الصفحات

2013/01/22

عروسة ورق ... تـخزي العين قصة قصيرة / ياسر محمود محمد


عروسة ورق ... تـخزي العين
قصة قصيرة  /  ياسر محمود محمد
-         "   ولدتِ يا أمل .... ولدتِ يا عُليّا ....... ورحل أبوكِ يا أمل .... و رحل أبوكِ يا عُليّا .... فمن لكما ؟! "
كانت أسماء إسماعيل تحدثُ نفسها و هي تشق طريقها إلى منزل أمها " نجاة " في منزلها الكائن بأول شارع صدقي على مشارف ميدان الأربعين في إحدى بقاع الوطن المترامي في قلبها و قلب أبيها إسماعيل .
    تمتمتْ بينها و بين نفسها في حزنٍ:"سبقتِ يا عُليّا أملَ ، و شاءت إرادةُ اللهِ أن يرحل أبوكِ زوج خالتي محمد بوعزيزي...في أقل من شهر و نصف رحل أيضا أبوكِ زوج خالتي خالد سعيد، لكنَّ الله سيرعاكما لأجل طيبةِ و سمتِ أبويكما .
    توقف خطواتها فجأة عند دوحٍ كبيرة .. شجرة أغصانها و فروعها ممتدة حتى تكاد تصل إلى منبتها .. و وقفت في الظل تطيل الحديث إلى نفسها .
قالت لنفسها في شك : " لكن ماذا يخبئ القدر لكما يا صغيراتي ؟ ... إن عمركما لا يتجاوز الشهور َ ... و العيون كثيرة حولكما .. جلٌّ من الحسّاد ينظرون إليكما .. فكيف سيصير بكما الحال ؟!! "
واصلت المشي و قد تعثرت خطواتها و هي لا تدري أيطول أم يقصر الطريق إلا أنها توقفت فجأة و بدت عليها البشرى و قالت بصوت هامس غير مسموع و أشارت بسبابتها :
-" وجدتُ الحلَّ .. سأفعل كما كانت تفعل جدتي بخيتة " .
***
في منزل الأم نجاة كانت أسماء جالسة على كنبة بنقوش شعبية قالت أسماء :
-" أتدرين يا أمي ماذا كانت تفعل جدتي بخيتة يرحمها الله للوقاية من الحسد ؟ "
-" " قل أعوذ برب الفلق " نعم أعلم يا ابنتي .. لكن قولي لي أنتِ "
-" إنَ ابنتا خالتيّ أمل و عُليّا الآن يحيطـُ بهما الحسّاد من كل جانب ، و لذا سأفعل مثلما كانت تفعل " .
- " من شر حاسد إذا حسد " هتفت الأم باسمة ثم واصلت بحب .
-" و ماذا ستفعلين يا ابنتي ؟ "
قامت أسماء من مكانها و أسرعت إلى طاقة صغيرة في الحائط و قالت :
-" عروسة ورق ... تخزي العين "
***
بحثت أسماء طويلا عن رأس لجسد العروسة ... كانت لا تملك أدوات تمكنها من صنع دائرة الرأس ، إلا أن ضالتها كانت في كتاب الجغرافيا الذي أحضرتها معها .. فتحته على أول صفحة ... وجدت مكتوبا داخلها صورة خريطة لدول العالم و دوائر و خطوط العرض... صرخت أسماء :
-" وجدت الرأس يا أمي "
هتفت الخالة مسرورة :
-" حسنا فعلتِ يا ابنتي "
جلست الاثنتان على الأرض كوضع القائم من السجود .. أحضرت الأم إبرة الشيخ إسماعيل و التي قد وبرها الزمن إلا أنها رغم ذلك لم تصدأ كأنما صنعها من فولاذ.
بدا شكل العروسة الورق طفوليا و بدائيا بالرأس المرسوم عليه خريطة العالم و بالجسد المكون من صفحات الجرائد .. بقدر ما استطاعت يد أسماء أن تصنع .
وضعت أسماء الإبرة في جسد العروسة كما نصحتها الأم ، قالت الأم في كراهية :
-" إن الجسد للشيطان دائمًا ... فليكن أول ثقب في الجسد...حتى لا يسيطر الشيطان عليهما "
هتفت أسماء بمرح دون أن تلاحظ نبرة الكراهية في لهجة الأم :
-" و ثاني ثقب يا أمّاه "
اعتدلت الأم حتى أصبحت تقف راكعة بإحدى قدميها و الأخرى على الأرض و قالت و لا زالت نبرة الكراهية في صوتها :
-" في الجسد أيضا حتى يتطهر "
بدا الأمر و كأنه لعبة مسلية .
-" و الثالثة يا أمّاه ؟ "
-" في أقصى اليسار من الرأس ... حتى لا تتبعان أحدا ... و إنما تكون الخيرة في أمرهما لهما "
-" و الرابعة يا أمّاه ؟ "
اتسعت عينُ الأم و هي تحاول أن تمد يدها إلى ابنتها لتساعدها ...
-" في منتصف الرأس ... حتى لا يأخذهما يوما الغرور بما تمتلكان "
وقفت الابنة و قالت في مرح "
-" كدنا ننتهي ، و الأخيرة يا أمّاه ؟ "
-" في اليمين من الرأس يا ابنتي .. حتى لا تسيطر العفاريت و شياطين الإنس عليهما " و بدا صوتها دون الخفيض و دون المرتفع ...
-" فليتمسكا بدينهما دون غلوّ حتى لا يحدث لهما فتنة كبرى "
وقفت الأم مستندة على ابنتها و ربتت على كتفها و قالت الابنة :
-" و الآن لنحرق عروسة العفاريت و الشر و الحساد يا أمي لتكبر ابنتا خالتيّ في خير حالٍ "
أحضرت الأم شمعة صغيرة من " بيت الشيخ " الطينيّ الذي يمثل أولياء الله الصالحين و أعطتها لابنتها التي أشعلت النار بدورها في طرف العروس الأقرب للأرض ، و هي تردد مع الأم كما علمتهما الجدة بخيتة :
-" ومن شر النفاثات في العقد * و من شر حاسد إذا حسد "
ثم أردفت الابنة :
-" عروسة ورق ... تخزي العين
يا عُليّا محمد بوعزيزي
و يا أمل خالد سعيد "

الأربعين / السويس 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق