الصفحات

2015/01/10

لزوم ما يلزم ومنظومة ثنائيات ديوان "قبل العتمة بمتر" للشاعر مجدي عبد الرحيم بقلم: خالد جوده أحمد

لزوم ما يلزم ومنظومة ثنائيات ديوان "قبل العتمة بمتر" للشاعر مجدي عبد الرحيم
خالد جوده أحمد
-         تتآلف النواحي الشكلية لديوان (قبل العتمة بمتر) للشاعر مجدي عبد الرحيم مع الجوانب الموضوعية في بناء منظومة ثنائيات الديوان تنتصر لمجموعة من القيم تأتي في مقدمتها قيمة التواصل الإنساني، وقيمة المقاومة، وتقدم حكمة الحياة. حيث تتسم قصائد الديوان بالبساطة التعبيرية، وتقتنى الذات الشاعرة، مذهب الوضوح الأدبي، أو كما يشير الناقد المظلوم علي أدهم (أن وظيفة اللغة الإيضاح)، وتشكل الصورة الشعرية المركبة والحكى الشعري والقرب من الشائع ومفردات تفصيلية للواقع المعيش، استعاضة عن ملمح الغموض الفني "الملح"، إن إدراك الذات الشاعرة لمفتاحها الفني من التركيز وتماسك الفكرة وطرافتها جعل نصوصه قصيرة تصيب هدفها بشكل مباشر، فالشعر بصيرة وسبق وقدرة علي التلخيص والكشف وتقديم البرهان الساطع.
·       ويأتي الشكل الفني ممتزجاً ببنية الديوان الإبداعية، فالذات الشاعرة مشغولة بقضية الكتابة ذاتها وتعد محوراً رئيساً في رؤاها الشعرية، يقول في بوابة كبري للديوان، موضحاً عنصري خلطة الإبداع السحرية من موهبة وتعدين أدبي (الخبرة الأدبية): (الشعر .. / إحساس / مش رص كلام* .. / وخلاص)، فالكلمات (في ثنايئة الجسد / الروح) جسد لا تحيا إلا إذا ُوجد لها ما يلزم من الإحساس، روح العمل الفني وُمعطي الموهبة التي تحدثت عنها الكاتبة الأمريكية بيرل بك (بدون الموهبة يتقوض كل شيء)، وهذا الملمح حاضراً بقوة في أفق قصائد الديوان، يوضح تفاعل الشاعر مع قضية الكتابة وآلية التعاطي مع لحظة الإضاءة أو فكرة الإلهام التي يحياها الشاعر، والحرص البالغ علي تثمير تلك اللحظات الذهبية، ففي قصيدة (قصيدة جديدة لانج هاكتبها النهاردة)، نجد التعاطي مع مفردات هذا الموضوع الهام (لحظة الإضاءة) من خلال التعبير المجازي الشائع (عشان تتولد)، (قصيدتي .. / مؤلمة جداً / محتاجه صبر / معاناة / بشويش / وتخرج للنور)، تمنح أهمية إحسان الكاتب وبصيرته بالتعامل مع إبداعه، من حيث احتياجها إلي فترة اختمار وتنمية وعطاء نفسي كبير (قصيدة جديدة / ساكنه ضلوعى / سنين / تعبتنى / لحين طلوعها للحياة/ ومعاها الروح)، فهي جزء من شاعرها وفلذه كبده تخطو علي الأوراق، كما جاءت في التنويع التوضيحي (حيثيات أدبية) في باقي القصيدة، ونهاية القصيدة مفتوحة (ويمكن .. / ماكتبهاش) تدل علي أزمة البحث عن الكلمة التي تناظر مسئوليتها، يقول في ومضته الشعرية (غنوة للنسيان): (الكلمة زى طلقة / لو خرجت .. خلاص / تشق القلب شقة / أقوى من الرصاص)، لذلك تحيا الذات الشاعرة أزمتها في البحث عن النص الخالد (= الإحساس) من خلال تقنية التكرار (لم اكن أنتوى .. / لم اكن أنتوى .. / لم اكن أنتوى .. / أكتب شعر)، وتكرر هذا المعني في اكثر من قصيدة، (كل قصايد شعري .. / البور)، (مخنوق فى صدرى البوح)، وعن الإبداع في واقع بائس: (لما تموت المشاعر / ما ينفعش .. / أى كلام)، بما يدل علي أزمة الذات الشاعرة في البحث عن النص الذي يكافئ أحساسه. أما قصيدته (لما القصيدة تسكنى) فتعطي تقنية (الإطار)، فالذات الشاعرة هي الإطار الحاكم تسكن قصيدتها وتسكنها القصيدة وُتحاط بالقصيدة، ذلك جميعه في آن واحد، ونجد ملمح أنسنة القصيدة في ملمح عاطفي من المودة والرحمة، يقول: (ترتمي ف حضنى / وترد الباب)، حينها ينطلق الشعر ليسكن أفق الحياة وينيرها بالجمال والفعل، يقول: (ومش لازم .. / غنا الشاعر .. / وأوتاره / تكون مسجونة .. / في الدواوين)، ويتحقق معها التواصل مع القارئ (= الإنسان) في إطار الثنائية المتلازمة (القول / الفعل)، حيث (قول بلا عمل كشجرة بلا ثمر)، وحيث يدين الشاعر القول بلا فعل ناجز في أفق ديوانه، في أكثر من مقطع شعري. كما كانت الكتابة وسيلة أمان، في إطار الطب بالحروف، فاستعمل الشاعر القصيدة كمعادل موضوعي للدفْ في مقابل البرودة (= الشيئية المنتجة للوحشة)، يقول (قصايدى تسكنى / تجرى ف شراينى / الدفا يحاوطنى / يسرى فى الروح).
-         أما البراعة الأدبية، فتمثلت في مظاهر التشغيل المتعددة من التبويب والنحت للعناوين وتقابلها، والإتجاه إلي النص الأدبي القصير (الومضات الشعرية)، في (قصر القصيدة، قصر الكلام)، وجماعية القصائد، وصوغ حلقة الديوان، بحيث اكتسبت قصائد الديوان قيمة مضافة من تجاورها أكبر من بقائها مفردة، بتفعيل أسلوب المقاطع كطابع عام للديوان، امتد إلي القصائد بصفتها الفردية، باستخدام أكثر من وسيلة منها استعمال علامات الترقيم، والتقسيم بزمن السرد، والفجوات النصية.
-         والديوان قائم في تصميمه الإبداعي علي منظومة ثنائيات حاكمة، توجتها دلالياً الثنائية المجازية الإطار من النوع المتعارض في حدية (العتمة / النور)، والتي كشف عنها عنوان الديوان (قبل العتمة بمتر)، وهي صورة قائمة في نمطها البلاغي علي التجسيد بنقل المعنوي لمادي، وإضافة بعداً جغرافياً بمعني الدخول أو الولوج مما يعطي إحساس  الخوف من الظلم (= العتمة)، وله مدلوله الإستشرافي، إنها صيحة الشاعر للتحذير من  الخطر الوشيك والنفق المظلم الذي ُيوشك أن ننزلق إليه، وهو قريب جداً (علي مسافة متر واحد)، وله بعد سياسي واجتماعي بارع، ومفردة (العتمة) في غالبية صفحات الديوان، كما أتي العنوان العنوان كاملاً في المقطع الأخير من قصيدة (آخر مرة شفت قلبك)، وهذا المقطع بمفرده يصلح كومضة شعرية ناجزة وشارحة لقصدية الديوان: (فاكر آخر مرة .. / قابلت قلبك .. / من 6 سنين / وهو بيعدى / ع الناصية / وشاور لك / قبل ما يختفى .. / في العتمة بمتر / باى .. باى)، إن استعمال (باى .. باى)، (من 6 سنين) تفاصيل تعطي الإيهام بالواقع في قصة ومضة شعرية.
·       ونجد ان بالديوان نوعين من الثنائيات، النوع الأول: الثنائيات المتلازمة، أي لا يحقق أي حد من حدي الثنائية وظيفته وحقيقة كينونته، إلا بلزومه وامتزاجه بحده الثاني، ولا غني لكل منهما عن الآخر، منها ثنائية (الجسد / الروح = القلب)، فالجسد في أفق الديوان ممزق متعب، لأن روحه متعبة (بتحجل مش قادره توصل لراس الشارع)، لكن هناك أمل، فما زالت الروح بتعافر، وثنائية (البالونة / الهواء) في قصيدة (محتاجه .. شوية هوا)، وثنائية (الأبرة / الخيط) في قصيدة (تلضم إبرة)، كمعادل موضوعي لدفء التواصل الإنساني، والنوع الآخر من الثنائيات متعارضة، أي أن كل حد من حدي الثنائية نقيض وينتفي وجودة بتحقق الحد الآخر، وتلك يستخدمها الشاعر ليعبر بها عن منظومة القيم في المجتمع، من خلال توضيح موقفه الشعري من مقولات ومعاني شائعة، سواء بالإدانة والنفي للرتابة والآلية المنتجة للقسوة والوحشة لإفتقاد قيم التواصل الإنساني، والتأييد ومباركة لتلك القيم الودودة، من خلال مطلوباته الشعرية بتثمين قيمة المقاومة، وذروة سنامها قيمة الأمومة المورثة للقيم والتي احتل حنانها مساحة معتبرة من الديوان، ففي ومضة شعرية ممتعة فيها دالة اللفظة الحميمية، (بسمع صوت ملايكه / بتعدي في الأوضه / لحظة ما .. / أمي بتسأل / رجعت إمتى ياواد؟)، ونجد جمالية الإيقاع أيضاً في الصورة المركبة (آه ياما / على دى أيام / تتمرجح فيها الأحلام)، فيها البوح، والأحلام تم أنسنتها وهي مرحة بطبيعتها كطفل فيه براءة، في موقف لعب وسعادة، مع استعمال (آه) المتوجعه تنبئ عن المفارقة ليزيد من براعة الصورة المركبة.
-         ويقتني الشاعر بذلك المفهوم الإعلامي للأدب، باعتبار الأدب رسالة تعمل علي تشخيص المشكلات فنياً، فيوجعنا ويمتعنا في آن واحد، حتي ننهض للفعل المثمر وإصلاح الحياة، ونختم بنافذة الديوان المضيئة والخلاصة الناخزة في ثنائيات الديوان: (الخطوة .. مترددة / والسكة عتمة ضلام / وعينيكى .. متأكدة / جاى ف الطريق أحلام)، نأمل ذلك.
*هامش: تعبير "رص الكلام" وردت في تراثنا النقدي العربي بمقولة ابن خلدون حين تحدث (فإن لكل فن من الكلام أساليب تختص به وتوجد فيه علي أنحاء مختلفة)، ويقول شارحاً عن الشاعر: (ثم يتنتقي التراكيب الصحيحة عند العرب – وبعد قليل - فيرصها رصاَ كما يفعل البناء في القالب، او النساج في المنوال، حتي يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق