الصفحات

2013/10/14

النضال الثوري في رواية "اللاز" للطاهر وطار بقلم: عبد القادر كعبان

النضال الثوري في رواية "اللاز" للطاهر وطار
بقلم: عبد القادر كعبان
ترتكز كتابات الروائي الجزائري إجمالا على الثورة التحريرية كمادة أولية تعكس قدراته الإبداعية في وصف الأحداث التي دارت بين المناضلين الثوار لأجل الحرية و الإستعمار الفرنسي الغاشم، و نذكر في هذا المقام الأديب الراحل الطاهر وطار الذي يعتبر من كتاب جيل الثورة، جيل سماه النقاد بجيل "الذات القومية" الذي فضل الكتابة باللغة العربية للتواصل مع الثقافة القومية العربية على غرار الجيل السابق كمحمد ديب و كاتب ياسين و مالك حداد الذين كتبوا أعمالهم القصصية و الروائية باللغة الفرنسية.
تشكل رواية "اللاز" للطاهر وطار نموذجا حيا للنضال الثوري أين نقرأ عن تلك العمليات التي يشنها الثوار ضد الفرنسيين والطلقات بين المجاهدين الجزائريين وكيفية اختيار القيادات. تتطرق الرواية في صفحاتها لأسلوب جبهة التحرير الوطني في التسلل إلى ثكنات الجيش الفرنسي والاتصال بالمجندين الجزائريين الذين حارب بهم الاستعمار الفرنسي حروبه في الهند الصينية وغيرها من المستعمرات الفرنسية السابقة، وكيف يعمل رجال جبهة التحرير في قرية جزائرية على الإلتقاء بهؤلاء المجندين الجزائريين وتنظيم عمليات تهريبهم من المعسكرات الفرنسية إلى خارج القرية للإنضمام إلى وحدات المجاهدين الجزائريين في الجبال.
نتعرف في بداية السرد الروائي على شخصية "اللاز" فيشدنا ذلك المشهد في الزمن الحاضر حيث نقف أمام هذا البطل مقبوضا عليه من قبل الجنود الفرنسيين، ثم نعود للزمن الماضي لنتنقل بين عدد من الشخصيات و الأحداث التي تحدد معالم شخصية "اللاز" ذلك الابن الغير الشرعي الذي ينبذه أهل القرية كونه شريرا يخشاه الجميع إضافة الى كونه سارقا سلاحه الخنجر، و لكن رغم كل ذلك يظل يحمل في قرارة نفسه التصاقه بالشعب و أنه مجرد ضحية مثلهم.
يتعرف "اللاز" على والده المدعو "زيدان" الذي دفعه طيشه يوما لإرتكاب حماقة في الغابة مع "مريانة" التي أثمرت هذا الولد الطائش أيضا. يمثل "زيدان" الشخصية المثقفة في الرواية التي تشتعل حماسا سيجر في طريقه جملة من الجزائريين الأحرار، الذين رفضوا استبداد المستعمر الفرنسي و فضلوا الإستشهاد لتحرير وطنهم الجزائر.
"زيدان" يضع نفسه و تجربته كلها تحت تصرف الثورة التحريرية، مع العلم أن التحاقه بصفوف جبهة التحرير الوطني كان خياره الشخصي النابع من نزوعه الثوري الذي كان يدفعه الى الأمام و يمنعه من خيانة وطنه. لقد لقي "زيدان" حتفه في نهاية الرواية إذ أغتيل رفقة جملة من أصدقاءه بسبب أفكاره الشيوعية التي رفض التخلي عنها.
أمام هذا الموقف الفظيع يصاب "اللاز" بصدمة كبيرة لا يتذكر من خلالها سوى عبارة بقيت ثابتة في رأسه قد حفظها من أبيه "ما يبقى في الوادي غير أحجاره"، و هذا المثل يحمل بدوره خلفية سياسية قوية المعاني كدليل قاطع على حتمية نجاح الثورة و بقاء الجزائر للجزائريين الأحرار.
داخل أجواء الرواية نكتشف شخصيات أخرى كان لها دور نضالي لا يقل أهمية كشخصية "حمو" و هو أخ زيدان البطل الذي يجد نفسه يتحول من معلم بسيط للقرآن الكريم الى العمل في كهف ضيق وسط الدخان يصارع الفرن لتسخين ماء الحمام. وسط هذا النمط الإجتماعي المزري و المرهق بعذابات المستعمر، ما كان هناك سبيل إلا الثورة كطريق للخلاص من تلك المأساة التي كان يعيشها الإنسان الجزائري إبان الإستعمار الفرنسي. لقد صار "حمو" يتحدث بلسان أخيه مرددا كلامه لجميع الناس حيث بات يؤكد على ضرورة الإلتحاق بالفدائيين للتخلص من حياة العذاب.
ما يلفت انتباه القارئ الملاحظ هو انطلاقة الرواية التي ترتكز على شخصية "الربيعي" الذي يكون واقفا لإستلام المنحة الشهرية الخاصة بإبنه "قدور" الشهيد حيث يتذكر من خلاله النضال الثوري بأفراحه و أحزانه و كأن الطاهر وطار يشير الى واقع شهدائنا الأبرار الذين قدموا أعز ما يملكون لأجل سيادة الحرية و علينا اليوم المحافظة على أرض الوطن لإكمال مشوار قد بدأوه سابقا.
إلى جانب ذلك حرص الروائي الطاهر وطار من خلال شخصية "زيدان" و أصحابه إلى غلق كل الأبواب في وجه الإستعمار، كما اتخذ الروائي من بعض شخصياته الأخرى مادة خصبة للغوص في الظروف الإجتماعية التي يغمرها العوز و الفقر لتكون قوى محركة للمشاركة في المقاومة و النضال.
في الأخير يمكننا القول أن الأديب الطاهر وطار برع بقدرة فنية جيدة لا تخلو من عنصر التشويق و بأسلوب إبداعي جديد في تصوير ذلك الإنسان المقاوم الذي لا تخلو نفسيته من هموم الحياة الواقعية بكل تناقضاتها الحقيقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق