الصفحات

2014/09/19

قراءة في أطياف من الأدب الإماراتي -القصة والشعر- بقلم:محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة



 قراءة في أطياف من الأدب الإماراتي
-القصة والشعر-
  بقلم:محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة
-جامعة عنابة-
يُقدم لنا الأديب والكاتب المسرحي المتميز هيثم يحيى الخواجة من خلال هذا السفر دراسات متنوعة عن الإبداع الشعري والقصصي في دولة الإمارات العربية المتحدة،وعلى الرغم من أن الكاتب اقتصر على تقديم ملامح فقط من واقع التجربة ،إلا أن القارئ يُلفي في هذا الكتاب ما يشفي غليله،ويرسم صورة  واضحة عن الأدب الإماراتي،فمن خلال صفحات الكتاب التي تزيد عن مائتين وعشرين صفحة يُسلط الباحث الأضواء على واقع،وسمات، وآفاق التجربة الأدبية بالإمارات العربية المتحدة،حيث نجد دراسات متنوعة عن عدد من القاصين والشعراء الإماراتيين،وهو موجه بالدرجة الأولى إلى القارئ العربي الذي لا يعرف الكثير عن التجربة الإبداعية الإماراتية،وهو مصدر ثمين لكل مهتم بالأدب الإماراتي، إذ أنه  يُقدم معلومات موثقة عن العديد من الشعراء،والقاصين الإماراتيين.
    يتألف الكتاب من مقدمة،وثلاثة أبواب رئيسة،خُصص الباب الأول للحديث عن الشعر،والباب الثاني للقصة،وأما الباب الثالث فقد ركز فيه على أدب الأطفال.
     في مقدمة الكتاب يشير المؤلف إلى أنه عندما فكر في تأليف كتاب عن القصة والشعر في دولة الإمارات العربية المتحدة كان يُحاذر السقوط في الابتذال، والمديح المجاني،أو عدم الدقة في التحليل أو التنظير،و يقول المؤلف إن إصراره على تأليف هذا الكتاب ليس فقط ليُدلي بدلوه بين الدلاء،وإنما ليعكس قناعته بالمشهد الثقافي الإماراتي الذي يستحق التقدير،ويؤكد على أن دولة الإمارات العربية المتحدة استطاعت أن تبني حضارة الإنسان والمكان«وهي تؤسس الآن لحياة تأخذ صفة التكاملية مع التركيز على التطوير والنمو،ومن البديهي أن يزدهر الخطاب الثقافي،وأن تتعمق اتجاهات الأدب،فعلى الرغم  من أن عدد سكان الإمارات قليل جداً،إذا ما قيس بمصر على سبيل المثال لا الحصر،فإن عدد قاصيها وشعرائها لا بأس به،بل هو يشكل نسبة عالية إذا ما قيس بعدد السكان،حتى إن بعضهم أضحوا قامات، وشكلوا ظاهرة على مستوى الإمارات خاصة والوطن العربي عامة»(1).
      وعن منهج الكتاب يقول المؤلف: «إذا كان المنهج الشكلي قد برز في دراساتي للقصة والشعر،فإن سعيي إلى تحقيق المنهج الشمولي-وإن لم يتحقق- بدا ظاهراً،ولابد أن أشير هنا إلى إيماني بالمرونة النقدية،لأن التشبث بحرفية المناهج يؤدي بالناقد إلى التكلس...فلكل إبداع طبيعته، وظروفه،وبيئته،وبناء على ذلك جمعت-أحياناً- أكثر من منهج في دراسة واحدة للإحاطة بالنص إحاطة قوية من جهة،وتبيان ميزاته من جهة أخرى،مُراعياً في ذلك عدم الوقوع في الخلط،أو التخبط أو التناقض،لأن وعي الإجراءات النقدية سبيل ضروري لتحقيق الهدف والوصول إلى الغاية المنشودة ألا وهي إبراز سمات العمل الأدبي،وإمتاع القارئ به»(2).
           الشعر الإماراتي نبض«الأنا»ومرآة ال«نـحن»:
    في الباب الأول قدم الباحث دراسات متنوعة عن الشعر الإماراتي من أبرزها دراسته عن الشعر الإماراتي بين الشاعرية والأبعاد الدلالية،والتي أشار من خلالها إلى أن الشعر الإماراتي المعاصر قد خطا خطوات مهمة في ميادين الإبداع،واستطاع أن يرسم صورة مشرقة،ويحدد مكانته على خارطة الوطن والأمة،وقد وقف في مبحثه هذا مع مجموعة من الشعراء والشاعرات بغرض توضيح الأبعاد الدلالية للغة الشعرية.
     وتطرق في البحث الثاني إلى بعض الملامح المتعلقة بقصيدة النثر الإماراتية،فأشار إلى أن قصيدة النثر في الإمارات واكبت قصيدة النثر في الوطن العربي،حيث إن غالبية الجيل الجديد من شعراء الإمارات اهتم بها كونها ترتكز على الصورة المُكثفة،والرمز، والدلالة،والإيحاء،والموضوع الواحد،كما أن قصيدة النثر في الإمارات ابتعدت عن النموذج الوحيد،ولم تركن إلى السكون،بل تحركت ضمن أفق الإبداع،وأطر الخلق بتوازن،ويرى الأستاذ هيثم الخواجة أن قصيدة النثر الإماراتية تتمتع «بالانحياز نحو الجوهر دون إهمال الشكل الذي يؤكد هذا الجوهر...ومن خلاله تبرز الأحاسيس الصادقة والتجربة الشعورية العميقة دون الاقتراب من سطوة المباشرة وإغراءاتها،أو الإمعان بتواتر الإيقاع على أنه هدفٌ بحد ذاته»(3).
        وبالنسبة إلى التوجهات المعتمدة من قبل مبدعي قصيدة النثر الإماراتية،فقد اهتموا بالمستويات المتعددة والمختلفة لتلك القصيدة اعتماداً على البنى البلاغية والإيقاعية والدلالية التوليدية وذلك في الصياغة،وفي اللمسة الجمالية،وقد دعم المؤلف كلامه بالعديد من الشواهد لعدد من المبدعين الإماراتيين مثل:عبد العزيز جاسم،وهاشم المعلم،وميسون القاسمي التي أشار إلى أن القارئ يتجول في«عالم تجربتها الشعرية والشعورية بحرية المدرك لقنوات العطاء ضمن مناخات حساسة أفرزتها شاعريتها المرهفة،ووعيها اللائب عن إجابات أبرزتها وقائع حارة،ونسجت أثواب الجدة، وأنوار الوعي...كل ذلك قدم لها فسحة مريحة لتنعكس إبداعاً على مستوى اللغة والصورة والفكرة،ولتثمر نصاً شعرياً قافزاً في فضاءات الكون بعد أن يترك وشمه النيساني في حقول البكورة المشرئبة نحو البوح الأصيل»(4).
      وفي دراسته عن الشاعر حبيب الصايغ الموسومة ب: «حبيب الصايغ...يلتقط الشعاع المقبل»يشير الأستاذ هيثم الخواجة إلى أن الشاعر حبيب الصايغ لا يستطيع أن يتخلص من همه الذاتي والإنساني، ويؤكد على أن اللحظة الواقعية منسجمة مع اللحظة الهاربة،وذلك في التوازي،أو التقاطع، أو التحليق«ويدعم ذلك  التوليدات الدالة على ما يعتمل في الوجدان،وانحناءات تراسل الحواس والصور التي تنبثق من الخيال وتكوينات الواقع المنطبعة في النفس والتداعيات المُعاشة.
 في نص(البطريق)للصايغ أحلامٌ ورؤى ومعمارية متميزة للمشاعر،ونسق الجملة وجرس الكلمات عدا عن ظلال أشبه بقوس قزح تشتم فيها رائحة المعاناة والشفافية والثراء والخصب،ولم لا يكون ذلك والشاعر يُلح على الاغتسال بالنقاء والبحث عن الذات والسعي إلى التماهي في ال(نحن)»(5).
 ولم تثن النزعة الرومانسية والسُريالية الشاعر عن التزام موقف ثابت وصلب تجاه ما يريد،وما تميز به هو أنه من جهة لا يُهادن،ومن جهة أخرى فهو يُصر على التصادم،وتكراره لبعض الألفاظ، واستنباطه لمجموعة من الصور الغريبة هو من قبيل التوازي خلف الشفافية الشعرية بغرض خلق المزيد من جماليات الذات التي تنتشر في جسد القصيدة.
 وفي مقاربته لمجموعة:«استحالات السكون»للشاعر ناصر جبران توصل المؤلف إلى أن منطلقات الشاعر القومية ترتكز على وعي حقيقي بالواقع المعاش الذي يسعى إلى التضامن والوحدة،كما أن الشاعر ناصر جبران أثبت قدرته على«المزج بين المضمون الشعري والملكات النفسية التي تخلق الشعر،ولم ينس التلوين الشعري في المضمون،والتركيز على الصدق في الطرح والتوجه،وإثارة ما له صلة بمشاعرنا وواقعنا وحياتنا من خلال خطاب وجداني شفاف صادق، ومن خلال حساسية متألقة تجاه القضايا الاجتماعية والوطنية والقومية،والذي زاد خطابه الشعري جمالاً ذلك الخيال المبتكر المنداح في خضم الرؤى والاقتراب من الواقع. والدليل على ذلك تلك الصور التي عكست مشاعر وأحاسيس الشاعر، والتي ارتبطت بالبيئة وأسقطت جملة من الدلالات ومجموعة من الرموز الذكية والمؤثرة،ولعل الشاعر ناصر جبران آمن في قصيدة(ليتني ما زرت راشد)بالرأي الذي يرى بأن العبرة ليست بمفردات اللغة،بل بجمالها وتراكيبها وطرائق التعبير فيها،واللفظ العادي قد يكسب قوة شاعرية بارزة إذا دخل في جملة أو تركيب شعري أو صورة بيانية،والشيء الذي يجب أن يحرص عليه الشاعر هو أن يبتعد عن الأسلوب التقريري المسطح الخالي من كل تطوير،أو نتوء بياني.
 لكن هذا الأمر يتطور في قصيدة(استحالات السكون)بسبب عمق رؤية الشاعر الفكرية، ونضوج أدواته الفنية،إذ نرى الشاعر في القصيدة الآنفة الذكر يميل إلى التصوير البياني والرمز كوسيلة للتعبير الشعري والإيحاء،وبذلك يخطو خطوات مهمة ليتسنم مكانته الحقيقية بين شعراء الإمارات»(6).
     كما ألقى المؤلف الأضواء على مجموعة:«ذاهل عبر الفكرة»لجمعة الفيروز،والتي تعتبر الإصدار الأول له،إضافة إلى قصيدة:«جغرافية الفردوس»لجعفر الجمري،وقصيدة:«الحبيب المدلل»،و «روح الحبيب»للشاعر الدكتور مانع سعيد العتيبة،وقدم رؤيته عن«الآخر»في مجموعة:«مشهد من رئتي»،وهي المجموعة الشعرية التي اشترك فيها كل من الشعراء:أحمد عيسى العسم،وعبد الله محمد السبب،وهاشم المعلم،كما قدم مقاربة للمجموعة الشعرية:«الآن» لعبد الله السبب، وقد رأى المؤلف أن مجموعة:«إطلالة»للشاعرة رهف المبارك هي أنموذج متألقٌ للشعر الإماراتي،حيث إن الشاعرة  لها طاقات مخزونة:«جعلت شعرها ينطلق بانسيابية واضحة دون تكلف أو ابتذال،فهي تحترم طقوس كتابة الشعر،وتحرص أشد الحرص على تجويد قصيدتها،فتنهض بالتفاصيل المهمة،وتهمل الحشو،تاركة للقارئ تصور ما يجب أن يتصوره،كما تركز الشاعرة على زاوية الرؤية حتى لا تقع في التناقض،أو يتعرض معنى قصيدتها للارتجاج،لأنها واثقة من ضرورة التحليق لاقتناص البؤر المركزية التي تشكل ما يُسمى سحر القصيدة،من ذلك اعتماد الحوار الشعري وتلوين الجمل(خبرية وإنشائية)،وخلق شخصية للحوار،وانتقاء الألفاظ الملائمة، واحترام القارئ...إلخ،و لا ريب في أن الإشارات الثقافية التي تناثرت في جسد بعض القصائد رفعت من مستوى الشعر، ودفعته إلى الارتقاء، وإن امتلاكها لناصية الشعر عمق فنيات الإبداع لديها ومنحها طاقة فاعلة، وخيالاً خصباً صافياً مجنحاً، والذي يؤكد ذلك إيمان الشاعرة رهف المبارك بأن القصيدة الجيدة تفرض نفسها، ولا علاقة بالشكل في الإقناع،لأنه لا يمكن الفصل بين الشكل والمضمون...هذا الإيمان بدا من خلال تنويع القصائد في المجموعة،فجاءت على أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي تارة، وعلى أسلوب شعر التفعيلة تارة أخرى»(7).
و يرى المؤلف أن الشاعرة رهف المبارك ،عندما يقرأ القارئ أعمالها يشعر بأن لكل قراءة طعماً جديداً،نظراً للاكتشافات المتكررة في المعاني والدلالات،ولاحظ أن عاطفة الشاعرة الصادقة  جعلت عنصر التشويق والإثارة خافتاً،ويشبهها بنوَّاس يصر على ديناميكية الحركة في اتجاهات شتى دعماً لالتقاط أسئلة الحياة، واحتفاءً بهذا الجنس الأدبي الآسر وانتصاراً للإبداع.
القصة الإماراتية بين أبعاد الواقع وآفاق الـمستقبل:
     الباب الثاني من الكتاب معنون ب:«القصة الإماراتية أبعاد الواقع وآفاق المستقبل»،ونجد فيه مجموعة من الدراسات التي تتعرض لنماذج من القصص الإماراتية.
    المبحث الأول موسوم ب:«بعض ملامح الهم الاجتماعي في القصة الإماراتية»،وقد انتقى الباحث فيه مجموعة من العينات لمعالجة هذا الموضوع،فالكاتبة مريم جمعة فرج عكست هذا الموضوع من خلال الرموز والدلالات في حكايات أبرزت الواقع الاجتماعي،وما فيه من سلبيات،وإيجابيات،ومن أبرز المواضيع الاجتماعية التي  احتلت مساحة كبيرة في القصة الإماراتية موضوع:«السحر»،وذلك نظراً لما له من علاقة في الحياة الاجتماعية سواءً أكانت أسرية أم أخوية أم من خلال الصداقة والقرابة..،ويشير المؤلف إلى أنه لا تخلو مجموعة قصصية إلا وموضوع السحر يحتل مكانة في القصص والأحداث،ويُقدم عدة أمثلة على ذلك من بينها:قصص سلمى مطر سيف،ومريم جمعة فرج، وسعاد العريمي، وغيرهن.
ومن النماذج التي انتقاها الأستاذ هيثم الخواجة قصة «هاجر» حيث رسمت الكاتبة سلمى مطر شخصية رجل يهمل مظهره ونظافته،إلا أن الجنية«هاجر» تمكنت من تخليصه من وحدته،وضياعه، وتزوجته فتتغير حياته نحو السعادة،بيد أنها سعادة غير دائمة.
    ومن ذلك أيضاً قصة«استغاثة»لباسمة يونس، والتي عكست معاناة إنسانية مؤلمة تمثلت في عدم قدرة الزوجين على الإنجاب،مما دفع بالزوجة إلى قبول الشعوذة لكي تحقق حلم زوجها، ونظراً للآلام والشجن الذي سيطر على الزوج فقد اتجه نحو اللهو والسهر،وهكذا فإن عدم الإنجاب أثر في سلوك الزوجين معاً،وقد مزج الأديب محمد المرفي في قصة:«الدب الموسيقي»بين الواقعية السحرية، والواقعية الفنية التي تنزاح نحو الطبيعة،من حيث تصوير الشخصيات، وتنافرها، والحرص على التدقيق في وصف عناصر المكان، وحركة الزمان.
    وتوقفت القاصة ليلى أحمد عند الهم الاجتماعي بسبب غيرتها،وخوفها على المجتمع من أن يغرق في التقاليد البالية،فأدلت في قصة: «رائحة» بموقف صريح وواضح من كل الذين يهدفون إلى تشويه هوية وأصالة الوطن.
       وفي ختام هذا البحث خلص الأستاذ هيثم الخواجة إلى أن الهم الاجتماعي في القصة الإماراتية ارتبط«بالتطور الاجتماعي وحركة المتغيرات المؤثرة في الحياة والمستجدات المُتراكمة التي خلقت أفكاراً جديدة، وتوجهات جديدة، وهذا ما جعل المعالجة متعددة وذات خاصية تختلف من مبدع إلى آخر، وبالتالي ذات تفرد في المنهج والأسلوب،منها ما لامس العمق في المعالجة، ومنها ما ظل في فلك السطحية،وبالإجمال فإن كتّاب القصة ظلوا يغردون داخل السرب، كما استطاعوا حرق المسافات ،فوصلوا في فترة وجيزة،واستطاعوا مواكبة كتاب القصة في الوطن العربي»(8).
     وفي دراسته للبنية اللغوية لفن السرد،من خلال رواية: «السيف والزهرة»لعلي أبو الريش تحدث المؤلف في البدء عن الأدب الروائي في دولة الإمارات العربية المتحدة،وقال إن الحديث عنه مُغرٍ وممتع،وهذا يعود إلى جملة من الأسباب أهمها أنه :
«1-يرتبط بالبيئة ارتباطاً واضحاً.
2-لأنه فن حديث النشأة،إذ يتجاوز عمره أكثر من عقد ونيف.
3-لأن الذين أدلوا بدلائهم في هذا الفن أثبتوا جدارة وقدرة إبداعية تدفع القارئ إلى تثمين هذه الأعمال واحترامها،نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (دائماً في الليل)محمد عبيد غباش،(الاعتراف،نافذة الجنون،السيف والزهرة)علي أبو الريش،(جروح على جدار الزمن،ساحل الأبطال،عندما تستيقظ الأشجان)علي محمد راشد، (شاهنده)راشد عبد الله»(9).
     وفي رؤيته لرواية:«السيف والزهرة»للروائي علي أبو الريش، يشير المؤلف إلى أن السرد بدا مُنسجماً  مع البيئة الخليجية،كما اعتمد الكاتب على لغة فنية مُبسطة في متناول القارئ،واستطاعت اللغة أداء وظيفتها وخدمت المضمون،ورأى عند مقاربته للمجموعة القصصية:«آثارٌ على النافذة» للقاصة فاطمة محمد أن  لغة القص عندها جميلة وممتعة،وتتسم بالتركيز والإيجاز والابتعاد عن الحشو، والاستطراد، والإنشائية،فهي لغةُ القص الهادف والمُوحي التي تعتمد على الوصف في السرد القصصي، وتتسم بالاختصار الذي يؤدي الغرض،ويُبعد عن القارئ الملل،وفي نظر المؤلف أن قصصها متفاوتة في الجودة،غير أن الكثير من القصص في مجموعتها تؤكد إخلاصها لهذا الفن،كما تغلفت قصصها بالكثير من المعاني الفلسفية،ولاسيما تلك التي كُتبت بين:1993و1994م،وهذا ما زادها عُمقاً وجمالاً.
    وفي البحث الأخير الموسوم ب:«نحو تاريخ للقصة الإماراتية القصيرة» تحدث المؤلف عن الاهتمام النقدي الكبير الذي حظيت به القصة الإماراتية القصيرة،فنظمت العديد من الندوات، والمُلتقيات المُتخصصة، وعلى الرغم من هذا الاهتمام ،إلا أنه لم يحفل بالتأريخ لحركتها التاريخية نشأة وتأسيساً،ونهوضاً وتأصيلاً ،ومن وجهة نظره أن من أهم الكتب التي حاولت التأريخ للقصة الإماراتية كتاب الباحث الجزائري الدكتور الرشيد بوشعير:«مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية»،وكتاب: «فن القصيرة مقاربات أولى»للقاص السوري محيى الدين مينو.


عناصر النجاح في أدب الأطفال بالإمارات:
     في الباب الأخير توقف المؤلف مع مجموعة من العناصر التي ينبغي توفرها لإنجاح أدب الأطفال بالإمارات،كما ركز على مدى التزام الأدباء الذين يكتبون للطفل بها،وقد انطلق من الفكرة والموضوع،فلا بد من اتخاذ الحيطة والحذر عند انتقاء الموضوع فهو قاعدة  العمل الأدبي،وقد قدم الباحث عدة نماذج من الأدب الإماراتي،حيث عالجت قصة«واحة في خطر»لمحمد علي راشد موضوعاً يعد غاية في الأهمية، وهو ضرورة التعاون، والتضامن لدحر كيد المستبد أو المستعمر،ويتميز هذا الموضوع بعلاقته المباشرة بأوضاع الأمة العربية،غير أن الكاتب«حاول أن يدور في فلك الحكاية دون أن يستثير الطفل من خلال معالجة تحرك وجدان الطفل وتُسرِّع نبضه،فالجراد يهاجم القرية فيهب أهل القرية للقضاء عليه باستثناء سعيد الذي يظل سلبياً لاعتقاده بأن مزرعته بعيدة، ولا يمكن للجراد أن يصل إليها. كان في استطاعة الكاتب أن يثير الطفل من خلال أحداث تجعل سعيداً معذباً ضائعاً، أو من خلال خسارات تطال سعيد في حياته المادية والاجتماعية، وآماله،لكنه لم يفعل،ولعله وجد أن سرد الحكاية يكفي لكي يستمتع الطفل بالموضوع»(10).
      وفي قصة:«مسعود والتاجر الماكر»اختار علي محمد راشد موضوعاً إشكالياً نظراً لابتعاده عن المنطق من جهة،وصعوبة فهمه من قبل الأطفال من جهة أخرى،وفي قصة«عاشق البحر»لجويرية الخاجة فالموضوع يستثير الطفل،وذلك لحضور المغامرة، والأحلام، واتسام الحكاية بالتسلسل،كما أبرزت الأحداث قيماً مُهمة بالنسبة للطفل منها: الصدق والوفاء،والشجاعة والأمانة،وقد اختارت الكاتبة صفية إبراهيم القاسمي موضوعاً يتصل بأهمية فعل الخير والسلوك الحسن، وأكدت الكاتبة على أهمية العلم و العقل في توجيه القوة عندما يكون إطار الأخلاق ظلاً لهما.
    وفي العنصر الثاني تحدث المؤلف عن الواقعية،ورأى أنها عنصر لا بد منه، وما يقصده الباحث بالواقعية هي الواقعية الفنية، وذلك لأنها  تعرف الطفل بالسلبيات والإيجابيات ،وتُسهم في تأسيس وبناء شخصيته،وليس القصد منها جر الواقع، وانعكاسه على شخصية الطفل،بل المقصود هو جرعات من الواقع تنسجم، وتتوافق مع فهمه، وعقليته وقدراته.
     وبعد أن تساءل الأستاذ هيثم الخواجة عن كيفية معالجة كتّاب أدب الطفل بالإمارات للواقعية،قدم عدة نماذج مثل قصيدة:«أمل»للكاتبة هالة معتوق،وقصة «عاشق البحر» لجويرية الخاجة ، التي تحدثت عن عالم البحر الذي يعكس أثراً كبيراً على واقع مجتمع الإمارات.
     كما نجح القاص علي محمد راشد في قصة: «حكاية صالح الكندري»في نقل صورة متكاملة للواقع،وكذلك في قصة: «وجاءت ليلة العيد»فقد عكست مشهداً من مشاهد أهل الخليج في القديم،وسلطت الأضواء على حياة الطفل آنذاك.
     وعند معالجته لعنصر الصدق الفني رأى المؤلف أن الكثير من إنتاج كُتاب، وكاتبات أدب الأطفال في  الإمارات يتميز بالصدق الفني مثل كتابات:أسماء الزرعوني،وعبد الرضا السجواني،وهالة معتوق،وصفية إبراهيم القاسمي،وجويرية الخاجة، وعلي محمد راشد وغيرهم، وقد أشار في صدد حديثه عن الصدق  الفني إلى رواية علي محمد راشد: «رحلة إلى عالم مجهول»،وأشار إلى أن الكاتب في هذه الرواية لم ينجح كثيراً في خلق حياة متكاملة،إلا أنه كان صادقاً في توجهه،كما أنه استخدم أدوات من الواقع وذلك حتى يتماهى  الصدق الفني مع الصدق الواقعي.
    وبالنسبة إلى جماليات النص فالمؤلف يرى أن نصوص الشاعرة رهف المبارك  الموجهة للأطفال تميزت بالإمتاع والتشويق،وبدت عناصرها الفنية مكتملة، وفي نظره أنها أهم شواعر الإمارات اللواتي كتبن شعراً مُوجهاً للأطفال.
 وعند معالجته لعنصر المُتعة والإثارة رأى أنه لم يلق اهتماماً قوياً في إبداعات كتاب أدب الطفل في الإمارات،حيث يقول عن هذا الموضوع: «من خلال مراجعتي لإبداعات كُتّاب الأطفال في الإمارات وجدت أن الاهتمام بعنصر المتعة والإثارة ليس قوياً،ولعل ذلك يعود إلى أن الكاتب-أحياناً- ينسى نفسه أنه يكتب للصغار فيستمر في السرد دون أن يلتفت إلى ضرورة البحث عن المتعة والحركة والإثارة،لأن الطفل كثير الملل، ولا يستطيع  متابعة الأحداث لفترة طويلة،إذا لم تظلل إهابها المتعة، وتحوطها الإثارة،ففي قصة(عاشق البحر) لجويرية الخاجة تظهر المتعة والإثارة بشكل واضح بسبب المغامرة  والاعتماد على الذات،بينما تضعف عند صفية إبراهيم القاسمي في قصة(الشجاعة الحقيقية)،وكذلك في قصص علي محمد راشد،مع أن موضوعاته مؤهلة لإثارات كثيرة، ويمكن أن تمتع الطفل كونها تمنح من البيئة بشكل واضح،أما قصة عبد الرضا السجواني فإننا نرى أن عنصري المتعة والإثارة على الرغم من وجودهما فيها كان بإمكان الكاتب أن يرتقي بهما أكثر.
وبالإجمال فإن أكثر ما يكتب للأطفال لا يجوِّد بهذا العنصر الحيوي والضروري و لا يعطيه أهمية كبيرة،والذي يرى فيه الطفل نافذته للسرور والسعادة»(11).
  وقد لاحظ الباحث أن جويرية الخاجة،وهالة معتوق،وصفية إبراهيم  القاسمي في(عاشق البحر،وقطار ليلى-شعر، والشجاعة الحقيقية) تميزت تجربتهم بالنجاح في اختيار المعجم اللغوي الملائم للطفولة،في حين يلفي القارئ في قصص عبد الرضا السجواني، وعلي محمد راشد ألفاظاً  لا تُلائم الطفولة.
     وقد ختم المؤلف بحثه عن  عناصر النجاح في أدب الأطفال بالإمارات بقوله: «أدب الأطفال في الإمارات يبشر بالخير،إذا ما قيس إلى عمره الزمني،وأعتقد بأن القابل من الأيام سيفرز كتاباً وكاتبات في هذا الميدان يحققون درجات عالية،ويبقى القول إن كتاب وكاتبات أدب الأطفال الذين تصديت إلى كتاباتهم يمثلون الريادة، وهم ينتجون ويتقدمون من أفضل إلى أفضل»(12).
ولعل من أبرز النتائج التي خرج بها المؤلف من خلال كتابه هذا هي أن«الرواية الإماراتية-التي تشكل نصاً لغوياً سردياً يقوم النقاد بتفكيكه وإعادة تركيبه- لا تختلف عن الرواية العربية، وهي-نظراً لحداثة عمرها-تسعى إلى أن تجد مكانتها على الخريطة العربية،كما  أن القصة هي أرسخ قدماً، وقد حقق كتابها خطوات متقدمة..أما في الشعر فإن كتاب القصيدة الاتباعية ما زالوا يقرضون الشعر على الأوزان الخليلية، وإذا كان القسم الأكبر منه يعد نظماً،فإن قسماً آخر ما زال قادراً على إبداع  قصيدة تقليدية تستحق الثناء،ويحتل شعر الحداثة مكانة مرموقة بعد أن ظهر في الإمارات جيل استطاع أن يفهم بنيات هذا الشعر وكنهه، وأن يلج محرابه وثناياه فيبدع شعراً لا يقل أهمية عن أية قصيدة عربية حديثة في أنحاء الوطن العربي مع الإشارة إلى السمات الفردية للإبداع عند كل شاعر»(13).
الـهوامش:
(1) هيثم يحيى الخواجة:أطياف من الأدب الإماراتي-القصة والشعر-،إصدارات دائرة الثقافة والإعلام،حكومة الشارقة،2003م،ص:07 وما بعدها.
(2) هيثم يحيى الخواجة:أطياف من الأدب الإماراتي-القصة والشعر-،ص:09.
(3)هيثم يحيى الخواجة:المصدر نفسه،ص:33 وما بعدها.
(4)المصدر نفسه،ص:36.
(5)المصدر نفسه،ص:43.
(6)المصدر نفسه،ص:54 وما بعدها.
(7)المصدر نفسه،ص:114 وما بعدها.
(8)المصدر نفسه،ص:129.
(9)المصدر نفسه،ص:157.
(10)المصدر نفسه،ص:208.
(11)المصدر نفسه،ص:218 وما بعدها.
(12)المصدر نفسه،ص:222.
(13)المصدر نفسه،ص:08 وما بعدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق