الصفحات

2012/11/17

ندوة أدبيّة حول ثلاثة إصدارات جديدة في السّاحة الثقافيّة البسكريّة



أمسيّة أدبيّة
كانت أمسيّة الثلاثاء الماضي الثالث عشر من شهر أكتوبر  2012 م المنعقدة بدار الثقافة أحمد رضا حوحو بسكرة أمسيّة مميّزة للغاية، فقد دُعيت فيها من طرف المكتبة الرئيسيّة للمطالعة العموميّة ببسكرة إلى ندوة أدبيّة، تدور حول ثلاثة إصدارات جديدة في السّاحة الثقافيّة البسكريّة، الإصدار الأوّل للأستاذ عبد الحليم صيد الباحث في التاريخ والتراث المحلّي وهو بعنوان ( شمس بسكرة تسطع على الثقافة الجزائريّة )، أمّا الإصدار الثاني فهو للأستاذ محمّد الكامل بن زيد القاص والروائي المتميّز وهو بعنوان ( قلنا اهبطوا منها جميعا )، والثالث هو مجموعتي القصصيّة الجديدة الموجّهة للأطفال، والتي عنونتها بـ ( أحلام العصافير )، والكتب الثلاثة كانت محور هذه الأمسيّة عرْضا ومناقشة..
ويَرجِع الفضل في إقامة هذه الأمسيّة الطيّبة لكلّ من الأستاذ عمر كبّور المدير الولائي للثقافة، والسيّدة المحترمة والنشيطة جدّا الأستاذة سودة دو، زوجة الصّديق الفاضل العربي شبري، ولقد كان اللقاء شيّقا للغاية ووددنا لو طال أكثر لولا أنّ الوقت لم يتسع لكلّ ما تجيش به صدورنا، ولكن كانت المناقشة مثيرة ومفيدة للغاية.
كان من نصيبي أن أبدأ الحديث أوّلا عن مجموعتي القصصيّة ( أحلام العصافير ) ، ربما لأنّني بَدَويّ من سكّان الضواحي فأرادوا تقديمي حتى يؤدّوا واجب الضيافة كاملة، إذ كان رفيقاي الآخران من سكان المدينة، ومن أهل البلد..وتحدّثت بشكل مختصر عن كتابي الجديد وما فيه من قصص موجهة للأطفال والأشبال، ثمّ تحدّث صديقاي كلّ عن كتابه بما يراه مناسبا، ثمّ فُتح المجال بعد ذلك للمناقشة والحوار:
وتدخّل بعض الفضلاء من المثقفين والمتابعين للأحداث، كان من بينهم الأستاذ عبد القادر بومعزة والأستاذ سليم خيضر، وقد طرح الأستاذ سليم خيضر ثلاث نقاط أثارت نوعا من الجدل بيني بينه، وهذه النّقاط هي:
-       قال أنّ كتّابنا الذين يكتبون التاريخ لا يكتبونه بمنهجيّة علميّة، وشدّد على ضرورة استعمال الوثائق والمستندات في كتابة التاريخ..( !! )
-       علّق على ما ذكرته من ضرورة توظيف التراث ومكوّنات الشخصيّة الوطنيّة في أدب الكتابة للطفل، فقال أنّ مكوّنات شخصيتنا الوطنيّة جزء منها الثقافة الفرنسيّة التي كان ينبغي أن توَظَّف في توجيه أطفالنا..
-       وطرح إشكالية الهويّة عند المجتمع الجزائري، وقال – وفقا لما فهمته – أنّ مجتمعنا لم يحسم بعد في قضيّة الهويّة..( ؟! )   
وكنت أتوقع أن يكون النقاش حول موضوع الكتب الثلاث، التي هي مدار الحوار في هذه الجلسة الأدبيّة، لكنّ النّقاش – وإن لم يدم طويلا – تشعّب إلى نقاط أخرى هي على أهميّة بمكان..
ورأيت من المناسب أن أعقّب على مداخلة الأستاذ سليم خيضر، فقلت له بدءا أنّ الذي أقصده من مكونيّ الشخصيّة الوطنيّة الذي رمزت له في إحدى قصص المجموعة ببطلين من أبطال هذه القصّة وهي ( كنز الكنوز )، لا أقصد بهما المكوّنات الثقافيّة وإنّما أقصد المكوّن الجنسي للتركيبة البشرية الجزائريّة ( العرب والأمازيع ) واللذَان رمزت لهما بـ ( يَعرب ومازيغ )، ثمّ عرّجت إلى الحديث عن المكوّنات الثقافية الجزائريّة وقلت أنّها تتمركز في ثلاث مكوّنات أساسيّة هي الإسلام والعربيّة والأمازيغيّة التي شكلت التاريخ المجيد للجزائر، أمّا مكوّن الثقافة الفرنسيّة فهو مكوّن طارئ ودخيل، ينبغي الاستفادة مما فيه من نفع، بعد أن يغربل ويمحّص ويُرمَى بسمومه بعيدا عنّا.
أمّا ما يتعلّق بالهويّة فقد دهشت كثيرا لهذا الطرح الغريب من الأستاذ سليم خيضر الذي أجلّه وأحترمه، ولكن لم أكن أتوقع منه أن يتبنىّ مثل هذا الفكر الذي يجنح بالأمّة بعيدا عن حقيقة هويّتها التي لا إشكال فيها، وقد قلت أنّ الشيخ عبد الحميد بن باديس الأمازيغي الصنهاجي  قال: أنا أمازيغي عرّبني الإسلام، فالمجتمع الجزائري منذ أربعة عشر قرنا مزيج متجانس من انصهار العرب والأمازيغ في بوتقة الإسلام..
وقد ذهب الدكتور عثمان سعدي في كتابه ( عروبة الجزائر عبر التاريخ ) إلى أبعد من ذلك، عندما أرجع أصل الأمازيغ إلى عرب اليمن..وساق على ذلك أدلّة وبراهين قويّة للغاية، وعثمان سعدي لمن لا يعرفه أمازيغي قحّ  مثله مثل الشيخ عبد الحميد بن باديس ومثل شيخ الرواية الجزائريّة الطاهر وطّار..ولعلّي لم أقل هذا الكلام بألفاظه هذه ولكنّني قلته بمعناه ..
والجميل للغاية والذي جعل صدري ينشرح هو تدخل الأستاذ عمر كبّور المدير الولائي للثقافة بولاية بسكرة، وتعليقه على النّقاش الدائر، ومما جاء في كلامه أنّ تاريخ الجزائر انفرد بكتابته المستشرقون، وأنّ المستشرقين كتبوا أشياء رائعة وموضوعيّة فيما يتعلّق بالتاريخ القديم، أمّا إذا وصلنا إلى التاريخ الحديث فقد سطّروا ( السّخافات ) ..فينبغي غربلة كلّ ما كتبوه وما قالوه، وأخذه بحذر شديد..
كانت ندوة أدبيّة وثقافيّة متميّزة بحق، أعادت مع مهرجان ( القراءة في احتفال ) للسّاحة الثقافيّة في بسكرة وهجَها وحيويتها، التي كادت تخبو بعد ركود الصّيف، وجعلت المثقفين يلتقون ويتبادلون الرؤى والتحيّات الحميميّة، والتي كثيرا ما تكون سببا في تلاقح الأفكار، وظهور نتاجات فكريّة وأدبيّة جديدة..                
     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق