الصفحات

2014/07/07

'تبا للنحمول' قصة بقلم: مليكة الفلس

 'تبا للنحمول'  
مليكة الفلس*

أصبحت أنوثة فاطمة مكتملة ، ظلالها وارفة،و عناقيدها متدلية تسافر مع الريح جيئة وذهابا مغرية بالقِطاف. أحصنة عشقها على أهبة الانطلاق ،تُصدر صهيل شوق لبلوغ أرضِ أحلام فرسانُها بيض وأُلْبِسوا بياضا ...حينها بدت لفارس الأحلام أنثى في طُهرها يستحم القمر..وهي تهرول نحوه ، تسقط شقية في هواه ،وتستلذ طعم سعادة، لو وزعت على نساء الكون لكفتهن. 
في جو مهيب.. تتأرجح أفكارها بين الحزن والارتياح، تتذكر ما وشوشتها به عرافة الحي قبل زواجها: 
- شبيك لبيك أتيتك بعريس قبل أن يرتد طرفك إليك..
هل أنت قابْلة ؟ 
بل أنا أستاذة..
أقصد هل أنت راضية؟
بل أنا فاطمة ..
تتذكر كيف مرت السنون بين اللهاث خلف السعادة ، صد صفعات الخيبة و تجفيف دموع الندم.. فتدرك فاطمة أن الحب، أشد الأحاسيس وجعا. سماعها نغمات مكرورة لهمهمات وهمسات، تعربد في براح وجعها كلما سكن الليل وخلا كل حبيب بحبيبه. رنات الجوال وحوارات الزوج تلوث فضاء الغرفة،وتصبح نشازا في سيمفونية ليلها والنهار، تشكل خلطة الوجع التي عملت مع مر الأيام على خلخلة أركان البيت ..فلطالما سامرت طيف ليل بهيم أعزل من همسات الحنو والاحترام حتى لا تقول همسات العشق.. 
ما أصعب أن تشعر المرأة أنها زوجة مع وقف التنفيذ ! وما أقسى أن تجرف أمواج الشريك خيال الشريكة إ لى شواطئ مقفرة إلا من ألم، بينما هو لا ينثني عن العربدة في براح الهوى الرخيص حدّ الامتلاء، بعيدا عن ترددات موجاتها !...
مع كل رنة تجنح بخيالها بعيدا عن مسرح الأحداث ، وتختلق أحداثا أقرب إلى التريث منها إلى العجلة .تحيك من كومة الأحزان أشرعة توجه بها دفّة مركب الهم في بحر الحياة اللجي ولسان حالها يقول :
- لن أهزم ، ليس الآن وقد علمتني الحياة أن محاولة التمسك بالقشة العالقة في النصف الفارغ من الكأس تقيني من الغرق في النصف المليء منه. .
تستبشر خيرا ،وتتهافت على شواطئ عشها ..
تمر الأيام ذوات العدد من غير رنات أو ردود ، وفجأة يرن وتتذكر كيف أنها أصبحت جد حساسة لرنات ذلك اللعين، فهو لا يبشر بخير أبدا.. رنته تفسح المجال أمام توارد أفكار وصور ومعاناة على المخيلة وتغرق في الذكرى دامعة العين تعظ على أناملها من الغيظ قائلة :
-يا لغبائي، جعلته شراعا لمركبي ،وخضت عرض البحر ،لم يخطر ببالي أن الرياح ستسرق مني ولاءه يوما. !
تبللها أحزان الذكرى فتنهمر دمعات حارقات ، وينتفض كالذئب ،مستجمعا فجوره،يطوف حول خاصرة أحلامها،يتأملها في ازدراء وهي ،يا هي ،تستحلب عشقا مصلوبا بين تنهيدات حارقات ،ويسلم قدميه للخطى وهو يهمهم مجيبا على مكالمة .
رباه كم أشفق على دمع شح من نحيب ،وأنثى يشرئب عنقها إلى قص خطاه إلى حيث يسير تحت وجع الغيرة ،فيصبح الصدر ضيقا حرجا، كأنما يصَّعَّدُ في السماء !ساعتها يصفعها كون زوجها له عيون تأكل ولا تشبع.. وتتمنى لو أنها تستطيع أن تفقأها ليكتفي ببطن تأكل ولا ترى...
ما أن يعود حتى تصدح سيمفونية اللوم .. تلاحقه من غرفة إلى أخرى في حرقة ينسل إلى الفراش ،ترتمي قربه، توشوشه :
-ستبقى كما أنت،تصطاد في الماء العكر،تتحاشى النبع الرقراق،ولا ترشف إلا ماءً كَدِرا ،تم تغرق في أوهامك ،أما أنا فسأبقى وجها لوجه مع الوجع المكتوم ، أنازل سواد ليلي ،أتهجى الهم على صفحات أحلامي.يبدو أنني أخطأت حين حسبت عزي في قربك، سأجرب الاستغناء عن قربك،لعله لن يكون عليَّ كرب بعد اليوم .
أثناء الوشوشة كان الظهر يحاذي الظهر ،كانا مجرد كتل لحم تتقارب ليلا تمثيلا لطقوس المشاركة ودفعا لملاحظة الأبناء والضيوف. . 
رباه كم هو وثير ذلك الفراش، وكم هي زاهية ألوانه !ثوب من حرير، يغري بعذب الأحلام .. لكنه مطرز بكل ألوان البرود . فكم رُزمة من حطَب تلزمها لكسر حاجز الثلج ويدب الدفء ؟ 
لم تتوقف قطُّ عن محاولة مراودته عن نفسه وضمه إلى حضنها كلما ابتعد .تمتطي صهوة الشوق،تأتيه في كامل أنوثتها ،تستلقي حذوه وجها لوجه ، فيشيح عنها بصره ويوليها ظهره ،تلتصق به،تلبسه في لين ..يرن المحمول، فينتفض منها عاريا إلا من إصراره على فك أوصال البيت،فتنتهي المراودة..
يعاف الجهاز الخرس، ويعاف النوم وكر ليلها، وتهب العبارات بما لا يشتهيه سمعها وهو يغازل إحداهن:
-أهواك ِ كما أنت 
مزقي قناعكِ المفتعل وضمي عطرك إلى عشقي 
فأنا زمنك الجميل
ها قد سرتُ نحو صرحك في سَرَّة 
وكنتِ لعطشي ساقية 
أهديتِ الفؤاد رشفة حلوة 
لا يزال طعمها يعربد في جناني 
ورقصت أنغامك على حبال حدسي 
تلتها شطحات تيه فتيَّةٍ 
فتفتحت على شرفات قلبي براعم أحلام وردية.
انتهت المكالمة ؛انفجرت في وجهه :
- ما أسرع ما يأتي الخريف!؟وتتصلب الجذور الغضة ،تذبل الوريقات اليانعة فتستعير الأحلام مني كل مذاقات الأسى.وا شوقاه إلى أيام خلت، كنت أنا العطر، والإلهام، وأنت الزمن الجميل .
أزبد وأرغى ،حتى بدت علامات الحُمْق عليه...أعرضتْ عن مجادلته ،حتى لا يخطئ أهل البيت في التفريق بينهما. أحست بالهزيمة ،استمسكت بنفسها وابتسمت...لأنها أرادت أن تُفقده لذة الانتصار..
في غمرة الذكرى ،شدها والدها من طرف ثوبها يحثها على المسير في موكب زوجها المحمول نحو مثواه الأخير.
-هاهم المشيعون يسيرون صوب المقبرة،تقدمي..
أفلتت يدُها المرتعشة محمول الهالك وصبت عليه جامَّ غضبها بين رفس وشتم :
- تبا لهذا المحمول، اِجعلوه في حضنه ليؤنس وحدته
 
* المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق