الصفحات

2014/09/19

رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني.. بين الصراع الطبقي و فساد في هياكل السلطة بقلم: عبد القادر كعبان



رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني.. بين الصراع الطبقي و فساد في هياكل السلطة
بقلم: عبد القادر كعبان
هناك العديد من الأسماء الأدبية التي جعلت من الرواية مرآة عاكسة للعديد من الشخصيات التي تعيش وسط صراع طبقي، و هي بدورها شخصيات تعاني من الفساد المتفشي في هياكل السلطة و من بين هؤلاء الأديب المصري علاء الأسواني الذي قدم العديد من مثل هذه النماذج في أعماله القصصية و الروائية و نذكر على سبيل المثال روايته الموسومة "عمارة يعقوبيان" التي تحتوي على جملة كبيرة من التحولات الإحتماعية و الإقتصادية و السياسية و الدينية التي تتداخل فيما بينها لتحيك خيوط مستويات السرد بإمتياز.
إن الصورة الروائية إجمالا هي ذلك التعبير الجميل عن الذات في تفاعلها مع الواقع بأسلوب إيحائي يرتكز على المجاورة و المجاز، بمعنى آخر تكون الصورة الروائية طريقة أسلوبية في تصوير الواقع و تمثيله و تشخيصه و هذا ما يبدو جليا في هذه الرواية لعلاء الأسواني.
إذا تأملنا صورة العنوان "عمارة يعقوبيان" لاحظنا تركيبا إسميا يتخذ من المكان بؤرة لأحداث الرواية و قالبا للبناء السردي فيها حيث نرى نماذج عديدة  من الشرائح الإجتماعية داخل العمارة، الأغنياء منهم و الفقراء.
و عليه تنطلق هذه الرواية من مكان واحد ليكون مسرحا لتجارب عديدة سيكتشفها القارئ من خلال صفحات الرواية التي تعتبر مرآة عاكسة لأربعة قصص متشابكة الأحداث التي تحضر منذ البداية على لسان الراوي (الروائي علاء الأسواني) الذي يجعل من شخصية البطل "زكي بك الدسوقي" عنصرا أساسيا لترابط أجزاء الرواية أين تدور في فلكه جملة من الشخصيات. كما تقف الرواية أيضا أمام شخصية "الحاج محمد عزام" الثري صاحب أكبر الشركات في مصر و الذي كانت بدايته بمسح الأحذية في شارع سليمان باشا، و كذلك شخصية مثيرة للجدل و هي شخصية "حاتم حسن رشيد" الصحفي المشهور الشاذ جنسيا مع صديقه العسكري "عبد ربه الصعيدي". دون أن يفوت القارئ الملاحظ شخصية "طه الشاذلي" ابن البواب الذي يسكن سطح العمارة.
و على الرغم من واقعية الرواية، فهناك بعض الوجودية في شخصياتها التي تبحث عن كينونتها ووجودها وسط صراع طبقي يعكس العديد من الآفات الإجتماعية كالرشوة و الغش و فساد المؤسسات الكبرى و تجارة المخدرات.
و على مستوى صورة السارد، يختار الأسواني أن يشرك الراوي مع الشخصية المحورية في إنجاز الأحداث و هي شخصية المهندس الثري "زكي بك الدسوقي" حيث يقول الروائي:"... يسكن زكي بك الدسوقي ومكتبه في عمارة يعقوبيان لا تتعدى مائة متر لكنه يقطعها كل صباح في ساعة، إذ يكون عليه أن يحيي أصدقاءه في الشارع..."1. يمتد مدار حياة هذه الشخصية على امتداد خمسة و ستون سنة أين يعرف "زكي بك الدسوقي" بنرجسيته النسوية حيث يقبل على ممارسة الجنس مع الكثيرات كمدام سناء فانوس، رباب عاملة البار، دولت الدسوقي، بثينة،... ما يلاحظه القارئ هو ثقافة شخصية "زكي بك الدسوقي" من خلال استعماله لألفاظ فرنسية نظرا لدراسته في جامعة السوربون الفرنسية.
تظهر شخصية "الحاج محمد عزام" هي الأخرى لأول وهلة من خلال عملية وصفه حيث يقول عنه الراوي:"...لولا سنه المتقدم وأيام الشتاء التي تركت آثارها على سحنته لبدا الحاج كنجم سينمائي أو ملك..."2.
كان لهذه الشخصية علاقة قوية مع أحد رموز الفساد السياسي في مصر الباشا "كمال الفولي" و الذي يعتبر أحد أعضاء البرلمان لأكثر من ثلاثين سنة متصلة ورئيس أمانة التنظيم في الحزب القومي و المتحكم في الانتخابات، حيث يعمد الى ترشيح من يشاء مقابل مبالغ مبالية مدفوعة كرشوة حيث يقول الراوي على لسانه:"...الناس الساذجة فاهمين إننا بنزور الإنتخابات..أبدا..كل الحكاية إننا دارسين نفسية الشعب المصري كويس..المصريين ربنا خلقهم في ظل حكومة..."3.
ننتقل الى شخصية أثارت جدلا من خلال هذا العمل الروائي لأنها تتحدث عن اللواط كظاهرة في المجتمع المصري تتمثل في شخصية الصحفي "حاتم حسن رشيد" و يعود سبب هذا السلوك الانحرافي الى طفولته، حيث انشغل عنه والديه رجل القانون المشهور "حسن رشيد" و أمه "جانيت" ذات الأصول الفرنسية فلم يجد ملاذا للحب سوى من الخادم "ادريس" الذي كان يعمل بمنزلهم كسفرجي فعوضه عن مشاعر الحرمان بهذا الأسلوب الذي يدفعه الى دوامة الشذوذ الجنسي بشكل عام.
حياته عموما معروفة بالصخب حتى أنه كان يرتاد البار و هذا ما يظهره لنا الراوي منذ الوهلة الأولى حيث يقول:"...قبيل منتصف الليل انفتح باب البار، وظهر حاتم رشيد ومعه شاب أسمر في العشرينات ويرتدي ملابس بسيطة وشعره حليق على طريقة الجنود، كان الحاضرون قد سكروا وعلا صياحهم..."4.
تظهر الشخصية المحورية الرابعة "طه الشاذلي" و هو ابن بواب عمارة يعقوبيان كمايلي:"...ثمة ضوء صغير شاحب فوق السطح ينبعث من نافذة حجرة الشاذلي بواب العمارة، حيث كان ابنه الشاب طه قد قضى ليلته ساهراً من فرط القلق. أدى صلاة الفجر وركعتي السنة، ثم جلس بجلبابه الأبيض على السرير يقرأ في كتابه الدعاء المستجاب..."5.
لقد عرفت شخصية "طه" المعاناة من أثرياء العمارة، و كان طالبا متفوقا حلمه دخول كلية الشرطة لكنه ظل يعزف على أوتار ممزقة حيث رفضوه لا لشيء لأن والده مجرد بواب عمارة حيث يقول عنه الرواي:"...و ظل الشعور بالإهانة يسحقه سحقا..."6.
تتفاعل شخصية "طه الشاذلي" مع العديد من الشخصيات و نذكر على سبيل المثال شخصية "بثينة السيد" ابنة "محمد السيد" الذي قدم من الريف المصري ليعمل كمساعد طباخ في نادي السيارات لكن شاء القدر أن يموت و أصبحت هي الوحيدة التي تعيل عائلتها التي تعيش تحت ظلال الفقر الذي دفعها للعمل كسكرتيرة في مكتب أحد المحامين و مساعدة لحلاقة نساء و ممرضة مبتدئة. شبابها و جمالها أوقعها ضحية للتحرش الجنسي الذي دفعها هو الآخر لترك هذه الأعمال. لم تستطع "بثنية" أن تظل غارقة في بحر صمتها فقررت إخبار والدتها التي أجابت على لسان الراوي قائلة:"...البنت الشاطرة تحافظ على نفسها و شغلها..."7.
مخالب الفقر أوقعت "بثينة" في عالم الرذيلة مجبرة حيث عملت في محلات الأستاذ طلال السوري الذي استدرجها كغيرها الى  مخزن المحل في الشارع الآخر، و اعتصرها من الخلف ليسكت شهوته مقابل أن تأخذ منه في كل مرة عشرة جنيهات. حينما علم "طه" بما يجري لها طلب منها ترك هذا العمل فورا لكن الحاجة كانت أقوى منها فردت عليه:"...أعطني المائتين و الخمسين جنيه الذين أكسبهم من طلال و لك علي ألا أكشف وجهي على أحد غيرك..."8.
كما لا يفوت القارئ محطة مهمة من حياة "طه الشاذلي" وهي مشاركته الفعلية في احدى المظاهرات حيث تمكن من الهرب عندما بدأت قوات الأمن في القبض على الطلاب أمام السفارة الإسرائيلية.
يمارس هذا السارد الحاضر في القصة عدة وظائف مثل السرد والتنسيق بين الشخصيات والانتقال بينها بكل حرية لتوزيع لقطاته التصويرية، والشهادة على الأحداث وتبليغها للقارئ وإيصال أطروحته الواقعية بكل حمولاتها الإيديولوجية، ولاسيما أن هذه الرواية يمكن ادراجها ضمن التيار الواقعي الانتقادي.
تحضر صورة اللغة والأسلوب بكل طاقتها التعبيرية في الرواية، لأن الروائي علاء الأسواني ينوع في السجلات اللغوية فلا يكتفي باللغة السردية التقريرية المباشرة التي نجدها عند كتاب الرواية الواقعية الكلاسيكية مثل بلزاك وفلوبير و إميل زولا ونجيب محفوظ و غيرهم، بل يستعمل لغة شاعرية إنشائية قائمة على الإيحاء والانزياح والترميز. ويتعدى ذلك إلى توظيف لغة تناصية تستند إلى تشغيل المستنسخ والتضمين لخلق نصوص تتقاطع وتتناسل مع بعضها البعض. ويهجن هذا الروائي المبدع لغة الفصحى بلغة الواقع الشعبي بعاميته البسيطة للاقتراب من نثرية الواقع وطبقاته الدنيا لخلق تلاحم بين النخبة المثقفة والفئات الشعبية المقهورة داخل المجتمع المصري.
هوامش:
1.علاء الأسواني، عمارة يعقوبيان، مكتبة مدبولي، مصر القاهرة، ط9 2006، ص:09 .
2. المصدر نفسه ص 70.
3. المصدر نفسه ص 120.
4. المصدر نفسه ص 54.
5. المصدر نفسه ص 26-27 .
6. المصدر نفسه ص 87.
7. المصدر نفسه ص 62.
8. المصدر نفسه ص 68.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق