الصفحات

2013/07/28

البحتري الصغير، الشاعر الجزائري أحمد مكاوي يسكن بين الخيال والطيف، ويسبح بين الماهيات والموروث بقلم: هدلا القصار



البحتري الصغير، الشاعر الجزائري أحمد مكاوي

يسكن بين الخيال والطيف، ويسبح بين الماهيات والموروث

بقلم / هدلا القصار

لا شك أن لكل شاعر مقام، ولكل فرس فارس، نتتبع خطاه نبحث عن أصولة، عشيرته، انتمائه، ونهجه... كما لكل شاعر شيخ نفتش عن تواجد تعويذاته السحرية في نصوص شعراء ينتمون إليه ...  كما بحثنا في نصوص الشاعر الجزائري احمد مكاوي، لنجد بعضاً من قصائده تنتمي إلى مذهب الشاعر البحتري، الذي توالدت كلماته كمياه الينابيع عبر نصوص أبن منطقة الوادي الجزائرية الشاعر أحمد مكاوي .
ولا شك أيضا أن الشاعر أحمد مكاوي، يسعى نحو الاختلاف والتفرد والتميز بما يسكنه من لغة مستحدثة... لنسترق منه حثيث سيوف لغة الأبيات... او لنسكن أرصفة الشعر الملوح بزجاج يتوهج في تجربته المعبرة عن معاناته، ووجد الشوق والعشق الذي يلوح  بالتعبير، والفكر، والشعور، ومؤثرات تصوير المشاعر في اللحظة المقتولة على أوراق الشاعر  .
أستطاع الشاعر احمد مكاوي أن يصوغ مشاعره بلغته الخاصة وحسب ظروف مخيلته وأنفاسه الذاهبة إلى معشوقته التي فككت ما يربط بينه وبين أحلام البحتري، حيث تجلي شاعرنا سيد الغناء الطرب في رحاب العاطفة وتدفق الأحاسيس والمشاعر ...

لذا منذ فترة لا باس بها ونحن نتتبع نصوص الشاعر الجزائري أحمد مكاوي، وأسلوبه الشعري المعاصر، وما حرض روحه على نقطة الانطلاقة وتحديث الشعور والعاطفة، وما تملكه ملكات الشعر بإيقاع العشق الصوفي الرومانسي، القائم في مخيلته التي قامت بدور التواصل الحسي الملموس، الذي تملكه ملكة الرؤى، وانفعالات المخيلة والعواطف المحسوسة، في حركة وقائع قصائده المتأرجحة هياكلها بين العامودية، والنثرية، والسردية، اللذين احتضنوا انكسار الشاعر وألمه واعتناقه، إضافة إلى صيغته البلاغة في تكنيك النداءات والأمر والنهي في أبيات نصوصه ....

فان صمت الشاعر احمد مكاوي، لم يكن سوى ضجيجه الداخل وصرخات مكحلة بصدى يخترق فضاءات لا يسمعها سوى الشاعر في سكون يزمجر في لهفة الليل ...

فمن الصعب علينا تعدد وصف ما تحمله مقاطع أبياته الفنية الزاهدة، وارتباطها بالمسائل الشعورية على أوراق تعيش مع الشاعر، ومتغيرات الفكر الذي  يقراه القلب في كرنفال العشق الموجع، وسط رياح عتمة ليال أظهرت أشجان أغنياته، وما فيها من دهشة تفرده  الذي كشف لنا خصائصه وتنوع جماليات إبداعات قصائد ديوانه "صخب الصمت"  المحمل بـ 48 صفحة تضم بين طياتها 19 قصيدة، تتميز بأبيات متعددة، ولكل بيت مخيلة يروي بها أوراقه الفاغر، كما في قصيدته الأولى " يغريني وينسحب"

فبإمكان القارئ أن يترجم روح الشاعر بكل بساطة وسهولة، من خلال عناوين  قصائده المعبرة عن واقع روح قلمه البعيد عن التكلفة المزخرفة ، مما أحرز منذ النص الأول قفزات دراميتيكية سمحت للشاعر أن يرفرف وهو مذبوحا على ضفتي الغنج بلا سيف .

يمكننا أن نطلق عليه شاعر الوجدان، الواقع بين العشق والبوح، وبين  الالتفاف على الذات، وبين المحسوس والتجريد، وما بين اللغة والمخيلة المبحرة في يقظة الشاعر الذي ينزف بدم ساخن على أوراق مصفاة الليالي الكتومة ليأتينا بمثل هذا النص  وغيره "يغريني وينسحب ":

رأيت العشق في عينيك يهزمني/ ويدميني ../ وإن غنى سبحت بلحنه الغجري يبعدني/ ويغويني ../رأيت الآه حمراء/ كما اللهب ../ تشد الحبل من صوتي/ وتغري الليل كي يجتث من صوتي صدى صمتي/ فهاك اللحن ..هاك العشق .. هاك الكل .. ضمني/ أيا عمرا/ يصب العشق أنهارا وأقمارا بلا عدد/ دعي قلبي يفتش في بقايا الكأس عن وتر/ بطعم الصبر يعزفه/ دعي قلبي بحضن الحلم ينتحر/ فقد ضاعت مراسيه/ دوار البحر في عينيك مزقه/ وكل مراكب الإبحار شتتها/ هوى تدنو .. فيبتعد/ دعي قلبي يصارع وحده الأنواء/ إن العشق في عينيه يغريه/ وينسحب.

- أما قصيدة  " غريب" فما هي سوى صرخة سجن تلملم دموع الهوان وليل يسكر الحلم ويعطر الآمال بعشق مخمر بجمر  الهيام .

" أجـلك أن تظلــي فـــي ظنــونــــي/ وعشقـا هائمـا يطــوي الفيـافـــي/ بصدري يحتسـي كـأس السكــون/ وطيفـا في ضميــر الســر يشــدو/ بعطـر الحـب فـي دمعـي الهتــون/ وســــرا مـــن أمــــــان غافيـــات/ وكحــلا بـاهتــا يبكـــي عيـونــــي/ أجـــلك أن تظلـــي علــى الحيـــاد/ وجمــر الظــن يـأكــل مـن يقينــي/ كـأنـي مـا صحبـت النجــم يـومـــا/ ولا غـنــى هــــواك الحلـــم منــي/ أرجـع فـي سمـاء العشــق لحنــي/ وأمـضي في الرؤى رحلي التمني/ غــريب في عيونــك مــا انتميــت/ لغيرهـمـا هـمــا خمـــري ودنـــي/ عـلــى أنــي وكــــل السكــر أنــت/ صحـا قلبـي علـى جمـر التجـنـــي

وهكذا يتلو علينا الشاعر عشقه اليتيم، بإيقاعات رقيقة تبلل عطش الصمت همسا، ليكون أوسع وأعمق من نهر مجهول ينتظر أقصى العتمة ليتوه صوته الغارق في اللا وعي، كي يسجل صوت ذمار رغبة المخاطبة بلسان ملائكة تتحدث عن غبطة الشاعر وسهاد المشاعر، إذ ما جاءت الرؤية لتفح الأسرار وتخوضر المشاعر المتيبسة في ليل يتنفسه بخلوة تستعرض اندحار الفراغ المغدور بخناجر أجناسه، وما يقترن في نفس الشاعر، كما في قصيدة سهاد " وهج الرؤى" :

ضـمـي يـدي وهـدهـدي أشـواقــي/ سمـراء يـا وهـج الـرؤى الرقراق/ بين النـدى والعطـر ألتمس المنـى/ وأضــــم طيفــك ضمــة المشتــاق/ يـا واحة العمــر الــذي كـــم هـــده/ سفــر تـولـى فـي دمـي إغـراقـي؟/ في ربوة الحلم الجميل وفـي دمـي/ فـي مــوعـد ينسـاب مـن أحداقــي/ في بسـمة زفت على شفة الهــوى/ أرنـو لهـا فتـزيــد مـن إحــراقـــي .......

هو وهجا هارب من وراء خط افق رؤيته الحالمة، وكأننا نسمع الصحراء تغني الأطلال بانتظار خيلاء بهائها الذي يتحدى الغياب في ذلك الفم الفاغر بانتظار من يوقظ عاصفة الشوق والحنين، ليحترق في رغبة خاسرة تنام في صحوة توقظ جنون حواس الشاعر وصوره المستمدة من حواسه التي استخلصتها تلك الصور الشعرية المليئة بالأفكار والتأملات والمحاكاة وانعكاسها على الذات الشاعرة

أما قصيدة " مـتـى ؟ " الدالة على رسائل الشاعر ومضمون فكرة الشعر الذي يؤدي إلى التعبير عن نداء الشاعر في كهف المسافة المجروحة، لحبيب يعتلي أبواب الذكريات في برهة الظلام  حيث يفيض الكلم في بوح الشاعر الذي يحترق كفراء الكستناء، لشعل ولادات عطائه الإبداعي:
لـي فيـك من صفو العذاب شـــراب/ تعـب الهــوى وتفــرق الأحبـاب/ عزف اللظى أنسى اللحون جميعها/ من ذا يغني و الحضور غيــاب؟/ أو مــن يغنـي حيـن يطفـو حلمـــه/ فـوق السراب ويحتويه ضباب ؟/ أو مــن يغنـي حيـن تذبحـه الدمــو/ ع وتشتكـي من حزنه الأهداب ؟/ شادت رؤاي الذكريات وقد مضـت/ فبكـــــى علـى أطلالهــن شبــاب/ وتوطنت ريح النـوى في مهجتــي/ فغـدا الجــوى بجـوانحي ينساب/ وغـدا الجـوى يشـدو بروحي لحنه/ فيرجــع اللحـن اللعيــن رغـــاب/ هيجت بالصمـت اللجـوج عوالمـي/ وهجرتنــي فمتـى يكون إيـاب ؟ .
نلمح في رسائله المكثفة مضامين حوار يتوزع بين النفس والإحساس والتمزق، والصراع مع غربة النفس، وانكسار القصد في الأمنيات ... ولن ننسى الصياغات التي قدمها في تراكيبه اللغوية التي تركت اثر جميل في غناء قصائده، المشغلة يخصب معاني "صخب الهمس" الذي كان بمثابة صرخة في هدوء العوامل التي وظفت المسافات المنسجمة مع توجه خميرة المخيلة في القصائد التي يطلق عليها النواح الرفيع، كما في قصيدة " ضياع "

هـا جئت أكتـب تـاريخ الهـوى شجنـــا/وجئــت أحمل في خطو الرؤى الحزنــا/ وســـرت لا ذا الـذي فـي قلبـه سكنـــت/أحلام عمـري سـرى فاستوقف الزمـنـا/ ولا الــدمــوع التـي أوقــدت جمــرتهــا/ بـالعشــق هبــت رياحـا تـرسـل السفنـا/ فالبحـــر يمضـي غـريبـا دون زرقتـــه/ والمــوج يكتــم فـي أحشائـه المحـنــــا/ والبــدر يرسـم وجهـا كــان صـورتـــه مــن ظلمـة الليــل أرســى ليلـه فتـنــــا/ وراح يعصــر مـن مــاء الـرؤى سبــلا/ ضيعتــها.. فغــدا يستعـطــف الشـجنــا.

ها هو شاعرنا احمد مكاوي، يعود بنا  ليسكن من جديد نواة الفوضى الخرساء، ورعشة الليل الذابل في خياله المخصب، بالتأمل، والصفاء المتوازن، على مستوى الماهية والموروث، كما وانه يجيد سبك اللفظ في المعنى النازف من وحي القلم والخيال الذي يبث من خلالهم الأشجان، والأحلام، وتأمله بالاعتبارات المرجوة  كما في قصيدة " سحر العيون:
أشدوك هذي الرؤى غنت على وتري/ وحركـت فـي ضميـر السـر أشــواقــي/ وأسرجـــت فـي سمـاء البــوح زنبقـة / تنـدى أريجـا وتسقـي نبـض أوراقـــي / هـنــا استكـنــت وآه حيـــن تعتعنــــي/ سحـر العيـون فيـا خـوفـي وإشفـاقــي/ مابيـن شكـي وهمـس الوجـد ألمحهـــا/ طيفـــا تهـــادى وفـي جفنيـه ترياقــي/ يدنـــو فألمــس فــي إيقــاع خطـوتــه/ صوت الحنيـن يناجي حلـم مشتــاق!! .

"يقولوا شعراء العرب " أن من ينشد الشعر الغزلي  لا يمكن إلا وان يكون عاشق مكتمل الصورة والأركان" وعندما نتأمل في نصوص شاعرنا احمد مكاوي، نجده يتمتع برقة صور العشق،  وطقوس السهاد في ابتكارات المعاني والأفكار، التي كشفت عن نورانية رؤى الشاعر ... كما وكأنه يرفع المستور باندفاعية وانفعالية جارفة لتكتسح طريق الوصول إلى من تتأمله المخيلة التي تحقق تصوير معاناة النفس، وصعوبة الطريق ومشقة العبور إلى منطقة مساحات تجلياته الواضحة في نصوصه التي نجد فيها بعضا من الصوفية الرومانسية، رغم ما فيها من براعة  المخيلة، وإبداع الفكر، ويقظة المعالجة، ومفهوم نسق العلاقة القيمة، كما في قصيدة "  أجــل أهـــواك "

أجــل أهـــواك يــا عـمــري/ وأهــــوى فيــك حــرمــانـي/ وأهـــوى نـظـــرة ســكـرى/ تحـــرك صمــت أشجــانــي/ وتــوقـظ حـلـمــي الـغـافــي/ وتــــزرع قحـــط أزمــانـــي/ وتـمضــي في دمـي سمــرا /  مـــن التحـنــــان يـلـقـانـــي/ رؤى عـينيـــك يــا قمــــري/ و أحـلامـــــي وألحــــانــــي/ ودنيــــا كـنــت أرســـمهــــا/ و شطـــــآنــي وخلـجــانــي/ ألامــســـهـــا إذا هــبـــــــت / نســائــم خطـــوك الحــانـي/ ألــمـلـــم هــمـســه سـحــرا/ وأســــكنــه بــــوجـــدانـــي/ وأعــــرف أن لــي دمعــــي/ ولــي صمـتـي وأحــزانــــي / ولـــي فيــــك صـبــابــــــات /تـــــراودنـــي وتـنســانــــي/ فــأمــضــي فــي مــدائنـــها/ وقــــد ضيعــت عنــوانــــي .

أما هذا النص السردي الذي يحمل عنوان " من أمس الأمس لأعود"  نستعرض على المتلقي مقدمته لعدم سعة الورق، هذا النص الذي يعبر عن خلاصة الذات في الصوت الإنساني، داخل عالم الشاعر المرهف المتجدد، الذي يسكنه عالم المخيلة، والأحلام التي يتمناه مع الغائب الحاضر، وما بينهم  من مساحة  الانهيار، والوجع، والحب، والتمسك بالأمل ....
لذا نرى الشاعر احمد مكاوي يملك الجرأة على الإفصاح عما يراوده من إعراب الأفكار، بلغة تضيء مكونات تجربته في ديوان "صخب الصمت" لنكتشف الخفي والظاهر الذي يجمع بين مشاعر العاطفة والفك،ر بما ان الفكر هو الذي يجعلنا نعبر عن عواصف النفس ولغز الخيال وخواطر المرء من خلال تجربة الشاعر نفسه .  

أحمل في أكفاني لفظا ممجوجا و حكايا وبقايا من نبع يتلفع مائي تدنيه مراكب ما سكرت من نغم الريح ولا عرفت طعم الصخر ولا وحل الشطآن أو لمست عري الموج وقد واراه البدر بهالته فاستخفى في ملكوت النجم الهائم خلف شهاب من شهوات الروح يدحرجها الحسن على غنج الغيمة في قطرة ماء من نبع اللفظ وقد ضمته الأرض بذورا للقحط القادم في ركب يمتد سكونا يختال بقلب الريح مراوحة ومراوحه شمس وهوان
(2)
أحمل من أمسي ذاكرة تجتاح قرونا وبحارا وأناس تطعمهم باللفظ/الشعر/الوجد/الطلل/الوثن/الخيل/الوأد/السيف/السبي/ الغلمان .. و حكايا العشق وليلى

وبما أن البحث غني عن طرح الأسئلة بما توفر لدينا من مفاهيمَ وأدواتٍ تكتفي التأمل بما في مخيلته، وما يواجهه الشاعر الجزائري احمد مكاوي، الذي حرص على التميز كوسيلة لإدراك تطور قصائده التي لا تخلو من خواطر إنسانية الشاعر، وحالاته النفسية والذهنية في "سيكوجمالية" التعبير التصويري التي تظهر حالة الشاعر وتطور قيمة أسلوبه من خلال العوامل والمؤثرات  التي تتأرجح فيها النفس، في محراب الرغبة المرتفعة بالأفراح والأحزان، لتهبط في وادي العشق ودوران الحياة التي تعطي المحبين الآلام والآمال، إلى أن تبلغ غايتها في الحياة الإنسانية، ليتذوق الفرد من جمالية العشق ولذة الوجع إلى أن ينتهي بتراجيديا، هذه التشكيلة الشعرية في قصائده الموزعة بين النثر، والسرد، والعامودية الحديثة في تجربته الإبداعية ليسجل تاريخ ما يخبئه المستقبل لمجموعته الشعرية الصادرة في 2011عن (مديرية الثقافة لولاية الوادي الجزائرية ) التي فازت بلحظات حنين الشاعر احمد مكاوي .

 ( مهدا إلى الشاعر احمد مكاوي على خلفية عوامل نصوص "صخب الصمت "
خلسة ..غادرتك النورس / لتدخل حزن المواويل/ وفضاء الشعر المرتمي بين كفي خوف المسافة/ لذكرى تفوق احتمال عبور أرصفة بكت فيها طفولة الشباب واحتضنت الغياب/ حيث ترف براهين شهد القلب الذي لم يتأهبه الفؤاد الشوق متربع في صخب الخيال ....)

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق