف مرتبك يناديه والطفل لا يستجيب ويمعن في الاندفاع إلى داخل البحر وكأن هناك جنياً يدفعه دفعاً إلى المياه.
طلب منه الرجل أن يأتيه بابنه لخوفه عليه من البحر، وعدم قدرته على متابعته، فدخل الزوج وراء الطفل يحاول إيقافه والطفل يندفع إلى الداخل حتى تجاوز كل الصفوف ، ورآه منقذ المصطافين فأخذ يصفر ليثوب الطفل إلى رشده وهو سادر في غيه لا يلوي على شئ، دخل الزوج وراءه لكي يلحقه حتى لا يأخذه التيار فناداه الطفل أنقذني يا عماه، لقد بدأ الطفل في الغرق، اندفع الزوج حتى وصل إليه ودفعه دفعة قوية ألقت به إلى المنطقة الآمنة فاندفع إلى الشاطئ يجري بينما دخل الزوج منطقة الخطر، ووجد نفسه بين الرمال وبين الماء، لقد فقدت قدميه الرمال ، حاول أن يصرخ لكي يقوم أحد بإنقاذه فهو لا يعرف السباحة، فاندفع الماء إلى جوفه، حتى امتلأت بطنه بالمياه المالحة، كان يطفوا فيحاول الصراخ فيهبط وقد دخلت كمية جديدة من المياه إلى جوفه، أيقن بالهلاك فحاول النطق بالشهادة فلم يستطع ، أحس بالخدر يسري في جسده، وبدأت الدنيا تغيب عن وعيه، وشاهد وكأنه نائم والد الطفل يشكره ، ووجد زوجته تبكي فندم على إغضابها وطلب منها السماح ، ها هم أولاده ينظرون إليه في خوف ينادون عليه وهو لا يستطيع أن يجيبهم، هذه أمه التي حاولت إثنائه عن المصيف تبكي عليه بحرقة شديدة وتنظر إليه في لوعة، وفجأة أحس بيد تدفعه في اتجاه الشاطئ ولكن تلك الدفعة لم تكن كافية للوصول إلى مكان يمكنه الوقوف عليه فجاءت موجة قوية دفعته إلى الأمام لنصف متر فقط، لمست قدماه رمال فتماسك وأكمل خطوة واحدة ثبتته على الأرض، جر قدماه رافعاً يده إلى الأعلى دون أن ينظر إلى الخلف شاكراً من دفعه، وانطلق إلى الشاطئ في مكان بعيد عن أسرته، وأفرغ ما في جوفه من ماء البحر، ثم ذهب إلى الشمسية التي تجلس تحتها أسرته فوجد زوجته تنتظر على نار وما أن رأته حتى ابتسمت وقالت الحمد لله، سمعت أن هناك أحد يغرق وخفت أن تكون أنت وطفرت من عينها دمعة، فنظر إليها وأفرغ كل ما كان في سرواله من مال، وطبع في جرأة غريبة على جبينها قبلة وانصرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق