الصفحات

2013/01/22

قراءة في رواية "سيرة الزوال" لهاني القط بقلم: أسامه ريان


قراءة في رواية "سيرة الزوال" لهاني القط
بقلم: أسامه ريان 
رائعة الأديب الشاب هاني القط والحاصلة (بحق) على جائزة الشارقة الأدبية للعام 2010 ..
وبما أنني انحاز دائما لمحاولات إحياء موروثنا ، في زمن تتوه فيه ملامحنا في مواجهة قوى غريبة .. فقد جاءت ملحمة "سيرة الزوال" في صورتها الأسطورية مناسبة لطرح هذا الموروث الرائع ، والذي قاد البشرية إلى النور عبر قرون طويلة . 
بدت محاولات الكاتب في إنطاق أبو الهول ، وزحف بنا داخل الصرح (الهرم المتخفي في البناء الروائي) عبر دهاليز وشخوص لنبحث معه عن مجهول (هو مجهول بالنسبة لنا .. لكن يبدو واضحا بالنسبة له) .. أسماه "الزوال" .. وربما جاءت التسمية هكذاهرباً من تكرار "المجهول" في أدبنا ، وأيضا هربا من التلاشي ، فلغويا الزوال هو "وهن" يصيب قوة ما تدريجيا ، وهي السمة التي تتضح في الرواية . وما يدلل على وضوح هذه الرؤية له أنه اعتمد السياق الملحمي (ملامح الأسطورية تبدو في تجاهله المتعمد لزمن حدوث الرواية) ، مع اعتماد أحداث بارزة تسهل حساب الزمن أثناء الحكي ، مثل زمن الفيضان أو مولد طفل ثم أوان بلوغه أو بلوغها . واللغة عنده مليئة بالمفردات الموحية التي توصل إلى مقصده بدقة ..
هي رواية أصوات بامتياز ، واللغة النمطية الواحدة في الحوار تؤكد أسطورية الحكي (كما في روايات الأساطير اليونانية) .
يستهل الفصول المعنونة بأسماء الشخصيات بعبارات هي أحيانا حكمة أو نبوءة تغلب عليها نزعة صوفية ، أو أنها تلخص ملامح الشخصية .. 
اعتمد الكاتب على حكايات وردت في ألف ليلة وليلة لتعزيز التصور لدى القارئ (مثل حكاية العراف أو الحكيم للملك الغاشم لبناء صرح للخلود وبجواره تمثل لهذا الملك .. وتحايل الحكيم لإظهار وجهه هو في التمثال مما أدي لفتك الملك به .. ثم حيلة إعطاء ابنائه حجر أو تميمة تساعدهم على التعارف واللقاء بعد أن يقتله الملك ويشتت الأبناء).
تيمة "الخروج" التوراتية واضحة في العمل بقوة (مع تعدد المعاني : فالخروج هربا من خطر أو نجاة بمبدأ أو حتى للعمل في مكان آخر .. حسب تأويلات وتفسيرات كثيرة) وإلى صحراء دائما .. ويمكن تقسيم هذا لخروج الدائم إلى خطين متوازيين .. لكن سيولد بينهما الكاتب لقاء !!
الخط الأول     : يبدأ ب"صالح" يفقد أباه وأمه في طوفان (نوح !!) وبطوطمية واضحة يحمل بقاياه من المنزل القديم الذي تهدم في جلباب أمه المخضب بدمائها (بعد دفنها ووضع علامات على قبرها) .. ثم يتفرغ للبحث عن جثة أبيه المرتحلة مع النهر (إشارة إلى أوزوريس) ..
ينتشله الريس "إبراهيم" في قاربه (نوح !!) وهذا الرجل المتناقض ، كثير الترحال ، عاشق للنساء لكنه قاتل إبنته باسم الشرف !!  سخر من العرافة التي زلزلت كيان صالح بنبؤاتها الكاذبة .. فقد تزوج صالح من زينب وأنجب منها سالم وحسن .. ولم يمت سالم حسب النبوءة .. وإن كانت زينب قد ارتحلت في رحلة خاطفة لإحضار كفن .. تستعد به للنبوءة ..
الجد سالم (الخضر الجديد !!) ينقل خبراته للفتى صالح عبر قصص من تاريخنا (وهو نفس لإسم الإبن البكري لصالح) .. ثم أعجوبة تعلق حسن (الإبن الأصغر لصالح) بفاطمة (الجديدة) إبنة إبراهيم .. وموتها بينما تلد .. 

الخط الثاني     : "السيد مصطفى" النبيل سليل الحسب والنسب ، ينصبه أبوه قاضيا برغم انف ابن عمه (بحيل تشبه حيل داوود لتنصيب ابنه سليمان ..) الإمعة .. وهذا الإمعة هو زوج فرح اللعوب .. المحبة للرجال (خاصة إبراهيم) .
فرح جميلة ، شرهة للجنس .. تعترف بينها وبين نفسها بأن لا حيلة لها في أحوالها ، تلتمس السبب في فساد امها !! تغوي القاضي "السيد مصطفى" فيهرب معها .. بينما في الأصل هي تبحث عن إبراهيم .. وهنا يصف الكاتب ولعها بالجنس في صورة شيقة تميل للرومانسية والتفسير النفسي من وحي البيئة .. وتوضح معاناة سليل الحسب والنسب بسبب جاذبيتها !!
وتفنن الكاتب في تلاقي هذان الخطان عندما عمل سليل الحسب والنسب (المتخفي باسم محمود العامل الفقير عند سالم ابن صالح) في العرس .. ووصف رقصة فرح .. 
وببراعة اعتمد الكاتب صيغة السارد العليم (مع كل صوت من الأصوات) .. لكنه كثيرا ما يجعله مخاطبا لصاحب الصوت ، قبل أن يتلبسه .. وهي صيغة تبدو واضحة في الكتب المقدسة (خاصة في ترجمات معانيها) .. 
القراءة ممتعة وثرية .. وتستحق دراسة أعمق .. وأشكر له هذا الجهد الوافر في إمتاع قارئه ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق