الصفحات

2014/03/14

حقبة الواقع الافتراضي- المشهد الأول بقلم: هشام جلال أبوسعدة



حقبة الواقع الافتراضي: المشهد الأول

هشام جلال أبوسعدة
تغلبت أرض الرجفة في بداية عودة الحياة على الأرض على مُسببات التفرقة بين البشريين في العرق واللون والدين والجنس. في السابعة مساءً أنهى أصدقاء (حكيم) (الفقير بابا) و(شيخة الحكم) و(رائد الكوت) أداء صلاة العشاء في المسجد الجامع مُغادرين للساحة الاحتفالية مُقابلين (سرّ الختم  أيوب) و(سُولاف) مُنتظرًا لزوجته (ديانا الكرامة) لحَتَّى تنهي صلاتها بكنيسة السيدة العذراء بأرض الرجفة معها (مايا نزار) و(ريفا العجب)، في حين يخرج (آسيان صاروف) مُتهاديًا من المعبد اليهودي مُنتظرًا (لينا بوكار) فما زالت في معبد (بوذا) و(حُسنة) في معبد (هندوسي).
يتجول بقيتهم في الممشى المُمتلئ بشاشات البث الفضائي، على وعد باللقاء في المطعم البحري عند رِيبا، ليجمعهم في نهاية اليوم كالمعتاد. واقفات الصبايا يشاهدن مُستجدات التقنية لمبتكرها العالم الروسي؛ تمكن من الولوج لعالم سباعي الأبعاد؛ إذ فزاد هذا العلم على شاشات العرض اليابانية ثلاثية الأبعاد والصينية التي أضافت بقية الحواس الشم والتذوق، بالإضافة للنظر والسمع، ليضيف عالم إيطالي آخر حاسة اللمس، لتُصبح الشاشات خماسية الأبعاد هي السائدة لعقودٍ طويلة.
أما العالم الروسي فله إضافتين: الحواس مُشتركة مُجمَّعة، فالمُشاهد يُمكنه باستعمال غطاء صغير للرأس تصور أنه موجود بداخل مكان العرض ليضيف تجربته بتطويع عاملي الزمن والفضاء في واقع افتراضي يعطي إحساس بالوجود في الواقع الحقيقي. استفاد إعلام الفضاء من التقنية في إدخال المشاهد ليُصبح طرفًا أساسياَ في الحدث بعرض معلوماته على شاشات البث.
 لحظة حدوث الرجفة جمع المراسلون معلومات متكاملة سداسية الأبعاد ليعيدوا بثها مع نقل إحساس الرجفة الحقيقي للمشاهدين في كُلِّ مرَّة يعرضوها بهدف الإثارة اتجه بعض من غيرِّ المختصين في محاولة للاستفادة من تلك التقنية في عرض أحداثًا مُخلَّة، بعضها له علاقة بالأخلاقيات العامة لشعب الرجفة، مُمثلة في كراهيته الدائمة لبعض الشعوب مشاركته للعداء.
ليبدع مراسلون آخرون في تتبع الحياة الشخصية لفنانين وسياسيين وذوي المكانة فصوروهم بأنهم يمارسون أمور خارجة عن المألوف. حَتَّى حينما عرضوا فقرة إعلامية عن حدث كروي بين دولتهم ودولة صديقة بينوا أحداث الشغب الذي لم يتجاوز إلَّا ربع الساعة ليبدو استمر لأكثر من الساعتين، بمعلوماتٍ مغلوطة لأحداثٍ مُفتعلة من تلاسنٍ لتشابك بالأيدي لصراع بأسلحة بيضاء، مُنهين التلفيق بأحداث مُلفقة للتحرش بمذيعة فاتنة، فصنعوا تقريرًا فجًا تملؤه الإثارة، تبادر (نائلة) بالحديث لصديقتيها:
-         مش ملاحظين إن الإعلام الفضائي زودها خالص؟
-         المشكلة ليست في الإعلام، إنما في التقنية الفاسدة يا حبييتي.
-         مالها التقنية، التقنية لخدمة البشرية، التقنية عملة ذات وجهين.. إيجابي وسلبي، نحن من نختار الوجه الملائم لنا.
تتدخل (حُسنة) في الحديث، ناظرة ناحية (ريفا) كَأَنَّها تستنجِد بها:
-         لا تنسوا التقنية التي تتكلمون عنها نستعملها بكفاءة بالغة في مركز أبحاث الزمن، منذ عقود مكنتنا من ابتكار مُستجدات لم تكن على البال والخاطر.
-         عندك حقٌّ، المشكلة ليست في التقنية، المشكلة إما في اختيارات البشر
أنفسهم لكيفية تطويع تلك التقنية إما في عمل ابتكارات ضارة بالكلية، إما في عمل ابتكارات تدفع عجلة التقدم إلى الأمام لسنوات وسنوات.
(نائلة) بطريقتها المعتادة، سابقة كلامها بلزمتها يالهوي يالهوي:
-         أنا نفسي أعرف حاجة الاستخدام السيء للتقنية التي تخلب عقول الضعفاء آتية من بلدان أصبحت المتع فيها في متناول الجميع، فلماذا الإصرار غير المفهوم على تداول تلك المتع عن طريق الشبكات وقنوات البث الفضائي؟
-         الإثارة...، النميمة...، أخبار الفضائح مثيرة، بتجيب إعلانات.
-         ماذا يريدون!؟
-         المال، الشهرة، السلطة، السيطرة على عقول البشر.
-         المال لتلبية الرغبات، فما المعنى أن أملك أكثر مما استطيع إنفاقه، وما المعنى أن أمارس اللذات الحسية حَتَّى يجف اللعاب؟ وما الداعي أن أتشبث بالسلطة مدى الحياة، وأنقلها بعد ذلك لابنائي؟ أسئلة أبدية، ليس لها إجابة.
-         أبدًا، كُلّ ما فات بات مفهومًا، وله سببًا وحيدًا معروفًا.
-         ما هو؟
-         السيطرة، القوة، حلم الغرب في السيطرة على مقدرات العوالم الأخرى، ليعيشوا هم في رفاهية دائمًا.
-         معقول هذا الكلام؟
-         يشيرون في كُلِّ مرَّة يطلبون متطوعين لتنفيذ  رغباتهم لشيءٍ وحيد.
-         ما هو؟
-         شيءٌ غائبٌ تمامًا عن مجتمعاتنا.
-         ما هو!؟
-         الواجب، أجل، الواجب.
-         في كُلِّ حروبهم الخارجية ضد و(فيتنام) و(الصومال) و(كوريا) و(العراق) و(ليبيا) و(اليمن) و(سورية) و(فلسطيين) النداء لجلب المتطوعين كان >... الواجب...<.
-         لا زلت لا أفهم.
-         نداء الواجب... بالإنجليزية duty، أحد مرادفاتها في لغتهم الخدمة العسكرية والضرائب الإلزامية. فعلى كُلِّ فرد يعيش على أرض الوطن أن يلبي هذا النداء، مهما كان يتعارض مع رأيه أو مذهبه أو فكره.
-         يقابله عندنا الانتماء؟
-         يجوز! لا أعرف، إنما الانتماء كلمةٌ فِضفاضة، في حين نداء الواجب كلمة آثرة، مثلها عندنا كمثلِ الجهاد في سبيل الله، بكُلِّ نفيسٍ وغالٍ، نداء الواجب عندهم يصل لدرجة القداسة، فمن لم يفعل ينال عقابًا مُجتمعيًا شديدًا.
-         الواجب عندنا مسألة شكلية، عندهم مسألة وجوبية، عندنا عمل الواجب، هو أن تشربَ كوبٌ من الشاي المغلي الداكن، واجب الضيافة، إنما أن تقوم بالواجب في التعليم إذا كنت مُعلمًا، أو في الصحة إذا كنت طبيبًا، أو في الإدارة إذا كنت مُديرًا، فلها عندنا معانٍ فضفاضة كثيرة: قول يا باسط، خليها على الله، محدش واخد منها حاجة، ما تحبكهاش.
-         تقصد أننا نعمل الواجب باعتباره سد خانة.
-         نعم إنما هم هناك يرونه مسألة حياة أو موت.  
***
-         ما علاقة ذلك بما كانوا يقولونه عن صناعة الواقع الافتراضي!؟
هكذا حدثت (فيفي) نفسها) متابعة هامسى: سمعت الحديث لم أفهم منهم شيئاُ، فأنا ليَّ رأيٌ آخر في مسألة صناعة الواقع الافتراضي، سأطرح ما قالوه أولًا. يقولون أن المسألة برمتها لها علاقة بالبشر، إنما ليس لها علاقة بالغرب، فالغرب في تدين وعلاقات زواج محكمة، إنما تجار المتعة، مافيا المخدرات والدعارة والمسكرات ليس لهم لا دين ولا وطن. يستغلون فكرة أن الإنسان عبدًا لشهواته، لا تنتهي مطالبه بمجرد تفريغ الشهوة، فصنعوا المدمنين، جعلوهم يدمنوا المتعة التي يرونها أكثر من التي يمارسونها. قد يكون السبب فقدانهم للمعنى، فالمعنى الحقيقي من العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة الإنجاب وعمل الأسرة لديمومة الحياة على الأرض. إنما هم فليس لهم صالح بهذا كُله، هم لا يفكرون إلَّا في العائد، والعائد لا يأتي إلَّا من فكرة أن الإنسان بطبعهِ طماع، شبق، يرغب في المزيد، ما يملى عينيه غيرّ التراب، ففي بعض الديانات السماوية عندما يموت الإنسان ويدخل قبره يأتي الكاهن ليضع في عيني الميت التراب قائلًا: من التراب وإلى التراب تعود وما يملى عينك يا بني آدم غير التراب.
إن كنتم اقتنعتم برأي (الفقير بابا) فاسمعوا رأي أنا، علمت من مصادري أن الغرب ذاته لا يتكالب على تلك البرامح كما نتكالب نحن، هم لديهم منظمات تتابع نسب الدخول والفئات التي تدخلها، إن رأوا تزايدًا فلديهم جهات لبحث الأسباب  ومعالجتها. هذا يعني أنهم صنعوها لدول غيرّ دولهم، هم صنعوها لإلهاء شعوب أخرى، يتصيدون المحرومين ومرضى النفوس للدخول لتلك المواقع، لتأخير العمل لإيقاف عجلة التقدم، عندنا لا نهتم بالدراسات ولا بالكشف عن بواعث ومواطن المرض والخلل، لذا فالمواقع الإباحية تبيع في بلدنا وتنتشر ولها رواج أضعاف مما هي عليها في بلاد صانعيها، تجارة هم صانعيها نحن مستهلكيها؛ صارخة، ضاحكة:
-          فيفي قالت رأيها، ولكم أنتم آرائكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق