الصفحات

2014/03/14

(مافيا) الواقع الافتراضي- المشهد الثاني.. بقلم: هشام جلال أبوسعدة



(مافيا) الواقع الافتراضي- المشهد الثاني
هشام جلال أبوسعدة

جاءت  (ديانا) تحتضنهم مع (سُولاف) بالقرب منهن (سرّ الختم):
-         حبايبي كيفكم عاملين إيه، خلصتوا صلاة، تقبل الله.
-         منا ومنكم ومنكن، ومن الصالحين.
ضاحكين، متابعين القناة الفضائية تتكلم عن أزمة رياضية حصلت منذ شهرين، وولعتها البرامج الحوارية، (نائلة) صارخة:
-         بتتكلموا في إيه!؟ يا خبر اسوح، لسه بيعيدوا ويزيدوا في الفقرة الإعلامية الفاجرة،
-         كلها كذب، أنا حضرت المباراة، خناقة بين شباب وخلصت.
-         عارفين مين السبب؟
-         مين!؟
-         مافيا صناع الواقع الافتراضي.
-         (مافيا) صناعة الواقع الافتراضي ثانيةً، يبقوا مجرمين، فجرة.
-         تستغل (المافيا) عادة ضعاف النفوس، فعمل المتصيدين لهؤلاء البشر الذين يتزايدون، يوم بعد يوم وعام بعد عام ما يتمنونه وأكثر، حَتَّى بلغت القنوات الفضائية الحوارية والفضائحية والمواقع الإباحية والحوارية على شبكات المعلوماتية الآلاف دون توقف، تحقق للمستثمرين في تلك التجارة (أي البغاء الجسدي) أموال طائلة.
-         إذا كان الجنس طبيعة بشرية، فطرة، تجارة الرقيق منذ خُلقت الدُنيا وهي على ده الحال بتتطور، طيب إيه مشكلة البرامج الحوارية (التوك شو)؟
-         كلام، كلام، ما اخدش منك غيرّ كلام.
تغني (ديانا) بصوتها الناعم ساخرة فرحة، إنما سبب الفرح كان بسبب عقد قرانها، ناوية إخبارهم، يرد عليها (سرّ الختم):
-         بيسموها عندنا في وحدة المكافحة تجارة البغاء الفكري، فبقدر ماتمددت البرامج المتعلقة بالجسد، تمددت البرامج الحوارية التي تبث النميمة والقيل والقال والتراشق والتلاسن والفضائح. في كُلِّ مرَّة وراءها نفوسٌ ضعيفةٌ ضالة، للشهرة، ولكسب المال، ولتسيس العقول الضعيفة، والسيطرة عليها مرَّة بالجنس ومرَّات بالشعارات الكاذبة.
-         لكن أنا أعرف ناس بطلت تشاهد هذه القنوات تمامًا لكثرة ما فيها من كذب وخداع، الناس اللي بيقدموها غيرّ مُختصين، عمرهم ما دخلوا إعلام.
-         يا خبر اسوح لمه بينادوهم الإعلامي الكبير، فكُلّ من يهل في تلك البرامج سواء كان من خريج كليات الإعلام الفضائي أو من اللاعبين القدماء المعتزلين أو الفنانين، أو السباكين واللحامين أصبح الإعلامي الكبير.
-         أغلبهم مُتخلفين عقليًا، يبثون السموم والغوغائية والتطجين بغيرِّ حرفية، هم ليسوا محترفين؛ بل ليسوا مختصين بالمرة.
-         يالهوي شفتم اللي طالع بيعترض  على فكرة إن أحكام القضاء لا ترد، فبعد أكثر من مائة سنة على مستوى العالم كله، أحكام القضاء لا يصح مراجعتها أو التعليق عليها، ليأتي غيرَّ المختص في أيِّ شيءٍ ليقول رأيه القانوني المُلزِّم للشعب. حَتَّى أنه بغيرُّ علمٍ، بل عن جهلٍ، أو سوء نية، يُطالب المتدينين بالقيام بثورة على الشرعية.
-         يالهوي! إزاي؟ إحكيلنا.
-         خرج واحد منهم، إعلامي كبير، إعلامي فاضل خالص (مُقهقًا)، مُعترضًا على أن حكم القضاء لا يجب مراجعته، لا بالرفض ولا بالاستحسان، بحجة أن أحكام المولى فقط هي التي لا تراجع، كاسرًا عرض الحائط بالشرعية، عايز يعمل فتنة الجاهل، أخره كرة شراب في شارع تراب ظلمة.
-         صحيح معروف أن الأعراف عندما يمرّ عليها سنوات تُصبح في حكم القوانين المُلزمة. إنما ماذا سنفعل أمام تلك الهجمة الشرسة من الجهال؟
-         يريد بلؤم أن يقف معه آشباه المتدينين، المدعين، فيسبون القضاة بمساواتهم بين أحكام الله وأحكامهم ومن يخالفه كافر بالله عز وجل، يستحق الحد.
-         لهذا الحد يلوون الحقائق، ويتاجرون بالدين لمصلحتهم  الشخصية، هؤلاء أنهوا أمرنا، فلن يقف أمامهم إلَّا الله سبحانه وتعالى، لأنهم المنافقون، بيد أن القانون الوضعي لم يضعه البشر غيرّ لمثل هؤلاء، فالجزاء من جنس العمل.
-         ولا الرجل الفاضل، يعني إيه مش فاهمة؟
-         يعني كبير وفاضل وبقية الناس أقزام ولاد كلب.
-         كمان كلها قنوات مأجورة، كلاب الست.
-         بعضها، بوق للسيد والهانم، فعزف عنها الشباب الراغب في وجود قناة ينفس فيها عن أفكاره وطموحاته، فتركوا القنوات الشرعية في البرامج الحوارية، ليلجئوا إلى القنوات غيرّ الشرعية، لعلمهم أن المسؤولين عن تلك القنوات الشرعية جعلوها بوابة الحكائين لمصلحتهم الشخصية.
-         تعرفون كيف تتكون (المافيا)؟
-         كيف؟
في تلك اللحظة؛ بعد مسيرة حوالي الساعة في المسار المشهدي، يتحاورون ويتمتعون بالحالة الترفيهية وصلوا المطعم البحري، ليبدوا منيرًا براقًا وَكَأَنَّه القصر المنيف. يشبه قصور الأحلام في أدبيات كتاب الأساطير. ليبدو بجواره جبل الرجفة وَكَأَنَّه يحتضنه، فالترف بادٍ عليهما كليهما تلفهم الزينة. لتخرج بعض الأنوار من المغارات التي في باطنه، تُكمل (ديانا):
-         في بلدنا منذ سنوات طويلة، أصر الحكماء والمفكرون على ضرورة الالتزام بالقوانين الأخلاقية متجاهلين توصيات جماعات حقوق الإنسان، الداعية لإطلاق حرية البث، وعلى البشر أن يختاروا ما يتلاءم معهم، إلَّا أن تلك الحالة سببت فوضى في الماضي، خاصة لشعوب تعاني أمية فكرية، فشفروا قنوات البث الفضائي حماية لهم من تلك الهبة الشرسة لمخالفة الأخلاق.
-         تعالوا، المكان بتاعنا فاضي، نشرب حاجة ونكمل كلامنا.
-         الله على الجو، يجنن، الليل ابتدا يهل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق