الصفحات

2013/01/22

أحزان سائق سيارة إسعاف.. قصة قصيرة لياسر محمود محمد


أحزان سائق سيارة إسعاف
    ياسر محمود محمد
 اعتدت سماع صوت السرينة الهادر .. – تعرفونه بالتأكيد – طالما سمعته عندما أحمل هؤلاء الناس ، فأنا سائق سيارة إسعاف ، هذه مهنتي التي كثيراً ما أرقتني .. و أنا أحمل هؤلاء ، ربما ينتمون إلي الملائكة .. لا إلي البشر العاديين ، و كان البشر الآخرون فرحين بصوت سرينتي الذي يشق الشوارع سريعاً ، حالمين مثلي بيوم من تلك الأيام !
     ربما كانت الإصابة في جسدهم .. بطلق مطاطي أو ناري ، أو ربما الإصابة في أغلي ما يمتلكون .. عيونهم التي يرون من خلالها أجمل الأشياء .. جزر و شوارع الميدان و من كانوا في الميدان . ربما الإصابة في ضمير إحداهن من تعليق لرجل الأمن القابع هناك و دائماً يرزخ        فوق فتيات مدينتي كقزم ثقيل .
    تحولت الصرخات التي يطلقها هؤلاء إلي إصابة في قلبي أنا الذي ينز دماً و دموعاً علي حالهم و حالي . كان لهم غناء يصرخ في أنحاء الميادين برغم جراحهم الحمراء و الشاش الأبيض الذي يغطي عيونهم و السواد الذي تتشح به بناتهم .
     أنا مثلهم . . تقت لهذا اليوم .. و اشتقت لعبق الربيع الآتي مبدداً برد و ظلام الشتاء الطويل . أنا مثلهم أؤدي الآن واجبي ( أعني ما ينبغي علي فعله ) لكني حزين .. مر المساء و آتي الصباح و أنا حزين – كل ما يمكنني فعله هو حمل أجسادهم الطاهرة إلي المستشفي في القاهرة أو في السويس أو في الإسكندرية . و في كل ربوع الوطن و ميادينه .
     أحملهم إلي المستشفي الذي به رجل مثلي يحصي عددهم و يفتش في جيوبهم عن تحقيق الشخصية و يكتب في ورقته في كل الخانات ( مصري ) .. أحملهم للمستشفي و لا يعلم إلا الله أي حال سيصيرون عليه ؟ فربما تحملهم سيارة نقل الموتى بعلم من ثلاثة ألوان لتطوف بهم عرس الميادين ثم تصل إلي المثوى الأخير .. جنة في تراب الوطن .
    سائق سيارة إسعاف ، و حزني أنني لست مثلهم ، أنا مجرد مواطن عادي .. مواطن ربما حلم أن يضحي بل ربما لا أتحدث كثيراً في السياسة .. و يشغلني نجم كرة القدم أو السينما .. أو وجبة الغذاء اليومية لكن لم يتحقق حلمه .
     و سأظل حزيناً . . إلي أن يأتي اليوم الذي أصبح فيه مثلهم . و تدوي السرينة في أنحاء الوطن لتعلن أن ضيفاً جديداً لحق بقافلة هؤلاء الناس الذين أناروا شمعة تحت سماء الميدان !
                                                                              
                                                                              الأربعين – السويس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق