الصفحات

2015/03/22

حمار وبس... بقلم: أوباها حسين

حمار وبس...
 أوباها حسين

( يئس من حياته , ملّ البرسيم والشعير , تحمّل الضّرب والعمل في الحقل والسقي ..
ذات يوم استغلّ حريته النادرة ليتنزّه ويخفّف الغبن الذي دام طول حياته الماضية ...).
الحمار في نفسه : هذه هي الحياة , لا قمع ولا كدح ..
( تمتّع الحمار بيومه ركضا وتمرّغا على الأرض , تناول أعشابا جديدة المذاق , فكّر في تلك الحيوانات النّباتية ...).
الحمار : غريب أمرنا ...دجاج يأكل الحبوب وقطعا من الخضراوات ...والأرانب تتغذّى الجزر ...والحصان والبغل وأشباهي تتناول ما آكله ...تبّا للتكرار والعادات ..
( غضب الحمار وثار على نفسه التي هيمن عليها وضع مملّ ...استاء ...حقد...لعن دوره كحمار وأثناء توغّله في المنطقة ...رأى ثعلبا ينهش لحم دجاجة وخيشومه مطليّ بالدّم ..).
الحمار : يا سلام ...نمت الدّجاجة بالنّباتيات ليقتات الثعلب لحمها ...لا بأس ...سأقترب منه لأكلّمه ..
( اقترب الحمار فاجأه الثعلب بالمبادرة في الكلام ..).
الثعلب : ( يلوّك ما فضل من اللّقمة ) ما الأمر ؟
الحمار : أتعجّب منك...كيف يحلو لك أكل لحم مثل لحمك..
الثعلب : وما شأنك ؟!
الحمار : حالة تثير السؤال , ودفعتني لأستغرب منها ...
الثعلب : ألا تعلم أنّي من الحيوانات المفترسة ؟؟
الحمار : لا ...منذ وعيت وأنا أعيش في القرية لم أر مثل هذه الصورة ....
الثعلب :  خالي من المعلومات ..
الحمار : نعم ...
الثعلب : يعني حمار ...اسم على مسمّى ....
الحمار : هكذا نشأت ...
الثعلب : أتريد قطعة لحم من دجاجتي لتذوق شهيتي ..وتتعلّم قيمة اللّحم....
الحمار : يا لطيف ...أنا البرسيميّ آكل لحم الدّجاج !
الثعلب : جرّب ولا تخف ...المسألة بسيطة ولا تفوق دقائق قليلة ...كل ...إن لم تعجبك اللّحمة الفظها ولن تخسر شيئا ..
الحمار : أحقا ما تقول ؟!
الثعلب : أجل ....التجربة حقيقة تثبت العمل ...
الحمار : ضقت درعا بالتغذية الموروثة ...سأجرّب ...لم لا أغيّر طعم لساني ...
تقدّم الحمار من بقايا الدجاجة شفط بشفتيه الغليظتين قطعة صغيرة ...مضغها ..أعجبته فاستقامت أذناه فرحا بالشهيّة الجديدة ...
الثعلب : ما رأيك ؟؟
الحمار : هائل ...رائع ...قطعة صغيرة أمتع من كومة برسيم ...
الثعلب : إذا تتمنى تغيير فطرتك !
الحمار : لم لا ؟؟ أنوي الانتساب إلى المفترسين ...
الثعلب : هيّا ...اتبعني لأقدّمك وأعرّفك بجماعتنا الوحشية ...
استقبلته بحرارة ..أكرمته ...علّمته طرق الهجوم على الحيوانات المغذية لها ولصغارها ...ودرّبته على الأوقات المحدّدة وكيفية التربّص للانقضاض على الفريسة ....أعجب الحمار بالجوّ الذي بدّل حياته ورفع شأنه بين عظام الحيوانات ...وبعد أيّام قليلة أدنت له الجماعة ليرافقها ويشاركها عمليّات الصيد ..اندمج بينها وصار يجرى مثلها ويثب نحو الفريسة متسلّقا ظهرها أو عاضا جنبها يبذل جهودا لإظهار نجاعة الوحوش في حركاته...ويندفع جنبا إلى جنب بمحاذاة الأسد كي يثبت قوّة آكليّ اللحوم...وبعد سقوط الضحيّة....
الأسد : خسارة ...أنت حمار لا مخالب لك ...
الحمار : اعذرني ...ولكنّي أستعمل أسناني الغليظة القوية ...
الثعلب : لن نحرمك من هذه الهواية...
الحمار : شكرا , أشترط أن تسترا وجودي وتسرّا ماضيّ النّباتي ..
الأسد : اطمئن ...أصبحت واحدا منّا ...
الثعلب : ثق بنا ...نحن إخوة ...والمطلوب منك لا تنهق ..
الحمار : أنهق ! ...أنهق بصوت منكر !
الأسد : ولا تبتعد عنّا ....تفضّل ...كل نصيبك ..
الحمار : كرماء ...أوفياء....
أكل اللّحوم رفقة الوحوش بهمجية ونخوة ...أقام بينهم لينسلخ عن الحميرية وينسى البرسيم والركل ونغز الآدميين ظهره وجنبيه  ويرتاح من الحشرات اللّاسعة ...تعوّد العيش مع الجماعة الجديدة ...سمن الحمار وكنز لحما ...أثار شهيّة حيوانات لا تعرفه , تمنّت ابتعاده عن المجموعة التي تحميه ....حيوانات لم تعرف قصته وماضيه , لكنّها أسالت لعابها كلّما رأت حوافر الحمار الذي لا مخالب في قوائمه الأربعة , تساءلت عن سبب انضمامه للوحوش الضّارية ...
الثعلب : اسمع ...
الحمار : نعم ..
الثعلب : لا تخالف نصائحنا لتنجو من الغدر .....
الحمار : لن أفسد حياتي العصرية...
الثعلب :  احذر الحيوانات التي لا تعلم اتفاقنا ...
الحمار : شكلي يوجب الحذر ...بالأمس رأيت هناك بغلا سعيدا بمقامه ...
الثعلب : بغل !! هل تتخيّل أم تحلم ؟
الحمار : جعلتني أشكّ , لا عتاب على النظر .. ...
تبعت الأيّام مسارها والحمار يرى كلّ يوم ذلك البغل فاحتار بين كلام الثعلب وبصره الذي لا يخطأ ...نادى البغل , تبادل التحية ..
الحمار : ما غرضك من هذه المنطقة ؟
البغل : أتمتّع بحريتي وأريد الانضمام إليك...
الحمار : وأنا هنا حرّ , أشبع لحما بعد عمليات الصيد
البغل : لم آكل اللّحم في حياتي , لازلت أعلف البرسيم ذي الذّوق المكرّر..
الحمار : اللّحوم تختلف لذّتها  …متنوّعة...ولذيذة.
البغل : لا تكذب عليّ...وتغرّر شهوتي...!  ..
الحمار : جرّبت طعمها...وأغريك لتؤنسني ...اللّحوم شهيّة لا توصف ..
البغل : انسلخ عن تلك الجماعة المفترسة قبل أن تندم... واتبعني لتنعم بحياة نقيّة ...
الحمار : طلبت الانضمام ...فلماذا غيّرت موقفك ؟
البغل : خفت من أكلة اللّحوم...لحوم الحيوانات ولحوم البشر..
الحمار : لا تخف ...أسود , ثعالب , ضباع , نمور , بشر ...عندي سيان وأعداء  
البغل : معك الحق ...عرّفني بالجماعة وقدّمني للأسد وصديقك الثعلب  ...
الحمار : اتبعني لتشبع لحما لا يتمتّع به إلّا الكبار...
البغل : أودّ التحوّل ...هذه تجربة سأستفيد منها ..
الحمار : لنكوّن طاقمنا البرسيميّ فنصبح جماعة متطوّرة...
البغل : لنستقطب أشباهنا ....
وهكذا اندمج البغل والحمار في الجماعة  وشاركا في الهجوم على الحيوانات الضعيفة والمختارة لأنياب الوحوش ....دخلا الصراع بالأسنان وبقيت الحوافر خارج الصّيد ...وكانت فرحة الحمار كبيرة ولا حدود لها حين شاركه البغل مغامرته التي غيّرت حياتهما...
لم يفكّرا  ...انهمكا  في مضغ اللّحوم , إلى أن نسيا النصيحة والفطرة ...ذابا في الدّموية....وبعد ليلة مؤلمة بالخوف والنّدم استيقظ الحمار بالضرب ليعود إلى البرسيم وإلى دوره كحمار وحيد في حلمه ....


القنيطرة
المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق