الصفحات

2015/11/30

جائزة الشيخ زايد للكتاب تعلن القائمة الطويلة لفرعي "الترجمة" و"التنمية وبناء الدولة"

جائزة الشيخ زايد للكتاب تعلن القائمة الطويلة لفرعي "الترجمة" و"التنمية وبناء الدولة"
أبوظبي 30 نوفمبر 2015 - أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب اليوم عن القائمة الطويلة لفرعي "الترجمة " و" التنمية وبناء الدولة". واشتملت القائمة الطويلة لفرع الترجمة على 11 عملاً من أصل 109عملاً ينتمى مؤلفوها إلى 14 دولة عربية معظمها من مصر وتونس والسعودية ولبنان وسوريا. وشملت عناوين فرع الترجمة أحد عشر عملاً، انقسمت ما بين تراجم إلى العربية عن اللغة الإنجليزية وأعمال منقولة من وإلى اللغة الفرنسية بالإضافة الى أعمال مترجمة الى الإيطالية والألمانية. وقد ضمت التراجم من الإنجليزية سبعة أعمال، جاء ثلاثة منها من منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون و الآداب (سلسلة عالم المعرفة) وهي "هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية؟ اللغة الإنجليزية ومستقبل البحث العلمي" للمؤلف سكوت. ل. مونتغمري ترجمه إلى العربية الدكتور فؤاد عبدالمطلب من سوريا 2014، وكتاب "عصور نهضة أخرى: مدخل جديد إلى الأدب العالمي" للمؤلفة بريندا دين شيلدجن، ترجمه إلى العربية علاء الدين محمود من مصر 2014 و"أمّة من العباقرة : كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم" للمؤلفة أنجيلا سايناي، ترجمه إلى العربية طارق راشد عليان من مصر 2015. أمّا باقي الأعمال المنقولة عن الإنجليزية هي "معنى المعنى" من تأليف أوغدين وريتشاردز، ترجمه إلى العربية كيان أحمد حازم يحيى من العراق والصادر عن دار الكتاب الجديد- بيروت 2015، وكتاب "موت الناقد" من تأليف رونان ماكدونالد ترجمه إلى العربية فخري صالح من الأردن ومن منشورات المركز القومي للترجمة،القاهرة 2014، وكتاب "تاريخ مصر في العصور الوسطى" للمستشرق ستانلي لين بول، ترجمه إلى العربية أحمد سالم سالم من مصر والصادر عن الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 2015. أما الأعمال المترجمة من وإلى اللغة الفرنسية فضمت ثلاثة أعمال هي: ترجمة من اللغة العربية إلى الفرنسية للدفتر الثاني من دفاتر التدوين لجمال الغيطاني "دنى فتدلّى” ، ترجمه الفرنسي إيمانويل فارليه ، ومن منشورات ايديسيون دو سول - باريس 2014، وكتاب "أجمل قصة في تاريخ الفلسفة" للكاتب لوك فيري بالتعاون مع كلود كبلياي، ترجمه إلى العربية الكاتب والشاعر محمود بن جماعة من تونس والصادر عن دار التنوير للطباعة والنشر – تونس 2015، وكتاب "ظاهرة الحب: ستة تأملات" للمؤلف جان لوك ماريون ترجمه إلى العربية الدكتور يوسف تيبس من المغرب، ومن منشورات المنظمة العربية للترجمة – بيروت 2015. بالإضافة الى ترجمة من الإيطالية إلى العربية بعنوان "بيت الحكمة، الميتافيزيقا اليونانية و تشكيل الفلسفة العربية" لمؤلفته الباحثة كريستينا دانكونا، ترجمه إلى العربية الدكتور عصام مرجاني من المغرب ومن منشورات دار توبقال للنشر – الدار البيضاء 2014، وترجمة من الألمانية إلى العربية بعنوان "النظرية التقليدية والنظرية النقدية" للمؤلف ماكس هوركهايمر ترجمه إلى العربية الكاتب ناجي العونلي من تونس ومن منشورات الجمل – بيروت 2015. أما القائمة الطويلة في "فرع التنمية وبناء الدولة" فشملت ستة أعمال من أصل 138 عملاً ينتمى مؤلفوها إلى 14 دولة عربية معظمها من مصر والامارات والأردن والعراق والسعودية والمغرب, والأعمال في القائمة الطويلة هي: " السراب" للدكتور جمال سند السويدي والصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية – أبوظبي 2015، وكتاب "سوسيولوجيا العنف والإرهاب" للكاتب العراقي ابراهيم الحيدري ومن منشورات دار الساقي – بيروت 2015. بالإضافة إلى كتاب "أزمة الفكر العربي وأسئلة الميتافيزيقيا" للباحث المغربي الدكتور عزيز الحدادي ومن منشورات افريقيا الشرق – الدار البيضاء 2014. "فلسفة العلم الإجرائية : بين آينشتاين و برجمان" للدكتور مشهد العلاف من الولايات المتحدة الامريكية، من منشورات دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع – سوريا 2014، و "جدل الحضارات" للكاتب المصري السيد يسين والصادر عن المركز العربي للبحوث والدراسات – القاهرة 2015، و كتاب " القربان البديل : طقوس المصالحات الثأرية في جنوب مصر" للباحث المصري فتحي عبدالسميع، ومن منشورات الدار المصرية اللبنانية – القاهرة 2015، يذكر أنه تم الإعلان عن القوائم الطويلة للفروع "الفنون والدراسات النقدية" و" الآداب" و"أدب الطفل" و"المؤلف الشاب" خلال الأسابيع الماضية.

2015/11/29

"كِشْتِنْ" البطوسى بين خيال الأسطورة وحقيقة الإرادة الإنسانية بقلم: أ.د. صوفياعباس



"كِشْتِنْ" البطوسى
بين خيال الأسطورة وحقيقة الإرادة الإنسانية
أ.د. صوفياعباس
رئيس قسم المسرح ـ جامعة الإسكندرية
لن أنحو وأنا أكتب رؤيتي لرائعة عادل البطوسي الجديدة "كِشْتِنْ" نحو تقليديَّة فعل النقد الذي يبحث في العمل الإبداعي عن رموزه وإسقاطاته المعاصرة، فهو منحى يستوعب المعنى والدلالات المباشرة والواضحة في النص، غير أن القراءة في أعمال كاتب بقدر عادل البطوسي تبدو مختلفة في عين الناقد وتحتاج لدرجة من التأني للكشف عما وراء النص من قيم كبرى، هذا من ناحية، ثم التأني في تذوق ما يقدمه من تقنية في الكتابة من حيث الشكل والصياغة من ناحية أخرى ..
ومن أجل التأكيد على القيمة الأدبية للنص الذي بين أيدينا سعيت أن تتجه قراءتي لهذا العمل في إتجاهين أساسيين وإن كان النص يحمل ما هو أكثر وما يستوجب توفر الباحثين على دراسته والخروج منه بمزيد من القراءات النقدية ..
أول هذين الإتجاهين هو البحث في القيم الأبدية التي تبقى حية دوما مع حياة الإنسانية وثانيهما الغوص في عمق الكتابة الذي هو غوص بالضرورة في عقل من صنع فعل الكتابة، والتأمل في فعل تلك الملكة الربانية التي تمنح للمصطفين والتي تجعل من إنتاجهم أنواراً تضيء دروب الإبداع فتكتب لهذا الكاتب ولذاك النص الخلود في عالم المبدعين ..
لقد حمل النص قيمة العدل الذي بموجب تحقيقه وتفعيله يعتدل ميزان الوجود ودوما يكون المسؤول عن إقراره هو "الكبير" ومن أكبر من الإله ليحمل تلك المسؤولية؟ وما الذي يحدث من خلل عميق في الوجود الإنساني إن قرر الإله أن يتخلى عن مسؤوليته أو عجز عن السيطرة على إعتدال الميزان أو شارك في صنع هذا الخلل؟!
ومن ثم يأخذنا الكاتب إلى موقف وجودي لا يحسد عليه البشر ولا الآلهة حين يحاول البشر بأنفسهم وباستنهاض الإرادة الإنسانية إصلاح ما حدث من خلل وإعادة ميزان العدل؟ ما الذي يحدث حين يبدأ الصراع بين الآلهة والبشر، بين الناقص والكامل، بين الزائل والخالد، بين الضعيف والقوي؟!!
يفاجئنا الكاتب بمرارة الوضع ونحن نقف أمام هذا الكم من الأسئلة العبثية حول قيم الوجود ونحن نجد الناقص والزائل والضعيف في صراع غير متكافئ حين يسلب الإله حق البشر في الحياة ليمنح نفسه الخلود الذي هو من ثوابت الآلهة وربما تأتي فكرة موت الإله العبقرية من الكاتب بوصفها نوعا من زعزعة اليقين في قيمة الإله ذاته حين لم ينتهج نهجا إلاهيا في عظمته المطلقة وعطائه غير المحدود، حين تصاغر بكامل إرادته و طلب حق الحياة ممن يفترض أنه يتحكم في مقدرات حياتهم، فإذا الإنسان يبدو كما لو أنه يملك القدرة على العطاء أكثر من قدرة الإله ذاته ويكون هذا الإنسان هو المانح والواهب والمعطي وتتبدل الأدوار لكي تبدأ رحلة أكثر مرارة من ميل وانحراف في الميزان ويدخلنا البطوسي في مزيد من الخلخلة العقلية والوجدانية في قيمة ما ندين به من معتقدات حول الإله وعطاءاته لا سيما ونحن نرى أن فعل الإستلاب من قبل الإله قام على المكر والخديعة والخيانة والأنانية التي لا ينبغي أن تصدر عن الآلهة، وأن ضبط إيقاع الوجود لا يتحقق إلا من خلال رفض الإنسان للجور والظلم وتوسل كل الوسائل السلمية وغير السلمية في إعادة الحق لأصحابه من ذوات النفوس الكريمة التي تؤثر الآخرين على أنفسها وهذا الحق المستلب ليس حقا عاديا وإنما هو حق الحياة وحق الوجود ..
أما الاتجاه الثاني - والذي يهمني الوقوف عنده في نقد العمل الأدبي- فهو يتخذ من العمل الإبداعي ذاته مرتكزا والذي لا ينفصل بأي حال عن الكتابة عن الكاتب نفسه وعادل البطوسي له سمت ومذاق خاص في الكتابة ظهرت تجلياته في تفرده في الكتابة الشعرية الحديثة ذات الطابع الوجداني الذي يجعل القارئ لايلامس الأرض خفة وتحليقا فما أن تقرأ حتى تتصعد الروح إلى عوالمه العليا من خلال توظيف فريد للغة الكتابة فكأنه يضيف إلى كل مفردة كشفا جديدا لم تسبقه إليه معاجم ، فيطعم اللفظ باللفظ مرة يؤكده ومرة ينفيه ..
يقتحم هذا النص عالم الأسطورة بكل خيالها وعوالمها الميتافيزيقية في مقابل الإرادة الإنسانية بكل حقيقتها ووضوحها، ينفض عن الإنسانية ثوب الإستسلام والخضوع ويلبسها رداء القوة والثبات والتحكم مستخدما تقنية سليمة في الكتابة المسرحية الناصعة تتبدى في دقة وصف الملامح والانفعالات والحركة والسلوك بتمكن كاتب عالم ببواطن خطط الكتابة المسرحية وبإدراك لأن هذا الكلام لن يبقى طويلا رهين محبسه في الورق وإنما ستأتيه لحظة الخروج الكبير وحينذاك لن يملك أحد حبس قوته أو حتى ترويضها فتتلاقى قوة فعل الشخصية المسرحية عنده مع قوة لحظة الخروج المسرحي من الورق إلى الخشبة فيما يعرف بلحظة تحرير النص التي تتلاقى فيها ذات الممثل مع ذات المتلقي ويتحقق ما اتفق النقاد على تسميته بلحظة الإندهاش ..
وعلى الرغم من هذا التحليق الذي لازم الشعر المسرحي عند عادل البطوسي فإنه إستطاع بما يملك من تحكم في لغته أن يترجم به انفعالات الشخصية الإنسانية الواقعية فإن "كِشْتِنْ" تنوح شعرا وتحب شعرا وتتوَّعد شعرا وتنتقم شعرا وتناقش الفكرة شعرا وتتدفق الحكمة منها شعرا، لقد أحال البطوسي اللغة اليومية شعرا محتفظا في ذات الوقت للشعر بكل ماله من جلال ..
لقد إحترم البطوسى في هذه المونودراما الشعرية "كِشْتِنْ" خصائص المونودراما الثابتة بتقاليدها المتعارف عليها ولم يخرج فيها إلى جديد شكل كما فعل في تجاربه المونودرامية التجريبية الجريئة الأخرى (المزدوجة ـ الثلاثية ـ المركبة) التي يطمح من خلالها لتحديث الإطار المونودرامي وتطبيقاته، وبالرغم من ذلك إستبدل تحديث الشكل الفني بتحديث الجوهر من خلال توظيفه للأسطورة القديمة وطرح فكر جديد والدفع بها في خضم الإشارات والتحولات والإيحاءات المعاصرة من خلال إيمانه العميق بطاقة الإنسان على الفعل الإيجابي مهما بلغت التحديات حتى وإن كانت مع قوة الإله الأسطوري الذي يسقط من عليائه فيفعل ما يفعله البشر..
إن الآلهة ـ في النص ـ تمثل في فعلها ما أطلق عليه بعض النقاد "الآلهة البشرية"  أي الآلهة التي تنزل منازل البشر فيرتضون الإستفال على الإرتفاع والمحدود على المطلق ومادامت الفوارق الكبرى بين الإله والإنسان قد سقطت فقد وجد إذن مسوغ للصراع الذي تنتصر فيه إرادة الإنسان عل الإله الذي لم يحفظ لجوهره طبيعته المقدسة ..
من هذا المعنى تولدت "كِشْتِنْ" - نصا وشخصية –  وانطلق عادل البطوسي في تشابهات ومقاربات وتوصيفات لا يتسع المقام لنقلها ولا يجوز استقطاعها من سياقها في داخل النص الذي يخسر المرء كثيرا إن لم يقرأه ..!!!
د. صوفيا عباس
 رئيس قسم المسرح ـ جامعة الإسكندرية
(نقلا عن : جريدة مسرحنا القاهرية ـ العدد433 ـ 30 نوفمبر 2015م ـ ص :27)



الشّاعر الكعبي أحمد العمّاري بقلم: عبد الله لالي



الشّاعر الكعبي أحمد العمّاري
بقلم: عبد الله لالي
و تَـقــــــول لي قُــــــــمْ للصــــــلاة فـــرُبَّــمـــــا *طـلــــــع الـصـبـــــاحُ و أنت في أحْــــــــداقي
و اذكُــــرْ حـبـيـبـــي أحـمــــدَ الـمُـخــتـــــارَ في * مــا يَــعْــتَـــريـــك إذا دخــلْـــــتَ نِــطَــــــــاقي
فـــأنــــا أُدَاوي بـالـصـــــــلاة عـلـيــــــه مــــــا *  ألْــقـــــاهُ إنْ دارتْ كُــــــؤوسُ الـســـــــــــــاقي
........................................
أحمد العمّاري[1].
وكأنّ الصّلاة على النبيّ أحمدَ شفاء من داء السّهام الطائشة ، والنظرات القاتلة .. !!هكذا هُم شعراء المدرسة الكعبيّة ، ( يطوفون بالدّيار، ديار ليلى ) لكنّ قلوبهم تهفو أبدا إلى دار ( أحمد ).. فمحبّته دِفء ومأوىً حانٍ لكلّ مشرّد في طريق الهوى موجوع..
جاء الشاعر الفحل الوَلِه المتصوّف هوىً ، الكعبيّ مشربا وطريقةً ؛  أحمد العمّاري تاسعا في قراءاتي هذه عن غير قصد منّي ولا تدبير، ولا سعي لترتيب الشعراء وإنّما كتبنا حسب توفّر المادة المعرفيّة والمعلومات حول الشّاعر حتى نعطي صورة مقرّبة ولمحة لطيفة عن فرسان الكعبيّة المجلّين..
شاعر عَنَا له القريض وأرخى صهواته فهو يوجهه أنّى شاء ، يكتب على طريقة الفحول الأوّلين ، في لغة عالية وعبارة محكمة ، ولفظ متخيّر فخم.. ثمّ يكتب بلغة ( الحداثيين ) فيُشرق ويتألق. وقفت أمام شعره وكأنّي أمام جبل سامق، قد مدّ قامته في السّماء، يهفو إلى النجوم يغازلها أو يتخيّر منها ما شاء ليرصّع بها شعره.. وهو القائل مفاخرا وحُقّ له:  
تُحَـدِّقُ في أسـاطِـــيـرِ المـرايـــا
حَـدَاثِيَّ الـتَّـوَقُّعِ والْأُفُـولِ
وتكسـو كعبـةَ الأشعـارِ ليــلاً
ستائـرَ فُصِّلَـتْ زَمَـنَ الخليـلِ
فكر حداثيّ ( بالمعنى الإيجابي للحداثة ) يستشرف المستقبل بعين عصريّة يقظة، وهو مع ذلك يكتب الأشعار ويَسْطُرُها على نهج الخليل ( الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب علم العروض وصاحب كتاب العَين )، هو يكتب معاني عصريّة جديدة تمسّ الواقع الذي يعيشه، لكنّها في قوالب خليليّة حفاظا على قداسة الوزن والقافية ، اللّتين لا يكون الشعر بدونهما شعرا إلا إدّعاء ومكابرة..  
ويبيّن الشّاعر رسالة الكتابة عنده والغرض منها في وضوح وجلاء فيقول في مقطوعة بعنوان ( لمن أكتب ؟ ):
لمن أكتب ؟
إن الكـتـــابــــة بـــــدعــــةٌ أزلـيــــــةٌ  **    حَــيَــــويّــة وُلـــدَتْ مع الأحــيَــــاء
مـــا ظُـلّـلــتْ يــومـا بـسـقـــف إدارة **  أو أُشّــرَتْ بالخَـتْـــم و الإمــضــاء
نَــاءَ القــريضُ بـحَـمْـلهـا فـتَـقطعـتْ **  أوْداجُــــهُ بـمَــــذابــــح الإقـصــــاء .
وهو يشير بقوله ( بدعة أزليّة ) إلى ما جاء في الأثر عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:
" أول ما خلق القلم ، فأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة "
 فالكتابة وقول الشعر أمر قديم جدّا خُلق مع القلم، فهو متجذّر في نفس الإنسان، ولا يحتاج إلى من يعطيه شرعيّة الوجود من مؤسّسة رسميّة بأختام وإمضاء، فالشاعر بطبعه طائر حرّ يعشق الحريّة ويقدّسها، رغم ما يناله في كثير من الأحيان من إقصاء وتهميش..
ويحلّق أكثر في قصيدته ( هجرة الرّوح ) ويرفرف عاليا في الأفق السّني وذاك حين يقول:
فمَلأتُ من معناك كأسَ تَنَسُّكي *   أمحُـو بها ما كان من أوزاري
صَـرَعُ الهوى ما ذاقَـه إلا أنـا * ألما عــرفـتُ مُـدامَـةَ الأنــــوار
مَـسُّ الهوى ما خاطَ غيرَ عباءتي * ما فكَّ غـيـرُ جـنـونه أزراري
قلقٌ أنا لمّا تُـثـيـر خَـواَطـــري * قُـدْسية العـيْـنـيْـن في الأشعــار
سأمُـدُّ فـوق الروح أجنحة المُنى * مكلــومـةً لكـنْ سأبْـلـغ داري
و يَضُمّني بحرُ الـفَـنـا مَـتَـقـبّــلاً *   عُذري إذا أخطأتُ في إبحاري
و أنـام فـوق جَـديـلــة غجــريــة *  كالليل طـولاً، كالخرير الساري
بيني و بينك في الهوى أسطورةٌ *  أزلـيـة الـمـيــــلاد و الأطــــوار
لا يـسـتـجـيـب اللونُ إلا بـاحــثــا *  عن دهـشــة كَـبَــراءة الأسحار
يبقـى الهـديـل قصـيـدةً روحـيــةً *  لا تـسْـتَـحـمُّ بـبـرْكـة الأغيار
لا تـسـتـريح و لا تَـمُــرُّ بــوَرْدَة *  مـسْـجـونـة إلا بَكتْ بجـواري
هذه قصيدة موغلة في التّرقي بالرّوح وتطهير النّفس من أوضار الأرض، قصيدة أشبه ما تكون بوِرد صوفي، أو رُقية شرعيّة تجلو الدّخن عن القلب وتصقل الحواس فلا تترذّل في ملذّاتها الماديّة البحتة، شاعر كعبي بنكهة خاصّة وبصمة تميزه عن غيره بخاصيّتين اثنتين : القاموس الحداثي ، والإشارات الصوفية المبنيّة على أصل صحيح..
تقول عنه تهاني القواسمة - وهي باحثة في الأدب والشعر الصوفي من الأردن - تعليقا على قصيدته (واحة الدّفء ):
" يــا فــارس القصيــدة العربيــة.. ( إنّ من البيان لسحرا ) في كل قصائدك السابقة أسكرتنا بأبيات القصيدة وجرت الكلمات فينا جريان الماء في الماء.ولكنك هنا في ( واحة الدفء ) لا أظنك إلا قد تعاقدتَ مع ماردٍ من مردة شياطين الشعر.. لتسحر قلوبنا بالكلمات..  وكان لك ما أردت.
هنيئًا للمحبوبة حتى وإن كانت خيالاً بغزلك العذري الراقي. هنيئًا لك قلبك المحمدي الذي أراه قاتلك شوقًا إن لم تعانق روحك طيبة ، وتستحم ببخور من أقام و صرح المدينة ، أُكرِمتَ حبّه .. وإن الشكر قد وجب ".
ولفارس المدرسة الكعبيّة تخميسات[2] لطيفة عن المقاومة الشعبيّة وأخرى حول قصائد بعض الشعراء الأعلام، من أمثال أبي مدين شعيب الذي قال في قصيدته ( الخمرية ): 
تضيق بنا الدنيا إذا غبتم عنّا * * وتزهق بالأشواق أرواحنا منا
بعادكم موت وقربكم حـــــــيا * * وإن غبتم عنا ولو نفساً متنا
نموت إذا غبتم ونحيا بقربكم * * وإن جاءنا عنكم بشير اللقيا عشنا
Haut du formulaire
وقد قام الشاعر بتخميس مطلعها فقال:
سَلَوْتُـمْ و زدتُمْ فوق سَلْوَكُمُ مَـنّـا *  *  و بِـنْـتُـمْ و قلتُمْ إننا ـ قَطّ ما بِـنّـا ـ
رُويْـدَكمُ مهلا ألمْ تعلموا أنّـا    *   * تضيق بنا الدنيا إذا غبتُمُ عنا
و تزهق بالأشواق أرواحنا منا
كما قام بتخميس بيت يتيم كما يقول، طالما كان يردده عمر بن عبد العزيز ( خامس الخلفاء الرّاشدين ) وهو:
نفسي التي تملك الأشياءَ ذاهبةٌ  * *  فكيف آسَى على شيءٍ إذا ذهبا
فذيّله الشيخ المختار الكنتي[3] بقوله :
فامْـهَـدْ لنفسك قبل الموت صالحةً  * *  لا تَـدّخرْ عسجدا منها و لا ذَهَـبـا
فخمّس الشاعر أحمد العمّاري البيتين معا فقال:
كيف اتّـبَـعْـتُ الأماني و هي واهبَةٌ
ليَ المُـقَـدّرَ منها ثـم نــاهِـبـةٌ
مهما ملكْتُ و مهما الـنُّـوق ساهبةٌ
نفسي التي تملك الأشياءَ ذاهبةٌ
فكيف آسَى على شيء إذا ذهبا.
كما أنّ له قصيدة لطيفة في معارضة قصيدة البوصيري ( البردة ) في مدح الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، والتي مطلعها:
أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلم *  *   مزجتَ دمعاً جرى من مقلةٍ بدمِ.
وقصيدة الشاعر أحمد العمّاري بعنوان ( عذرا حبيبي ) ومما جاء فيها:
عُــــــذراً حـبـيـبي شَـتَــــاتُ الـفـكـر يُـرْهـقُـنـــــي * في فَـهْــــم مـعْـنــــاك والإكـثـــــارُ إقْـــــلَالُ
عُـــــذرا حـبـيـبي فَـدَمْـعُ الـشـــــــوق يـفـضحني * مهمـــا كـتـمْـتُ فـــــإن الـجـفــن سَـيَّـــــــال
عُـــــــذرا حــبــيــبي فــإن اللـــــــوم أتْـعَـبَـنــي * ولـيـــــــس لـي دون أن أهــــواك أعـمــــال
مـهـــــلاً وعـطــفــــــًا أقـلـنـي مـن حَـبَـائـلـهـا * قـــد حـاصـرَتْـني وأغْــــرَاهـا بيَ الـمـــــال
ولــم أردْ زهـــــرة الــدنـيــا وقـــــــد فَــتَــنَــتْ * قـبـــلي زُهَـيْـــــراً وكـعْـبـاً والأولى زالـــوا
ولـــــم يَــزالـــوا عَــبــيــداً أنـــــت سَـيّــدُهُـــمْ * وإنـنـي عـبـدُ مَــــنْ أهْــــوى كـمـا قـالــــــوا
تَـرَكْـتُ لـبْـنَـى لـقـيْــــــــس وهـــي تَـتْـبَـعُـنـي * ســـــرّاً وتـرْمـي شـبَـاكـاً هـكــــذا الـحـــال
أمــــــنْ تَـذكُّـــر جـيــرانـي صَـبَـــــوْتُ لـهــا * فـجـئـتُ مَـسْـرَحَـهــا بالـشـعـــــر أحْـتــــالBas du formulaire
فهذا شاعر فحل آخر بحقّ ، جرى في الحلبة فأَتعَب ولم يَتعب ولا يزال في صدره أنفاس وأنفاس دافئة، تخبئ مكنون الشعر وتخفي كنوزه الواعدة ، دخل ميدان المدرسة الكعبيّة وعلى كتفيه جلباب من محفوظ قصائد شعراء العصر الجاهلي والإسلامي ، وسطوة شعر ( الإمبرطور ) القائل:
أنا الذي نظـر الأعمـى إلـى أدبي *  * و أسمعت كلماتي مـن بـه صمـم
وقد تأثر بأمير المدرسة الكعبيّة ونهل من محفوظ شعره ، فهو يحفظ له كما يحفظ للمتنبي وعمرو بن كلثوم وغيرهما من كبار الشعراء، ونختم رحلتنا العجلى مع هذا الشاعر الكعبي الشامخ بكلمة قويّة له حول المدرسة الكعبيّة حين سألته عنها وأجاب:
" المدرسة الكعبية تفكير ينبثق من وجود موجة شعرية معينة تتسم بسمته و المعنى أنها ليست تنظيرا للشعر أو تقعيدا ؛ بقدر ما هي تيار شعري جارف و دافئ تنبثق منه المدرسة ".





[1] - أحمد العماري من مواليد 17/06/1978 بإينغر درس المراحل التعليمية الأولى بإينغر و عين صالح و سالي بآدرار ثم أكمل تعليمه العالي بولاية ورقلة إطار بمديرية الشباب و الرياضة لولاية تمنراست.
أسّس أول مجلة أدبية مجلة النبراس سنة 1995 يكتب الشعر الفصيح العمودي، صدر له ديوان شعري مشترك بعنوان ( صهوات الكلام ) وديوان آخر تحت الطبع، له كتابات في المسرح منها : الغصن الأخضر النقطة الأخيرة حديت لبنات أوبرا ( غزة و هان الزمن ) متفرقات أناشيد و مسرحيات للأطفال ،كتب في جميع الأغراض كالمديح النبوي و الغزل. له تخميسات على قصائد المقاومة الشعبية بإينغر للشيخين حمزة بن مالك وعبد الرحمن السكوبي بآقبلي رحمهما الله و تذييل لبعض قصائد الزهد و التصوف.( من ترجمة أرسل بها إليّ ).


[2]  - التخميس في الشعر هو أن يُعجَب الشاعر ببيت من الشعر فيضيف إليه ثلاثة أشطر من عنده، فيصير خمسة أشطر.
[3] - من علماء موريطانيا المشهورين وأعلامها البارزين عاش في القرن الثامن عشر الميلادي توفي عام 1811 م.