الصفحات

2015/01/03

المختارون والصفوة: عن المقاول والمثقف بقلم: د. علاء عبدالهادى

المختارون والصفوة: عن المقاول والمثقف
د. علاء عبدالهادى
 عانى ملف الثقافة المصرية ولا يزال- من إهمال جسيم, وضيق رؤية فادح, على مدى العقود الثلاثة الأخيرة, وكان همّ كل من تولى منصب وزارة الثقافة هو تحقيق الأثر المادي وليس التأثير المعرفي, فاهتموا بما يمكن أن تمثله الأرقام للناس, من عدد المباني, والمتاحف, والإصدارات, دون الاهتمام بما تفتقر إليه العقول والسلوكيات والأرواح, ولم يعوا أهمية الأثر الاجتماعي لإنفاق الدولة الثقافي. كنت ومازلت- ممن يرون أن أي ثورة ناجحة لا تكتمل دون ثورة ثقافية رديفة لها, ويأتي هذا المقال تأكيدًا لما أعتقد في وجوب توافره, والاهتمام به, حول ملف مصر الثقافي الشائك, وأهمية إعادة هيكلته, وتجديد رؤيته, وفلسفة عمله, والقائمين عليه ممن استُهلِكوا في «روتين» الأنظمة السابقة وفي أروقتها, وذلك لما للملف الثقافي من تأثير على مصر وأمنها. فغالبًا ما تسعى أي قيادة سياسية إلى المثقف الوطني المستقل, لا ليقول ما يحب أن تسمعه السلطة, ولكن ليعبر عما تحتاج إليه الثقافة لنفع الناس, في هذا السياق أعلنت الإذاعات المرئية والمسموعة مقابلة الرئيس السيسي مجموعة «مختارة!» من المثقفين, وهي المرة الثانية التي يقابل فيها الرئيس عددًا منهم, وأثار اللقاء بضعة أسئلة لدى طيف كبير من المثقفين من قبيل؛ كم ممن اختيروا للذهاب إلى الرئيس قد هرول من قبل -عبر أحد مقاولي الثقافة- للقاء الرئيس الأسبق مبارك؟ وكم من هؤلاء قد ذهب عبر المقاول نفسه وغيره- للقاء الرئيس الأسبق مرسي؟ وكم منهم قد قابل الرؤساء الأربعة؟ وما الرؤية التي قدموها حقًّا في هذه اللقاءت؟ وقد كان عددٌ منهم سببًا مباشرًا في المشكلات التي تعاني منها الثقافة المصرية اليوم! وما الذي قدموه غير ما أعلنوه بأنفسهم في مقالاتهم, وأثار جدل الشارع الثقافي والفكري المصري واستهجانه, ومازال يثيره حتى الآن؟ هذا المقال في حقيقته مجرد استجابة لاعتراض عدد مؤثر من المثقفين والمفكرين ورؤساء عدد من الجمعيات الأدبية والثقافية الكبرى على اللقاء, وشعورهم بأن الثقافة المصرية قد أهينت بهذه الاختيارات, خصوصًا أن عددًا لا بأس به من المختارين لا يمثل الواقع الثقافي المصري من قريب أو بعيد, فهل حان الوقت لكي تنصت القيادة السياسية لإنتلجنسيا ثقافية أخرى, لها «وعي نقدي» مختلف, لن يراها أحد في كل الأوقات, ومع كل الأنظمة! لأنها اكتفت بما استوت عليه من مدارج الفكر والثقافة والإبداع في مصر, ولأنها تمثل أهم جمعيات المجتمع المدني الثقافية, مثل الجمعية المصرية للأدب المقارن, والجمعية التاريخية, والجمعية الفلسفية, وجمعية الحلقة المصرية لدراسات النوع, والجمعية المصرية للنقد الأدبي, والجمعية المصرية للدراسات اليونانية, فضلاً عن أعضاء مهمين لم تتم دعوتهم من نقابة «اتحاد الكتاب», وغيرهم ممن يعبرون عن عدد مؤثر من الجمعيات الثقافية, والنقابات الفكرية, وما يطلق عليه مؤسسات المجتمع «المدني» في مصر. لقد أهمل من نظّم هذين اللقاءين الانتلجنسيا المصرية المحملة بوعي نقدي من »خارج الصندوق« كما يقولون, فجاءت اختياراته عشوائية تقوم على مزاجه الخاص, أوعلاقاته المباشرة بمن دعاهم! لكنها لا تمثل الأطياف الرئيسية والفاعلة في مشهد مصر الثقافي, فلم ينصت الرئيس ــ بسببه ــ لأصحاب خبرة قامت من واقع الاحتكاك المباشر بشئون المثقفين والمبدعين, الثقافية والخدمية, هذه الخبرة هي العنصر الوحيد الذي يمنح ما قد تقترحه هذه «الانتلجنسيا» من رؤى؛ مصداقيتَها, ونزاهتَها عن الغرض, وبعدَها العملي في آن, أتكلم عن قيادات ثقافية لا تسعى إلى تعيين في برلمان, ولا تطمع في منصب, أو وظيفة, ولا تتاجر, بل إن جلّ ما تسعى إليه هو أن تصل رؤيتها النقدية في الثقافة المصرية إلى قيادتها السياسية, ولسان حالها يقول على أحداث اللقائين السابقين «لقد كانوا المختارين, ولكنهم ليسوا الصفوة»! ونقصد بالصفوة هنا هذا القطاع من «الانتلجنسيا» القادر على طرح البديل الثقافي بوعي نقدي مختلف في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الثقافة المصرية, وهي أيضًا الفئة التي تمثل حَمَلَة الوعي النقدي, الذين سعوا -ولا يزالون- من أجل أن تستعيد مصر تاريخها الثقافي المجيد! وهو الفصيل الذي يدرك خطرَ أن ترى المؤسسة الرئاسية بعيون أنظمة سبقتها, أو أن يقوم على تنظيم هذه اللقاءات شخصيات حرقتها المراحل المتتابعة لفساد سياسي وثقافي في أروقة المؤسسات القديمة. تسببت هذه الاختيارات «ومنها اختيارات ثقافية سيئة, وكارثية» في احتقان الشارع الثقافي المصري, لم تكن المشكلة هنا مرتبطة بمقابلة الرئيس من عدمها, برغم كونها شرفًا دون شك لكل من يجتمع معهم من أصحاب الفكر والإبداع؛ لكنها ارتبطت بالضرر الناتج من حجب آراء تمثل جمعيات الثقافة والإبداع والفكر ومؤسساتها, فَمُنِعَ بذلك أيُّ طرح محمل ببدائل ثقافية جديدة قد تكون مزعجة لعدد من كبار موظفي الدولة, كما يكمن جزء آخر من المشكلة في رغبة هذه الانتلجنسيا النقدية في إيصال مقترحات جذرية ملموسة, وتصورات واضحة وحقيقية إلى القيادة السياسية عن واقع مصر الثقافي «هنا والآن», وعن مستقبلها, ويظل السؤال قائًما؛ هل هناك تعمد في استبعاد هذا الفصيل المهم من خريطة مصر الثقافية؟ وهل هناك قصدية لتجاهل صوته النقدي؟ وهو صوت كان من الضروري الإنصات له في هذه المرحلة بخاصة. من حق الرئيس أن يستمع في الشأن الثقافي لمن يريد, ومن حق مثقفين آخرين من قوس كبير متعدد الأجيال والإبداعات والأفكار, ممن يمثلون انتلجانسيا محملة بوعي نقدي بنّاء, وممن يملكون رؤية مختلفة عن الثقافة, أن يعترضوا, أو يطالبوا بضرورة أن تنصت قيادتهم الوطنية في هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر إلى مضمون رؤيتهم, دون تدخل قنوات مغلقة, أو حوائط عازلة, أو متعهدين في ذلك, كيلا يُعاد تكرارُ ما قام من علاقات تائهة أو «ديكورية» بين المثقفين والأنظمة السابقة, وهي علاقات شائهة كانت نتائجها المباشرة ما ندفع ثمنه الآن من ترهل ثقافي, وانحدار سلوكي فاضح, فضلاً عما نعانيه من إرهاب, وأمية ثقافية فادحة, وضحالة فكر! أمامنا رؤيتان أساسيتان في الثقافة المصرية دائمتا التصارع؛ تقوم الأولى على إبقاء الوضع الثقافي القائم بكل مشكلاته وعيوبه, وخطابه الإعلامي الوهميّ. المُحَمّل بكشف حساب رقمي عقيم يحافظ عبر تبرير الفشل المؤسسي، على المجالات التي يجني منها القائمون عليها فوائد مادية ورمزية مباشرة, فيضيع بذلك أيّ أثر اجتماعي لإنفاق الدولة الثقافي, وتستهدف الرؤية الثانية مستقبلاً تسعى إليه انتلجنسيا محملة بفكر نقدي مختلف- لا يدركه القائمون على الشأن الثقافي الحالي, بعد أن أصبحت وزارة الثقافة, وقياداتها, وعدد من هؤلاء المختارين, وسيلة مثلى «لتفريخ» المعارضة الثقافية! لقد كانوا جزءًا من مشكلة مصر الثقافية في نظام مبارك, ومن المحال أن يصبحوا الآن جزءًا من حلها, حتى لو أرادوا, فما وقر في وعيهم, وما استقرت عليه أساليبهم الإدارية على مدار سنوات طويلة من زيغ وتفريط, لن تترك لهم فرصة للخلاص, فهل تدعو مؤسسة الرئاسة إلى لقاء آخر مع فصيل ثقافي مختلف لم تنصت له الأنظمة المتعاقبة من قبل؟ وللكتابة بقية.. 
 http://www.ahram.org.eg/NewsQ/352066.aspx#.VKc-bdgywLM.facebook

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق