الصفحات

2012/11/17

حكايتي مع رأس مقطوع بقلم: أسامة محمد صادق



حكايتي مع رأس مقطوع

أسامة محمد صادق

رواية ( حكايتي مع رأس مقطوع ) للروائي العراقي تحسن كرمياني من القطع المتوسط صادرة من المؤسسة العربية للدراسات ، والنشر حملت عتبة العنوان اول مثير ومنبه يتلقاه القارئ  ، وقد جاءت ضمن التحديدات الاربعة الذي وضعها (جيرار جينيت ) (الاغراء –الايحاء- الوصف – التعين) وهي عنونه لجملة اسمية ضاعفت من قيمته بسب الحركة المقصودة داخل العنوان مستجيبة في الوقت نفسه لطبقات التشكيل في متن النص.
اما عتبة الاستهلال  ، والتي جاء فيها (بعد حصولنا على مركبة خصوصة ، وضعنا انا وزوجتي برنامجا ترفيهياً كي ندفن ضيم سنوات الجوع ، قررنا في نهاية كل الشهر بعدما تمتلىء جيوبنا بالمعاش ،ان نستمع بسفرة سياحية قصيرة كي نكنس أوضار الواقع فينا ، ومن جهة اخرى نواقص بيتنا من حاجيات رديئة تهبط الى أسواقنا معظمها كماليات ، وغالبا ما كانت زوجتي تملأ حوض المركبة الخلفية بالألعاب ودمى الأطفال والمنمنمات النازفة للنقود، فهي تمتلك ولعاً قديماً بتبديل أماكن الموجودات والديكورات كل أسبوع ، مما يسهل عملية تدميرها مبكراً وتوفير فرصة حاسمة لمزاجها المتذبذب لتبديل الأثاث ) هذا الاستهلال قد حسم توجيه الرواية، وشكلّ رؤيتها وبيان نموذجها ، وهو استهلال يعتبر أكثر أنواع الاستهلال وروداً في الروايات بحكم هيمنة باقي عناصر التشكيل القصصي وهو يعمل على إلاثارة ، والانتباه نحو جوهر الحكاية ....
ومحور الرواية يدور عن ولع زوجة في شراء الألعاب ودمى الأطفال ، ثم لا تلبثت أن ترمي الأشياء القديمة في القمامة ، ويحدث ذات مرة أنها اشترت دمية تشبه رجلا كبيرا بعينان محدقتان تصدر كلمات حب ومداعبة ، الأمر الذي أغاظ الزوج وامتعض من وجودها وكرهها , وتجنبا ً لأي خلاف ، قامت الزوجة بوضعها في صالة الضيوف بعيداً عن أنظار الزوج ، وذات يوم خرج سالم بطل الرواية لصلاة الفجر، وعند عودته سمع صوتا ً صادر من كيس للنفايات المرمية بالقرب من داره يناديه
 -  
سالم أنقذني
وبعد تردد وخوف يكتشف سالم أن رأسا آدمياً مقطوعاً ومرمياً داخل هذه الأكياس ، فيدور حوار مرتبك طويل معه ، يضطر سالم في النهاية لأخذ الرأس إلى البيت ، لتدور حكاية غرائبية عجيبة يبدأها الرأس المقطوع بفلسفة واضحة .
-
ان الرأس حين يغادر الجسد يتحرر من الآثام ، وان الجسد مستودع الخطيئة ، والرأس قبطان ممتلئ بالصفات الملائكية ، وحين يحدث التلاحم مابين الجسد  ، والرأس تكون التفاعلات الحيوانية ، وغالبا ما يكون الجسد هو المهيمن.

ثم ما يلبث الحوار أن يتحول إلى أعمال واقعية ، قام بها الجسد الملتصق صاحب الشهوات ، ومستودع الشرور من أعمال منافية للأخلاق وشاذة تعبر بلا لبس عن دونية الجسد وطريقة تعامله مع الغريزة ، الأمر الذي يجعل القارئ يدور في دوامة التوقعات وتقترب من السبب الذي فصل الرأس عن بقية الجسد ثم ما يلبث الروائي في متن الرواية من عرض بضاعته الجديدة عبر سلسلة حكايات متناثرة هنا ، وهناك تؤكد بأن للمؤلف أربع روايات وقصص أخرى قصيرة  ، وقد أجاد الروائي هذا التوظيف الإعلاني الجديد الذي لم يعهد عليه سابقا تنتهي الرواية في معرفة السبب الذي أدى إلى فصل الرأس عن الجسد وقد كان مخالفاً للتوقعات ....

ثم ما لبث أن قام البطل في دفن الرأس في حفرة قديمة ، أعدت لوالد ولم تستخدم ...،, وما أن تنتهي مراسيم دفن الرأس حتى ينتهي سالم من كتابة روايته( حكايتي مع الرأس المقطوع) داخل الرواية نفسها .. فتطبع وتوزع ، ثم يتعرض لمساءلة قانونية عن الرأس المقطوع بعد اكتشاف الجسد في مكان ما ومساومته من قبل أشخاص آخرين ، ادعوا أن والد المقتول قد خصص مبلغاً لمن يأتي به ...
ويتبين بعد كل ما ذكر أن الرأس المقطوع الذي أدار به الروائي رحى الأحداث وعلى مدى (133) صفحة لم يكن حقيقيا وان الحوار ألغرائبي , والواقعي لم يكن سوى لرأس دمية اللعبة انتزعها سالم في غفلة عن ابنته وزوجته ....
لقد مثلت عتبة الخاتمة الروائية بلاغة في التشكيل النهائي والحاسم للنص ، إذ أثرى المشهد الحواري الأخير على نحو بشكل أعده مرحلة لعبور ناجح مابين الراوي والمتلقي ، وقد أسهم الحوار الأخير في تحقيق أعلى تماسك تشكيلي وترتيبي للرواية وان عتبة الخاتمة حددت مصير الرواية بكل أقفالها المتعددة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق