الصفحات

2014/08/30

"أنت أنا " قصة بقلم : عبد القادر صيد

أنت أنا 
بقلم : عبد القادر صيد
 
لم يتجاوز صفحة من الكتاب حتى بدأ الوجع  المنعش يسري في كل جسده ، يحس بحزن كبيرو لكنه لذيذ و ممتع  و هو يتلقى أفكار الكاتب عبر موجات حروف رعشاتها كرشقات خنجر بين الأصابع على أرض مبتلة، يقترب الكاتب من جرح قارئه أكثر ليبوح له  و ينزع الضمادة الملتصقة به ببطء لا يخلو من تنكيل ، هو ألم يشبه ألم استلال إنسان من آخر، إنه ألم الاستنساخ ، يصل الأمر إلى تقشير طبقة دماغ المخ ليبلغ اللب ، ويطّلع على البخار حين تتشكل  فيه الأفكار و تتقطر من على سطح الجمجمة ..هاهو الكاتب يوظف عبارات كان القارئ ينوي التلفظ بها ، بل ربما تلفظ بها  فعلا و لكن على غير ذلك الترتيب،   و لربما حلم بها  و كان يعزم أن يقيّدها  ، و لكنها أفلتت منه لتذهب إلى غيره ..ترى هل عالم الأفكار يغش منخرطيه ؟ أم هو خلل في الموزع ؟مهما كان   فالأفكار أقدار ،بدأ يتمتم :
ـ هذه عرائسي و عوالمي كيف سبقني إليها ؟  لو لم أقرأ هذا الكتاب كانت أتتني طائعة مبتذلة..سبحان الله  الكتاب يقرأني عوض أن أقرأه ..
ثم بلهجة مندهشة يتمتم :
ـ إنه لا يكتفي بقراءتي ، هو يسلخني..
ما زال  يتلقى الوخزات القاسية كصدمات كهربائية تنير ذبذباتها المضيئة زوايا نفسه المجهولة، يسلم قياده للكتاب ليمتعه بجولة  داخل متاهات لم يكن يعرفها من قبل و إنما كانت تصله أصداؤها و برودتها و يحس بانتفاضة أسراب خفافيشها.الآن يمسك بطرفي الكتاب و كأنه يتعلق بجناحيه  ليعرج به إلى عوالم كان يتوق إليها ، تنفتح  دفتاه مثل يدي مبتهل تتوسل الاستجابة من الله..
لم يستطع إكمال القراءة ،  لأنه خمّن النهاية، و تناول قلما  ، شطّب على اسم المؤلف، و كتب مكانه اسمه بكل صدق ، و عرج إلى صفحة الإهداء ، و شطب ما هو مكتوب فيه ، و كتب عليه :
إلى من كتبني بمسمار على صخرة ملساء في دهايز السوماريين القدامى ،إلى من رسم على خريطة ألمي بإبر الصينيين فقرات الشوق و اللهفة..إليك يا أنت أنا أهدي هذا الكتاب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق